5 نوفمبر، 2024 1:56 م
Search
Close this search box.

البيئة السياسية العربية والدولية الممهدة للحرب على العراق في 17/ كانون الثاني/ 1991

البيئة السياسية العربية والدولية الممهدة للحرب على العراق في 17/ كانون الثاني/ 1991

كان للتحذير الذي وجهه الرئيس الراحل صدام حسين في 2 نيسان1990 للكيان الصهيوني بضربه في حالة اقدامه على تنفيذ تهديداتهبشن أي هجوم سواء على العراق او أي قطر عربي آخر، بمثابة تلميحمن جانب العراق، على انه يعلم بكل سيناريوهات المؤامرات والتهديداتالمعدة سلفاً. وان لديه الامكانية الاكيدة للرد عليها بقوة. وهو امرمشروع يندرج تحت بديهيات الامن القومي والحفاظ على السيادة لأيةدولة لا سيما وان الدلائل كانت تشير الى ان الكيان الصهيوني يحضرلعدوان على العراق يضاف الى ذلكوهذا ما كان احد اسباب الحملةالامريكية والغربية الشعواء ضد العراقتحذير صدام حسين في قمةعمان في شباط 1990، من خطورة بقاء القطع البحرية العسكريةالامريكية في الخليج العربي، بعد انتهاء الحرب العراقيةالايرانية،على مصالح دول المنطقة بقوله: (ستصبح منطقة الخليج محكومةبالارادة الامريكية وربما يتطور الامر اذا ما حصلت الغفلة واستمرالضعف في موقعه، الى الحد الذي تسعى فيه امريكا الى تحديد كميةما ينتج من نفط وغاز في كل دولة، والكمية التي تباع الى هذه او تلكمن دول العالم، وتحديد اسعاره طبقا لنظرة خاصة تتصل بالمصالحالامريكية وتغفل فيه مصالح الاخرين). لهذا راحت الولايات المتحدةتخطط للعدوان على العراق الذي اخلت قوته العسكرية بالتوازنالاستراتيجي في المنطقة والذي كانت كفته قبل ذلك تميل لصالحالكيان الصهيوني.

وعند دراسة البيئة السياسية الدولية التي سبقت 2/ اب/ 1990، ندركان لقاء القمة/ الوفاق الذي تم في نيويورك بين الزعيم السوفياتيغورباتشوف ونظيره الامريكي ريغان انذاك في مطلع كانون اول/ 1987، كان بمثابة القدحة المباشرة التي فجرت الانتفاضة الفلسطينية،لان لقاء القمة هذا تعمد عدم التطرق للصراع العربيالصهيوني،ومن خلال ذلك اللقاء بدأت الادارة الامريكية تعمل على جعل منطقةالمشرق العربي ميدان اختبار لمصداقية القيادة السوفيتية فيالاستراتيجية المعلنة للتخلي عن الحرب الباردة والانتقال من سياسةالمواجهة الى سياسة الوفاق الدولي من جانب الاتحاد السوفياتيالسابق.

يضاف الى هذا المتغير، انتهاء الحرب العراقيةالايرانية في اب/ 1988، التي كانت مفاجئة بالنسبة (لبعض) الاوساط العربية التي لميرق لها ان تنتهي دون قرار منها، وهي التي كانت تغذيها بشتىالوسائل في السر والعلانية لضمان استمرارها الى ما تشاء، بهدفتدمير امكانيات العراق المادية والبشرية، رغبة منها في ابقاء المنطقةبكاملها تحت هيمنتها المادية على الاقل لتكييف اتجاهاتها وفقتوجهاتها السياسية والاقتصادية.

واكثر ما اخذ يقلق بعض الاوساط العربية والصهيونية، هو خروجالعراق من هذه الحرب باحترام اكثر الاوساط العربية والدولية، وبارادةصلبة لاعادة البناء، وبقوة عسكرية ذات خبرة قتالية فريدة قادرة علىدعم البنية السياسية العربية في مواجهة كافة التحديات التيتواجهها.

وبجانب هذا الامر اخذت اوساط خبراء النفط الغربية تتحدث عنحقيقة اخرى مفادها: ان قرب انحسار ونضوب النفط في العديد مندول العلم بات وشيكاً، ولا سيما في منطقة بحر الشمال وكندا واميركا،وان منطقة الخليج العربي والعراق وايران ستعود للهيمنة على اسواقالنفط العالمية في العقود القادمة.

يضاف الى ذلك، تراجع اميركا عن مركز الصدارة في ركب الاقتصادالعالمي وتحولها الى اكبر دولة مدينة في العالم، الامر الذي وضعالادارات الاميركية المتعاقبة على مفترق الطرق، فاما ان تستعيدمركزها من خلال مغامرة ما واسعة النطاق، او ان تصبح مجرد دولةهامشية على مسرح الاحداث الدولية.

