إنتحل الشيئ: إدّعاه لنفسه وهو لغيره
الإنتحالية ظاهرة واضحة في التراث الإنساني , ويمكن إكتشافها في كتب التراث المكتوبة باللغة العربية , وذلك بالقراءة العلمية الفاحصة لها , فعلى سبيل المثال تجد مئات الكتب منسوبة لشخص مشهور ومقروء , وعندما تحسبها وتقارنها بعمره , تكتشف أنه لكي يؤلف هذا العدد من الكتب الضخمة الحجم , أنه في كل شهر ينتهي من كتابين , وهذا غير ممكن في ذلك الزمان العسير الأدوات والإمكانات التقنية.
فتجدهم ينسبون للسيوطي (600) كتاب , وهو الذي جلس للتأليف في عمر ما بعد الأربعين , ويبدو أن النساخ يهمهم بيع كتبهم , ولهذا كانوا ينسبون للمشاهير كتب غيرهم لكي تجد لها مَن يشتريها.
وهذه الحالة ليست خاصة بكتب التراث العربية , وإنما عند باقي الأمم والشعوب أيضا , لأنها متصلة بالسلوك البشري العام.
ولا نزال نعاني من سلوك الإنتحال في واقعنا المعاصر , فتجدنا أمام العديد من الذين يدّعون أن هذا النص لهم وهو لغيرهم.
ولا توجد قوانين صارمة تحفظ الحقوق الفكرية والإبداعية لأصحابها , وإنما من السهل على العديد من المتطفلين الإستحواذ على إبداعات غيرهم , وترويجها على أنها من إنتاجهم.
ولا يوجد مبدع حر أصيل لم يتعرض لهذا العدوان السافر على ما ينشره في الصحف والمواقع , وتلك ظاهرة مستشرية في المجتمعات المبتلاة بفقدان القيم والمعايير ودور الدستور والقانون في حياتها.
ويبدو أن هذه الحالة قائمة في مجتمعاتنا منذ أجيال وأجيال , ولهذا تم إختراع التأريخ المزيف , وضخ الأجيال بالدجل والإفتراءات , وبالقصص المصنعة على قياسات الكراسي , ولخدمة سطوة وسلطة الحكام , والترويج الفتاك للرؤى والتصورات والإفتراءات على الدنيا والدين.
ومن أفظع النتائج المؤثرة في الواقع المعاصر ما مدسوس في التأريخ , والذي إكتسب القطعية والثبات بالتكرار والتعزيز المؤزر بنوايا الأشرار , الذين يستهدفون إرادة الأمة ومعاني وجودها المنير.
وعلينا وفقا لمقتضيات العصر أن نقرأ بعيون العلم ومناهجه , وأن نضع ما مدوَّن تحت أنوار العقل الفاحص , الذي يبحث عن الحقيقة ولا يتأثر بمعطيات الإنفعال والأحكام المسبقة.
فهل من صدق ووفاء وعقل فاعل في واقعنا المنهوك بالإنتحال؟!!