“على العدل… أن يتوفر.. بجميع الظروف !!!”
الفكرة الأخلاقية للعدالة، هي واحدة من الأفكار الرئيسة التي تحكم العلاقات الإنسانية، وأن العدالة هي “الفضيلة الأولى للمؤسسة الاجتماعية،” وهذا التقييم تقليدي للثقافة، وإن فكرة العدالة ذات أهمية دائمة للممارسة الطبية… فمن ناحية ترتبط مباشرة بنظام الضمانات القانونية للدول، في مجال حماية صحة المواطنين ، وتتداخل وتمزج مع فكرة حق الإنسان في الحياة.. ومن ناحية أخرى هي أساس الثقافة الأخلاقية للطبيب والممرض، والرحمة والطيبة والموقف الإنساني تجاه المريض، بغض النظر عن وضعه الاقتصادي ووضعه الاجتماعي والعرقي والديني.. وإن مسألة كيفية حماية صحة المواطنين في البلاد، ليست مسؤولية المجتمع الطبي فقط، انما ترتبط بعدد من العوامل الموضوعية التي تحدد بحد كبير موقف المجتمع الطبي نفسه، ويشمل ذلك شكل الحكومة، والسمات التاريخية، والتقاليد الأخلاقية والأيديولوجية لمجتمع أو دولة ما، ومستوى تنميتها الاقتصادية، وما إلى ذلك.
كما وتتعايش أشكال تنظيم الرعاية الطبية في الثقافة الحديثة، مع الطب المدفوع _ أي الخاص_، والتأمين الطبي الطوعي _الخاص والتجاري_، والتأمين الطبي الإلزامي الشامل، ونظام الرعاية الصحية للدولة الوطنية، ولا تتضمن مهامنا تحليلاً مفصلاً لمبادئ عملهم، ومقارنة لفعاليتهم وكفاءتهم، وهذه مشكلة لمتخصصي الرعاية الصحية، ففي مجال اهتمامنا هي الفكرة الأخلاقية للعدالة ومعانيها المختلفة، وعلاقتها التنظيمية مع العمليات في مجال الرعاية الصحية الحديثة، ويعد أحد المعايير الحديثة لتقييم رفاهية المجتمع أو الدولة، هو ما إذا كان قادرًا وبأي طريقة لحماية صحة مواطنيه، ويرتبط مبدأ الإنصاف في الرعاية الصحية اليوم، ارتباطًا مباشرًا بحق الإنسان في الحماية الصحية في إطار الصحة الاجتماعية ، من ناحية ومن ناحية أخرى، هو الأساس لتقييم المستوى المحقق من الحماية الاجتماعية لشخص ما في هذا المجتمع في مجال الرعاية الصحية. وقد اظهر تاريخ القرن العشرين والعقدين الاول والثاني من القرن الواحد والعشرين، أن الاتجاه الثابت هو ازدحام الطب بأجر مع أنظمة التأمين الطبي الإجباري والرعاية الصحية للدولة الوطنية، واكتشاف الفكرة الأخلاقية للعدالة، بعد اختراقها لمجال الرعاية الصحية، غير ان الدول المتقدمة عملت على ايجاد وتوفير التأمين الصحي لمواطنيها، كما ان من المرجح سعي ومحاولة البلدان النامية، على توفير التأمين الصحي الإلزامي الشامل، القائم على الإدارة العامة، ومع ذلك يجب ألا تحجب هذه العمليات غموض وتعقيد حل مشكلة الإنصاف في الرعاية الصحية.
فمنذ فترة طويلة أصبح بديهياً في آداب مهنة الطب، الإخلاص لممثلي الطب بواجبهم المهني تجاه المرضى، بغض النظر عن وضعهم الاقتصادي، أو جنسهم، أو عرقهم، أو وضعهم الاجتماعي، أو طبيعة المرض، أو معتقداتهم الدينية والسياسية، أو احساسهم الشخصي تجاههم، وإن الدعوات المستمرة للطبيب لكي يكون عادلاً وإنسانيًا تجاه المريض، تعيد إنتاج الحقيقة غير المتغيرة لعدم وجود المساواة بين الشخص السليم والمريض. وتاريخياً، كان أول شكل من أشكال تنظيم الرعاية الطبية، هو نظام الطب المدفوع أي الخاص، وفي هذا النظام، تعتبر الرعاية الطبية امتيازاً لشرائح المجتمع، القادرة على الدفع مقابل الخدمات الطبية، ولا يتوافق هذا النموذج مع فهم العدالة، على أنها مكافأة “الأفضل” بـ “الأفضل”، وبالفعل ففي الحضارة القديمة، كان من الواضح أن كل سلطة تسن القوانين وفقًا لفوائدها وتعلنها عادلة، ونظرا إلى الأساس الموضوعي لهذه العدالة، كتب ارسطو : “الحياة نفسها … تعلن أنها غير عادلة… وعندما يكون الأفضل أعلى من الأسوأ، والأقوى أعلى من الضعيف… فمن الواضح أن علامة العدل هي.. الأمر بيد القوي، والوقوف فوق الضعيف !!!”