يذهب البعض بعيدا في المغالاة و الخوف من ضياع الحقوق و تغييت الهوية عندما تطرح عروبة شعب العراق بديلا عن المحاصصات و التوافقات ، رغم ان نصوصا واضحة في الدستورين الدائم و المؤقت تشير الى أن الشعب العراقي يتكون من قوميتين رئيسيتين هما العربية والكردية، مع ضمان الحقوق المشروعة للأقليات ضمن الوحدة العراقية، ما يعني أن الحديث عن الهيمنة و الشوفينيية لم يختمر الا في عقول المراهنين على تغييب الهوية الوطنية للعراق للفوز بملذات الحزب و القومية. رغم ما يحيط ذلك من تحديات بحكم عدم توازن القوى في المنطقة.
اليوم وبعد 10 سنوات عجاف تنكشف الحقائق عن ماراثون الأخذ و الرد و التسويقات غير البريئة ، التي رافقت تمرير ما يسمونه الدستور الدائم ، ضمن صفقة سياسية خطيرة استهدفت بالأساس هوية العراق قبل اي شيء أخر، لأن العرب يشكلون 82% من السكان و أن البناء على هذا التجانس يعني قهر الطائفية و العرقية و التوافقات و المحاصصات، لذلك دفع البعض بالغالي و النفيس من أجل تغيير قواعد اللعبة بالاستفادة من جهل سياسي في الحسابات، و خلاف غير منطقي على أساليب انهاء الاحتلال و مباركته في وقت واحد.
لقد توصل فرقاء ربع الساعة الأول و الأخير في النضوج السياسي الى معادلة جديدة بالاستفادة من هوية اللاعب البديل، أي الاحتلال، نقول لقد وظفوا الأستثناء لحرق الثوابت ، فاتفقوا على تسميات مشوهة من بينها ان شعب العراق هو جزء من الأمة العربية و كأن العراق اصبح مجموعة دول أو كيانات متصارعة على البقاء و النفوذ، بينما الصحيح أن العراق الواحد بتركيبته السكانية هو الخيار الأفضل لحفظ حقوق الجميع من خلال ارادة سياسية ناضجة لا مجموعات من مستثمري الظروف و العقود و الخلافات.
لقد وقع الفأس بالراس كما يقول العراقيون، لكن ذلك لا يعني القبول المطلق بالخطأ أو البناء على سوء التقدير، لأن الهدف كان و لايزال يكمن في تغييب التجانس العربي في العراق بوصفه نقطة الألتقاء الطبيعية عند مصلحة الوطن قبل غيره، فالعشائر تتوزع على جغرافيا الوطن بخصوصيات لا تستهدف وحدة البلاد و العباد بل على العكس، فيما المشروع البديل ” مدفوع الأجر” هو تفتيت الأخوة العراقية بكل ثمن، ليتحول العراق الى كردي و شيعي و سني، بالنقيض من المعادلة التاريخية المعروفة ” شيعة و سنة أو عربا و أكرادا” مع الأحترام التام لباقي أبناء الوطن
ولكي لا يستمر الخلل فانه قد حان وقت العودة الى عروبة شعب العراق و تقديمها كحل منطقي و ناجح لدحر كل مخططات الفتنة و التشرذم بأجندات حزبية و مصالح فئوية، حيث جرب العقلاء الحلول الترقيعية و المغامرات الشخصية فحصد الشعب رمالا متحركة تقض مضاجعه صباح مساء عبر مفخخات و مساومات و نهب منظم للموارد و الثروات، ما يجعل من العودة الى الثوابت خيارا استراتيجيا قادرا على عبور المحنة باقل الخسائر، لأن العروبة العراقية تؤلف بين القلوب و العقول لتهزم غيرها من بدائل كسب الوقت لحسابات شخصية ضيقة جدا.
سيقول البعض ان مجرد الدعوة لاحياء عروبة شعب العراق هي بداية لعهد جديد من التسلط و القمع و تغييب الحقوق على أساس الأغلبية العددية، وهذا راي مردود على اصحابه لأن شعب العراق العربي لم يعلن الحرب على أخوانه في الوطن ، لكن المزاج السياسي للحكومات فرض أولوياته بقوة السلاح الى يومنا الحاضر مع اختلاف العناوين، لذلك من العقلانية اعادة القراءة المتأنية لأفضل الحلول بعيدا عن المصلحة الفئوية أو غيرها من وصفات جاهزة و ضارة في نفس الوقت، لأن الأكراد مثلا سيجدون الأمان عند شعب عربي عراقي في دائرة التنافس الايراني التركي بالمنطقة، مثلما يكتشف الجميع أن العراق العربي هو الأكثر قدرة على حماية الحقوق و العقائد عندما تصلح النوايا .. و وحدة المواقف بين التركمان و العرب في الموصل و كركوك وديالى دليل على ذلك، كما ان اصرار شعبنا المسيحي على البقاء في بغداد يبعث الأمل بالنفوس من جديد، فنحن شعب يرفض الحسابات العددية في المواقف و التوجهات ، و ابتلاه الاحتلال بمزاجيات معكرة تكره الابتسامة و تعشق العقود و المال و الفساد بعيدا عن الولاء للوطن أو العشيرة!! هي دعوة لتصحيح المسارات لكي لا تذبح مسقبل أجيالنا طائفية الفاشلين!!
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]