خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في خطوة يمكن أن تضع خيار الحرب الشاملة جانبًا، وقعت “روسيا” و”تركيا”، بعد استبعاد “إيران” اتفاقًا الاثنين 17 أيلول/ سبتمبر 2018، يحصر القتال ضد جهات محددة في الشمال السوري، خاصة في “إدلب”، التي التفتت إليها أنظار العالم في الفترة الأخيرة بسبب الاستعدادات الجدية التي إتخذت من جانب “النظام السوري” لخوض معركته النهائية ضد جماعات المعارضة في محافظة “إدلب”، والتي تعتبر المحطة الأخيرة في الصراع السوري.
الاتفاق بين البلدين توصل لإنشاء منطقة منزوعة السلاح في “إدلب”؛ بعمق 15 كم بحلول 15 تشرين أول/أكتوبر 2018.
وبهذا يمهد الاتفاق لمرحلة جديدة من التفاهمات بشأن رسم خريطة نهاية الصراع في “سوريا”، بالإضافة إلى ثمة تحولاً في الموقف الروسي الذي عادة ما يتجه للخيارات العسكرية أكثر من التسويات.
“إردوغان” قال: “اتفقنا خلال المباحثات مع، الرئيس بوتين، على إقامة منطقة خالية من السلاح بين الجيش السوري والمعارضة في إدلب”.
مضيفًا: أن “المعارضون سيواصلون البقاء في إدلب. وأكدنا خلال لقائنا مع الرئيس بوتين أن وجود الإرهابيين في سوريا لا يقتصر فقط على إدلب”.
خسارة للدولة السورية..
وما إن إنتهت القمة وتم الإعلان عن اتفاقاتها، بدأت بعض القنوات الإعلامية بالترويج إلى أن اتفاق “سوتشي” هو خسارة للدولة السورية، وأن السلطات السورية لم تستشر فيما تم التوصل إليه بين الرئيسين التركي والروسي، لكن المسؤولون الروس، وعلى أعلى المستويات، يتحدثون عن التواصل مع القيادة السورية ويجري التشاور مع “دمشق” ساعة بساعة، وكل ما تم الاتفاق عليه جاء بعد موافقة القيادة السورية.
وقد جاء في صحيفة (نيزافييسمايا غازيتا) الروسية: أن اتفاق “سوتشي” ليس نهائيًا، وستنطلق العملية العسكرية في “إدلب” للقضاء على الإرهابيين في المستقبل القريب، بعد تليين دفاعاتهم وانتظار انقلابهم على بعض، وتسليمهم للسلاح الثقيل.
منع وقوع كارثة إنسانية..
من جانبه؛ أكد المتحدث باسم الرئاسة التركية، “إبراهيم كالين”، على أن اتفاق “سوتشي” حول “إدلب” بين الجانبين الروسي والتركي، منع وقوع كارثة إنسانية، مضيفًا: أنه “الآن بالتعاون مع روسيا، ننسق على الأرض خطواتنا المتعلقة بالأنشطة التنفيذية”.
لافتًا إلى أن الأجهزة المعنية في “تركيا” تعمل في الساحة مع “روسيا” لتنفيذ اتفاق “إدلب”.
مضيفًا: “نواصل عملياتنا لتعزيز وتقوية نقاط المراقبة في إدلب، ولا ننوي زيادة عدد نقاط المراقبة”.
كما رحب مستشار المبعوث الأممي إلى سوريا، للشؤون الإنسانية، “يان إيغلاند”، باتفاق “سوتشي” بين “تركيا” و”روسيا” بخصوص “إدلب”، قائلاً أنه منع وقوع “حرب كبيرة” في المنطقة.
وأشار إلى أنه، خلال اجتماع مع المسؤولين الأتراك والروس، “كانا إيجابيين للغاية في مسألة منع وقوع حرب كبيرة وسفك الدماء” بـ”إدلب”، مضيفًا أنّ الاتفاق قد يمنع وقوع اشتباكات ليس فقط في محافظة “إدلب”، بل في مناطق أخرى في “سوريا”.
وحول الدور التركي؛ قال وزير الخارجية الألماني، “هايكو ماس”، أن “تركيا” لعبت دورًا إيجابيًا في منطقة “إدلب” السورية، واستطاعت في النهاية أن تتفق مع “روسيا” على منطقة منزوعة السلاح، “وهي مسألة بالغة الأهمية”.
الفصائل الجهادية ترفض الاتفاق..
