الأشياء تتوالد , فالفكرة تلد أفكارا , والسلوك ينجب سلوكا , والحرب تلد حربا , وما يتحقق فوق التراب مولود من رحم حالة فوقه.
فلا شيئ يولد من لا شيئ , وإنما لابد من بذرة أو نطفة أو قدحة لإطلاقه.
والنار تصنعها شرارة , والحرب تذكيها رصاصة أججت الحرب العالمية الأولى.
والسياسات الهمجية تلد همجا , والمتطرفة تطرفا , والعدوانية أعداءً , والصديقة أصدقاءّ , والوحشية وحوشا , فكل موجودٍ في وطن من صنع سياساته , وجَودة المصنوع تتوافق مع جَودة السلوك , فالخبيث يلد خبيثا , والطيب طيبا.
وهذه سُنة التفاعلات الأرضية منذ الأزل وستمضي للأبد , وما تغيّرت أو تبدلت معايير سلوكها وموازين نتائجها ومعطياتها.
فالسياسات الإقصائية العدوانية الإنتقامية الجائرة المنفعلة الهوجاء العمياء , التي تحققت في بعض المجتمعات أنجبت حالات أشد منها تعبيرا عن خُلق سياساتها العليلة , المشحونة بالسوء والبغضاء والحَمق المبين.
فالكراسي البغضاوية أوجد توحّشا شرسا يتوافق مع ما أطلقته , وأسست له في متواليات سلوكها السقيم , المشحون بالأحقاد وآليات تصفيات حسابات القرون.
وبعد أن وقعت الواقعة وفار التنور , راح السيّئون الذين أنجبوا أسوأ المساوئ , يتعللون ويتذرعون ويبررون , ويُسقطون على الآخرين خَرَقَهم وسَفَههم ويسوّغون لأنفسهم التمادي بالسوء , وممارسة الشرور السوداء.
ووفقا لهذه الدائرة المُفرغة والمُتوالية المُغلقة , دمّروا بلدانهم وفتكوا بشعوبهم , فهجّروها وعذبوها ونكلوا بها وقهروها , وهم يتّكلون على الآخرين من ذوي المصالح المكتومة والمعلومة , الذين يُسخّرونهم لتحقيق أهدافهم المرسومة.
فتلك مجتمعات أبتليت بأقبح الكراسي وأفظع المآسي , فتحطم عمود خيمتها الوطنية , وتفتت لحمة مجتمعها , وتهاوت منكوبة بسيئات القابضين على مصيرها , الرافعين لرايات دينهم هواهم , والساعين نحو الفساد والإفساد , والذين يصوّرون للناس أن دينهم هو الدين القويم , وحكمهم مثال الحكم السليم , وكل معارض لهم شيطان رجيم.
فلماذا تُلام مجتمعات أخرى على إنتشار بضاعة فاسدة تم تصنيعها بآلة الكراسي المغرضة , من مادة السفه والسوء والفساد ونوازع سفك الدماء ومحق البشر , على أنه رقم من الأرقام المركونة على يسار الكرسي العتيد؟!
ومتى سيتحقق إدراك أن الهمجية تلد همجا , والعدوان عدوانا والسوء سوءا والطيب طيبا , يا أصحاب الكراسي وصنّاع المآسي , فأقوالكم هراء وأفعالكم بلاء البلاء؟!!!