وتأسيساً على هذه المعطيات وغيرها. اخذت الادارة الاميركيةتخطط منطلقة من حقيقة ان منطقة المشرق العربي ستكون عصبالسبق في المرحلة القادمة، ومن هنا جاء التنبؤ الصادر في بحثاميركي نشر في ايلول عام 1988، عن معهد دراسات الشرق الادنىالمؤيد للكيان الصهيوني ليقول بامكانية نشوب حرب جديدة في المنطقةالعربية.

ويعتقد القائمون على هذا البحث، بان الحرب ستنشب بين العربوالكيان الصهيوني، لان الوضع اخذ يتدهور بشكل تدريجي فيالمنطقة، ووصل الى نقطة خطيرة بحيث توسعت اقطار المنطقة التي قدتشارك في هذه الحرب الجديدة، وان وقف الحرب العراقيةالايرانيةسيدفع هذه الاقطار الى تنشيط الاهتمام مرة اخرى ضد الكيانالصهيوني.

وفي هذه الفترة باشرت واشنطن ولندن وتل ابيب بحملة شعواء ضدالعراق متهمة اياه باستخدام الاسلحة الكيماوية ضد الاكراد اثناءحربه مع ايران وبعد انتهاءها، الامر الذي دفع بمجلس السفراء العربفي العاصمة البريطانية لندن للتنديد بالمواقف العدائية والافتراءاتالاعلامية التي تروج لها وسائل الاعلام البريطانية ضد العراق.

وبعد هذا التنديد الديبلوماسي العربي بخمسة ايام تم الاعلان عنجولة خاصة لوزير الدفاع الاميركي فرانك كارلوتشي انذاك فيالسعودية وسلطنة عمان والبحرين والكويت، ومحادثاته مع مسؤوليهذه الدول تناولت مجال التسلح والشؤون العسكرية والامنية،والزيارات تمت في 26/ك1/ 1988.

بعد ذلك باربعة اشهر ترأس قائد القوات الاميريكية في منطقة الشرقالاوسط وليام فوغوتي وفداً عسكرياً اميركياً رفيع المستوى في زيارةللبحرين، التقى خلالها مع رئيس حكومتها الشيخ خليفة بن سلمان آلخليفة، ولم يكشف النقاب عن المواضيع التي تم بحثها في تلك الزيارة.

في هذه الاثناء، ورغم انتهاء الحرب العراقيةالايرانية والتزام الطرفينبوقف اطلاق النار. الا ان واشنطن لم توافق على سحب قطاعاتهاالحربية من مياه الخليج، كما انها اقنعت الكويت بالكف عن المطالبةباعادة رفع العلم الكويتي بدل العلم الاميركي على ناقلاتها النفطية اوالاستغناء عن مرافقة القطع الحربية الاميركية لهذه الناقلات اثناءابحارها في مياه الخليج العربي.

وعلى الصعيد ذاته، مارست واشنطن ضغوطاً على دولة قطر لاعادةصواريخ ستينغر المضادة للطائرات، وهي من صنع اميركي، كانتقطر قد اشترتها من المجاهدين الافغان بدفع من الامريكان، والحجةالتي قدمتها واشنطن بهذا الشأن، ان هذه الاسلحة تخل بالتوازنالقائم في المنطقة، وتهدد عملية الوصول الى تسوية سياسية لنزاعالشرق الاوسط في اطار الوفاق الدولي القائم.

وفي 11/ ت1/ 1989، صرح قائد القوات الامريكية في الخليج العربيالجنرال نورمان شوارتسكوف: ان الولايات المتحدة ستهب لانقاذالكويت اذا ما تعرضت لهجوم، وان رد فعلنا سيكون مماثلا لما حدثحين جاءت الكويت وطلبت معونتنا بشأن ناقلات النفط.

السؤال الذي يطرح نفسه عند قراءة هذا التصريح الخطير للجنرالشوارتسكوف الذي قاد فيما بعد قوات العدوان الشامل ضد العراق. هذا السؤال هو: من أي طرف يمكن ان يأتي العدوان ضد الكويت؟

لكن التحركات الاميركية والتصريحات التي رافقتها، توخت تفتيتجبهة دول الخليج العربي التي كانت مؤيدة للعراق بصورة او باخرىابان الحرب العراقيةالايرانية، وربط هذه الدول بقيود امنية وعسكريةمع اميركا تمهيدا لمنحها دورا كبيرا في المراحل اللاحقة من المؤامرة. والتطورات اللاحقة اثبتت بشكل لا يقبل التأويل، ان الكويت تحولت منحصان طروادة اميركية في المنطقة الى راس حربة للمؤامرات ضدالعراق بصورة خاصة.

