التآمر سلوك قائم ما بين المخلوقات منذ الأزل , وهو واضح مبين ما بين الدول , ولا جديد في الموضوع , لكن الذي يجري أن الحكومات المتآمرة على شعوبها وأوطانها , تلقي باللائمة على التآمر , كلما أراد الشعب حقوقه , أو تظاهر ضدها , فتجدها قد أخرجت من أدراج إستحواذها وفسادها العديد من المفردات والمصطلحات , كالتآمر والإندساس وأعوان هذا وذاك , وترمي بألف بعبع وبعبع لتبرر ما تنتهجه من آليات تآمرية ضد الشعب والوطن , والمتهم “هو” , و”هو” ضمير مستتر تقديره مجهول.
فهي تقتل الجماهير المطالبة بحقوقها الأساسية , وتدّعي أن المتهم مجهول وستقوم بتحقيقات تكون خلاصاتها الجريمة سُجّلت ضد مجهول , ولو أتيتَ بأوضح الأدلة والبراهين فأن المجهول هو الفاعل دائما والبرهان مغيب ولا قيمة له ولا معنى , ما دامت مؤامرات الكراسي بخير , وتجد تخريجات تضليلية وشرعية , وهناك جمهرة من العمائم التي تبرر كل سلوك قبيح , وتفتي بالقتل الصريح.
وعمّا جرى منذ بداية شهر أكتوبر لعام ألفين وتسعة عشر , أخذت الأقلام تكتب والخطابات تصدح والخبراء يتمنطقون , ويقولون بأنها مؤامرة يغفلها المتظاهرون , والحقيقة القاسية أن الحكومة هي التي تتآمر على الشعب والوطن , وهي من أكبر المتآمرين عليه لا غيرها.
فلماذا يحاولون تبرير تآمر الحكومة على الشعب بتآمر غيرها عليها؟
أ ليس الفساد مؤامرة؟
أ ليس الحرمان من الكهرباء والماء الصالح للشرب مؤامرة؟
أ ليس تردي الخدمات الصحية والتعليم والبطالة مؤامرة؟
أ ليس دفع الجماهير إلى إتباع هذه العمامة أو تلك لتعطيل عقلها وإذلال فكرها مؤامرة؟
إن البلاد تعشعش فيها المؤامرات وما أكثرها وأعقدها , ويأتينا مَن يقولون أنهم خبراء ويعلنونها , إنها مؤامرة!!
تظاهرات الشباب العاطل عن العمل المطالب بحقه الوطني والإنساني تتحول إلى مؤامرة!!
تلك مصيبة كبرى إختلط فيها حابلها بنابلها , وتشوشت المفاهيم وتحرّفت , وسقطت الأخلاق وتردّت , وأضحى الدين مطية للرغبات والنزوات المشرعنة , حتى صارت الخطايا مقدّسة , والحق في خبر كان , والباطل سيد وسلطان!!
وتلك هي المؤامرة التي تريدون أن تبررونها بمؤامرة متخيلة , وقاضية بالإستثمار بالفساد الشامل والمطلق العاصف في أرجاء الحياة!!
فهل أنها محاولات للتستر على مؤامرات؟!!