خاص : كتبت – آية حسين علي :
حروب بيولوجية، أو حروب كيميائية أو بكتيرية أختر ما تشاء من المصطلحات، فجميعها تؤدي إلى نفس المعنى، وهي الحروب التي تعتمد على نشر الأوبئة والأمراض الجديدة من أجل مواجهة خصم أو عرقلة تقدمه أو حتى على أقل تقدير نشر الرعب والقلق في نفوس البشر، وتنتمي إلى ما يُعرف بحروب (الجيل السادس)، وفي أغلب الأحيان، ويمكن الجزم بأنها كلها، لا يمكن معرفة الجهة المعتدية أو تحديد المسؤول عن إطلاق أدوات الحرب.
وبحسب بيانات “المركز الوطني الأميركي للمعلومات التقنية الحيوية”؛ فإنه خلال القرن الحالي لقي 500 مليون شخص حتفهم تأثراً بالأوبئة والأمراض القاتلة، وتوفي عشرات الآلاف منهم بسبب الإطلاق المتعمد للفيروسات والبكتريا والسموم المسببة للأمراض، ولم تتمكن معاهدات حظر الأسلحة الكيميائية من منع البلدان من الاستمرار في تطوير وإنتاج الأسلحة البيولوجية على نطاق واسع.
أميركا يجب أن تدخل في حرب مع الصين !
وضع المفكر والسياسي الأميركي، “غراهام تي أليسون”، نظرية منطقية تقول إنه: “عندما ترى قوة عظمى أنها مهددة من قِبل قوة أخرى ناشئة؛ فإنه لا يمكن تجنب الحرب بينهما”، وتسائل في كتابه (الإتجاه نحو الحرب)، هل يمكن أمام التحديات الاقتصادية والعسكرية والسياسية التي تُمثلها “الصين”؛ أن تتجنب بلاده الدخول في حرب معها ؟، وعلى مدار صفحات الكتاب حاول إسترجاع التاريخ الحديث وذكر المواقف المشابهة، ليصل في النهاية إلى ترجيح أن ترفع “واشنطن” أسلحتها في معركة لتكسير عظام “بكين”.
ويبدو أن المعركة بدأت بالفعل، حتى خرجت خلال الفترة الأخيرة؛ الكثير من التقارير التي ألمحت إلى أن فيروس “كورونا” المستجد؛ ما هو إلا فصل جديد من فصول حرب “أميركا” الاقتصادية ضد “الصين”، كما أستبعد محللون أي ربط بين انتشار الفيروس والأطباق التي يتناولها الصينيون، خاصة أن نمط طعامهم لم يتغير من سنوات طويلة للغاية، ومع ذلك لم يكن من المتكرر أن تظهر أمراضًا جديدة يكون سببها تناول أنواع معينة من الحيوانات أو الطيور.
ومنذ اكتشاف أول حالة إصابة بالمرض، في مدينة “يوهان” الصينية، أصبح الفيروس يمثل فزاعة بالنسبة إلى العالم كله، حتى في مناطق بعيدة للغاية عن بؤرة المرض، وكأننا أمام مسرحية تديرها “منظمة الصحة العالمية”، التي اتهمتها تحقيقات صحافية بالتعاون مع “واشنطن” في حربها ضد “الصين”.
تقنيات زرع الخوف في النفوس..
ذكر المفكر الباكستاني، “رحمن ملك”، في مقاله بصحيفة (نيشن)؛ أنه من الأمور المثيرة للاهتمام أن تكون مدينة “يوهان”، التي تُعتبر مركزًا سياحيًا وتربط المدن الصينية الكبرى ببعضها، بالذات هي المصدر الأول للمرض، وهي المدينة التي يمكن وصفها بأنها “قلب الصين”، كما أنه توقع أنه تم توجيه هذا الفيروس بدقة لضرب الدولة صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم، من خلال إظهار أنها مصدرة للأوبئة، مشيرًا إلى أنه ربما تكون نبوءة فيلم (عدوى) الأميركي، الذي تمحورت أحداثه حول فيروس يتم تصنيعه، بحيث ينتقل بسهولة للغاية تتحول إلى حقيقة الآن.
وأضاف “ملك” أنه؛ خلال الأيام المقبلة، سوف تُفعّل ما يُعرف بتقنيات “زرع الخوف”؛ إذ سوف يُصور الإعلام الغربي، الفيروس الجديد، بأنه أيقونة الموت، كما سيشهد الاهتمام بالمنتجات الغذائية الصناعية تراجعًا ملحوظًا، لتتحول بالتدريج إلى منتجات مشكوك فيها، كما سوف تفرض تقييدات على السفر إلى “الصين”، لتصبح معزولة عن باقي العالم خوفًا من انتشار المرض، بينما تُعلن “منظمة الصحة العالمية” أن “الصين” تمثل تهديدًا على الصحة العالمية ما سيؤدي إلى تشويه سمعتها في أسواق المنتجات الغذائية على مستوى العالم.
تقديرات أولوية لحجم الخسائر..
يتوافق ما كتبه المحلل الباكستاني مع ما حققته شركات أميركية كبرى من أرباح؛ بعدما استفادت من خوف المستهلكين من المنتجات والشركات الصينية، ومثال على ذلك شركة “آمازون”؛ والأرباح التي حققتها في دقائق بالتزامن مع قرارات عدة دول بتقييد السفر إلى “الصين”؛ إذ أصبحت تُعتبر بديلة لشركتي “علي إكسبرس” و”علي بابا” الصينيتين، يأتي هذا إلى جانب ما تكبدته الأسهم الصينية وأسواق المعادن والنفط والمواد الخام والفنادق والمطاعم من خسائر بالمليارات، بالإضافة إلى حالة الشلل التي تنتقل من إقليم إلى آخر.
وبحسب مكتب “أوكسفورد إكونمكس”؛ فإن المصانع المطالبة بإغلاق أبوابها، بسبب الفيروس، تمثل 50% من الناتج المحلي الإجمالي لـ”الصين”، كما يمثل قطاع التصنيع ثُلث الاقتصاد الصيني، ويتوقع محللون أن يكون التأثير السلبي لفيروس “كورونا” أكبر بدرجة كبير مما سببه “سارس”، كما توقعت مؤسسة “غولدنمان ساكس” أن ينخفض النمو الاقتصادي الصيني بمعدل 1.6% عن التوقعات الأولية لنمو هذا الربع من العام؛ أي 4% بدلًا من 5.6%.
بينما ذكر الباحث الاقتصادي، “مجدي عبدالهادي”، لـ (كتابات)؛ أنه من المبكر للغاية الحديث عن التأثيرات السلبية للفيروس على الاقتصاد الصيني، مشيرًا إلى أن التقديرات غير الرسمية التي خرجت حتى الآن تُعد بسيطة ولا يمكنها التأثير على بلد بحجم “الصين”؛ لأن الأمر يرتبط بمدى استمرار الأزمة وانتشار المرض، كما أن التقديرات الرسمية، أيًا كان مصدرها، ليست مُنزهة عن الغرض، ويتوقف الأمر على إمكانية وصول الوضع إلى حد عدم القدرة على السيطرة على الوباء أو إتخاذ عدة دول قرار قطع التعاملات مع “الصين”.
وأضاف “عبدالهادي”؛ أنه لا يمكن استبعاد أية فرضية، وفكرة وجود مؤامرة أو “حرب بيولوجية” واردة، في ظل صراع “الدولار” والهيمنة بين “أميركا” و”الصين”، وجدّة “الحرب البيولوجية” علينا، رغم سوابقها التاريخية ضد “الهنود الحمر”، منذ قرون خلت.
“سي. آي. إيه” يمكنه فعل أي شيء !
أكد الجنرال، “أماديو مارتينيز”، في تعليقه على انتشار فيروس “كورونا”؛ أنه من خلال خبراته العسكرية في الجيش الإسباني لا يمكنه أن يدع مجالًا للشك في أننا أمام “حرب بيولوجية” تُشنها “الولايات المتحدة” ضد “الصين”.
وذكر موقع (كوبا سي) الكوبي؛ أن المراقب لممارسات “وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية” في العالم كله لا يستبعد فرضية أن تكون “واشنطن” مسؤولة عن انتشار فيروس “كورونا” في “الصين”، خاصة أن “يوهان” تُعد المركز السياسي الاقتصادي والمالي والثقافي لـ”الصين” الوسطى، ومن الناحية الأخرى تسمح هذه المكانة بانتشار المرض بسرعة، وأضاف المصدر أنه يُعتقد أن الفيروس المستجد نشأ بطفرة وهو ما عكف علماء “أميركا” على دراسته في معامل “الحرب البيولوجية”.
“حرب بيولوجية” للتخلص من هموم الداخل..
أشار المحلل الإسباني، “خاسينتو سيارا”، إلى أنه رغم عدم وجود “حرب نووية” معلنة، إلا أن العالم يشهد فترة أوشكت فيها القوى العظمى، (الولايات المتحدة وروسيا والصين)، على الدخول في “حرب بيولوجية”، إذا لم تكن قد بدأت بالفعل، مشيرًا إلى أن كل دولة من الدول الثلاث تواجه مشكلات كثيرة في الداخل، والتاريخ يُثبت أن الحل الفعلي في مثل هذه المواقف هو الدخول في حروب خارجية.
أميركا متفائلة بفيروس “كورونا” !
ذكر الموقع الرسمي لإذاعة (راديو هافانا) الكوبية؛ أن عدد من التصريحات التي أصدرها مؤخرًا أصحاب مناصب رفيعة في “البيت الأبيض” والحملة الإعلامية الموجهة ضد “الصين”؛ يرجحان أن تكون إدارة “دونالد ترامب” مسؤولة عن انتشار الفيروس، وسلط الضوء على التصريح الذي أطلقه وزير التجارة الأميركي، “ويلبور روس”، في 31 من كانون ثان/يناير الماضي؛ إذ قال إن: “انتشار فيروس كورونا المستجد، الذي أصاب آلاف الأشخاص، يمكنه دفع الاقتصاد الأميركي”، مضيفًا أنه أيضًا: “سوف يساعد على عودة فرص العمل مجددًا إلى أميركا الشمالية”.
وأضاف التقرير أن الأبواق الإعلامية صاحبة الصوت الأعلى لم تتوقف لحظة واحدة في نشر الرعب في العالم كله، من خلال التركيز على أعداد القتلى والإصابات بالفيروس دون الإشارة إلى الجهود المكثفة التي تبذلها “بكين” من أجل وقف انتشار العدوى، وأكد أن هذا السلوك يُشكل جزءًا من حملة “رُهاب الصين”، “chinofóbica”، التي صممتها “الولايات المتحدة” وتقودها إدارة “ترامب” لعدة أهداف من بينها تشتيت الإنتباه إلى الوضع الصعب الذي يتعرض له في بلده.
وتابع التقرير أنه لا أحد يطرح سؤالًا مثل: “لماذا تزامن ظهور فيروس كورونا مع محاكمة ترامب، وفي ظل حملته للانتخابات الرئاسية المقبلة ؟”، أو: “لماذا يأتي هذا الفيروس في أوج الحرب الاقتصادية مع بكين، والتي من الواضح أن واشنطن هي الطرف الخاسر فيها ؟”، وتابع التقرير أن العالم يعرف جيدًا، رغم محاولات إخفاء الحقيقة، أن الأنظمة الأميركية المتعاقبة استخدمت “الحرب البيولوجية” من أجل الإطاحة بحكومات اعتبرتها مُعرقلة أو ضارة.
