4- البكتاشية
القسم الاول
المقدمة
البكتاشية فرقة صوفية تركية ممزوجة بالتشيع، تنسب إلى الولي التركي الخنكار السيد محمد بن إبراهيم محمد إبراهيم أتا الخراساني النيسابوري الشهير بالحاج(بكتاش)، المولود في مدينة نيسابوربإقليم خراسان الايراني، سنة 646هـ / 1240م، والمتوفى سنة 738هـ / 1320، وينسب بكتاش نفسه إلى أولاد إبراهيم بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الشهير بالحاج بكتاش.
ويؤكد الباحث البكتاشي (تيومان الهامي غورا)، أن الشيخ بكتاش الذي عاش حوالي 80 عاماَ، قد تتلمذ على يد الشيخ لقمان(دارندة الخراساني) – وهو أحد مريدي وتلاميذ- ووصل بكتاش ولي الى مرتبة الشيخ (= ده ده )، وبناء على مشورة دارندة جاء بكتاش ولي الى النجف لدراسة الفقه الجعفري(=الشيعي) لمدة سنتين، ثم سافر الى الاناضول . وبعد إخماد ثورة الشيخ بابا اسحاق، استقر به المقام في مدينة أماسيا، حيث اجتمع حوله اليسويون والاسماعيليون والصفويون الذين نجوا من مذبحة السلاجقة بعد اعدام بابا اسحاق، بل وشرع في الدعوة لطريقته التي هي خليط من الطرق التي تقدمتها: القلندرية، واليسوية، والحيدرية، وهي الطرق التي سايرت البيئة التركية التي فشت فيها من قبل العقيدة الشامانية، فإن مريديه أصبحوا بالالاف بعد تعاونه مع السلطات العثمانية. وتوفي في مدينة صولوجاهويوك، حيث دفن فيها، ويحتفل البكتاشيون سنوياً بذكرى وفاته هناك خلال16- 18 آب/أغسطس من كل عام.
وكانت للشيخ كرامات وخوارق عظيمة، وهو الذي أسس الطريقة المعروفة به. ولكن كثيراً من المحققين يرتابون بوجود الحاج بكتاش هذا، ويقولون أن المؤسس الحقيقي لهذه الطريقة، هو (باليم بابا) المتوفى سنة 922 هـ/1516م، والذي يلقبه الدراويش البكتاشية بالقطب الثاني.
وللحاج بكتاش كتاب عربي إسمه (( مقالات ))، يبدو منه إتباع صاحبه لفكرة (الإثنى عشرية )، التولي والتبرئة من مصطلحات الشيعة.
وكثر اتباع البكتاشية، وخاصة في البيئات التي لم تتأثر بالثقافة، وساعد على إنتشارها سهولة الاسلوب الذي تحدث به شيوخها إلى الأتراك السذج. وكانت البكتاشية تعد (احمد اليسوي) مرشداً لشيوخهم، وكانت تستفيد من مباديء هذا الشيخ، ولكنها رويداً رويدا استقلت واصبحت لها مبادئها الخاصة. وأتصلت البكتاشية بفرق الانكشارية (=الينيجرية- الجيش الجديد)، فقط سار السلطان العثماني اورخان ( 1324 – 1389م ) مع فرقته الانكشارية إلى الحاج بكتاش، وطلب إليه أن يباركها، فوضع الشيخ يده مع كم ردائه على رأس أحد جنود جيشه ودعا لهم قائلاً: ” فليكن إسمهم انكشارية. اللهم أجعل وجوههم بيضاء، وسيوفهم فواصل، ورماحهم قاتلة، وأجعلهم منتصرين قاهرين لاعدائهم”، ومن هنا سمى الانكشارية انفسهم بالبكتاشية وتوثقت العرى بين الطريقة والجيش الانكشاري العثماني، وذكر البعض أن المؤسس الحقيقي للطريقة البكتاشية هو (بالم بابا) المتوفي سنة 922هـ/1516م؛ الا انه ذكر في بيان الاولياء العظام على انه (الپير الثاني) فيكون الحاج بكتاش هو (الپير الاول).
ويفند أحد الباحثين هذه الرواية ويعدها مجرد أسطورة مختلقة دون شك أو جدال بقوله:” إن الحاج بكتاش فارق الحياة قبل أن تخطر فكرة الانكشارية ببال مؤسسيها بوقت طويل”.
وقد حاول السلطان العثماني (محمود الثاني المتوفى سنة1839م) الاستفادة من خطط السلطان (سليم الثالث المتوفى سنة1808م) وهكذا أصدر أوامره في ظل من حماية الجيوش الاناضولية التي كان حاكم بيقوز(بٍكقوز) قد حشدها على الضفة الشرقية من البوسفور بانشاء جيش نظامي جديد اطلق عليه اسم (معلم أشكَنجي) – الحرس المدرب . وانما بعث اليه المدربين الذين اقتضاهم انشاء هذت الجيش محمد علي والي مصر. ولقد استطاع ان يكسب ولاء ضباط الجيش من الانكشارية فاقروا خططه الاصلاحية ، في حين ازدادت معارضة من دونهم من الجنود وحدد يوم 18 حزيران موعدا لعرض الجيش الجديد في (كآغد خانه) قرب استنبول، ولكي يحول الانكشارية دون قيام هذا العرض فقد شقوا عصا الطاعة قبل ميقاته بثلاثة ايام، واكتفوا باديء الامر بالغاء قوانين التدريب المستحدثة للجيش الجديد، ولكن السلطان أمر بموافقة العلماء بأن تنشر الراية النبوية وكأنه يبغي مقاتلة فئة من الكفار، واوعز الى الجيش بعد ان حشد على وجه السرعة بتطويق الانكشارية في ساحة آت ميدان القائمة تجاه ثكناتهم ولفظ المفتي اللعنات عليهم، ومن ثم دارت رحى مجزرة لم يسلم من هولها احد منهم، وقتل نحو الف من الانكشارية في الاقسام الاخرى من المدينة والقيت راياتهم ولباسهم الخاص (القلنسوة) في الوحول ، وهدمت مساجدهم ومقاهيهم، بل حلت الطريقة البكتاشية المتصلة بالانكشارية، كما حلت فرق الاطفاء والحمالين ذات الصلة الوثيقة بها.
وكانت التكايا المبثوثة في ارجاء الدولة موئلا للأنكشارية، وكان لكل ثكنة انكشارية مرشد بكتاشي، كما اقيمت تكية بكتاشية قرب كل معسكر للأنكشارية. وتسلطت البكتاشية على الانكشارية تسلطاً تاماً، إلى أن قضى السلطان محمود الثاني على هذه الطريقة سنة 1240هـ/1826م، وقتل الكثير من منتسبيها وخربت تكاياهم ولم ينج من مشايخهم ومريديهم إلا من دخل في الطريقة النقشبندية والقادرية والرفاعية والسعدية، وسلمت أموالهم الى مريدي الطريقة النقشبندية.
هرمية الطريقة البكتاشية
وقد قسم أصحاب البكتاشية المنتسبين إليها إلى درجات، وهي:
العاشق: وهو الذي يحب الطريقة ويعتنق مبادئها، وله رغبة في الانضمام إليها، ويكثر الحضور إلى التكية.
الطالب : وهو الذي يعلن رغبته بالانضمام ويرشحه الشيخ لذلك ليتقبل الإقرار ويعطي العهد وتقام له حفلة لهذا الغرض.
المحب : وهو الطالب الذي انتسب بعد حفلة الإقرار إلى الطريقة البكتاشية وحصل على البيعة.
الدرويش : وهو الذي يتبحر في آداب الطريقة وعلومها، ويلم بأركانها ومبادئها وأركانها، ويهب نفسه لخدمة العامة فيها.
الباب : وهي درجة المشيخة ولا يصل إليها الدرويش إلا بعد مدة طويلة، حيث يكون قد عرف الرموز وألم بها.
الدده : وهو الخليفة ولا يمنح هذه المرتبة إلا شيخ مشايخ الطريقة، الذي يعتبر بمثابة رئيس لهذه الطريقة ويكون الدده رئيساً لفرع من فروع الطريقة
الدده بابا : وهو شيخ المشايخ، وينتخب من الخلفاء، وهو المدير العام لشؤون الطريقة وأتباعها في العالم.
الجذور التاريخية للبكتاشية
اولاً: الشامانية
دين بدائي من أديان شمالي آسيا يتميز بالاعتقاد بوجود عالم محجوب، هو عالم الالهة والشياطين وأرواح السلف. وأن هذا العالم لا يستجيب إلا للشامان، وهو كاهن يستخدم السحر لمعالجة المرضى ولكشف المخبأ والسيطرة على الاحداث، ولا يقوم على اسس أخلاقية، وهم يؤمنون بالحساب وبأنهم سيسألون عما يفعلون، ولذلك فإن القاتل عندهم لا يخاف عقاباً يوم القيامة بل يعتقد أن منزلته في ذلك اليوم تزداد ارتفاعاً بازدياد من قتلهم.
والشامانية هي الديانة الوثنية للقبائل التركية، تظهر العقائد الشامانية في مراسيم الجنازة والدفن عند الاتراك، وهذه العقيدة حد فاصل بين ديانة الشعوب البدائية وديانة الشعوب المتحضرة، وذلك أن الشامانية وما شابهما من ديانات البدائيين.
والشامان شخص يشتغل بالتطبيب والكهانة والسحر مستعيناً بقدرته على التحكم في القوى الفائقة للطبيعة، كانت تشير اصلاً الى تلك الشخصية بين قبائل سيبيريا، ولكنها أصبحت تطلق الان على كل من يقوم بهذه الوظائف عند كل الشعوب البدائية، وكثيراً ما يلجأ الشامان في عمله الى استخدام الحيل ومهارة استخدام اليد والتنويم وغير ذلك.
ويعتقد كثير من الباحثين بأنه كان للشامانية تأثير كبير على البنية الذهنية للقبائل التركية عندما تركت ديارها خوفاً من هجمات التتار، واعتنقت الاسلام ، حيث حافظت على خصوصيتها الاولى. فالشامان الذي كثيراً ما يلتجيء اليه الناس لحل مشاكلهم أو تطبيبهم، تحول بعد اعتناق القبائل التركية (الاسلام) الى الولي والشفيع والشيخ الذي يرجى مساعدته، وتحول قبره الى مزار يقصد منه قضاء الحوائج، لانهم اعتقدوا أن هذا الولي قد حل الله فيه، أو أنه تجسيد لله في الارض، كما هو المسيح مجسداًعند المسيحيين، على خلاف في التفاصيل.