لقد كشفت الفترة الزمنية الممتدة بين 8/8/ 1988 و 2/8/ 1990، بانال صباح اقدموا على عدة خطوات خطيرة استهدفت مكانة العراقالسياسية والاقتصادية منها: التلاعب باسواق صرف الدينار العراقي،واغراق اسواق النفط بكميات كبيرة من النفط الخام بغية تخفيضاسعاره، وقد مارست دولة الامارات هي الاخرى نفس الاسلوب، الامرالذي زعزع مكانة منظمة الاوبك امام الدول الصناعية المستهلكة للنفطواحداث خللاً في برامج ميزان المدفوعات الخارجية للعراق، وفي خطةتسديد الديون المستحقة عليه.

وقد نبه العراق الى هذه السياسة الخطرة والى تجاوز الكويت علىاراضيه وسرقة نفط حقول الرميلة الحدودية، وذلك بارسال مبعوثين،ولكن دون جدوى. وفي قمة بغداد العربية في ايار/ 1990 وبحضوركل القادة العرب، وصف صدام حسين هذا العمل بالحرب ضد العراققائلاً: (.. ان الحرب تحصل احيانا بالجنود.. واحيانا اخرىبالاقتصاد، وللذين لا يقصدون شن الحرب على العراق اقول انهذا نوع من الحرب على العراق).

وخلال استقباله لوزير النفط السعودي هشام الناظر في 9/ تموز/ 1990 حذر صدام حسين ثانية من خطورة التمادي في مؤامرة تدميرالاقتصاد العراقي بقوله: (لن اقبل لنفسي ان يجوع العراقيون وانتتعرى نساء العراق بسبب العوز).

واعاد صدام حسين التحذير في خطابه في 16/تموز/ 1990 مذكراًبخسارة العراق التي بلغت انذاك اكثر من 14 مليار دولار مطلقاً القولالمأثور (قطع الاعناق ولا قطع الارزاق).

وثبت العراق بالارقام والوقائع ضلوع الكويت في التآمر عليه في رسالةوزير الخارجية في 15/7/1990 الى جامعة الدول العربية، ومما جاءفيها: (ان اعتداء حكومة الكويت على العراق اعتداء مزدوج بتجاوزهاعلى اراضينا وحقولنا النفطية، وسرقة ثرواتنا النفطية، وان مثل هذاالتصريف بمثابة العدوان العسكري). ولم يتراجع الكويتيون عن دورهمفي ايذاء العراق وانكار حقوقه العادلة حتى عندما تدخل عدد منالزعماء العرب لتسوية هذا الموضوع، وعقد اجتماع في جدة في 30/ تموز 1990 بين نائب رئيس مجلس قيادة الثورة عزت الدوري ووليعهد الكويت، مما اثبت انهم مصممون، وبدفع اميركي، على المضيفي مؤامرتهم ضد العراق، ولهذا، وجد العراق نفسه مرغما للتصرفبالطريقة التي حدثت في 2/اب/1990 لاسترجاع حقوقه.

من جهة اخرى، فقد تم كشف النقاب عن ان الكويت كانت طيلة فترةالحرب العراقيةالايرانية تستغل سكوت العراق وتنهب حقل الرميلةلحسابها الخاص وكأنها تنفرد في ملكيته، بحيث استفادت من هذهالعملية اكثر من (12) مليار دولار من حصة العراق، وعندما طالبهاالعراق بحصته رفضت حتى النظر بهذا الطلب، ورفضت حتى في اخرالمطاف وساطة السعودية التي ابدت استعدادها بدفع عشرة ملياراتدولار من خزينتها لانهاء الخلاف القائم بين العراق والكويت.

ولم يقتصر الامر على ذلك بل اخذت الكويت تحتل المركز الريادي فيجر دول مجلس التعاون الخليجي لتكثيف التعاون مع العائلة الحاكمةاولا ومن بعدها مع المجموعة الاقتصادية الاوربية والولايات المتحدة،ناهيك عن ان آل سعود في الرياض هم السباقون في هذا الميدان.

والكويت من حيث موقعها الجغرافي المحاذي للحدود الجنوبية للعراق،تتحكم بمنفذ العراق الوحيد على البحر مع ايران، ومن حيث قوتهاالمالية والنفطية واستثماراتها الخارجية الضخمة تتمتع بثقل وتأثيرتظن انها من خلاله تستطيع ان تلعب مثل الدور آنف الذكر، سيماوانها ذات علاقات متقدمة مع الاتحاد السوفياتي السابق مقارنة ببقيةالدول الخليجية.

