19 ديسمبر، 2024 12:47 ص

العَلمانية والعِلمانية!!

العَلمانية والعِلمانية!!

العَلمانية من العالم وهي الحالة التي توهمنا بتعريفها وحسبناها إرادة فصل الدين عن السلطة , والعِلمانية من العِلم وتعني الحث على التفكير العلمي ولا علاقة لها بدين أو سلطة وما شابههما.
وبين العَلمانية والعِلمانية لا توجد علاقة أو مقارنة , لكن الوعي الجمعي مقرون بالحساسية الشديدة من كلمة عَلمانية , وصار يقرن بين الكلمتين ولا يميز بينهما , ولا يمكن إعادة ترتيب آليات تفكيره وتحويلها إلى وعي معاصر ومناصر للحياة الحرة الصالحة للجميع.
ولا بد من القول أن موضوع فصل الدين عن السلطة وهم من الأوهام التي يتمشدق بها بعض الجهلة , أو الذين يتوهمون المعرفة والدراية في موضوعات هم من أجهل الجاهلين بها , وهذه معضلة حضارية مدمرة للواقع العربي وعلى مستويات مختلفة , كأن يلتحي ويتعمم بعضهم ويتمظهرون بزي دين ويتوهمون بأنهم من العارفين بالدين وينطلقون بهذياناتهم وخطبهم الخالية من الدين , والمشبعة بما تمليه عليهم أوهامهم وأمارات السوء الكامنة فيهم.
إن فصل الدين عن السلطة أمر مستحيل ولكل سلطة دينها , وبعضها ذات أديان متنوعة كما هي الحالة في المجتمعات الديمقراطية , وأن السلطات في جميع العصور تعيش حروبا مع المتاجرين بالدين , والذين يطمحون لنزع السلطة من أصحابها الذين يتمتعون بإمتيازاتها.
فالذين في السلطة هم من الناس الذين يتبعون دينا ما , وهذا ينعكس في سلوكهم مهما حاولوا أن يفصلوا بين السلطة والدين , وهذا واضح في أقوى المجتمعات الديمقراطية.
أما التركيز على هذا الموضوع وترك الدين كسلوك وأخلاقيات وقيم ومعايير وتفاعلات إنسانية راقية , فيدفع إلى إطلاق الشرور الكامنة في البشر والعمل بموجبها مما يؤدي إلى تدمير المجتمع والدين.
ومهما تصور أصحاب أي دين بأنهم على حق ويمتلكون الحقيقة المطلقة , فأنهم يحشرون أنفسهم في متاهات ذات عواقب وخيمة عليهم وعلى دينهم.
فماذا أنجزت الأحزاب الدينية والحركات المتطرفة عبر التأريخ , إنها لم تحقق إلا الخراب والدمار وتقضي على نفسها بعد حين , وهذا ديدنها في جميع المجتمعات ومنذ أن عرفت البشرية الأديان.
ولا يمكن القول بأن دينا ما أفضل من غيره من الأديان , لكن صاحب أي دين يرى أن دينه هو الدين وغيره لا دين , وهذه حالة فاعلة في البشرية وتأخذها إلى صراعات دامية ومهلكة وما تعلمت منها إلا مجتمعات قليلة , فأوجدت عقدا إجتماعيا يساهم في تحقيق الحياة المشتركة بعيدا عما يعتقده الناس , فالمعتقد حالة ما بين المخلوق وخالقه , والدولة والمجتمع عبارة عن مؤسسة لضمان الحياة الآمنة والمصالح المشتركة.
وفي زمننا المعاصر لا بد للمجتمعات أن تتجاوز المصطلحات المشار إليها وأن تنغمس بالعلمية , أي أن تتخذ من التفكير العلمي سبيلا لبناء المستقبل والإرتقاء بوجودها الحضاري والإنساني , وتبني قوتها وعزتها وكرامتها , ولا تمعن في دحر المجتمع في أي دين.
فهل من عقل علمي يستحضر إرادة صناعة المستقبل لكي نكون؟!!