فرق كبير، بين أن تدور على الجيران، تطلب المساعدة، وبين أن تعرض عليهم فرصاً، فأنت في الأولى تستجديهم، و في الثانية تستثمرهم.
الصراع على الوجود، بات هاجس كل دول جوارنا، فالكل يريد أن يكون له قدم ويد، في أرضنا، و اختلفت الطرق لفرض ذلك الواقع.
فرض الوجود العسكري والسياسي، كان الأسلوب الأمثل- حسب إعتقادهم- للوصول إلى الهدف؛ تدخل عسكري على الحدود، دخول بصفة مستشارين عسكريين، فرض شخصيات معينة على العملية السياسية، كلها طرق لخدمة مصالحهم، و ضمان استمرار المكاسب.
نجحت هذه الطرق، في السيطرة على مقدرات البلد، و قرارته السياسية، و مصالحه الاقتصادية، فأدخلوه في صراعات و نزاعات، ليس له فيها ذيل ناقة، و فرضوا عليه وضع اقتصادي ريعي، يعتمد على تصدير النفط، و إستيراد كل شيء؛ فتوقف الانتاج الوطني، لغياب المواد الأولية، و إستلام المسؤولين حصصهم، جاهزة من الشركات المستفيدة.
تمكنهم من كل ذلك، لم يحدث بتدخل مباشر- على الاقل بشكل علني- بل بشخوص و مؤسسات، تنفذ ما يملى عليها؛ منها من يشغل أماكن حساسة، ينفذ فيها ما تمليه عليه اجندته، ومنها من يتكفل بإقناع المواطن بضرورة وجود هذا التدخل الخارجي، لحمايته من تدخل الاطراف الأخرى.
قدمت هذه الطرق، فوائد ضخمة لهم؛ لكن بالمقابل، خلقت أزمة كادت تطيح بالبلد، و هي احتلال ثلث العراق، من قبل أخس جيل، من الزمر التكفيرية، فانكشفت أقنعة الجميع، و عرف المواطن، أن من يدعي حمايته، له يد طويلة في دمار أرضه، و هلاك شعبه.
ظهور ملامح المؤامرة، كشف كثيراً من الوجوه، التي طالما ادعت الوطنية، و اثبتت الايام عمالتها الأجنبية، فسقط عدد كبير من ربيبي الأحضان المشبوهة، وفشلت خطط تمكينهم.
بات واضحاً عند جميع الأطراف، أن المواطن، مهما كان بسيطاً، يجب أن يصب الإهتمام عليه، لأنه هو من يستطيع ان يقلب الطاولة عليهم، فيما لو لم يقتنع، أو لم يطمئن لهم؛ و يفشل كل مخططاتهم، كما فعل حين أطاح، بعملائهم، وردهم خائبين من الفوز، بشرف تمثيله في مجلس النواب.
الأزمة الحالية، التي اصابت جميع أطراف النزاع، التي أفقدتهم أغلب مواضع قواهم ؛ جعلتهم ينظرون للعراق، كمكان جديد يعيدون فيه انتعاشهم، فبدأوا بإسترضاء الحكومة، لتسمح لهم بإنقاذ مصالحهم، بإستبدال سياسة الهدم، بسياسة اعادة الإعمار، لضمان العراق كسوق نشطة بديلة، بعدما تبادلت الاطراف العقوبات السياسية والاقتصادية على بعضها البعض.
إستثمارات، فرص عمل، عروض سخية لإعادة الإعمار، قنوات فضائية لدعم العراق، تسهيلات جبارة، كلها أساليب جديدة، لإستجداء رضا المواطن العراقي، وتحركات العراق، هي لضمان أكبر فائدة من هذه الفرص، التي تمثل نقلة نوعية و كمية هائلة، نحتاج الى وقت طويل، للوصول اليها بمفردنا؛ فلنحاول استرداد جزء مما أعطيناه، كجميل عندما كنّا الأخ الكبير والكريم، أو كإتاوات عندما أصبحنا الأخ المظلوم.