وفي الوقت الذي زادت الكويت من حدة لهجتها تجاه العراق، تضاعفتاساليب الاستفزازات البريطانية والاميركية ضد بغداد، واخذت تطفوعلى السطح اشاعات مفادها ان العراق يسعى للحصول على اجهزةتفجير الكترونية لاستخدامها لاسلحته النووية. فقد اعلنت وزارةالخارجية البريطانية ان بريطانيا قررت طرد مواطنين عراقيين اثنينمتهمين بمخالفة القوانين بتصدير الاسلحة، حيث زعمت عن ضبطاجهزة تفجير بحوزتهما يمكن استخدامها لتفجير شحنات نووية. وفيوقت لاحق اعلنت واشنطن عن ضبط مثل هذه الاجهزة لديها هيالاخرى.

وفي اواسط شهر اذار من عام 1990، نفذ العراق حكم الاعدامبالجاسوس البريطانيالايراني الاصلفرزاد بازوفت الذي اعترفبانه كان يعمل لحساب بريطانيا والكيان الصهيوني، وان مهمته تمثلتفي التحري عن قدرات العراق النووية. وقد واكبت اعدام هذاالجاسوس حملة واسعة جديدة ضد العراق كان مصدرها واشنطنولندن وتل ابيب.

وفي اواخر نفس الشهر قامت السلطات البريطانية باجراء استجوابدقيق لرجال اعمال بريطانيين، بحجة تورطهم بمؤامرة مزعومة لنقلالتكنولوجيا المتطورة للعراق، ومن بينها اجهزة تفجير نووي، وكذلكمعدات بحرية واجهزة تفجير صوتية للالغام.

وقد واكب هذه الحملة المزعومة تهديدات متواصلة من الكيانالصهيوني بانه سيعمل على شن حملة وقائية ضد العراق بهدفحرمانه من استكمال قدراته العسكرية النووية بشكل خاص وسلاحالدمار الشامل بشكل عام، الامر الذي دفع بصدام حسين للرد علىهذا التهديد، حيث اطلق تحذيره المعروف بان العراق سيحرق نصفاسرائيل ان هي اقدمت على مثل هذا العدوان.

بناء على كل ما تقدم من تحركات وتصريحات، لا يمكن القول بانالظروف المحيطة بالعراق والتي سبقت دخول الجيش العراقي الكويت،بانها كانت ظروفا عادية او ان منطقة الخليج العربي قد استعادتبالفعل قسطاً من الهدوء والاستقرار بعد سنوات الحرب الثمانية التيكانت فيها مشدودة بكل اعصابها لمجريات الاحداث في ميادين القتالالذي كان دائرا بين العراق وايران.

وفي الاشهر التي سبقت 2/اب لم يترك العراق باباً الا وطرقه لتسويةالخلافات التي كانت قائمة بينه وبين الكويت، وكان واضحا في مواقفهسواء على صعيد الاوبك او على اصعدة اللقاءات العربية، مثل مؤتمرقمة مجلس التعاون العربي الذي انعقد في شباط من عام 1990 اومؤتمر القمة العربية التي انعقد في بغداد في ايار/ 1990. كما وقامبتوسيط عدة دول خليجية وخاصة السعودية التي بذلت جهودا كبيرةلتسوية الخلافات واستضافة وفوداً من الطرفين لهذه الغاية. لكنالكويت كانت تستند للجدار الامريكي الذي كان يدفعها لمزيد منالتعنت، ولم تسأل الحكومة الكويتية نفسها عن الاسباب او الغاية التييمكنها ان تحققها من وراء هذه الممارسات.

وعندما وصلت الامور الى الطريق المسدود الذي رفض فيه شيوخالكويت حتى ان تدفع السعودية الحصة الكبرى من المبالغ المختلفعليها وتمهيد الطريق لفتح صفحة جديدة من العلاقات بين بغدادوالكويت. عندها وجدت القيادة العراقية نفسها مضطرة لاتخاذ قراردخول الكويت. وهذه الخطوة من جانب العراق افقدت الادارة الامريكيةصوابها وجعلتها تنتقل من التحدث باللغة الدبلوماسية المنمقة الى اللغة(السوقية المبتذلة) وتستعمل اقذع الاوصاف والالفاظ ضد صدامحسين. وانجرت وراءها اغلب الدول الغربية بشكل تلقائي وفضلت عدمردها عن غيها هذا رامية هي الاخرى مبادئ الانسانية والديمقراطيةمن خلف ظهرها، واخذت تدق معها طبول الحرب وتشحذ الهمم تخوفاًمن انقطاع النفط عنها.

وهذه قضية حساسة للغاية اخذ الغرب يستغلها منذ يوم 2/اب حيثاعتبرت الاوساط الغربية ان العراق بسيطرته على الاحتياط الهائل منالنفط في الكويت، وبالودائع والاستثمارات الكويتية في الخارج،يستطيع تركيع العالم المالي والصناعي الغربي.

