أثبتت التجربة وبالملموس الممل جدا، أن ما يجري في العراق أغرب عملية سياسية شهدها العالم، لابل أنها أصبحت مضرب الأمثال وعصا تخويف الأخرين من تكرار الخطأ القاتل، فتغيير الأجندات السياسية بفعل فاعل أجنبي، يعني استباحة كل شيء، وهو ما يحدث في بلاد النهرين، الدماء تواصل نزفها بسبب اخفاقات السياسيين و هوسهم بالمناصب، الجميع يتمدد على سيادة العراق والسكوت الرسمي لسان حال اللامعقول، والا لماذا يتظاهر المواطنون في البصرة مثلا لادانة ترسيم الحدود مع الكويت، ولماذا يصر المحتجون على اسماع صوتهم بلا خوف!!، انها قضية بحاجة الى نقاش عقلاني لا وساطات مكوكية غالبا ما تستخدم لحسم خلافات بين دول، وليس بين حكومة وشعبها!!
واذا كان البعض يتعمد زج الغضب الشعبي في زوايا طائفية وعرقية ، وربما غدا مناطقية، فان الحقيقة مختلفة بالتمام والكمال، فهناك فشل سياسي على مختلف المستويات وفي كل الكتل والقوائم والتحالفات، بعد أن تم تغييب المشروع الوطني بارادة أمريكية ، انتقاما من ماذا؟ لا ندري!! اللهم الا لتبرير ما يحدث داخليا واقليميا، فالخلاف بين الدول لا يبرر الغزو و عقلية الاحتلال هي من مخلفات الزمن، ولا علاقة لها بما يسمونه عراقا جديدا و ديمقراطيا على الورق، يذبحوننا بدستورعجيب و غريب، تقابلة ارادة عراقية متراخية جدا في التصميم على تغيير نصوصه، وكأنه صك غفران يبرر ما يحدث منذ 10 سنوات ، أو لأنه بدون هذا الدستور ستتهاوى عروش و كراسي و مميزات، لذلك تراوح الأمور مكانها ، بل تسرع خطوات الترجع الى الوراء بشكل مخيف!!
الأختلاف على الأهداف لا يبرر لأي سياسي عراقي اعتماد سياسة الأرض المحروقة للتغطية على اخفاق كوضوح الشمس، و افتقاد القاعدة الجماهيرية لا يعطي أي فريق حق المقامرة بالورقة الطائفية والعرقية والعددية، فالقضية تتعلق بمستقبل وطن و أخوة شعب، وليس صراع ديكة تفرقهم ألوان الريش قبل رغبة الانتصار، ثم اي انتصار هذا الذي تخط حروفه دماء الأبرياء وملايين الثكلى وا لأيتام، بشرونا بتعددية سياسية و تداول سلمي للسلطة، واذا بقارب النجاة يمضي بمجداف واحد لا يعينه على التوازن لتتلاطمه أمواج الفتنة من كل جانب، مراهقون سياسيون يجهلون مكانة البلاد التي يتسيدون مشهدها ، يتباكون على أخوة شعب العراق، وسلوكياتهم اليومية تؤكد أنهم بوحدته لا يؤمنون، لذلك لا يستقيلون رغم المآسي، ولا يعتبرون من الفشل، في مفارقة تنافي ديمقراطية ما يزعمون!!
يقول العارفون بخفايا المستور، ” ليس كل ما تسمعه صياح ديك، فهناك اصوات متداخلة غيرت حتى التوقيتات”، وذلك في وصف دقيق لحوار الطرشان عن الدستور وضرورة تصحيح بنوده، وطبيعة التوافقات ونوع المحاصصات، مؤكدين أنه من العبث انتظار الفرج من ارادة سياسيين يحتمون بأخطاء الدستور أكثر من سلطة القانون، انها فعلا متاجرة بهموم المواطن وصيانة حرمة الوطن، انها مذبحة العراق، كيف لا وهناك من يحسب عدد أفراد عائلته على انها حزب سياسي عريق!! وفي الحالتين ليس هناك تاريخ سياسي محترم لا يعترف بمحطات الفشل والاخفاق، وليس هناك من حقيقة أقوى من صوت الشعب، فمتى يستفيقون من وهم القدرة على تمرير الأجندات المصلحية بشقيها الشخصي قبل الحزبي!! سؤال لن يجيبون عليه بالمطلق، لأنهم أصلا لم يفكروا به لحد اليوم!!
وما يزيد الأمور تعقيدا ” فهلوة” التلون في المواقف و التوجهات عند أغلب السياسيين ، والقدرة على الانتقال من الشرق الى الغرب يحدث بلمح البصر، وتغيير الأولويات بطريقة تبرر تكهنات البعض من أنها تخضع لمقدار المميزات المكتسبة من كل موقف أو تصريح، أو نوع التطمينات الخارجية، بعيدا عن أي خجل من نظرة الشعب الى ما يجري من مساومات على حساب مستقبله واستقراره وحتى تجانس أواصر أخوته، لذلك ليس هناك من أمل يرتجى في ضوء ميكانيكية الأداء الرسمي غير المكتمل في واحدة من حلقاته!!
معارض سليط اللسان لتوجهات الحكومة يتحول فجأة الى ساعي بريد سياسي بين الأخيرة و معارضيها من باقي التيارات ، و أخر يصبح معارضا و نادما بشدة على سوء أختيار الحلفاء، و كأن العملية السياسية هي لعبة ” طم خريزه” ، كل فريق يقولب الأمور بما يوافق توجهاته بعيدا عن أي أهتمام بمصلحة وهموم البلاد والعباد!! لو هذا ما يجري في العراق ومع الأسف، فليس هناك من توجهات واضحة ولا خطط خمسية أو سنوية، بل خطوات يومية ومع ذلك متعثرة، ما يجعل من ارادة التغيير السلمي ضرورة ملحة، فنحن في العراق، لا يهمنا شكل وطول الشخص ولون بشرته وانتماءاته الدينية و غيرها، فما يسعد النفوس و يطيب الخواطر وينشر السلام والاستقرار، هي ارادة عراقية غير قابل للمساومة ، ورافضة بصدق لكل التخندات خارج مصلحة الوطن، عندها فقط سنضع الخطوة في اتجاهها الصحيح، فالمذهبيات وتجدد التحالفات و تكاثر المتناقضات لا تبني وطنا، لكنها تعجل بالانتحار السياسي، وما أكثره غدا طالما يخجل كثيرون من القدرة على الأعتراف بالخطأ وسوء الحسابات!!
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]