16 نوفمبر، 2024 12:41 م
Search
Close this search box.

مجموعة التودد إلى الزوجة..  ترصد الحب ورتابة الزواج وتأثيرات الحرب على البعض

مجموعة التودد إلى الزوجة..  ترصد الحب ورتابة الزواج وتأثيرات الحرب على البعض

خاص: قراءة- سماح عادل

تتضمن مجموعة (التودد إلى الزوجة) التي ترجم قصصها المترجم والكاتب العراقي “جودت جالي” عشرين قصة قصيرة مما ترجمه خلال ثلاثين عاما، وقد حرص أن يكون اختياره لها في هذا الكتاب قائما على التنوع في الأساليب، وممثلا إلى حد ما للشخصية الأدبية للكاتب، وإن كانت المساحة المتاحة تفرض شروطها في آخر الأمر. قصص (الكلب) للكاتب “كويتزي” و(بقعة دم بلون الكرز) للبلغارية “زهاريفا” و(ثمانية وأربعون درجة) للإيرانية “مجوزي”، و(التودد إلى الزوجة) للأميركي “أبدايك” و(المعلم الخاص) للنمساوية “إلسه آيشنغر” يكون الجنس فيها هو الخط العام مع اختلاف الثيمة والشخصية ودوافعها وتنويعات في الأسلوب.

ثيمة الحرب دولية أو أهلية وانعكاساتها على الشخصيات موجودة في قصص (الجندي الجريح) للأميركي “جورج غاريت” (أسلوب واقعي) و(الحرب في سن السادسة عشرة) للفرنسي “جوليان جرين” (سيري) و(الاستحواذ على الخصب) للفرنسي “جان جيونو”، (صراع اجتماعي) و(الشجرات الثلاث) للألمانية “سيغرز” (أسطوري).

كما نقرأ للإيطالي “دينو بوتساتي” قصتين ممثلتين لفنه هما (الكُتّاب) و(ليلة لطيفة)، ومن قصص الفنتازيا نقرأ ثلاث قصص قصيرة جدا للأرجنتينية “آنا ماريا شوا” و(المنصة) للبرازيلي “بينا كابريرا” و(عودة أبي من الحرب) للروماني “هورياجاربيا”، فيما نقرأ الواقعية (نصيحة العجوز فاضل) للكازاخي “أوديجوف”، و(المشهد) للأفغاني “خان محمد سند”، أما الأدب الساخر فنجده ممثلا في قصص ثلاث هي (حكاية محطة) للبلغاري “جورجي جوسبيدينوف”، و(قصة مكسيكية) للفنزويلي “ألبرتو باريراتسيزكا”، و(الحب يولد الحب) للبرازيلي “ميلور فيرنانديس”. صدرت المجموعة عن دار ضفاف بغداد- الشارقة 2018 بواقع 155 صفحة من القطع المتوسط.

السيطرة على الخوف..

وسوف نتوقف عند بعض القصص، في قصة (الكلب) ل”جي أم كويتزي” كاتب من جنوب إفريقيا، تتناول موضوع الخوف، ذلك الإحساس الذي لا يمكن السيطرة عليه، وتتعجب البطلة كيف أنها لا تستطيع السيطرة على جسمها حين يطلق رائحة تدل على خوفها، يشمها كلب حراسة شرس موضوع في بيت مجاور تضطر كل يوم أن تمر عليه مرتين، تحاول التخلص من خوفها هذا والذي يؤرقها ولا تستطيع، وتحاول مقابلة أصحاب الكلب لتنهي المسألة، لكنهم يتعاملون معها بازدراء، والطريف أن البطلة تربط التنمر الذي يبديه الكلب نحوها بكونه ذكر، وربما يعرف أنها أنثى حتى لو كانت من فصيلة أخرى مغايرة لفصيلته.

وفي قصة (بقعة دم بلون الكرز) للكاتبة البلغارية “فرجينيا زاهاريفا “، تحكي القصة عن صبية بريئة تصدق طفل شقي وتتوهم أنه سيدمر العالم ويقتل كل الناس، وتحاول منعه من فعل ذلك وأثناء ذلك يساومها لكي يتحرش بها، لكنها ترفض وتتركه وترحل وهي مقتنعة أنها أنقذت العالم، القصة تبين براءة الطفولة وكيف أن الطفل الذكر يبدأ بالتنمر والسيطرة على الطفلة الأنثى منذ الطفولة، ويبدي عنفا وقسوة وتهديدا لكي يأخذ منها قبلة أو يلمسها.