فور دخول القوات العراقية الكويت، بدأت تحركات الادارة الاميركيةواتباعها.. ففي يوم 4/ اب صدر قرار اميركي بتجميد ارصدة العراقوالكويت في البنوك الخارجية بغية منع العراق من الاستفادة من أيمبالغ مالية في الخارج، وقد التزمت جميع الدول الغربية بهذا القرار،ولحق به قرار صادر عن مجلس الامن رقم (660) يقضي بفرضانسحاب عراقي فوري من الكويت، وبعدها تم افشال مؤتمر القمةالعربي الاستثنائي الذي انعقد في القاهرة والذي كان يتوخى تسويةالازمة عربيا.

وفي هذه الاثناء كانت السعودية واضحة في موقفها والمتمثلة بمعارضةاستقبال قوات اجنبية في اراضيها بهدف اخراج العراق من الكويتبالقوة. لكنه بعد وصول وزير الدفاع الاميركي اليها في السابع مناب/ 90 تغير موقفها بحيث التزمت باستقبال قوات اميركية وقواتحليفة اخرى.

ومنذ ذلك الوقت اخذت واشنطن تحول وبشكل فاضح مجلس الامنالى اداة طيعة في يدها، فتعاقبت القرارات التي اخذت تعزل العراقبشكل كامل وتفرض عليه حصارا محكما برا وبحرا وجوا. ولم تتحركالادارة الاميركية لاي طرف يقع تحت نفوذها او تستطيع الضغط عليه،لم تترك له أي مجال لاتخاذ موقف حيادي، واخذت تهيء الظروفالاقليمية والدولية للضربة العسكرية الذي اخذت الدول الغربيةوالشرقية على حد سواء للاسهام بها ارضاء لخاطر الولايات المتحدةالتي وزعت الادوار والاعباء. والدول التي حاولت التوسط مثل الصينمارست ضغوطا عليها بكل الوسائل للكف عن مثل هذه المحاولات.

ففي 5/ ت2/ 90، ذكرت انباء صحفية، ان بريطانيا واميركا حذرتاالصين من مغبة طرح مبادرة لحل ازمة الخليج سلميا خلال جولة وزيرخارجية الصين (جيان جي تشن) للدول العربية والتي دعا فيها لحلعربي لازمة الخليج. حيث قال اثناء مباحثاته مع بعض الزعماء العرب: ان الموقف الصيني يدعو لانسحاب العراق من الكويت وسحب القواتالاجنبية من منطقة الخليج وتسوية الازمة في اطار العمل العربي.

وقالت صحيفة الاتحاد الظبيانية نقلا عن مصادر حكومية في واشنطنولندن انهما ربطتا هذه المساعي بمسألة التعاون الاقتصادي بينهماوبين الصين بموقف الصين من هذه القضية، خاصة فيما يتعلقبالجانب السياسي لحل الازمة.

واثناء ما كانت بريطانيا واميركا تدقان طبول الحرب وتحشدان القواتالعسكرية في الخليج العربي، كان الرئيس الفرنسي فرانسوا ميترانيزور مصر، حيث التقى الرئيس المصري حسني مبارك في 4/ ت2/ 90، بحث معه ازمة الخليج، وحث الاثنان على ضرورة ايجاد حلسلمي للزمة، وشجعا على السعي لاستبعاد أي حل عسكري. ورأىالطرفان ضرورة تطبيق الحظر المفروض على العراق بهدف تحاشيالحرب.

من ناحية اخرى، كشفت صحيفة الشروق التونسية النقاب عن انقاعدة (راس بناس) المصرية البحرية قد اعطيت للاميركان على اعتبارانها صارت قاعدة دائمة في خدمتهم، وهذه اول مرة يسمح فيهاباعطاء اميركا قاعدة عسكرية دائمة في مصر.

وفي هذا الاطار ايضا، حذر وزير خارجية فرنسا الاسبق ميشيلجوبير من ان الولايات المتحدة تريد من وراء تدخلها العسكري فيالخليج اعادة توزيع الخارطة السياسية للمنطقة وتنصيب اسرائيلحارسا يقظاً على التقسيمات الجديدة. واكد ان الاميركان لا يريدونحلا للقضية العربية وانما يريدون بشكل اساسي التواجد العسكريبصورة دائمة في المنطقة العربية، فهل يتطابق هذا مع تطلعات الشعبالعربي لا الحكومات العربية.

وفي هذا السياق، علقت جريدة الثورة السورية تقول: ان مسعىالولايات المتحدة المزعوم من اجل السلام يهدف الى اخضاع المنطقةالعربية باسرها للسيطرة الاميركية واطماعها في النفط، وان هذاالمسعى ظاهره من اجل السلام وباطنه التشجيع على العدوان بغيةاخضاع المنطقة العربية باسرها للسيطرة الاميركية واطماعها فيالنفط، وان دعم اسرائيل هو جزء من خطة عدوانية تستهدف تمكيناسرائيل من تنفيذ اطماعها في تصفية القضية الفلسطينية وبلوغهدف اسرائيل الكبرى.

