وقفت امام باب دار نعيمة، في عگد من عگود (أزقة) بغداد القديمة، تنفيذا لمهمة كلفتني بها والدتي بعد أن انقطعت نعيمة، ودون سابق انذار، عن زياراتها شبه الأسبوعية للوالدة.
كانت الدار التي تقطنها، هي وأسرتها المكونة من بعلها وولدين اثنين، دارا بغدادية تراثية ترتفع بخمسة درجات عن ارض الکوچة (الزقاق الضيق داخل الطرف). طرقت الباب بمطرقة الباب النحاسبة الكبيرة (ترمز إلى أن الطارق رجل). تأخر الرد بعض الشيء لكن صوت نعيمة الخافت الهامس طرق مسامعي وسمعتها تسال من بعيد : منو؟؟ منو بالباب؟
سمعت وقع اقدامها تجرها جرا، وعندما عرفت من طرق بابها التي فتحته لتتلقفني وهي لاهتة، لتسالني؛ اشلونك يمة ؟ اشلونها امك؟.
ادخلتني صحن الدار، وهي حاسرة الرأس على غير عادتها، وهي تدعوني للجلوس “اگعد یمة اگعد” تستفسر بنفس لاهثة عن أحوال العائلة. قاطعتها مستفسرا عن صحتها التي كانت ولا شك متردية.
اجتبتني وهي تجلس، يگول الدكتور التهاب وكتب لي دواء. ومتى زرت الطبيب ؟ وهل بدأت بتناول العلاج ؟ سالتها متطلعا بوجنتيها التي كانتا محمرة من شدة الحمى. قالت، وهي تخفي وجهها عني، بعد مجبته (لم أحضره بعد) !! طلبت منها راچيتة الدواء حاولت التملص لكني اصريت متأكدا من عدم تمكنها من توفير ثمن الدواء .
أسرعت لاقرب صيدلية في شارع الرشيد لاصرف الراجيتة وعدت بالدواء لنعيمة تركتها بعدها لترتاح.
ولنعيمة ماض في عائلة والدتي فوالدتها لولو كانت مدبرة منزل المرحوم جدي في دارهم بكرد الباشا وبعد أن تزوجت والدتي دابت ابنتها نعيمة، على زيارتها كل اسبوع وشهدت ولادتنا وترعرعنا ونعيمة هي فرد من أفراد عائلتنا.
كانت من أصعب اللحظات تلك التي اخبرت فيها امي نعيمة بأننا سنقفل راحلين. لم تستوعب نعيمة أن امي التي كبرت معها سترحل وتتركها. وكانت ساعة الوداع من أصعب اللحظات التي رايت فيها امي ونعيمة تتفارقان واللوعة تخنق كلماتهن، سردتا سيرة حياتهن معا ممزوجة بخبرها وشرها مستذكرتان من رحلوا وبقت نعيمة ورحلنا. ومازلنا نستذكر نعيمة واولادها بالصور.