خاص : كتبت – نشوى الحفني :
رغم محاولات “واشنطن” المستميتة في إبعاد “العراق” عن المحور الإيراني؛ إلا أن ما يحدث على أرض الواقع الفعلي يعكس عمق العلاقات بين الطرفين، بل تتزايد بشكل أكثر قوة، حيث كشفت مصادر إيرانية مسؤولة عن أن “طهران” تسعى لمضاعفة صادراتها إلى “العراق” لتصل إلى 20 مليار دولار سنويًا، في محاولة لتخفيف قسوة “العقوبات الأميركية”.
ومن جهته؛ أكد وزير الخارجية الإيراني، “محمد جواد ظريف”، في تغريدة له على موقع (تويتر)، يوم الأحد الماضي، أن: “العراق” أصبح الآن “الشريك التجاري الأكبر لبلاده”؛ بعد إبتعاد معظم دول العالم عن التعامل معها.
ومع هذا؛ يؤكد المحللون صعوبة تحديد حجم التبادل التجاري بين البلدين بدقة بسبب إنفلات الحدود الطويلة بين البلدين وشيوع عمليات التهريب وضعف إجراءات التسجيل في المنافذ الحدودية.
فيما تشير بعض التقديرات الرسمية إلى إن حجم التبادل التجاري، بين “العراق” و”إيران”، يصل حاليًا إلى نحو 12 مليار دولار سنويًا، وهو يجري بإتجاه واحد، حيث لا يصدّر “العراق” شيئًا يذكر إلى “إيران”.
تسعى لزيادة صادراتها إلى 20 مليار دولار..
وتقرّ “إيران” الآن أنها تسعى إلى زيادة التبادل التجاري ليصل إلى 20 مليار دولار، رغم القيود التي تفرضها “العقوبات الأميركية” على الكثير من الصادرات الإيرانية والقيود التي تتضمنها على التعاملات المالية.
وتؤكد تقارير في الصحف العراقية أن “إيران” تجني مكاسب أخرى يصعب رصدها من تهريب المخدرات وترويج العُملات المزيفة في الأسواق العراقية، والتي لا يمر يوم دون الكشف عن بعض عملياتها.
وتفاخر “إيران” في وسائل الإعلام الحكومية بأنباء تعزيز التجارة مع “العراق” في مسعى لتخفيف مخاوف الإيرانيين من وطأة “العقوبات الأميركية”.
404 مليون دولار خلال أربعة أشهر..
وأعلن مدير مصلحة الجمارك بمحافظة “إيلام” – غرب “إيران” – “روح الله غلامي”، عن تصدير 630 ألف طن من السلع إلى “العراق”؛ عبر منفذ “مهران” خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الإيراني الجاري، (بدأ في 21 آذار/مارس 2019).
وقال “غلامي”؛ إنّ منفذ “مهران” يُعد ضمن المنافذ المهمة على صعيد البلاد، إذ تجتازه يوميًا نحو 400 شاحنة محملة بالسلع متجهة إلى “العراق”.
وأضاف أن إجمالي قيمة السلع المصدرة إلى “العراق”، عبر المنفذ المذكور، يبلغ 404 ملايين دولار في الشهور الأربعة الأولى من العام الجاري.
وتابع: إنّ عوائد السلع المصدرة عبر المنفذ المذكور قد شهدت ارتفاعًا ملحوظًا بنسبة 26 بالمئة، كما سجل حجم السلع المصدرة ارتفاعًا لافتًا بنسبة 43 بالمئة مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي.
وأشار إلى أن أبرز السلع المصدرة تتمثل بمواد البناء والمحاصيل الزراعية والبتروكيمياويات؛ بما فيها “البلاستيك”.
إجراءات تمهيدية لإعطاء تأشيرات دخول لرجال الأعمال..
وفي سياق آخر؛ قال “غلامي” إنّه تم إجراء مباحثات مع الجانب العراقي بشأن التمهيد لإعطاء تأشيرات دخول متعددة لرجال الأعمال الإيرانيين.
ونوه إلى أن موضوع أخذ رسوم جمركية مختلفة من قِبل الطرف العراقي أدرج على جدول الأعمال أيضًا.
