17 نوفمبر، 2024 6:31 م
Search
Close this search box.

المرأة بين مطرقة الحاجة وسندان العنف الوظيفي

المرأة بين مطرقة الحاجة وسندان العنف الوظيفي

انوثة مطرزة بالقوة، ونعومة معززة بالارادة، وضعف ظاهري جوهره الصمود، اذ ما اردناان نرسمها بالحروف، حنانها كالماء الذي بدونه تموت الحياة، وكبرياءها شموخ ومصدر لرجولة الرجال، الاستغناء عنها محال، والوقوف بين يدي امومتها، فرض من الله بخضوع واذلال، سجال في سجال دخولها في أي مجال، فتبا لمن اراد للجنة ان تزال، او تحولها من الصدارة الى الاذيال، تمارس حق العمل، امر ليس عليه جدال، 48% حسب الاحصاءات نساء عاملات معنفات هو الجدال.

الادوار التكاملية

إذا تأملنا الفروق بين الرجل والمرأة نجدها واضحة فيسيولوجيا وعاطفيا وإنفعالياوإجتماعيا وهذه الفروق حكمة الهية لتأدية أدوار تكاملية، وليست هذه الفروق قصد منهاالتمييز والافضلية وغيرها كما نلاحظ الان في مجتمعانتا .

تقول الباحثة الاجتماعية شيماء العوادي ان “سيادة الطابع الذكوري في المجتمع وتأثيره على قرارات وافكار المرأة اذ ان الرجل هو الاساس بكل شئ، أصبح دور المرأة مختصراًعلى الجلوس في البيت وإعداد الطعام وتحضير كل مستلزمات الحياة له، وظهر التمييزالنوعي ضد المرأة نتيجة لإختلاف هذه الأدوار.

وتؤكد على ان التمييز يكون على اساس الجنس واللون والعرق والدين، وما يهمنا هوالتمييز على اساس النوع الذي يطلق عليه الجندر“، وتوضح العوادي مصطلح الجندربالتالي يطلق على العلاقات والادوار الاجتماعية والقيم التي يحددها المجتمع لكل منالجنسين الرجال والنساءوتتغير وفقاً لتغير الزمان والمكان وذلك لتداخلها وتشابكها معالعلاقات الإجتماعية الاخرى مثل الدين والعرق والطبقة الاجتماعية.

مفهوم النوع

اذا تاملنا الإحصاءات التي نشرتها التقارير الصحفية والتنمية البشرية تعطينا صورةبالغة السلبية عن أوضاع المرأة وخاصة فيما يتعلق بنسبة الامية التي تنتشر بدرجة أكبرعند الاناث في مجتمع إضافة الى ظواهر اخرى من التمييز النوعي مثل ظاهرة الزواجالمبكر لأسباب اجتماعية واقتصادية ودينية عديدة، وكذلك ظاهرة ختان البنات والتحرشوالاستغلال الجنسي بشتى انواعه المختلفة.

يقول الدكتور يوسف حسن الاستاذ المساعد قسم العلوم التربوية والنفسية في جامعة السلام المصرية، ان هناك بعض النساء يعانين من القلق الناجم عن هذا التمييز النوعيوإذا ما أرادوا الخروج من دائرة المعايير الاجتماعية التي شكلت هذه الأنماط السلوكيةالنوعية يقابلها المجتمع بالرفض والصد، لذلك وفي اغلب الاحيان لا تستطيع المرأةالتعبير عن حالتها الداخلية الناجمة عن هذا التمييز .

مما قد يؤدي بها إلى حالة من التوتر والاحباط الشديد وإنخفاض في المزاج وكل هذهالعلامات تقودها الى ما يسمى بالقلق.

ويذكر الدكتور اسباب عدة لهذا التمييز النوعي “اضافة الى الاختلافات البايلوجية، فإنالخصائص الاجتماعية حسب الثقافات المختلفة أيضاً لها دور مماثل في تعريف الفردكأنثى أو كذكر وهو ما يطلق عليه النوع الاجتماعي“، اذ ان الادوار الاقتصاديةوالاجتماعية التي يؤديها النساء والرجال، دائماً ما تربط الرجل بدور الانتاج وهو يعتبرعمل تتابعي في حين للنساء ثلاثة أدوار : مسؤليات منزلية،عمل إنتاجي ونشاطاتاجتماعية، وكلها يجب أن تؤدي في آن واحد، وأدوار ومسؤليات النوع الاجتماعي تختلفباختلاف الثقافات ويمكن أن تتغير بمرور الوقت ولكن تقريباً في كل المجتمعات أدوارللنساء غير مقدرة.