رتابة الزواج..

أما في قصة (ثمانية وأربعون درجة) ل “بكسيما مجوزي”كاتبة إيرانية، قصة عذبة تحكي فيها البطلة عن اللامبالاة التي تملأ حياتها، فهي أم تقوم بعمل رتيب صباحا وبأعمال رتيبة في المساء لرعاية أطفالها، تشعر بالبرد يملأها من الداخل والإعياء التام، تحب أن تأخذ إجازة من عملها الأول الذي لا تحبه ولا تذهب إلى البيت سريعا، وإنما تذهب إلى مقهى لتأخذ قسطا من الراحة، وتشعر بأنها أصبحت عجوز، وأن الإعياء نال منها ومن جسدها،  وحين يدخل رجل إلى المقهى تذهب معه دون أن تعرفه، فقط تشعر أنه من سيذيب الثلج داخلها ويملأها بالدفء، وتتأخر عن البيت وعن أولادها وزوجها، لكنها أبدا لا تقول أنها تأخرت، تجلس بجوار زوجها اللامبالي والذي أصبح بعيدا عنها، حتى أنهما لا يتبادلان كلمات سويا إلا قليلا، حتى حين يقترب منها، وتنام وهي تحاول أن تنسى ما جرى. بحياد تام صورت البطلة كم تعاني من الوحدة ومن الحياة الرتيبة، ومن الأعمال الكثيرة التي تجهدها والتي تنسيها ذاتها، لكنها أيضا لم تكن راضية عن محاولة كسر هذه الرتابة ففضلت أن تنسى ما جرى.

و قصة (التودد إلى الزوجة) ل”جون أبداي” كاتب أمريكي، تحكي عن بطل يحاول التودد إلى زوجته وسط صخب الحياة الزوجية الممل، وسط ثلاثة أطفال ينهكونه وأمهم في طلباتهم، وجلبه عشاء من الخارج كترضية لها ليمهد لإغوائها، ويظل يدور حديث داخلي في عقله يتذكر فيه زوجته من الليلة الأولى، وهو يتأمل جسدها بشغف، ويتحين أية فرصة للتقرب إليها لكنها بعد نوم الأطفال تصر على القراءة، وتغفو أثناء ذلك، ويشعر هو بالغضب لذلك حتى أنه في الصباح يراها قبيحة، امرأة أنهكتها سبع سنوات من الزواج ورعاية الأطفال، ويتحول لحمها الأبيض الشهي إلى صفرة مقززة، إلى أن تتقرب منه هي في المساء، لكنه يعتبر هديتها تلك هدية متوقعة لا معنى لها، تعكس القصة هموم الرجل المتزوج الذي يشعر أن الزواج يمنعه من الإحساس باللذة، وأنه أعباء كثيرة تنضاف إلى كاهله، حتى يغدو التقرب إلى زوجته بشكل حميمي حلما يتحين الظروف لتحقيقه.

وفي قصة (ليلة لطيفة) ل”دينو بوتساتي” يحكي فيها الكاتب عن الوحشية التي تحكم العالم، حيث الكائنات تفتك ببعضها بعضا، وحين يبين أنه سكون وهدوء يتخلل الطبيعة يكون داخل ذلك السكون كائنات أخرى تسحق كائنات أصغر، تمتصها، تلتهما بشراسة، وكذلك هو حال العالم في وجهة نظر البطل مذابح وفناء وإبادة.

المترجم..

“جودت جالي” كاتب وقاص ومترجم عراقي، يكتب منذ السبعينيات، من مواليد 1951 في بغداد بقرية الرستمية، مارس التمثيل في فرقة مركز شباب الزعفرانية وفازت الفرقة بالجائزة الثانية في المهرجان القطري لمراكز الشباب عن مسرحية له. كتب الشعر مبكرا وحصل على جائزة في مهرجان لثانويات الكرادة الشرقية وعلى الجائزة التقديرية عن قصيدة له في مسابقة لإذاعة صوت الجماهير. نشر أول قصائده في جريدة “الثورة” كما نشر في “الراصد” و”طريق الشعب” و”الفكر الجديد” و”الثقافة الجديدة” مواد متنوعة.

