كاميران بدرخان والعلاقة مع الوكالة اليهودية
في سنة1974م صدر ل إلياهو إيلات (أبشتاين) كتاب (جلوس صهيون والعرب)، وفي نهاية سنة1978م صدر ل (إلياهو ساسون) كتاب ( الطريق الى السلام)، والاثنان كانا عضوين في الشعبة السياسية للوكالة اليهودية، وقد تطرقا فيها الى مجمل لقاءاتهما بالشخصيات العربية وغير العربية في لبنان وسوريا قبل إنشاء الدولة العبرية عام1948م، لاسيما وأن الياهو ساسون كان مبعوثاً للاستيطان اليهودي الى عرب فلسطين والدول المجاورة. وقد دَرسها وعلق عليها الباحث البناني (بدر الحاج) في كتابه (الجذور التاريخية للمشروع الصهيوني في لبنان – قراءة في مذكرات الياهو ساسون وإلياهو إيلات)، يبدو أنه درس فقط المذكرات التي تهم لبنان فقط، جاء في مقدمتها:” … لقد أثبتت الاحداث الدامية المتتالية التي شهدها المشرق العربي بأن المجتمع الفسيفسائي هو مخبر جيد إستغلته الى أبعد حد القوى الامبريالية لترسيخ أنظمة الملل والطوائف على أساس الهوية القومية والتركيز على الهوية المذهبية أو العرقية، وبذلك أصبح المشرق العربي ككل، عبارة عن مجموعة من الدويلات والأقليات المتناحرة المتناقضة المرتبطة بتحالفات خارجية ترى أن مصلحتها فقط في الارتباط بالخارج والصدام مع المنافسين في الداخل وانتظار الفرصة المناسبة لإقامة الكيانات المستقلة. وقد ركزت الحركة الصهيونية على هذا الوضع”.
وفي عام 1994م قامت الباحثة اليهودية (لورا أيزنبرغ) بالاطّلاع على أرشيف الوكالة اليهودية، وأرشيف أول رئيس لدولة إسرائيل حاييم وايزمان(1874-1952م)، وأرشيف أول رئيس وزراء اسرائيلي ديفيد بن غوريون( 1886-1973م)، وأرشيف منظمة الهاغانا، والجامعة العبرية في القدس وغيرها من الرسائل والمستندات، بالإضافة إلى المراسلات التي بعث بها المراسلون للوكالة اليهودية من بيروت في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين، والتي تذيع المناقشات التي أجراها هؤلاء المراسلون مع مختلف المسؤولين والرتب السياسية والدينية اللبنانية، وفيها الاقتراحات والعروض التي تقدموا بها للوكالة والمسؤولين في قيادة اليهود المهاجرين إلى فلسطين، لإقامة علاقات صداقة معهم. ثم قدّمت المعلومات في كتاب هام تحت عنوان: (لبنان في مخيلة الصهيونيين الأوائل، عدوّ عدوّي)، والذي اطّلعنا منه على ملفات الوكالة اليهودية وغيرها. هذا الكتاب ممنوع دخوله إلى لبنان بقرار من الأمن العام اللبناني، لأنه يفضح اتصالات اليهود بالقيادات السياسية والدينية اللبنانية وقد يسيء إلى خلفائهم اليوم. كما أنه يفضح الخلفية الطائفية التي كانت تتحكم بهؤلاء المسؤولين لأنهم ما كانوا يرون سوى مصالحهم الطائفية وحتى الأنانية الفردية الضيقة.
في الحقيقة لم تتطرق الدراسة الاخيرة الى الامير الكردي (كاميران بدرخان) وعلاقته بالوكالة اليهودية لا من قريب ولا من بعيد، تطرقت فقط الى مسألة الاقليات في العالم العربي والاستفادة منهم في إضعاف الاغلبية العربية السنية، وذكروا الكرد كتحصيل حاصل عند بحثهم عن الموارنة المسيحيين والعلويين والدروز وأنهم أي الكرد شعب يسكن شمال سوريا وشمال العراق.
أما بشأن المعلومات حول الامير الكردي الدكتور كاميران بن أمين عالي بن بدرخان باشا، وعلاقته مع الوكالة اليهودية، فقد ذكر الصحفي الاسرائيلي شلومو نكديمون (1936-؟) في كتابه ( الموساد في العراق ودول الجوار تحطيم الآمال الاسرائيلية والكردية) معلومات مختصرة ولكنها في غاية الاهمية لأنها تسلط الضوء على حقبة كانت غامضة في مسيرة الحركة الكردية السياسية والثقافية خارج كردستان، والتي كان قطب الرحى فيها الأخوين الشقيقين (جلادت وكاميران) في دمشق وبيروت، وجاءت هذه المعلومات والنتف القصيرة حصراً نقلاً عن مصدرين المذكورين آنفاً: الاول، كتاب (جلوس صهيون والعرب) المؤلف باللغة العبرية والذي أصدرته دار دفير في تل أبيب عام1974م لمؤلفه الياهو إيلات ( 1903-1990م) عضو الشعبة السياسية في الوكالة اليهودية، وفيما بعد رئيس الجامعة العبرية في القدس بين عامي 1962-1968م، والسفير الاسرائيل في الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا. والثاني: كتاب: (الطريق الى السلام) لمؤلفه اليهودي السوري إلياهو ساسون( 1902-1978م) الذي صدر في تل أبيب نهاية سنة1978م، وترجم فصول مهمة منها: أديب أبو علوان .
كانت التقنية التي لجأ إليها الأميركاميران بدرخان وفق وجهة النظر اليهودية، ترمي الى خلق صورة جديدة للانسان الكردي الذي يفاخر بأنه يعيش على أسنة الحراب، وإذا ما اعترف العالم بسيادة الكردي على أرضه(= الحكم الذاتي أو الاستقلال)، ستتبدى صورة الكردي الحقيقي الذي يفلح أرضه، والمحب لعائلته، والذي يسعى لتطوير ثقافته، وتوسيع حضارته، والذي يمنح من فكره للاجيال القادمة، والراغب في الاستراحة تحت أشجار التين.
يذكر الدبلوماسي الاسرائيلي (إلياهو إيلات) في مذكراته:” لقد بدت الحركة الصهيونية في أعين الدكتور(كاميران) بدرخان نموذجا يحتذي به نتيجة الإخفاقات الكثيرة التي مر بها هو واسرته وبقية القادة الاكراد، وقد أثارت حماسه الجملة التي كتبها هرتزل: ” اذا رغبتم ستحققون المعجزات باثارة شعار نهضة ليس فقط للشعب اليهودي بل لجميع شعوب الأرض”؛ ولذلك حاول بدرخان الاطلاع عن كثب على طروحات وأفكار منظر وزعيم الحركة الصهيونية الدكتور ثيودور هرتزل(1860-1904م) الذي كافح كثيراً من أجل الدفع بالطليعة اليهودية العالمية(= الحركة الصهيونية) نحو الامام عسى أن تحقق لليهود ما يصبون إليه من تحقيق حلمهم في أرض الميعاد (= فلسطين) وفقاً لتنبؤات التوراة، بعد أن عجز أسلافهم من تحقيق ذلك الشىء. لذلك كان الامير يريد تحقيق الشىء نفسه لقومه الذين يختلفون عن اليهود بأنهم لا زالوا مستقرين ومتواجدين في وطنهم التأريخي كردستان، ولا تفصلهم عن بعضهم البعض أية حواجز، سوى الحدود السياسية المصطنعة؟. ولد تيودور هرتزل عام1860م في شارع الحي اليهودي في بست (= الآن الجزء الشرقي من بودابست- عاصمة هنغاريا)، في حضن عائلة يهودية علمانية، عائلة والده كانت في الأصل من زيموني (= صربيا)، كان الابن الثاني لجانيت ويعقوب هرتزل، الذين كانوا من اليهود الناطقين بالألمانية. بعد تخرجه من جامعتي فيينا وسالزبورغ، كرس نفسه للصحافة والأدب، حيث قام أحيانًا برحلات خاصة إلى لندن واسطنبول. في نهاية عام 1895م كتب هرتزل كتابه (دولة اليهود)، ونشره في شباط/فبراير عام 1896م. جادل الكتاب بأن على الشعب اليهودي مغادرة أوروبا إذا رغبوا في ذلك، إما للأرجنتين أو على نحو مفضل، لفلسطين، (وطنهم التاريخي)، اليهود يمتلكون الجنسية. كل ما يحتاجونه هو أمة ودولة خاصة بهم. فقط من خلال دولة يهودية يمكنهم تجنب معاداة السامية، والتعبير بحرية عن ثقافتهم وممارسة دينهم دون عوائق. انتشرت أفكار هرتزل بسرعة في العالم اليهودي واجتذبت الاهتمام الدولي. مؤيدون للحركات الصهيونية القائمة، مثل هوفيفي صهيون، تحالفوا معه على الفور، لكن المؤسسة اليهودية شوهته واعتبروا أفكاره بمثابة تهديد لمحاولاتهم في الاندماج وتمردًا ضد الله. في 10آذار/ مارس 1896م قام القس ويليام هيشلر الوزير الأنكليكاني في السفارة البريطانية في فيينا، بزيارة هرتزل، قرأ هيشلر كتاب هرتزل (دولة اليهود)، وأصبح الاجتماع محوريًا لشرعنة هرتزل والصهيونية فيما بعد. وكتب هرتزل في مذكراته في وقت لاحق: ” ثم وصلنا إلى قلب الأمر، قلت له: يجب أن أضع نفسي في علاقات مباشرة ومعروفة على الملأ مع حاكم مسؤول أو غير مسؤول – أي مع وزير دولة أو أمير، ثم سيؤمن بي اليهود ويتبعوني، إن الشخصية الأكثر ملاءمة هو القيصر الألماني”. نظم هيشلر مقابلة مطولة مع فريدريك الأول، دوق بادن الأكبر، في أبريل 1896م. كان الدوق الأكبر عم الإمبراطورالألماني ويليام الثاني. بفضل جهود هيشلر والدوق الأكبر، قابل هرتزل علانية ويليام الثاني في عام 1898م. حسن اللقاء بشكل كبير شرعية هرتزل والصهيونية في الرأي العام اليهودي والعالمي. في 17 مايو 1901م التقى هرتزل بالسلطان العثماني عبد الحميد الثاني، لكن السلطان رفض عرض تيودورهرتزل لتوطيد الديون العثمانية في مقابل ميثاق يسمح للصهاينة بالوصول إلى فلسطين، لدى عودته من اسطنبول في عام 1897م على نفقة شخصية كبيرة، أسس الصحيفة الصهيونية دي فيلت في فيينا، وخطط لأول مؤتمر صهيوني في مدينة بازل بسويسرا. تم انتخابه رئيسًا للمؤتمر (وهو المنصب الذي شغله حتى وفاته في عام 1904م).
وبخصوص مدى ما تستطيع اسرائيل مساعدة الكرد يضيف ايلات: ” لم يخفي بدرخان وشقيقه (جلادت) خيبة أملهم من أن الطائفة (= القومية) الكردية لم تستقي العبرة من اليهود، وتتوحد في ساعة المحن، وواصلت حروبها ونزاعاتها القبلية الداخلية… إن الشيء الوحيد الذي تمكنت الوكالة اليهودية من عمله انذاك لصالح الاكراد هو دفع مبلغ 50 ليرة فلسطينية شهريا إلى كامران بدرخان، وهو المبلغ الذي اعتبر بمثابة ميزانيته الاساسية”. ينظر: شلومو نكديمون، الموساد في العراق، ص32.
في مطلع عام 1946م تم تشكيل بعثة تحقيق أمريكية بريطانية من ستة أعضاء أمريكيين ومثلهم من البريطانيين وكانت مهمتها دراسة الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية في فلسطين دراسة دقيقة على أن تولى عناية خاصة قضية هجرة اليهود إلى أرض الميعاد وإمكانية إقامتهم فيها.
بدأت اللجنة عملها في يناير/ كانون الثاني 1946، وأنهت تقريرها في 30 إبريل/ نيسان 1946 وأذيع في كل من واشنطن ولندن في وقت واحد يوم أول مايو/ أيار 1946م وأهم ما جاء فيه: “إن البعثة أوصت بمنح مئة ألف من يهود أوروبا المشردين الذين قاسوا الاضطهاد والتعذيب في العهدين النازي والفاشي حق الدخول إلى فلسطين… كما رفضت اللجنة فكرة الاستقلال المبكر لفلسطين سواء كانت مقسمة أو موحدة باعتبار أن العداء بين اليهود والعرب الفلسطينيين سيؤدي إلى حرب أهلية قد تهدد سلم العالم، … ويبدو أن اللجنة توقعت أن يزول العداء في النهاية وأنه ينبغي حتى حين هذا الوقت، أن توضع فلسطين تحت وصاية الأمم المتحدة وإلى أن يتم ذلك ينبغي للانتداب أن يستمر.
وجاء في تقرير اللجنة: “إن اليهود لن يسيطروا على العرب، وأن العرب لن يسيطروا على اليهود في فلسطين، وأن فلسطين لن تكون دولة يهودية ولا دولة عربية”. ومن الملاحظ أن تقرير اللجنة الأنجلو أمريكية كان نسفاً تاماً لما جاء في الكتاب الأبيض لعام 1939م، وقد احتوى على عشرة وصايا أكثرها استجابة لمطالب اليهود وليس فيها أي شيء جدي بالنسبة للعرب وحقوقهم. ويمكنني القول أن توصيات اللجنة والتي بلغت عددها عشرة توصيات كانت ضد العرب وحقوقهم المشروعة في فلسطين، ولمصحة اليهود، فإصدار مئة ألف شهادة هجرة في الحال لإدخال اليهود المشردين في معسكرات أوروبا خلال عام 1946م، وقيام حكومة الانتداب البريطاني بتسهيل الهجرة اليهودية، وإلغاء قوانين تحديد الأراضي، ووضع نظم قائمة على سياسة حرية البيع والإجارة بغض النظر عن العنصر والطائفة والمذهب، ورفع الحظر عن انتقال الأراضي لليهود، يصب في مصلحة اليهود والحركة الصهيونية. وحول توصيات لجنة التحقيق بأن لا تكون فلسطين دولة يهودية خالصة، ولا عربية خالصة، وأن تبقى تحت الوصاية إلى أن يتسنى زوال النزاع الذي قد يهدد سلام العالم تكون قد سدت الباب على قيام دولة بأكثرية عربية، ومنحت اليهود فرصة النمو والتكاثر والتوسع بدون أي عائق أو قيد، تحت حماية الوصاية إلى الحد الذي يصبحون فيه أكثرية في السكان في الحيازة.