الصحافة الأميركية..
كان رد فعل الصحافة الأميركية، على ظهور الفيروس محل تساؤل، ومن النظرة الأولى على أكبر الصحف التي تُصدر في “الولايات المتحدة” تشعر وكأنها تذيع بيانًا صحافيًا لا جديد فيه، وكأنها تخلت فجأة على محاولة الوصول إلى السبق أو كشف الحقيقة أو البحث عن مجرد الاختلاف، فنشرت صحف مثل (واشنطن بوست) و(نيويورك تايمز) وغيرهما؛ نقلًا عن الظابط السابق في المخابرات الإسرائيلية، “داني شوهام”، أن الفيروس انتقل من خلال تجربة أجريت في معهد “ووهان” لعلم الفيروسات، وذكر “شوهام” أن المعمل يرتبط ببرنامج “بكين” للأسلحة البيولوجية، التي تقوم بتطويره في الخفاء، ونقلت وسائل إعلامية كثيرة تصريحات الخبير الإسرائيلي، رغم أنه لم يذكر أية أدلة تُثبت صحة كلامه.
ووصفت (فورين بولسي) الحديث عن “حرب بيولوجية”؛ بأنه نوع من جنون الإرتياب والهذاء واللاعقلانية، “بارانويا”، مشيرة إلى أنه لا داعي للخوف، خاصة بالنسبة إلى سكان الدول الغربية؛ لأن احتمالات وصول المرض إليها ضعيفة للغاية.
كما نشر موقع (بوليتيفاكت) الأميركي، المتخصص في تدقيق الحقائق؛ أن انتشار فيروس “كورونا” المستجد أدى إلى ظهور الكثير من المعلومات الخاطئة حول مصدره وانتشاره؛ كما تم ربطه بشكل خاطيء بـ”الحروب البيولوجية” ضد “الصين”.
نظرة على “الحروب البيولوجية”..
ذكرت “المنظمة العالمية للسلام العالمي”، (organization for world peace)، أن استخدام الأسلحة الكيميائية يُشكل جزءًا من التاريخ العسكري منذ آلاف السنين؛ ففي القرن الـ 13 كان “المغول” يقذفون جثث ضحايا “الطاعون” فوق أسوار المدينة أثناء الحصار؛ ما أدى إلى إصابة الآلاف من السكان المدنيين، وخلال القرن السابع عشر أهدى المستعمرون الأميركان السكان الأميركيين الأصليين بطانيات بها عدوى “الجُدري”، وأثناء الحرب الأهلية الأميركية كان الكونفيدراليون يبيعون ملابس ملطخة بفيروس “الحمى الصفراء” لقوات الاتحاد.
لكن استخدام هذا النوع الفتاك من الأسلحة ليس مقصورًا على التاريخ القديم؛ إذ ظهر أيضًا في الحرب العالمية الأولى؛ وكانت “ألمانيا” هي أول دولة تستخدمه، ثم تبعتها “الولايات المتحدة” ودول أوروبية أخرى، إلا أن الاستخدام الأخطر لهذا النوع كان في فترات السلم، وليس في إطار الحروب المباشرة التقليدية.
وفي الحرب العالمية الثانية استخدمته “الإمبراطورية اليابانية”، التي طورت أسلحة بيولوجية لمهاجمة الشعب الصيني، وخلال فترة التجربة كان يُقتل 600 أسيرًا سنويًا، بينما قدر عدد القتلى بالآلاف بعد بدء استخدامها، وأضاف تقرير المنظمة أن معظم هذه الأمراض تقتل ضحاياها ببطء شديد بعدما يتجرعون أشد آلام العذاب، بينما يُلاقي غير المصابين نوعًا آخر من عذاب الترقب للمرض والموت، ولسوء الحظ تستحيل السيطرة على الفيروس حتى في أكثر البيئات حفاظًا وحماية.