وخُلص إلى أن عمليات تصدير السلع عبر منفذ “مهران” تسير على قدم وساق، لافتًا إلى أن مصلحة الجمارك في محافظة “إيلام” تحتل المرتبة الأولى بين المحافظات الحدودية المحاذية لـ”العراق” على صعيد تصدير السلع غير النفطية.
5 منافذ دولية وسياحية..
بالتزامن مع ذلك؛ أعلن نائب محافظ “حلبجة”، في “إقليم كُردستان العراق”، “كاوه علي كريم”، أن “إيران” وافقت رسميًا على جعل اعتبار 5 معابر حدودية منافذ دولية تجارية وسياحية.
وقال إن المنافذ هي: “كيلي وشوشمي وطويلة والشيخ صالح وبشته”، وأن من المقرر أن يقوم الجانبان، العراقي والإيراني، قريبًا بعقد اجتماع مشترك لترتيب الإجراءات الإدارية.
كما أعلنت “إيران” أنها تعمل مع الجانب العراقي على إعادة فتح منفذ “سومار” الحدودي بين البلدين قريبًا، وذلك بعد نحو شهر من إغلاقه لأسباب لم يكشف عنها.
إعادة فتح منفذ سومار..
وقال “هوشنك بازوند”، محافظ “كرمانشاه”، غربي “إيران”: “نظرًا لدور منفذ سومار الحدودي التنموي لمحافظتي كرمانشاه الإيرانية وديالى العراقية؛ فإن العراقيين، وخاصة المسؤولين في محافظة ديالى، يحرصون على إعادة فتح هذا المنفذ واستعادة نشاطاته بصورة رسمية”، مضيفًا أن الجهود جارية حاليًا لإعادة فتح الجزء العراقي من هذا المنفذ، بنهاية الأسبوع المقبل، وذلك بتصريح من رئيس الوزراء العراقي”.
وحسب محافظ “كرمانشاه”، يتم حاليًا تصدير 300 شاحنة من السلع والبضائع إلى “العراق” یومیًا عبر منفذ “سومار”، وبالتالي فإن العراقيين يسعون جاهدين لعدم إغلاقه.
وأوضح أن معبر “سومار” سيحمل صفة رسمية بعدما تمت المصادقة على ذلك في مجلس الوزراء الإيراني، مضيفًا أن إعادة فتح المعبر يشكل أهمية بالغة للبلدين.
تمديد الإعفاء الأميركي..
وبسبب الحالة العراقية التي تعتمد على العديد من السلع الإيرانية في مختلف المجالات، اضطرت “الولايات المتحدة” لتمديد إعفاء “العراق” من العقوبات لمواصلة شراء إمدادات الغاز والكهرباء الإيرانية في ظل انقسام البرلمان والأطراف السياسية العراقية؛ بين طرف مؤيد لـ”طهران” وطرف مناويء لنفوذها الكبير في الساحة العراقية.
مؤشرات لتراجع البضائع الإيرانية في السوق..
فيما يقول المراقبون إن البضائع الإيرانية بدأت تجد صعوبات في الأسواق العراقية في ظل وجود بدائل أكثر جودة من دول أخرى ونفور العراقيين من البضائع الإيرانية.
كما بدأت تظهر مؤشرات على إزدهار الإنتاج الزراعي، الذي أدى إلى حظر استيراد الكثير من السلع التي كانت تأتي من “إيران”.
كما تجد الكثير من العمليات التجارية صعوبة في تمرير الإجراءات المالية بسبب إلتزام المصارف بعدم تسديد المشتريات بالدولار، بعد فرض “واشنطن” عقوبات على بعض المصارف بسبب تعاملها مع “إيران”.
كما تمكنت “بغداد” من زيادة توليد الكهرباء وتقليل حرق الغاز المصاحب، الأمر الذي يرجّح قرب إنتفاء حاجتها إلى الإمدادات الإيرانية، خاصة بعد تراجع الطلب بعد إنقضاء أشهر الصيف.
تعزيز التعاون الثنائي في مجال الأمن..
ولم تقف التفاهمات “العراقية-الإيرانية” عند المجال التجاري فقط، وإنما ذهبت إلى أكثر من ذلك؛ حيث وقع وزير الداخلية العراقي، “ياسين الياسري”، مع نظيره الإيراني، “عبدالرضا رحماني فضلي”، مذكرة لتعزيز التعاون الثنائي المشترك في مجال الأمن بين وزارتي داخلية البلدين.
وذكر بيان لـ”وزارة الداخلية العراقية”: أن “الياسري؛ وعقب وصوله مباشرة، يوم السبت الماضي، عقد اجتماعًا ثنائيًا مشتركًا مع نظيره الإيراني في مقر وزارة الداخلية الإيرانية أسفر عن توقيع مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون الثنائي المشترك بين وزارتي داخلية البلدين”.
وأضاف البيان، أن: “المذكرة ستسهم في إنجاح مراسم زيارة أربعينية الإمام الحسين المقبلة وتحقق إنسيابية في تأدية مناسكها، وأنه جرى بحث أسس التعاون المشترك وتعزيز الأمن في البلدين الجارين عن طريق توسيع آفاق التعاون الثنائي”.
وأكد “الياسري”، خلال اللقاء، على “عمق العلاقة التي تربط بغداد وطهران، مشددًا على حرص الحكومة العراقية على الإرتقاء بمستوى هذه العلاقة وبما يحقق تطلعات البلدين ومصالح شعبيهما”.
وأعرب الوزير العراقي، عن “أمله في أن تكون الزيارة لهذا العام مثالية من جميع النواحي، لتجربة العراق الكبيرة في التعامل مع الزيارات المليونية”.
من جهته؛ قال الوزير الإيراني، إنه: “وفقًا لمذكرة التفاهم الموقعة، فإن تأشيرات الدخول بين البلدين قد ألغيت؛ كما أن مستوى الخدمات والتسهيلات المقدمة في المجالات الأخرى سيزداد، لا سيما لزوار الأربعينية”.
وأضاف، أن: “المذكرة الموقعة ستعزز الأمن في المناطق الحدودية بين البلدين”.
ووصف “فضلي”، التعاون بين وزارتي “الداخلية”، في “إيران” و”العراق”، بأن يتحسن باستمرار، مشددًا على أنه: “وخلال الأعوام الماضية شهدنا تعاونًا مناسبًا في مجال الأمن والتبادل التجاري الحدودي”.
يثير حفيظة الولايات المتحدة تجاه العراق..
تعليقًا على الموضوع؛ يقول الخبير الاقتصادي، “صالح الهماشي”، أنه: “تسعى إيران دائمًا للإستحواذ على السوق العراقية، من خلال رفع التبادل التجاري إلى عشرين مليار دولار، وقد بلغت صادرات إيران للعراق في العام 2018 ثمانية مليارات دولار، في الوقت الذي يقع فيه العراق تحت نفوذ وتأثير الولايات المتحدة، التي لها سيطرة كبيرة على السياسة العراقية”.
وتابع “الهماشي”: “إن هذا التصريح والأرقام التي تعلنها الجمهورية الإسلامية حول حجم تبادلها التجاري مع العراق، والذي يُعد كبير جدًا بالمقارنة مع حجم التبادل التجاري العراقي مع تركيا، والبالغ 11 مليار دولار، كون أن هذا المبلغ يضم صادرات العراق النفطية إلى تركيا، مما يعني أن حجم التبادل التجاري الإيراني المعلن مع العراق سيثير حفيظة الولايات المتحدة، خاصة وأن طهران تحاول رفع حجم التبادل التجاري مع العراق إلى العشرين مليار دولار”.
وتوقع “الهماشي” أن: “هذا الموضوع ربما سيسبب مشاكل للحكومة العراقية تجاه الولايات المتحدة، كون الأخيرة تفرض عقوبات على إيران، كما أن العراق بحاجة كبيرة إلى الدول الغربية أكثر من حاجته لإيران، بسبب مشاكله الخدمية والاقتصادية، إضافة إلى أن أسعار النفط متذبذبة والنمو العالمي في تباطؤ، وكل المؤشرات الحالية تشير إلى إمكانية حدوث أزمة اقتصادية عالمية قد تتفاقم وتنمو في المستقبل القريب”.
وأضاف “الهماشي”: “العراق بحاجة إلى الولايات المتحدة الأميركية، ولكنه بمثابة ورقة كبيرة بيد طهران تجاه واشنطن، وهو موضوع قد يؤدي إلى مشاكل للعراق، فأي خلل اقتصادي يصيب العراق سيؤدي إلى إنهيار العملية السياسية برمتها”.