والموقف السوفياتي في تلك الفترة التي سبقت العدوان، كان يتمثل فيدعوة الملك الحسن الثاني للعمل على عقد قمة عربية استثنائية لبحثازمة الخليج، وهذا ما نادى به نائب وزير الخارجية السوفياتيبيلونوغوف اثناء جولة له في دول المغرب العربي، وقد حث العراق علىالانسحاب من الكويت، واكد مجدداً ان بلاده تعارض ضم العراقللكويت وانها تقف لجانب تحركات مجلس الامن الدولي من قضيةالخليج.

اما بريماكوف المبعوث الخاص للمنطقة العربية من الزعيم السوفياتي،فانه دعى الى تاخير اصدار قرار من مجلس الامن يجيز استخدامالقوة ضد العراق. وذلك لافساح المجال للتفاوض بشأن انسحابالعراق بشكل سلمي من الكويت، واذا ما فشلت هذه المبادرة فلا يتعينعلى مجلس الامن الموافقة فقط بل يجب القيام بعمل عسكري شبهفوري ضد العراق، وقال: انا لا اؤيد التهديدات الجوفاء بامور خطيرة.

وفي مقابلة مع التلفاز الاميركي قال بريماكوف: انه يعتقد ان العراقيخفف على ما يبدو من موقفه، وانه مستعد لسحب قواته من الكويتمقابل تعهد باجراء محادثات بشأن مشكلات الشرق الاوسط.

وموقف تركيا لم يكن واضحا بعد زيارة جيمس بيكر وزير الخارجيةالاميركية لانقرة في شهر تشرين الثاني من عام 90. فقد اعلن الناطقبلسان وزارة الخارجية التركي: انه لم يعط لبيكر ضمانات تركيةللاشتراك في تدخل عسكري محتمل ضد العراق، لكنه كرر ان قراراتالامم المتحدة ومجلس الامن ستكون ملزمة، وانه ليس لتركيا اية مطالباقليمية لا من جارتها سوريا ولا من العراق. وان تركيا تحترم سلامةالعراق الاقليمية كما كانت قبل ازمة الخليج.

اما الادارة الاميركية، فقد كان لها تصوراتها الخاصة. ففي مؤتمرالامن والتعاون الاوربي الذي انعقد في باريس في 20/ ت2/ 90، اكدالرئيس بوش الاب ان نجاح وثبات المبادئ الديمقراطية في اوربا رهنبتطبيقها في شتى انحاء العالم، ويجب الدفاع عن هذه المبادئ فيالخليج بالعمل من اجل انسحاب العراق من الكويت.

وقال: ان المبادئ التي قادت نجاحنا في اوربا ليست لها حدودجغرافية، وهذه المبادئ تنتهك بشكل صارخ في الخليج، وانه اذا كانتاوربا والولايات المتحدة متفقان على مبادئ حقوق الانسان ونظام دولةالقانون، وتريد المحافظة عليها في قارتينا، فانه يتعين عليها المحافظةعليها في جميع انحاء العالم.

الا ان رئيسة الحكومة البريطانية السابقة مارغريت تاتشر، كانت اكثرمنه صراحة، حيث قالت: ان الولايات المتحدة وبريطانيا متفقتان علىالتقدير بان القوة العسكرية ستستعمل اذا لم ينسحب العراق منالكويت.

وليس في كلام بوش او تاتشر المعلن مربط الفرس في الازمة بل فيكلام وصيفهما بريان مولروني رئيس الحكومة الكندية الذي قال: انالتسلح الفائق للعراق يفسر جزئيا ازمة الخليج، وان الوضع الحاليفي الخليج يرغمنا على الاقرار بان مراقبة افضل من ذي قبللصادرات الاسلحة يجب ان تصبح شأن العالم اجمع.

اذن، فالازمة بالنسبة للغرب لا تتمثل في الديمقراطية المهددة فيالخليج ولا في المبادئ او في نظام دولة القانون كما ادعى بوش بانهاباتت مهددة في الخليج وانما في التسلح الفائق للجيش العراقي، وانالوضع القائم يرغم الغرب على تجاوزه.

وهذا التصريح من رئيس الحكومة الكندية مولروني ليس جديداً، فقدسبقته جريدة واشنطن بوست الاميركية، واعلنت عنه حيث قالت: انتصريحات الرئيس صدام حسين التي هدد بها اسرائيل، دقت جرسالانذار عند اثنين من مساعدي وزير الخارجية الاميركي جيمس بيكر،وهما مدير التخطيط السياسي دينيس روس، ومساعده لشؤون الشرقالاوسط جون كيلي اللذان قالا لبيكر على الولايات المتحدة ان تبعثبرسالة واضحة للعراق، وتفرض عليه عقوبات اقتصادية جديدة، وتحدمن الصادرات الاميركية للعراق، وترسل له اشارة فيها انها متشددةفي موقفها تجاه الازمة.

وفي هذه الاثناء بدأت الجماعات الصهيونية تتحرك لمنع بيع اميركاللسعودية صفقة سلاح قيمتها (14) مليار دولار، وبذلك انتقلتالتنظيمات الصهيونية من المعارضة الصامتة الى العلنية في مواجهةالتهديد المحتمل من العراق، وقال سولتانيك نائب رئيس المنظمةاليهودية العالمية: ان مبيعات الاسلحة للسعوديين لن تردع العراق ولنتضمن سوى ضرورة بقاء الجنود الاميركان هناك.

واستشهد سولتانيك بالكويت كمثال على ضياع اسلحة غربية بملياراتالدولارات بتدمير القوات العراقية لها او استلائها عليها خلال (12) ساعة.

وقال معقباً: نحن نؤيد سياسة بوش في مسألة الخليج لكننا لن ندعاسرائيل تصبح كبش فداء لتلك السياسة.

الا ان الكيان الصهيوني ليس كبش الفداء كما يزعم هذا الصهيونيالاميركي وانما المنطقة العربية وغيرها هي اكباش فداء للاطماعالصهيونيةالاميركية. فقد اكد رئيس لجنة العلاقات الخارجية فيالبرلمان الاوربي وقتئذ كلود شيسون: ان اسرائيل قامت بدفع الولاياتالمتحدة للاسراع في العدوان على العراق بغرض تدمير قدراتهالعسكرية. ونبه الى خطورة المعضلات التي تواجه المنطقة العربية ولاتقبل الانتظار طويلاً. وجاء ذلك في حديث مع جريدة الصباحالتونسية.

من الطبيعي ان هذا الباع الطويل للغرب والصهاينة في المنطقة لميكن متوفر دون التغيرات التي طرأت على الاتحاد السوفييتي السابقودول اوربا الشرقية التي اخذت تتسابق في دفع المهاجرين اليهودللكيان الصهيوني او تقديم نفسها كجسر يعمل ليل نهار لنقل اليهودالسوفيت الى الكيان الصهيوني بغية كسب ود واشنطن وتل ابيب.

هذه السياسة من جانب الاتحاد السوفياتي بشكل خاص ضمنت لهحضوراً واضحاً في المنطقة العربية، وصار شريكا معترفا به في هذهالمنطقة، ولم يعد هذا الحضور يلقي معارضة من السعودية والكيانالصهيوني وبقية حلفاء اميركا وحتى الاخيرة نفسها.

وقد توقع احد مسؤولي وزارة الخارجية الاميريكية في بداية ازمةالخليج حدوث تعاون بين اميركا والاتحاد السوفياتي لحل جميعنزاعات المنطقة العربية، وان هذا التعاون برزت معالمه في قمةهلنسكي التي انعقدت في العاصمة الفلندية بين بوش وغورباتشوففي تشرين اول من عام 1990.

وقال هذا الديبلوماسي الاميركي: ان من المنطقي ان يرحب الرئيسبوش بالاتحاد السوفياتي كشريك ليس فقط في نظام دفاعي اقليميخاص بالمنطقة العربية، بل وكذلك في ضمان تسوية النزاع العربيالصهيوني وان اعادة احياء عملية السلام الصهيونيةالفلسطينيةتحت رعاية الامم المتحدة والتي تخلى عنها الكيان الصهيوني قبلالتأييد الفلسطيني للعراق اصبحت ضرورة كحل بديل للعنفوالارهاب.

على اية حال، فان التعاون الاميركيالسوفياتي لادارة دفة تطويرالاحداث في العالم لا سيما في منطقتنا العربية صار السمةالاساسية، وقد تجلى ذلك ابان وبعد ازمة الخليج. ففي 18/ ايلول/ 1990 قالت مصادر حلف شمال الاطلسي في بروكسل، ان الاتحادالسوفياتي وافق على اعارة اميركا سفينة ضخمة لنقل المعداتالعسكرية الى الخليج في بادرة ملفتة للنظر للتعاون في فترة ما بعدالحرب الباردة.

وقال مصدر مسؤول في الحلف: ان هذه سابقة لم تحدث من قبل ولميكن هذا الامر يصدق في يوم من الايام، والان تم تقديم هذا العرضللاميركان الذين قبلوه بدورهم.

وقضية التعاون السوفياتيالاميركي والوفاق بينهما على حسابالمنطقة العربية، قضية معروفة قبل 2/ اب/ 1990، وقد نبه لها الكاتبالمصري المعروف لطفي الخولي الذي قال: ان العالم العربي صارموضوعا اساسيا وميدانيا لمعركة بناء الوفاق الدولي الصعبة سيما وانالولايات المتحدة ترى في نهج الاصلاح السوفياتي تحدياً لها، وانالعالم الثالث وبشكل خاص العالم العربي هو الميدان الرئيس لوضعسياسة الوفاق الدولي مع الاتحاد السوفياتي موضع الاختباروالتجربة، الامر الذي سيفجر بشكل حتمي قلقا ملحوظا في العالمالعربي، سيما وان سياسة الوفاق ستبقى حتى اواسط التسعيناتعلى الاقل تراوح بين المد والجزر حتى تستقر عند منتصف الطريقالتاريخي، وبعدها يتم اللقاء وبناء عالم جديد سواء بالرضا اوبالاكراه، من جانب الدول المتقدمة والدول النامية على حد سواء.

ويضيف الخولي في تحليله الذي سبق به الاحداث فيقول: ان مرحلةتوازن المصالح قد حلت محل توازن التسلح، والمنطقة العربية المتاخمةلحدود الاتحاد السوفياتي وذات القدرة الاختصاصية الهائلة تخلخلتوازن المصاالح الذي يسعى كل من الطرفين لبنائه حسب متطلباته.

والرئيس الاميركي بوش وضع تصورا مرحليا للنظام الجديد هذا، ففيخطاب له القاه امام الكونغرس في 11/ ايلول/ 1990، قال: ان نظامادوليا جديداً سيولد من هذه الازمة المظطربة، لان ازمة الخليج وعلىخطورتها تشكل مناسبة استثنائية للتقدم نحو مرحلة تاريخية للتعاونبين الشعوب.

وتقول مجلة (Le point) الفرنسية في ردها على هذا التصور: اذا ماتجاوزنا الجانب الايديولوجي النظري، فان الخطاب يكشف النقاب عنالاستراتيجية، وان انتهاء الحرب الايديولوجية بين الشرق والغرب،والضعف المتنامي الذي يصاب به منافس الامس (موسكو) يسمحانللولايات المتحدة بان تخرج بمكاسب لم تكن ليألمها سابقا من القضية.

هذا، وقد تنبأت المجلة الفرنسية، بان الضعف يكمن في القوة الاميركيةالتي حشدتها ابان ازمة الخليج، حيث تقول: وتبدو مخاطر التراجعالاقتصادي حقيقة بالنسبة للولايات المتحدة، فالمؤشرات الاقتصاديةليست حسنة، والتضخم المالي يبدو بئرا دون قعر، في الوقت الذيتنشر فيه حكومتها قواتها العسكرية، كما لم تفعل منذ حرب فيتنامويصل الاميركان الى واقع يدركون فيه انهم لا يملكون وسائل تنفيذسياستهم، مما يشكل سببا هاما للقبول بواقع ان عليهم من الانفصاعدا ان يتقاسموا اكثر من ذي قبل مسؤوليات التزاماتهم ومواقفهمالاستراتيجية، كما يتقاسمون مصاريفها مع سواهم.

من هنا، فان بوش يتذمر من الوضع الذي نجم عن الحرب مع العراق،فلا هو استطاع قصم ظهر العراق عسكريا وسياسيا (وقتئذ) وفشلفي تليين موقف الكيان الصهيوني، ولم يجعل من الكويت دولة يحكمهاالقانون والحضارة العصرية والديمقراطية، ولم يرض الاطراف التيتحالفت معه في الحرب، واخذ يعلن على رؤوس الاشهاد، انه صار منالمستحيل عليه حشد هذه القوى مرة ثانية اذا ما اخفقت مساعيه فياطفاء الحرائق السياسية المضطربة والمتعددة في المنطقة العربية اوغيرها من مناطق العالم الغاصة بالازمات سيما وانه صار الطرفالوحيد في العالم الذي يصر على ان تسير الامور حسب اهوائه بعدان اصاب الشلل التام جميع الهيئات الدولية.

* التوثيق :

صحيفة الاتحاد (الظبيانية)، العدد– 28/9/1988.

صحيفة الرأي (الاردنية )، الاعداد– 14/ 5/ 1989، 22/11/1989،18/ 3/1990، 1/4/1990، 20/11/1990، 18/10/1990،19/9/1990، 14/5/1990.

صحيفة الدستور (الاردنية)، الاعداد– 1/12/1988، 12/10/1989،12/7/1990، 5/11/1990، 6/11/1990، 3/11/1990، 7/11/1990،18/11/1990، 30/9/1990.

صحيفة صوت الشعب (الاردنية)، الاعداد– 26/11/1988،2/4/1989، 5/11/1990، 12/11/1990، 10/10/1990،23/9/1990.

صحيفة الثورة (العراقية)، العدد– 23/1/1992.

[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات