5 نوفمبر، 2024 1:28 م
Search
Close this search box.

ما بين دندون وبازوفت!!

ما بين دندون وبازوفت!!

أطلق القضاء العراقي سراح الصحفي الفرنسي المعتقل في بغداد، نادر دندون، بكفالة مالية  قدرها عشرة ملايين دينار، بعد أن أمضى اكثر من اسبوعين في المعتقل  دون ايضاحات منطقية ، وهي ذات الطريقة التي تعامل بها النظام السابق مع الصحفي البريطاني من أصول ايرانية ، فرزاد رباطى بازوفت، عام  1989 ، والذي وصفه مسؤولا فرنسيا حينها بانه ” الطعم الذي سيقضي على الحكومة العراقية اذابلعته دون قراءة جيدة لخصائصه”.
وقد سمعت شخصيا من كبار الدبلوماسيين والأمنيين في باريس و لندن حينها أن النظام العراقي سيرتكب خطأ جسيما اذا تعجل في اعدام بازوفت، لأنه سيناريو سيخلط عليه أوراقا لن تفرز مضامينها سريعا ، لأن القضية برمتها ربما تكون الفخ الذي سيكسر جناح ذلك النظام ، لان الاتهامات أكبر من القدرة على تصديقها، وهو ما أكدته لي أيضا صديقته الممرضة البريطانية باريش، حي قالت لي قبل اعدامه بايام” أنهم يكذبون على أنفسهم فلم نرسل طردا الى لندن ولم نصور موقعا، نحن نعرف انهم يحسبون علينا الأنفاس والخطوات لم نكن مجنونين”.
ويبدو أن الفهم السياسي العراقي للتحديات تنقصه العقلانية بالأمس واليوم،  فما هي اسرار العراق مثلا وسمائه ، كات ولا تزال مستباحة واتصالاته تحت سمع ” الأذان الكبيرة “بريطانية كانت أم أمريكية وهندية، وليس هناك من موقع أمني يستحق هذه المغامرة الخطيرة، صحفي فرنسي يعتقل وتختفي أخباره لأيام، ويظهر بتهمة تصوير موقع بلا ترخيص، بينما هو يصور كل المواقع الفرنسية المهمة جدا دون أن يسأله أحدا، حتى قصر الرئاسة الفرنسية يسمح بدخول الأشخاص لزيارته، والقاء التحية على الرئيس وهو في باحة القصر، فيما نحن نغلق الأبواب ونتوهم أنها مؤصدة و مؤمنة جدا، بينما الصحيح أنها ليست مخترقة بل غير موجودة أصلا، فاحتلال العراق أجهض فكرة الأمن القومي من ناحية ، وأكد بالمطلق أن علامات المنع لا تغني عن جوع فهي مراقبة بالأشعة الحمراء من خارج البلاد ومن حولها وداخلها أيضا!!ثم الى متى نجتهد مخطئين ونقنع النفس بنقيضه!!
دندون وبازوقت اعتقلا في العراق في ظروف متشابهة جدا، و بنهاية مختلفة ، وضع سياسي مأزوم وعيون دولية تراقب كل شيء وأذانا كبيرة تسمع من وراء المحيطات، كما أن الرجلين دخلا العراق بصورة شرعيه،  يحملان تأشيرة من سفارتي العراق في لندن وباريس، ومع ذلك زج الأول بالسجن بتهمة التجسس التي قادت الى اعدامه، والثاني قد يكون حظه أفضل لأن الحكومة الحالية يقلقها الضغط الخارجي،  وغالبا ما تسمع ، مع أنها تصم الأذان عن أنين شعها!!
ليس من المعقول الحديث المزمن عن الديمقراطية واحترام الحريات وتجاوز فلسفات النظام السابق، وفي ذات الوقت العمل بنفس الأسلوب والمنهجية، قالوا عن بازوفت “ان اعتقاله يعني أن طيرا لا يمكن أن يمر على العراق دون معرفتنا”، تملقا لصانع القرار، وايهامه ايضا، فماذا سيقولون عن دندون” هل جاء لجمع معلومات عن السلاح النووي العراقي، أم بحثا عن معلومات خطيرة تخص الأمن القومي العراقي لمنع اية محاولة لتدمير اسرائيل أو غزو القمر!! و أي ملف أمني خطير يبحث عنه دندون !! اللهم الا اذا كانت المهمة تتعلق بالسجون السرية والمعتقلين بلا تهم، في محاولة لتوظيفها دوليا لاسقاط مشروع الاحتلال، رغم قناعتي أن شرطيا جاهلا هو الذي اعتقل دندون، بنفس الطريقة التي اعتقلت فيها دورية للنجدة بازوفت في علاوي الحلة وسط بغداد، وحصل ما حصل!!
أكثر مانخشاه عودة أفواج المنافقين والمطبلين وماسحي الكتوف شديدي التعلق بتبويس اللحى، فهؤلاء مصيبة العراق، لا بل أنهم الحبل السري في كل نكباته، والمصيبة الأعظم أن السياسي العراقي وهو في المسؤولية يفتش عنهم بشراهة، ويدير ظهره للعقلاء الناصحين، يستمع الى أنصاف الحقيقة ويطبقها عن طيب خاطر، متناسيا أنها كسرت ظهر غيره، ولو بعناوين مختلفة في القومية والعروبة ومقارعة الاستعمار، أما اليوم فيحشروها في خانة النرجسية الفردية والطائفية والعرقية ورفض الوطنية!!
وضمن معطيات مؤلمة من هذا القبيل تكشف عن قصور في أولويات النظام السياسي في العراق، ضمن هذا الخلل نقول، ان فكرة الكشف عن جواسيس لتأكيد سيادة أمن العراق القومي، هي محاولة تقرأ بالمقلوب ، لأن سياسيين كبارا يتباهون بعلاقاتهم الحميمة مع أكثر من جهاز مخابرات أجنبي، فعن أي جواسيس نتحدث،  وعن أي مواقع أمنة ندافع، وبيتنا مخترق من الداخل الى أبعد الحدود، فكم من ألف زائر يدخل ويخرج بلا رقابة، لماذا دندون!! الم يعتبروا من بازوفت وملابسات قضيته، وكل ما أحيك من خلالها وبعده!! سؤال نرسله لمن يقرأ ما بين الأسطر والعناوين،  وليس الى المشغوف دوما بنصائح تبتدعها عقول المزايدات!!
سيادة العراق ستكون عصية على أكبر أساطيل الجيوش الأجنبية، عندما تستند الى وحدة شعب يتنفس الوطنية ويتربي عليها في مهده، وسيكون البيت معمورا باعادة اللحمة الى أرواح العراقيين عبر مشروع وطني حقيقي يجمع ولا يفرق، عندها فقط سننسى الخوف من المؤامرات الأجنبية والجواسيس، ونفتح حدود البلاد للزائرين ، فالشعوب تتجانس بالتواصل الانساني، ولن تصان سيادة الوطن فقط باجراءات أمنية ما أنزال الله بها من سلطان، اذا كانوا مقتنعين، بما يطلقون عليه ” العراق الجديد”، فيما يلبسون نفس ثوب الخوف من الجواسيس!! .
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات