خاص : ترجمة – لميس السيد :
اجتمع في أيلول/سبتمبر 2012، أحد أكثر الدبلوماسيين الأميركيين احترامًا على المستوى العملي في إفريقيا، وهو “برينستون ليمان”، المبعوث الأميركي الأسبق إلى “السودان” و”جنوب السودان”، مع أعضاء مؤامرة سودانية للإطاحة بالرئيس، “عمر البشير”، المتهم بالإبادة الجماعية في “دارفور”.
انتظر ليمان، “صلاح غوش”، المدير السابق للأمن القومي السوداني والمتعاون مع “وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، لساعات من أجل لقاءه بأحد الفنادق الفخمة المطلة على نهر النيل في “القاهرة”، ولكنه لم يأت. وفي غضون ذلك، جرى تبادل الرسائل المبدئية بين “ليمان” وأعضاء مؤامرة الانقلاب لعدة أشهر.
وكمبعوث خاص لـ”وزارة الخارجية الأميركية”، وصف “ليمان”، المجموعة، كرجال عسكريين شعروا “بأنهم تعرضوا للخيانة المهنية” من قِبل قيادة “البشير”، حيث تواصلت مجموعة المؤامرة السودانية مع “ليمان”، في أوائل عام 2012؛ بعد تزايد الاستياء داخل الجيش وتصاعد الاتهامات ضد “الخرطوم” بالإبادة الجماعية، وتمويل الإرهاب، وشن حربًا ضد “جنوب السودان”.
قال “ليمان”، في حوار خاص لموقع (ديلي بيست) الأميركي: “كنت أدرك تمامًا حقيقة أنه لا يمكن أن تضمن تأييد سياسة الولايات المتحدة للإطاحة بقائد؛ حتى وإن كان متهمًا، لكنه يعتقد حينها أنه ينبغي على الولايات المتحدة التعامل مع أي شخص يسعى للإصلاح في السودان، خاصة إذا كان التغيير يأتي مع الحد الأدنى من الفوضى والمجازر”.
وقبل أسابيع من ذلك؛ كان قد ألقى “ليمان” خطابًا على المتآمرين وضع فيه أسس علاقة جديدة من الدبلوماسية بعيدة عن تأييد الانقلاب صراحة، لكنها تتبنى منهج التغيير داخل البلاد.
قال “ليمان”، في الأول من آب/أغسطس 2012: “سوف تظهر الحكومة نفسها مسؤولة، ملتزمة بالديمقراطية وباحترام حقوق الإنسان؛ وأستطيع أن أتخيل أن القوات المسلحة السودانية لم تعد واحدة من منتهكي المعايير الدولية”.
بالعودة إلى “القاهرة”، بعد بضعة أسابيع في أيلول/سبتمبر2012، انتظر “ليمان” لقاء “غوش”. وعلم “ليمان” أن “غوش” تم إدراجه إلى مؤامرة في مراحلها الأخيرة لإضفاء وجهًا سياسيًا لها؛ وأنه لم يضع الخطة بنفسه.
ولكن لسوء الحظ، كشف “البشير” عن المؤامرة؛ وتم اعتقال “غوش”. لكن التدخل الأميركي لم يتم الكشف عنه حتى الآن، وفقًا لـ (ديلي بيست).
واشنطن والخرطوم.. علاقة أصيلة رغم إدانات الإبادة بـ”دارفور” !
لم تقدم “الولايات المتحدة” أي دعم عسكري أو مالي أو أي شكل آخر للخطة، فقط كان هناك وعد بأن الحكومة الأميركية ستشارك مع القادة الجدد إذا نُفذت المؤامرة. ومع ذلك، فإن حقيقة لقاء “ليمان”، بالمشاركين في المؤامرة، هي علامة على العلاقة الأميركية الحميمة القائمة مع شخصيات عسكرية وسياسية سودانية رفيعة المستوى.
أخبر “ليمان”، موقع (ديلي بيست) حصريًا، بهذه التفاصيل قبل أيام من وفاته، في آب/أغسطس من العام الماضي. وقال إنه صمم على مشاركة القصة مع هذا الموقع الأميركي، لأنه أعتقد أنها تظهر أهمية الإصلاح في “السودان” والمخاطر التي يجب أن يتخذها الدبلوماسيون نحو ذلك.
أكد شهادته؛ وأضاف مزيد من المعلومات إليها، السيد “كولن توماس غنسن”، المستشار الخاص لـ”ليمان” في ذلك الوقت، وغيرهم ممن كانوا على دراية بالأحداث.
قال موقع (ديلي بيست)؛ أن الاحتجاجات الجديدة في “السودان” تقترب من نقطة غليان جديدة، وقصة “ليمان” باتت الآن تروي التاريخ، ويستند هذا المقال جزئيًا إلى مقابلات ووثائق من 13 مسؤولًا أميركيًا سابقًا عملوا في “وزارة الخارجية، والبنتاغون، ووكالة الاستخبارات المركزية”، ومناطق أخرى من الحكومة الأميركية.
قال “أليكس دي وال”، الأستاذ بجامعة “تافتس”؛ ومؤلف 7 كُتب حول “السودان”: “إن هذه الاحتجاجات خطيرة وأي خطوات تالية تتضمن أحد أمرين، إما أن يتنحى البشير بأمان وأن يضمن سلامته من قبل هيئة إقليمية، أو سينتهي الأمر من خلال إستحواذ تحالف من المسؤولين العسكريين والجيش”.
“غوش”.. وسيط وكالة الاستخبارات الأميركية في السودان..
يتمتع “غوش”، الذي يشغل الآن منصب رئيس جهاز الاستخبارات السوداني، بعلاقة خاصة مع “وكالة الاستخبارات المركزية” وغيرها من أجهزة الاستخبارات البارزة. وكان قد سافر إلى “واشنطن” على متن طائرة خاصة، في عام 2005، لمناقشة التعاون الاستخباراتي والحالة في “دارفور”، التي كان وزير الخارجية الأميركي السابق، “كولن باول”، قد أعترف بها، في أيلول/سبتمبر 2004، على أنها “إبادة جماعية”.
أكد الموقع الأميركي أنه حتى بعد الكشف عن بعض التفاصيل حول المؤامرة نصف المخبأة، لعام 2012، تمكن “غوش” من العودة إلى دائرة “البشير” الداخلية، في عام 2018، بدعم من “الإمارات العربية المتحدة” و”المملكة العربية السعودية”.
وقال مسؤول أميركي سابق؛ مطلع على الوضع: “إن المدى الذي تنقل به الولايات المتحدة أي رسائل تشكل التفكير في الخرطوم؛ يعتمد على الأرجح على ما تقوله وكالة الاستخبارات المركزية لصلاح غوش”.
وعلى الرغم من إدراج “السودان” كدولة راعية للإرهاب، منذ عام 1993، واتهام “الولايات المتحدة”، لـ”البشير”، في أكثر من مرة بـ”الإبادة الجماعية” بسبب تصرفات حكومته في “دارفور”، فإن التعاون بين البلدين كان وثيق الصلة بقضايا معينة تعتبرها “واشنطن” أولوية؛ وخاصة مكافحة الجهاديين الإرهابيين.
وعلى الرغم من أن وزير خارجيته قد اتهم، “البشير”، بالإبادة الجماعية في “دارفور”، فإن الرئيس السابق، “جورج دبليو بوش”، كان على اتصال سرًا بالزعيم السوداني، وفقًا لمسؤول في “البيت الأبيض”. وشمل ذلك مكالمة هاتفية، في كانون ثان/يناير 2005، عندما علم مجتمع الاستخبارات أن “البشير” كان يتناقش حول ما إذا كان عليه توقيع اتفاق يمنح استقلال لمنطقة “جنوب السودان”، حيث أقنع “بوش” في النهاية، نظيره السوداني، “البشير”، بالتوقيع على الاتفاقية.
اكتسبت العلاقة بُعدًا إضافيًا بعد حرب أهلية، في عام 2011، في “ليبيا”، خلقت كوكبة من الجماعات المسلحة. ومع موقعها الإستراتيجي الذي يقع على الحدود الجنوبية لـ”ليبيا”، إزدهرت علاقات مكافحة الإرهاب مع “الولايات المتحدة”، وجرت المحادثات الثنائية مرارًا وتكرارًا لإصلاح العلاقة السياسية مع “السودان”.