فيما رفضت تنظيماتٌ متهمة بالتطرف شمال غربي “سوريا”، اتفاق “سوتشي” بين “تركيا” و”روسيا”، حيث أعلنت أن تسليم السلاح “مُحرم”، ما يفتح الباب أمام صدامٍ عسكري معها.
ونقل “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، عن مصادر مختلفة، أن فصائل “جهادية” عدة، رفضت الاتفاق “التركي-الروسي” الأخير بشأن “إدلب”، مشيرًا بالتحديد إلى “حراس الدين” و”أنصار التوحيد” و”أنصار الدين” و”أنصار الله” و”تجمع الفرقان”، إضافة إلى فصائل “جهادية” أخرى، عاملة ضمن “هيئة تحرير الشام”.
وأوضح “المرصد”؛ أن هذه الفصائل رفضت الانسحاب من خطوط التماس مع قوات النظام، الممتدة من “جسر الشغور” إلى “ريف إدلب” الشرقي، مرورًا بريفي “حماة” الشمالي و”إدلب” الجنوبي الشرقي، وأبدت استعدادها لمجابهة أي طرف يسعى لسحب سلاحها وإجبارها على الانسحاب من نقاطها.
من جهتها؛ قالت وكالة (إباء) الإعلامية، التابعة لـ”هيئة تحرير الشام”، إن مخرجات لقاء “سوتشي”، بين الأتراك والروس، تضمنت بنودًا “تتنكر لمباديء الثورة، وتدعو إلى إضعاف الثوار والمجاهدين من خلال خطة نزع السلاح منهم”، مشيرةً إلى أن من أسمتهم، بـ”المشايخ”، أفتوا بعدم جواز تسليم السلاح.
ويعتبر ما ذكرته وكالة (إباء) رفضًا مبطنًا من قِبل “هيئة تحرير الشام” لاتفاق “سوتشي”، وهو ما يفتح الباب أمام صدام عسكري بين فصائل المعارضة السورية المرتبطة بـ”تركيا” والتنظيمات المتشددة.
وتسيطر “الهيئة”، التي تعد “جبهة النصرة” ثقلها الرئيس، على قسم كبير من “محافظة إدلب”، ومناطق في أرياف “حلب وحماة واللاذقية”، فيما تتمركز تنظيمات متشددة أخرى، أبرزها “حراس الدين”، في ريف “اللاذقية” الشمالي، وفي مناطق داخل “محافظة إدلب”.
مكاسب متعددة..
تعليقًا على الاتفاق؛ يرى الخبير اللبناني في الشؤون العسكرية والسياسية الإستراتيجية، “عمر معربوني”، إن اتفاق “سوتشي”، بين الرئيسين الروسي والتركي حول “إدلب”، هو عملية دبلوماسية، عملها الأساس هو نزع فتيل الحروب، وبالتالي الوصول إلى اتفاق يجنب “إدلب” المعارك العسكرية بين “روسيا” و”تركيا”، التي هي أحد أطراف الهجوم، وفي نفس الوقت هي إحدى الدول الضامنة في لقاءات “آستانة” المستمرة.
وقال “معربوني”: “على هذا الأساس في البعد الإيجابي الأول لهذا الاتفاق جنب عمليًا منطقة إدلب خسائر كبيرة في الأرواح والأملاك وحقق جزءًا من أهداف العملية العسكرية”.
وأضاف أنه: “من المتعارف عليه في العلوم الإستراتيجية أن المعارك الأهم هي التي نكسبها دون دفع كلفة عالية في الأرواح والأملاك… وبالتالي نحن في التوصيف أمام مكاسب متعددة”.
وتابع: “إذا ما نظرنا إلى جوهر الاتفاق، عمليًا، لوجدنا أن هناك إمتدادًا جغرافيًا كبيرًا يبدأ من شمال حلب ويمر بريفيها الغربي والجنوبي وأرياف إدلب الشرقية والجنوبية وصولاً إلى مدينة مورك وكامل إمتداد ريف حماة الشمالي إلى سهل الغاب وجسر الشغور.. هذه المنطقة بعمق ما بين 15 إلى 20 كم تعني آلاف الكيلومترات المربعة، وبالتالي خروج الجماعات الإرهابية من هذه المنطقة وتسميتها منطقة منزوعة السلاح، هو إنجاز بحد ذاته، وكان من الممكن أن تُكلف آلاف الشهداء لو قمنا بتنفيذ العملية العسكرية”.
موضحًا: أن “الأمر الآخر؛ أن الطريق الدولي، من الحدود السورية التركية حتى مدينة مورك، سيكون ضمن نطاق المنطقة العازلة، وبالتالي هذا يعني فتح الطريق من درعا إلى الحدود السورية التركية شمالاً، وهو أمر سيساهم مساهمة كبيرة في تقليص فترة المرور على هذا الطريق، وبالتالي له فوائد اقتصادية كبيرة”.
مواصلاً: “إضف إلى ذلك؛ أن أحد الأهداف المهمة بهذا الاتفاق كان التملص من ضربة أميركية محتملة بذريعة شن عملية عسكرية في إدلب، وهو في الحقيقة مناورة سياسية ذكية من الجانب الروسي بشكل أساس، مع الإشارة إلى أن كل ما حصل بين إردوغان وبوتين بشكل أساس، كان بمعرفة الحكومة السورية وبالتالي يحقق أهدافًا سورية بحتة”، مضيفًا: “بالعنوان الرئيس أيضًا؛ هذا الاتفاق طالما أنه لم يقدم تنازلات جوهرية ترتبط بالسيادة السورية، وإنما على العكس أتاح، ولو بعد حين، استعادة الجغرافيا السورية أقله حتى اللحظة بجهود دبلوماسية وسياسية..”.
اختبار لمصداقية الجانب التركي..
وبحسب “معربوني”: “لدى سوريا مسارًا كبيرًا في الجانب المرتبط بالمناورة والمراوغة وكسب الوقت، إلا أن الأمور الآن اختلفت، فالمعركة فيما مضى كانت تخلص في مناطق بعيدة عن إدلب، كالغوطة الشرقية والجنوب السوري والقلمون الرقي وأطراف البادية المختلفة والتي حررت، وبالتالي هامش المناورة أمام إردوغان بات ضيقًا جدًا نظرًا لأن نتائج العملية العسكرية تنعكس على تركيا سلبيًا، ويرتبط بفرار عدد كبير من المجموعات الإرهابية، وبالتالي المشاكل التي ستأتي إلى تركيا من هؤلاء”.
وقال “معربوني”: “حتى اللحظة نستطيع القول أن تنفيذ الاتفاق هو المفصل الذي يمكن من خلاله اختبار مصداقية الجانب التركي في هذا الإتجاه، وبالتالي علينا الانتظار حتى العاشر من تشرين أول/أكتوبر القادم؛ لتحديد الإتجاهات التي يمكن أن تسلكها هذه الاتفاقية، وما إذا كانت تركيا جادة وصادقة هذه المرة في تنفيذ المطلوب منها أم أن الأمر يندرج ضمن المناورات المعهودة بالنسبة للأتراك”.
مضيفًا: أن “الممارسات التركية السابقة، على مدى سبعة عشر شهرًا منذ إنطلاق لقاء (آستانة) الأول، وبعد تحرير الأحياء الشرقية من حلب.. وتم جر تركيا إلى (آستانة) بعد تحقيق الهزيمة بجماعاتها الإرهابية في الأحياء الشرقية حينها، لم يكن بمقدور تركيا إلا تقديم تنازل سياسي هام، لكن هذا التنازل كان محدودًا لم يثمر في تنفيذ اتفاقات (آستانة) بالفصل بين الجماعات الإرهابية؛ وتلك التي يسميها الغرب وتركيا بالمعتدلة..”.
ولفت “معربوني” إلى أن “الآن الوضع مختلف تمامًا، إذ لم يبق لدى الجيش السوري سوى منطقة إدلب لتحريرها، وبالتالي حجم الحشد العسكري الذي قام به الجيش وطبيعة المتغيرات السياسية والعسكرية أدركت من خلالها تركيا أن المسألة باتت قريبة جدًا بإتجاه الحسم، وبالتالي طلبت مهلة حصلت عليها عمليًا ونتج عنها هذا الاتفاق، الذي يجب على تركيا تنفيذه وإلا سنكون أمام عمل عسكري حضر له الجيش السوري كل ما يجب تحضيره، وبالتالي نحن الآن أمام الفرصة الأخيرة التي تمنح لتركيا للمساعدة في القضاء على المجموعات الإرهابية ومخاطرها”.
محطة من محطات الحرب السورية..
وفي جريدة (الحياة) اللندنية؛ قال “وليد شقير”، أن اتفاق “سوتشي” ما هو إلا محطة من محطات الحرب السورية؛ على رغم ترويج كثر لإمكان تمهيده للحل السياسي. هذا ما يأمل به بعض رموز المعارضة المعتدلة المراهنين على الدور التركي. صحيح أن “رجب طيب إردوغان” قاوم في “قمة طهران”، مع “فلاديمير بوتين” و”حسن روحاني”، قرار اقتحام “إدلب”، لأن قبوله بذلك، مثلما غض النظر عن إسقاط اتفاقات خفض التصعيد معه في المناطق الأخرى، كان سيجعل قوات النظام و”إيران” على تماس أكبر مع المناطق الشمالية التي يسيطر عليها مع بعض القوى المعارضة، وينقل البحث إلى مسألة وجوده في الأراضي السورية كقوة احتلال. هذا ما يفسر رفضه الجموح الإيراني نحو خوض المعركة في “إدلب” خلال “قمة طهران”.
“إردوغان” عاد للعبة التوازن.. والنظام يمارس لعبة “حافة الهاوية”.. و”القيصر” يتورط أكثر..
مضيفًا “شقير” أن مصالح “إردوغان” في “سوريا” أعادته إلى لعبة التوازن بين “موسكو” و”واشنطن”، وأستند إلى دعم الأخيرة التي يبدو أنها أعطته تطمينات بالحد من الطموح الكُردي، الذي كان سببًا رئيسًا لإنزياحه الكبير نحو “موسكو” في الأشهر الماضية. والأخيرة لم تشأ تركه يعود إلى “الحضن الأميركي” بالكامل بسبب الخلاف على “إدلب”، وبسبب احتمالات الرد الأميركي العسكري على محاولة حليفيها، “النظام السوري” و”إيران”، اقتحامها ولو لم يُستخدم الكيماوي. لكن التحدي يبقى في قدرة “السلطان العثماني” على الإيفاء بإلتزامه إنهاء وجود (النصرة)، بعدما أخذ “القيصر الروسي” باقتراحاته في شأن “إدلب”، التي كان قد رفضها الجانب الإيراني، وبعدما أفشل التحضيرات السورية الإيرانية للهجوم عبر إرسال دباباته إلى محيطها. وبالمقدار ذاته سيكون على “موسكو”، وفق الاتفاق، مواجهة مخاطر انتشار قواتها مع القوات التركية في المنطقة المنزوعة السلاح. هي مخاطر تزيد من إغراق “موسكو” في “الوحول السورية”، ممن لا يسعدهم اتفاق “سوتشي”، فالنظام و”إيران” لا يحبذان الاتفاق بالتأكيد. ولم يكن عن عبث أن قال السيد، “حسن نصرالله”، منذ يومين: “باقون في إدلب حتى بعد التسويات”.. أما الأميركيون فيتفرجون.
فيمارس النظام السوري “لعبة حافة الهاوية”، تارة مع “موسكو” وأخرى مع “طهران”، وقد تتكرر، فيما “القيصر” يعدُّ الحالات التي أفقده فيها حليفاه صفة ضامن الاتفاقات، ويغض النظر لكنه يتورط أكثر.
ضربة سياسية جديدة للنظام الإيراني..
وحول استبعاد “إيران”؛ علق الدبلوماسي الإيراني والمحلل السياسي، “علي خُرّم”، فاعتبر موقف “إيران” ضعيفًا حاليًا في معادلات المنطقة. وقال في مقابلة مع موقع “انتخاب” المقرب من الحكومة الإيرانية، إن “الحكومة يجب أن تكون يقظة بإتخاذ القرارات لكيلا تتفاجيء بالمتغيرات المستقبلية”.
وذكر أن: “السؤال المطروح الآن في المحافل الدولية؛ هو كيف أنه بعد 10 أيام من قمة طهران تجلس دولتان فقط من الدول الثلاث وتعقد اتفاقًا مناقضًا تمامًا لقمة طهران ؟”.
هذا؛ بينما ذكرت شخصيات إصلاحية منتقدة للتدخل الإيراني في “سوريا”، أنه بالرغم من إنفاق النظام المليارات في “سوريا” لدعم “الأسد” والخسائر البشرية بعشرات الآلاف من “الحرس الثوري” والميليشيات، مازالت “روسيا” تستخدم قوات “إيران” كمجرد “جنود مشاة” للقوات الروسية.
ويعزز هذا التحليل عدم إتخاذ “روسيا” موقفًا إزاء استمرار الهجمات الإسرائيلية المدمرة على القواعد والقوات الإيرانية في “سوريا”.
كما رأوا أن “روسيا” تريد، من خلال تلك الضغوط، إجبار “إيران” على الانسحاب من “سوريا”، وهو الأمر الذي أكده مستشار الأمن القومي الأميركي، “جون بولتون”.
ويرى مراقبون أن اتفاق “سوتشي”، بين “بوتين” و”إردوغان” لإنشاء منطقة عازلة في “إدلب”، ضربة سياسية جديدة للنظام الإيراني وتمثل “إنهيار العمق الإستراتيجي للنظام”.