كان مقلا في الكتابة وميالا إلى الإطلاع وتنمية قدراته اللغوية فرغب بإتقان اللغة الإنكليزية وبعدها تعلم اللغة الألمانية بمجهوده الشخصي وترجم عنها لجريدة الثورة وفيما بعد لجريدة “القادسية” عددا من القصص، ولكن اللغة الفرنسية استحوذت على اهتمامه أكثر فأهمل الألمانية وشرع بتعلم اللغة الفرنسية بنفس الطريقة، وداوم على تقوية معرفته باللغتين الإنكليزية والفرنسية، قراءة، خلال خدمة الاحتياط العسكرية في الثمانينيات، في الجبهة، ومنذئذ ترجم عنهما للصحف والمجلات العراقية، “الثورة” و”القادسية” و”التآخي” و”الثقافة الأجنبية”. إلى جانب ذلك بدأ يكتب القصص وينشرها في الصحف، وفي التسعينيات أخذ يقلل من نشاطه الثقافي حتى انعدم أو كاد.

عاد إلى نشاطه بعد 2003 ترجمةً وكتابةً في الصحف والمجلات موليا اهتماما خاصا إلى الثقافة الشعبية والتراث وكتب وترجم عددا من المقالات لمجلة التراث الشعبي وصفحات الذاكرة والتراث في عدد من الصحف العراقية، وقد أعد لسنوات متابعات ثقافية لمجلة “الثقافة الجديدة”.

ما رواه العجوز حكمان..

والجدير بالذكر أنه صدرت للكاتب المجموعة القصصية الثانية (ما رواه العجوز حكمان عن الفتى الجميل جوهر) مؤخرا في 2018، وقد تضمنت ثمانية قصص بأساليب فنية مختلفة مختارة مما كتبه على مدى ربع قرن. القصة الأولى (ما رواه العجوز حكمان عن الفتى الجميل جوهر) وهي الأحدث، على نمط الحكاية حيث يسرد الشخصية الرئيسية، العجوز حكمان، قصة علاقة الصداقة التي ارتبط بها أيام الدراسة الثانوية مع صديقه وزميله فائق الجمال (جوهر) وكيف أودى به هذا الجمال إلى نهايته المأساوية.

القصة الثانية (القبر الجماعي) تعود إلى العام 2007 وتتحدث عن موالٍ للنظام السابق يشرف على حفر قبر جماعي لمعارضين كان هو حاضرا ومشاركا في إعدامهم ومن بينهم ابنة عمه، والصراع النفسي الذي وجد نفسه فيه بين أن يخفي الحقيقة أو يستفيد منها باعتباره قريبا للشهيدة. وقصة (ممشى الكالبتوس) التي وصلت القائمة القصيرة لمسابقة (سافرة جميل حافظ) 2017 والقصة تتناول قضية الذكريات المؤلمة التي تنخر في جسد العلاقات الزوجية والإحساس بالعار الذي يدمرها.

و قصة (حدث ذات صباح في بغداد) تتحدث عن اعتقال مترجم في زمن النظام السابق بسبب قصة والسرد يقع ضمن فترة زمنية لا تتجاوز الليلة والصباح الذي انهار فيه النظام، ووجد المترجم نفسه وحيدا في بناية مديرية الأمن. أما قصة (ثلاثة على لوح يحمله السيل) فهي حكاية عن الاضطهاد والاعتقال أيضا توظف ما بدا أنها نادرة مضحكة ولكنها أدت إلى مأساة. تتحدث (يوم ككل الأيام) عن تدمير لأراض زراعية وتحويلها إلى أراضي سكنية بطرق إجرامية على يد أشخاص ضعاف النفوس . أما قصة (اعتزال) التي نشرت في العام 1994 فهي عبارة عن تأملات رجل ينتظر انجاز معاملة تقاعده، والقصة الأقدم (قنابل وكمأ) 1988 عن جنود أشغال في الجبهة في الأيام الأخيرة للحرب. هذه المجموعة هي الكتاب السادس الصادر للكاتب. صدرت المجموعة عن دار ضفاف بغداد-الشارقة 2018بواقع 150 صفحة من القطع المتوسط.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة