يتميز نيتشه بأنه يقول ما يفكر به دون خشية في الحين الذي تظل افكار الاخرين حبيسة ادمغتهم لذلك هو عبوة ديناميت كما هو مطرقة الاوثان .
جاء موت الاله الذي ظل ينادي به تتويجاً للافكار والفلسفات التي انتشرت في زمنه وخصوصاً الفلسفة المادية التي تفسر كل ظواهر الكون بطريقة ميكانيكية مادية.
لقد شكل فكر نيتشه نقطة انقلاب واضحة في مسار الالحادية والمادية لأنه نادى بصوت عالٍ عن فكرته وليس كالاخرين الذين كان غطاء الدين ما زال يخيفهم ويكبت افكارهم.
لا اعتقد ان نيتشه كان ملحداً كالاخرين بل اعتقد انه كان باحثاً عن الحقيقة ولما لم تكن مفاهيم الدين المعروفة كافية ليتمسك بها اعلن كفره بها رغم ذاك ظل باحثاً ومنقباً ومدركاً بعمق للحاجة الى المعنى ويظهر ذلك من نقده اللاذع للعلم الذي حل و اصبح بديلاً عن الدين وكذلك نقده للحياة المنغمسة في المادية دون تفتيش عن المعنى والتي كانت اوربا تسير باتجاهها و ترزح تحت نيرها فحذر و انذر في شذراته من هذا الاتجاه.
لقد ترك نيتشه الباب مفتوحاً امام اللاهثين وراء الحقيقة يوم قال ان لا وجود للحقيقة و ان ما يوجد هو فقط تأويلات ، وكان مخلصاً لهذه المقولات فجعل شذراته مفتوحة على التأويلات وعصية على التبسيط في الفهم كما هي عصية على التعقيد فيه.
وكما يقال ان الانسان ابن عصره فأن نيتشه كان ابن عصره الذي شاعت فيه ثقافة الالحاد والنزعة المادية ولم تستطع القيم المسيحية ان تهز وجدانه.
لقد كان نيتشه فيلسوفاً مشاءاً كما الفلاسفة المشائين وكما روسو و هايدغر وغيرهم الذين ينقل انهم كانوا يفكرون اثناء مشيهم وينتجون افكارهم فقد كان متنقلاً بين سويسرا والمانيا و ايطاليا يبحث عن الطبيعة التي تمنحه الهدوء والالهام ، وهو حال الطبيعة دوماً معنا حيث توحي لنا بالافكار العظيمة حين نسكن اليها و تدفعنا للوصول الى كنه انسانيتنا العميق .
رغم اني لا اسلك سبيل نيتشه و لا اتبنى كل رؤاه لكني اعترف ان افكاره عميقة و رؤاه صادمة ومستفزة .
تحكي سو بريدو كاتبة سيرته في (انا عبوة ديناميت … حياة فريدريك نيتشه) انه كان دمثاً وهادئاً وانه عانى كثيراً من الامراض التي ألمت به و النوبات الحادة من الصداع والتقيؤ وضعف النظر حتى فقد عقله تماماً عام ١٨٩٠ ليتوفى عام ١٩٠٠ و يترك ارثاً فكرياً تُرجم و طُبع الاف المرات والمفارقة ان افكاره لم تلاقِ الاهتمام المناسب عندما كان ينشرها فلم تباع من كتبه سوى بضعة مئات ايام حياته وناضل كثيراً في سبيل بيعها الا انها لم تجد اذاناً صاغية .
كان نيتشه مجنوناً فيما يكتب و لذلك لا يزال ينعت بذلك فهو لا يكتب الا بمسٍ من الجنون فيأتي بالافكار من عالم الجنون الى عالم العقلاء وكلما اصبحنا مجانين اكثر كلما سنفهم نيتشه اكثر و العكس صحيح