خوف معتقل

يفسر فرويد نشأة القلق، بقوله “ان الاعراض تنشأ لكى تقىالانا من حالة الخطر واذامنعت الاعراض من النشوء تحقق الخطر فى الواقع ، ويفسر سكنر نشأة القلق علىاساس قانون الاثر باعتبار ان القلق ما هو الا استجابة انفعالية للمواقف التى تهددالفرد.

وعليه فأن قلق المرأة العاملة ياتي من الخوف من الاضطهاد في اماكن العمل والتمييز النوعي، ويذكر الدكتور يوسف حسن مجموعة من السلوكيات النمطية التي تدفع المرأة العاملة للقلق،”من السلوكيات النمطية التي يحددها المجتمع للمرأة حسب النوع هو حرمانها من عمل المرأة  في جوانب الحياة المختلفة.

او مفاضلات الدرجات الوظيفية والمؤهلات الجسمانية، فهي احد جوانب التمييز النوعي لأنها توجد في بيئة تهيئ لها مواجهة اشكال التمييز النوعي كافة، سواء كان بصورةقصدية أو غير قصدية مما يسبب لها بعض الضغوط النفسية والمهنية وبعض الاحباطاتوالتوترات التي من شأنها أن تؤدي بها الى رفع مستوى القلق.

احصائيات ودراسات

وجاءت نتائج الاستطلاعات والتقارير الخاصة بالتمييز النوعي ضد المرأة  صادمة للمدافعين عن حقوق المرأة، اذ بينت  ان هناك العلاقة بين التمييز النوعي والقلق لمجموعة معينة من النساء.

وتبين الدكتورة آمنة محمد عبد الكريم تدريسية في معهد دراسات المرأة والنوع والتنميةفي الاردن من خلال بحث اجراته على عينة من النساء العربيات انإستشعار التمييزالنوعي وظهوره بصورة واضحة في بيئة عمل المرأة، من خلال النظرة الدونية لما تقوم بهالمرأة من عمل في بعض المؤسسات، كذلك الحديث الواضح في بعض الاحيان عن عدمكفاءة المرأة وإدارتها للعمل، كما يرى بعض الاشخاص حتى بعض المتعلمين والمثقفين منمجتمعاتنا العربية، كما أن بعض المناصب والاعمال لا يمكن أن توكل للمرأة، وغيرهاشكل من أشكال التمييز النوعي.

وتضيف ” ان هذه النظرة التمييزية قد تكون واضحة من قبل بعض المتعلمين، لأن اغلبهميرى أن الدور الحقيقي للمرأة هو الجلوس في المنزل ورفد المجتمع بأبناء صالحين، أي أنيقتصر دورها بأن تكون ربة منزل.

وتشير عبد الكريم الى ان ” ما يعزر هذا الارتفاع في مستوى القلق الى بعض مظاهرالمضايقات التي تتلقاها المرأة العاملة في محيط العمل من إنتقاص لحقها وعدم إعارتهااهتهام احياناً، في النهوض والرقي بالمؤسسات التي تنتمي إليها، وعدم منحها التعزيزوالتحفيز المعنوي و المادي، كذلك عدم المساواة في الادارات بحجة ان بعض الادارات لاتستطيع المرأة تحمل مسؤليتها.

كل هذه الأسباب ساهمت في زيادة أشكال التمييز النوعي للمرأة خاصة المرأة العاملة، وقد تكون هناك بعض الآثار المصاحبة له، قد ينتج عنه إحباطات وتوترات من شأنها أنتؤدي بالمرأة العاملة الى زيادة وارتفاع مستوى القلق لديها.

الأثار السلبية للعنف ضد النساء

تتراوح الأثار السلبية للعنف ضد النساء على جملة من الاشكال النفسية، الصحية، الاجتماعية، واقتصادية، وغيرها الكثير من التأثيرات التي نلمس تبعاتها على ارض الواقع، فبالعودة الى الباحثة الاجتماعية إنَّ من أهم النتائج المُدمّرة لتبني العنف ضدالمرأة العاملة هو تدمير ذلك السلوك الفطري وهو التعامل بانسانية مع المحيط، والي يبدأ من فقدانها للثقة بنفسها، وعدم الشعور بالامان والتراجع في الاداء الوظيفي، وبالتالي قتل الابداع الذي كان سيكس بصورة ايجابية على المجتمع”.

وتشير العوادي الى ان ” من خلال معايشتي للنساء في مركز الارشاد الاسري فأن الاكتئاب، الاحباط، العزلة، فقدان الأصدقاء، ضعف الاتصال الحميمي بالأسر، نتائج خطيرة بسبب التميز النوعي والاضطهاد في اماكن العمل للمرأة”.

ويؤكد المحامي احمد الكربلائي إن “محاربة العنف كحالة إنسانية وظاهرة اجتماعيةعملية متكاملة تتآزر فيها أنظمة التشريع القانوني والحماية القضائية والثقافة الإجتماعيةالنوعية، والنمو الاقتصادي والاستقرار السياسي الديمقراطي، فعلى أجهزة الدولةوالمجتمع المدني بمؤسساته الفاعلة العمل المتكامل لاستئصال العنف من خلال المشاريعالتحديثية الفكرية والتربوية السياسية والاقتصادية، وهنا يجب إيجاد وحدة تصورموضوعي متقدم لوضع المرأة الإنساني والوطني، والعمل لضمان سيادة الاختياراتالإيجابية للمرأة في أدوارها الحياتية، وتنمية المكتسبات النوعية التي تكتسبها المرأة فيميادين الحياة وبالذات التعليمية والتربوية.

ويبين انه “كما لابد من اعتماد سياسة التنمية البشرية الشاملة لصياغة إنسان نوعيقادر على الوعي والإنتاج والتناغم والتعايش والتطور المستمر، وهي مهمة مجتمعية وطنيةتتطلب إبداع البرامج والمشاريع الشاملة التي تلحظعوامل التنمية على تنوع مصاديقهاالسياسية والإقتصادية والحضارية، إنَّ أي تطوّر تنموي سيساعد في تخطي العقباتالتي تواجه المرأة في مسيرتها العملية”.

التوعية والتثقيف

كما أن للتوعية النّسوية دور جوهري في التصدي للعنف، إذ لابد من معرفة المرأة لحقوقهاالإنسانية، وكيفية الدفاع عنها وعدم التسامح والتهاون والسكوت على سلب هذه الحقوق،وصناعة كيان واع ومستقل لوجودها الإنساني وشخصيتها المعنوية، وعلى فاعلياتالمجتمع النّسوي مسؤولية إبداع مؤسسات مدنية جادة وهادفة للدفاع عن المرأة وصيانةوجودها وحقوقها.

هذا ما اكدته ايمان التميمي وهي مرشدة اجتماعية في احد المؤسسات الدينية في كربلاء “أن للنخب الدينية والفكرية الواعية دورا مهما في صناعة حياة تقوم على قيمالتسامح والأمن والسلام، وفي هذا الإطار يجب التنديد العلني بالعنف الذي تتعرض لهالمرأة والإصغاء للنساء والوقوف معهن لنيل حقوقهن، ويجب أيضاً مواجهة المسؤولين إذاما تقاعسوا عن منع أعمال العنف ضد المرأة ومعاقبة مرتكبيها وإنصاف ضحاياها،ورفض الأفكار والتقاليد التي تحط من شأن المرأة وتنتقص من دورها ووظيفته.

وتضيف ” هناك الكثير من النساء اليوم المعنفات في مجال العمل سواء امتلاك مؤهلات وتواتجه تعسف اسري في رفض فكرة العمل، او موظفات يتعرض للاعتداءات اللفظية والجسدية والتمييز بالجنس، دون القدرة على البوح في هذه المشاكل مما يترتب باثارسلبية نفسية تنعكس على كل المرتبطين بها اسريا واجتماعيا لانها تعاني تأزم نفسي”.

وتوضح التميمي ان” لابد من تظافر الجهود للارتقاء بمستوى حماية المرأة، فالبرغم من وجود مساع حثيثة لايصال صوتها الا انها لاتزال لا تصل الى مستوى الطموح، فمن خلال معايشتي في الوسط النسوي فان اغلبهن يؤكدن انه لاتوجد حماية قانونية كافية ولا اجتماعية ولاعشائرية باعتبار ان العرف هو السائد في البلاد”.

وولفتت التميمي الى امر مهم وهو دور الاعلام “بما اننا اليوم نعيش عصر المعلوماتية والاعلام، فللاخير دور كبير في صناعة ثقافة متطورة تجاه المرأة، كوجود ورسالة ودورإنساني، وعليه تقع مسؤولية مضاعفة لخلق ثقافة الإنسانية والمساواة في العلاقات،فعلى وسائل الإعلام المتنوعة اعتماد سياسة بنّاءة تجاه المرأة وإقصائية لثقافة العنفالمُمارس ضدها.

فعلى سبيل المثال يجب الابتعاد عن الصورة النمطية المُعطاة للمرأة إعلامياً بأنها ذاتعقلية دونية أو كيدية تآمرية أو قشرية غير جادة، كما يتطلب الأمر الابتعاد عن البرامجالإعلامية التي تتعامل محتوياتها مع حل المشاكل الإنسانية والخلافات العائلية بالعنفوالقسوة والقوة والتركيز على حل المسائل الخلافية داخل المحيط الإنساني والأسريبالتفاهم والمنطق والأسلوب العلمي والأخلاقي الرفيع.

 

أحدث المقالات