يكتب الناقد العراقي المعروف، والأستاذ الأكاديمي، المقيم الآن في الولايات المتحدة، الدكتور حاتم الصكر في جريدة الإتحاد الإماراتية المملوكة مقالاً استطرادياً بعنوان رامبو في قراءات مبكرة، وذلك في يوم الخميس الماضي، يستهله بالإشارة إلى أن المكتبة الرامبوية العربية قد كبرت بكبر تيارات الحداثة وانتشار الترجمات الشعرية لتعضيد الكفاح الحداثي هذا، فيشير حصراً إلى ترجمة العراقي كاظم جهاد، والمصري رفعت سلام، ثم يعرج على الكتاب الأول بالعربية للرائد السوري صدقي اسماعيل، ويختم بكتاب العراقي سامي مهدي. طبعاً لم يأت الأستاذ حاتم بجديد، لكن اللافت في الأمر أنه يقرض، وللمرة الثانية، جهود العراقيين بخاصة، فقد سبق له أن أصدر، ومن دبي العزيزة، مختاراته الشعرية العربية، وأسقط مرغماً، لا بطلاً، شاعراً كبيراً مثل سعدي يوسف. وقد يكون تفسير هذا واضحاً، فسعدي الذي نال جائزة العويس في البداية، عاد ونبز صاحبها وأميره، فكان الصكر أمام خيارين، لا ثالث لهما، أما يخسر كتابه وريعه، أو يخسر سعدي وشعره، فاختار أهون الشرين كما يظن، وهذا أمر حدث كثيراً في كل الأنظمة السلطوية التي تسوس الثقافة وتسيسها، سواء أكانت أميرية، أو فاشية، أو نازية، أو حتى بعثية عربية، والأمثلة كثيرة فيها.
والآن نراه في استطراداته هذه يقفز ستين سنة من عام صدور كتاب صدقي اسماعيل، إلى كتاب سامي مهدي، ويتناسى متعمداً ترجمة الرائد خليل خوري الصادرة في بغداد عام 1979، كما يتناسى كتابين رائدين مهمين، لا بالعربية بحسب، بل في كل اللغات، الأول كتاب بيير بتفيز بعنوان “رامبو، الشاعر والإنسان”، الصادر عام 1995 عن المعهد الثقافي الفرنسي في عدن، والثاني كتاب ألان بورير “رامبو في الحبشة”، الصادر عام 2008 عن دار أزمنة في عمان، وكأن هذين الكتابين لا يضيفان شيئاً للمكتبة العربية، أو لا يعضدان ساعداً في الكفاح الحداثي العربي. لا هما أبوان، ولا مرجعان، كما يريد الصكر، وهذا أمر غريب حقاً. وإذا كان سعدي قد نال دبي عاصمةً للثقافة العربية، فإن السيدين الفرنسيين، الحجتين في أدب رامبو، بتفيز، وبورير ليست لهما أية علاقة لا بدبي، ولا بإماراتها، فما حدا بالصكر إلى طمس كتابيهما؟ الحقيقة أني لا أملك تفسيراً غير أن الأستاذ الصكر ينتقص من قدر المنهج العلمي المعروف في الكتابة والتنويه، فيخون قارءه العربي، ويستخف بمرجعيته. من ناحية أخرى، فما زال البعض منا ذا ثقافة إذاعية، تستند إلى الصحاب وما يدور في حلقات الذكر، أو هم مطعونون بعقدة” خلف السدّة” العراقية، فلا يصدقون يوماً أنه يمكن لعبد الحسين أو كاظم، مثلاً، أن يكونا أديبين عراقيين، أو يصبح لعيبي رساماً عراقياً مرموقاً، وما زال هذا البعض يعتقد أن كلية الهندسة العراقية مازالت تقتصر على الأسماء المعدودة من شكري، ورأفت، ونديم. وهذه طائفية أخرى في الثقافة العراقية الحديثة، تبدو واضحة عند الأستاذ حاتم الصكر وأشباهه. ولو كان الصكر، وهو الأمريكي الآن، قد نشر مقالته هذه في إحدى صحف بلاده، لحاسبه دستور الولايات المتحدة الأمريكية على التدليس، لكنه، ويا للأسف، يكتب لنا نحن العرب، وفي صحيفة عربية، فيخوننا وهو العارف بحرفية الكتابة.