إلى الهادئ جدا : جبار كاظم
(*)
رواية قصيرة : حجمها 103 صفحة، منشورات دار المتوسط 2021.. هي رواية حب ومثل كل رواية قفلها مأساة ولا نعلم لماذا ترسخ هذا الشرط العاطفي : قيس وليلى، روميو وجوليت، وضاح اليمن وأم البنين، عمر بن أبي ربيعة ونهاية المأساوية (قصة حب مجوسية) عبد الرحمن منيف،(قصة حب) إريك سيغال، رواية (الموت حبا) بيار دوشين،
(*)
تبدأ الرواية بإصرار أنثوي : حامل مهددة تستقوي بمولود ذكر.. يحرر كرامتها من عنف مزدوج : مذّكر / مؤنث. المولود الذكر:
(سيغيّر الولد حياتي البائسة إلى الأبد) : شمولية التغيير النسوي
(يجبُ أن أُنجب ولداً كي أنجو بقدري) : النجاة الفردية للمرأة
(سأصبح السيّدة في بيتي) : الاستقلال العائلي
(أصبحتُ يتيمة وأنا أبنة ستة أشهر. ربتّني زوجة أبي وانتقمت من قدرها في جسدي وفي روحي) : الانتقام من القدر يتم من خلال كائن بريء هو أبنة الزوج
(دعوت الله كثيرا، ورجوتُ من سيدي عبد القادر الجيلاني أكثر أن يكون المولود ذكراً. إنّ ذلك سيعني أنّه سيكون لي دور، أنيّ سأوجد، أخيرا): التوسط لدى المطلق والترجي من النسبي المقّرب من المطلق بكراماته أن ترزق بالذكر الذي يلغي غيابها عن حياتها ويؤثل لها مكانة قديرة
وهذه المرأة التي جربت الزواج مرتين تشعر أن القانون خذلها وجعلها خادمة بمرسوم رسمي جائر ( إنه مؤلم أن تهجري أبناءك، بسبب ظلم القانون، وترعي أبناء امرأة أخرى، هم أيضا لا يقبلونك) وشمس مثل أمها في
(*)
تشطير الأصوات سرديا وترقيمها، له خصوبة تأويل بالتشطير، يتم تكميم الصوت المتفرد، وبالنسبة لترقيم الفصول يريح فعل القراءة وينقذها من ألتباس الفهم ونلاحظ أن الترقيم : يأخذ شكل الدائرة تبدأ الرواية برقم (2) وتنهي برقم (1) والترقيم يمحو الاسم ويثّبت صوتا باستثناء صوت (المعالج النفسي) فهو عنوان فرعي مثبّت في ص86 وهناك أصوات جوانية لا تُرى بعين القارئ ولا يسمعها شخوص الرواية، أصواتٌ تتدفق في الذات المجروحة للشخصية المحورية: شمس وهي لا تنقل لنا كلام الشخوص بل مثبت فقط في ملفها الصحي في المصحة (تسمع أصواتاً كثيرة تناديها منذ طفولتها، أصوات أشخاص وحيوانات وأمكنة، كما كتبت ذلك في مفكرتها ../ 102) وهكذا نكون أمام سرد محجوب عن القارئ
(*)
بسردٍ مثنوي تنحت شمس ذاتها المجّرحة: سرد القلم وسرد الفرشاة، ترسم نساءً عاريات كالحقيقة وتلوّن عذاباتهن بدكنة الألوان
(*)
الوصول إلى العقل البري المتجسد في تصفيح البنات، يصل إليه فعل القراءة، على مشارف نهاية الرواية وتحديدا في ص68 وكأن المكتوب عن التصفيح في قفا الكتاب: فاصل إعلاني لترويج البضاعة المطبوعة رواية ً وتأجيل تناول الموضوعة الروائية يأتي من باب تشويق القارئ كما هو الحال مع الروايات البوليسية
(*)
المتسبب بالتصفيح في الرواية ليس الأم ( أمها كانت مكسورة وخجِلة وكنت مستمتعا بالانتقام منهما): هكذا يخبرنا أبن ضرتها الأخ الفاسق غير الشقيق لشمس. وعلى قسوة الأم مع شمس فهي ترفض فعل التصفيح. وهذا الأخ الخنزير، من أبنة الجيران عرف التصفيح حين أخبرته (أنا لا يمكن لأيّ رجل أن يمسّني بسوء. يمكنني أن أستمتع بأي شيء مع أي رجل وأبقى عذراء) والتصفيح يتدفق بين نساء القرية كمياه جوفية سوداء (كل بنات القرية تقريبا مصفّحات، لكن الأمهات نادراً ما يبحن بذلك. طبعاً أنا أخبرك،لأني أحبك وأريد الزواج منك /70)
(*)
نذالة هذا الأخ غير الشقيق هي المتسببة في تدمير حياة شمس منذ يفاعتها حيث كان يرتكب(…) مع شمس وهذا المجرم يجب أن ينال القصاص. مرتين لتجاوزه على أنوثة أخته، ولتهديد أم شمس بضرورة قيامها لتصفيح ابنتها. وهناك نذل آخر راودها في طفولتها (كنت ُ في عمر السادسة أو السابعة، كان لي عمٌ يزورنا دوما يحكي لنا الخرافات يجلب لنا الحلوى والثياب. الحصّة الأكبر كانت لي، مقابل ألاّ أخبر أحدا بما يفعله معي. كان يلعق صدري ورقبتي، ويبدأ بالتّأوه أو يمرر يديه بين فخذي وعلى مؤخرتي…/ 88) من خلال نذالة الشخصين يتحول المنزل بيت عنكبوت (ويتحدد سكان العالم المنزلي بكونهم كائنات جنسية، إنهم يعرفون بواسطة أعضائهم الجنسية وليس بواسطة معتقداتهم. وهم لا يتمتّعون بالوحدة ويعانون من الانقسام إلى فئتين :الذكور الذين يمتلكون النفوذ والنساء اللائي يخضعن / 132/ فاطمة المرنيسي/ ما وراء الحجاب والجنس كهندسة اجتماعية/ ترجمة فاطمة الزهراء أزرويل/ المركز الثقافي العربي/ المغرب/ ط5/ 2005)
(*)
سؤال قراءتي هو: أين بقية العائلة من هذا الفعل الشائن الذي يفعله في بيتها؟ أين الأم وقسوتها؟ الأب وحرصه وانحيازه لأبنته شمس؟ الأخ غير الشقيق الفاسق ؟ الذي نعرف من سياق الرواية أن البيت الريفي لا يترك الضيف وحده ُ؟ والغريب أن تجاوزات هذا العم مقارنة بسفالة الأخ تهون!! وهاهي شمس تخبر المعالج النفسي: (لا أكرهه، لم أستطع ذلك، فقد كان سببا للفرح للحرية. خلاصي الوحيد من جبروت أخي./ 89) وهناك أيضا الذئب التربوي المعلم في المدرسة كان يضعها بين فخذيه .. كل هذه الكبائر تسببت في إصابتها بمرض فاجينيوم: تشنج المهبل: حالة نادرة متأتية من رفض الحياة الجنسية لأنها مؤلمة .. هذه الحالة النسوية في رواية (أتبعك إلى العتمة) تحيلني إلى كتاب (المرأة المخصية) للباحثة جيرمين غرير
(*)
التصفيح يكون على فخذيّ الفتاة وليس على مكان آخر، فبين ملتقى الفخذين، يتموضع: قدسُ أقداس الحياة، والتصفيح يتحصن بالرقم (7) على فخذ لحماية عذرية المرأة فهي الشرط الأوحد على صلاحية شرفها !! لكن هذه العذرية الآن يمكن تصنيعها بعملية تجميلية !! لكن هذا التجميل حصريا للأغنياء .
(*)
تعويذة التصفيح لا ينتهي مفعولها بالزواج، لا بد من تعويذة تكون مفتاحا لقفل التعويذة الأولى. وهذا يعني أن الدلو الذي يملكه الجهاز المفهومي للباحث النفسي لا يصل إلى قعر بئر ذات شمس، لذا يقترح على زوجها:
(عليك باصطحاب زوجتك إلى إحداهن.. اعرف سيدة عجوزا مختصة في هذه الحالات../77) ومشروطية شفائها على يد الحاجة فاطمة الحفيان: هي صفاء وصدق نية الزوج. وفاطمة امرأة لم تختر ذلك ولم تصنع هي نفسها بنفسها (كان أبي مَن أختار لي قدري /78) ونذرها أبوها لخدمة رجل آخر (كنت المولود العاشر. سمّوني فاطمة بنت الحفيان) والحفيان لم يتبق منه سوى ضريحه حين أطلقوا عليها اسمه ومن عجوز في مقام سيدي الحفيان تعلمت كل طقوس التشافي الغيبي
(*)
مفتاح المربوط، يتجسّد في التسمية التي تحملها المرأة ضمن المربع التسموي التالي (أنا أفك ُ رباط النساء،لأن اسمي فاطمة، وسميت كذلك على اسم العجوز التي علمتني، وهي سميت على اسم من سبقها./ 79)
والأسماء التي تتمكن من الربط والحل هي: زينب، عائشة، فاطمة، خديجة: نلاحظ أنها أسماء النسوة ضمن البيت المحمدي.
(*)
التُصفّح له وظيفة حزام العفة، وهو من مخترعات الرجل للتحكم بالمرأة
لكن مدى التحكم ينعكس على الرجل نفسه أيضا!! (من أجل شرف الرجال وعرّتهم على المرأة أن تُصفّح مثل داّبة أو سفينة. الرجال الذي اخترعوا هذا لحماية أنفسهم أوقعوا في الفخّ رجالا آخرين ليسوا إلاّ أبناءهم وأبناء أبنائهم ليصبح الوجع هو الميراث الحقيقي ../ 79) هذه التعويذة القافلة لأنوثة المرأة وفحولة الرجل، هي نتاج قطعية الأب أو فتور تواصله مع بناته، وفك التعويذة يكلف باهظا ليس من ناحية الأجور، بل معنويا وجنسيا
كما تخبرنا المرأة الساحرة (أن جنيّا سيتولى حراسة جسد تلك المرأة بعد أن أفك عقدتها وأن هذا الجنّيّ قد يتحول إلى عاشق، ويستولي على كامل الجسد. إن لم يحرم الزوجين من العلاقة السّويّة، فقد يحرمهما من إنجاب الأطفال/ 81)
(*)
الأب في الرواية هو الحيز الذي يؤنث الأسرة ويستضيء بأنوثة المولودة الجديدة، تلملم قراءتي أهمية الأبنة في عينيّ أبيها:
(حدسٌ غريب ٌ يخبرني أنّها بنت وأنها ستكون أكثر أبنائي رفقا وتعلقا بي)
(لا أحد يبقى، لا الأبناء ولا الآباء. ولكن أبنتي هذه ستكون العكّاز الذي سيساعدني على الوقوف دوما)
(إنها الزهرة الأخيرة في شجرة عمري وستجعل أيامي الأخيرة عطِرة)
(لستُ متأكداً إن كنت سأجعلها تُحب العالم، وتكون كائنا مرحا وهادئا)
(سآخذها بيدي حتى نهاية الطريق)
(لا أعرف لم كان أبي يحبها هكذا)
(لن أحدثها عن العتمة أو عن الموت أو السواد)
(حين حملتُها لأول مرة، كنتُ كما لو أني أحمل عمري الذي هرب مني ولم أعشه ُ كما ينبغي)
(لم أندم على شيء بعد أن نظرتُ في عينيها إلاّ على ما فاتني من عمر. فقد لا يُسعفني ما تبقى من حياة، لأحميَ هشاشتها من ذئاب العالم)
لكن الأم بمجرد أن ولدت رغم أنها كانت منهكة، مررت إصبعها بين فخذي المولودة وما أن عرفت أنها بنت دفعتها عنها ولم تشأ أن تقترب منها متعللة بأنها متعبة!! لانلمس هنا عداء المرأة للمرأة، بل صدمة التلقي لديها، فهذه الحامل كانت تنتظر مدداً ذكوريا
(*)
للبياض قيمته العالية في الرواية. المرأة أثناء مخاضها يغمرها البياض ويبشّرها بياض ثان (نمتُ أو هكذا تهيأ لي وسط البياض ووسط البياض ظهر لي شيخ يلبس برنسا أبيض /12) لكن شمس تخشى قسوة اللون الأبيض (تقترح مثلاً أن يستبدل باللون الأبيض الرّصاصي فتصبح الحياة أكثر واقعية /94)
(*)
زوج شمس سيتعلم مِن خلالها أبجدية الألوان وكنهها ونكهتها (لم أهتم يوماً بما ترتديه شريكتي. أما معها فالألوان استعادت معانيها وشغفها. شعرتُ أني مثار كما لم يحدث من قبل/ 54).. وشمس بدورها كانت محتاجة ً لزهوة الألوان من خلاله (كنتُ بحاجة إلى أجنحة وكان طيّاراً. كنت محتاجة إلى ألوان زاهية في حياتي وكان عاشقا/ 55)
(*)
جرح شمس: حبيبها الأول أيوب بعد تسع سنوات من الحب والزمالة تسع سنوات وهو لا يلعب إلاّ معها ولا يتشاجر إلاّ معها، وحين كتبت الرسالة الأولى والأخيرة له، لم يقرأها فاجأها بغيابه: سافر إلى الخارج كي يكمل دراسته ويحق لها أن تقول (كان رحيله الخيانة الكبرى في حياتي بعد موت أبي../56).. أن هذه الصدمة هي التي داست هشاشتها العاطفية وفعلّت قطعا روحيا لديها .
(*)
رسالة شمس رد على رسالة أيوب التي لم تقرأها، كما يخبرنا أخوها النذل وهو يفتش محفظتها، وهذا الأخ يخبرنا (كان هناك مغلّف رسالة مغلق. يبدو أن شمس لم تنتبه إليه../68) وحين يسرق المغلق ويفتحه يخبرنا (رسالة حب من طفل يدرس معها. يُخبرها في الرسالة أنه يُحبُها ويريدها أن تصبح زوجته عندما يكبران. وأنه أختار أن يكتب لها لأنه يخاف من ردّة فعلها).. الرسالتان عاطلتان لم يحرثها فعل قراءة المرسل إليه/ إليها، وهذا العطل المزدوج: يوحي لفعل استباقي في علاقة أيوب وشمس
(*)
أن القول العالم قرية: أكذوبة تقنية صدقّها الكل وباهل بها وعاملها نصراً على كل المستويات. لكن العقل البري فنّدها بتعاويذه وطلاسمه وتمكّن من تقفيل أنوثة المرأة. وبالطريقة البشعة هذه يكون انتصار النسق وتسقيط الذات الأنثوية