يقول شارل بودلير. ((خيال الشاعر اشد المواهب علمية لأنه وحده يفهم التجانس الكوني)) فالمخيلة هي رحلة الشاعر الى العالم الآخر… عالم الغرابة والفرادة والانبهارالجميل تلك الرحلة العظيمة العميقة التي يتحدى فيها الشاعر نفسه ليبلغ التجاوز الحقيقي لعالمه الذي يحول الاشياء الى معادلات تحاور الخيال فتأسر الكون كله وتحيط بكل تعقيداته لتشمل التجربة الخلاقة شكلا ومضمونا وتفاعلا حقيقيا صادقا مع الحياة هي كما يقول ((ارشيبالد مكاليش)) تقفل الشكل الشعري على السماء والارض وتجعلهما يؤديان معنى يتلاشى عندما تنتهي القصيدة ولا يمكن استرجاعه الا بالعودة الى كلمات الشاعر ولا الى كلماته المستقلة بل الى كلماته ضمن القصيدة نفسها ..
هي اذاً الطاقة العظيمة التي لا يمكن ان يطلقها او يستوعبها الا شاعر مغامر يواكب احترامه لعملية الخلق الشعري في اتزان مبدع لمعادله الموضوعي عندما يتحول الى كائن اخر في تباين النسب الجديدة وتفاعل الاشياء في كتلها وسرعها لتكون النتيجة التحصيل الحاصل في رد الفعل الشعري للتجربة الخلاقة المتناهية في احساسها الجميل الذي يدورفي روحه السابحة في هذا الكون الواسع فيجعله قادرا ًعلى اكتشاف الحقائق العظيمة كما يراه مارسيل بروست ((ان يحلم الانسان حياته اعظم من ان يعيشها ))الحلم الشعري الجميل الذي ينأى بالشاعر بعيداالى مدن ومرافيء نائية وخرائط لامكنة مبهرة تغير من حالتنا المنطقية الصعبة …فالخيال وحده هو الحقيقة ….اجل فالخيال وحده هوالحقيقة …((فنحن الشعراء نصارع اللاوجود لنجبره على ان يمنحنا وجودا اكيدا…ونقرع الصمت لتجيبنا الموسيقى …ولأننا نأسر المساحات التي لا حد لها في قدم مربع من الورق …نسكب طوفانا من القلب بقدر بوصة …وهذا مقطع من نص لشاعر صيني قديم توفي 303م وهي قصيدة نثرية مطولة تحدث فيها الشاعر عن الشعروحالته الشعورية الخالصة وليس مجال للشك هنا انه كان يعني في كل مدلولات استعارته تلك وجمله المتزاوجة التي تبوح اكثر مما تتحدث …
فالتخيل حينما نمارسه ابداعاً اونتفاعل فيه يزيد من حريتنا ويطلق عنان تواصلنا في اتجاهاتها المتعددة ومساراتها الغريبه وغير المعهودة كي نرسم كوناً خاصا بنا نتألق به في ذلك التوازن والانسجام والقوة السحرية المؤلفة ((التي تطلق روح الانسان جميعها الى النشاط الحي …)) تلك القوة التي لااسميها الا الخيال وحده …وهي قو يملكها الشعراء في قصائدهم فقط ولا تكشف الا من خلالها كما يقول ((كولريدج)) في توازن الصفات المتنافرة واشاعة الانسجام بينها هما الخاصيتان اللتان تكشف هذه القوة نفسها …