15 نوفمبر، 2024 12:21 ص
Search
Close this search box.

الصراع الخليجي الايراني على العراق من 1979-2017 الاسباب والاستراتيجيات والمراحل والنتائج المحتملة

الصراع الخليجي الايراني على العراق من 1979-2017 الاسباب والاستراتيجيات والمراحل والنتائج المحتملة

إعداد/ د. عمر عبد الستار محمود
مستشار مركز العراق الجديد للبحوث والدراسات

الصراع الخليجي الايراني على العراق من 1979-2017 الاسباب والاستراتيجيات والمراحل والنتائج المحتملة الفهرس
1-الموجز
2– المقدمة
3- الاطار النظري للبحث
4-الصراع بين النظرية والتطبيق
5-استراتيجية الصراع بين النظرية والتطبيق
6-الاطار النظري للبحث
7-اختبار فرضية البحث
أ- اسباب الصراع
ب-استراتجية الصراع
ج- مراحل الصراع على العراق
1- حرب الخليج الاولى
2- حرب الخليج الثانية
3- حرب الخليج الثالثة
4- حرب الخليج (الرابعة)
8- تحديات الصراع ونتائجه المحتملة
9-الخاتمة
الموجز
لا صراع بين نظامين دون تغيير في نخبة الحكم او معايير الانظمة او ميزان القوى بين الطرفين.ولا استراتيجية دون صراع.واذا كان هناك تغيير فهناك صراع وان كان هناك صراع فهناك استراتيجية.
ولان التغيير حصل في ايران في 1979 فهناك صراع بين ايران والخليج.وهناك استراتيجية للصراع بين نظام ولاية الفقيه الثوري ومجلس التعاون الخليجي بدا على العراق منذ اول حرب خليجية ولازال مستمرا.
صراع مستمر على العراق لان العراق شمال الخليج وايران شرقه ودول مجلس التعاون غربه.فالعراق همزة قطع جغرافي بين ضفتي الخليج من جهة وبينهما وتركيا من جهة اخرى.كما هو همزة قطع ديموغرافي بين العرب والترك والفرس من جهة وبين السنة والشيعة من جهة اخرى .
ولهذا اصبح امن العراق جزء من الخليج وامن الخليج بضفتيه.ولم يخرج صراع الطرفين في العراق عن السيطرة رغم انه مر باربع حروب خليجية.لانه صراع مدار اميركيا اولا ولانه صراع يدور بين ضفتي خليج يمتلك ثلثي نفط وغاز العالم واكبر نقطة تفتيش للتجارة العالمية للنفط (هرمز)،ويمر به 1\3 نفط وغاز العالم.
والصراع مدار اميركيا لان الخليج ملتقى خطوط البر والبحر والجو في العالم كما يقول الرئيس الاميركي هاري ترومان.ومن هنا ترى الولايات المتحدة انه لابد من التقاء الضفتين،فيما ترى ايران العكس تماما.
فايران ترى ان منظومة عربية ايرانية هي مركزها قد تحقق رؤيتها الاستراتجية من جهة وتمكنها ربما من اخراج القوات الاجنبية من المنطقة.ومن هنا ربما اعلنت ايران في 2015 عن حلف بغداد مع روسيا وسوريا والعراق في ظل صراعها على العراق، كما كانت يوما مع العرق في حلف بغداد اثناء الحرب الباردة.
وهذا قد يعني عدم وجود امكانية للتوصل الى حل وسط في صراع الطرفين.وقد قال محمد بن سلمان لابد من نقل المعركة من السعودية الى ايران.ومن هنا فان تغيير نظام ولاية الفقيه قد يعد ضرورة اقليمية ودولية قبل احتمال التقاء شمال الخلج وشرقه وغربه في حلف او منظومة اقليمية جديدة.
وقد بين صراع الضفتين على العراق انهما تتحاربان مع العراق ان افترق عنهما سياسيا وتتحاربان على العراق ان افترق نظامهما السياسي.وربما لن ينتهي صراع الضفتبن على او مع العراق الا بحلف يضم الثلاثة مثل حلف بغداد.
فقبل خروج العراق من حلف بغداد بانقلاب 1958 وايران بثورة 1979،كان العراق عضوا في حلف بغداد مع ايران وتركيا وباكستان وبريطانيا في حين ظلت السعودية معارضة لذلك.
وحين خرج العراق من حلف بغداد 1955 بانقلاب 1958 التقت ايران والسعودية مع اميركا ضد العراق الذي تحالف مع السوفيت.وحين اعلنت ولاية الفقيه في 1979 حربها على العراق ساند مجلس التعاون الخليجي العراق.
ولما غزا صدام الكويت تقارب الطرفان ضد العراق بعد حرب الخليج الثانية.وبعد حرب الخليج الثالثة اصبح العراق حليفا لايران ضد دول مجلس التعاون.وحين قامت حرب الخليج (الرابعة)بعد سقوط الموصل انضم العراق للتحالف الدولي ضد داعش فتقاربت دول مجلس التعاون مع العراق.
ولانتجاوز الواقع حين نقول ان التحالف الدولي الثالث ضد داعش هو حرب خليجية رابعة تستهدف ايران وليس داعش فقط.وان كانت قد بدات بتحالف جوي ستيني دولي فقد التحق بها تحالف اسلامي عسكري من اربعين دولة اعلن عنه ولي العهد السعودي نهاية 2015.ثم التحلق بالتحالف الدولي تمركز عسكري امريكي بري متتابع في العراق وفي سوريا.
حتى قال وزير الدفاع الاميرك جميس ماتيس اخيرا”ان القوات الاميركية ستبقى بالعراق بعد داعش لحماية الإنجازات الكردية والنفوذ المتحقق فيه وفي سورية ولمنع التسيق بين البلدين وقطع علاقتهما بإيران”.
فهل لهذا لصراع الضفتين على العراق بعد مرور اربع حروب خليجية من نهاية؟ ام ان هناك حرب خليجية خامسة في الطريق؟
ربما تكمن الاجابة على هذا السؤال بسؤال اخرهو لماذا توقفت حرب الخليج الاولى بهدنة 8-8-88 دون اتفاق سلام او استسلام؟ولماذا انسحبت اميركا بعد حرب الخليج الثالثة دون اتفاق سلام او استسلام؟
وقد يشير مضمون السؤالين ان الحرب الخليجية (الرابعة) التي اندلعت ضد داعش بعد عودة اميركا في 2014،ان نهاية الحرب الاولى والثالثة بدون اتفاق سلام او استسلام مؤشىر على احتمال حرب خليجية خامسة لدفع ايران نحو الاستسلام اكثر منها لعقد اتفاق سلام مع ايران فحسب.
ورغم ان اتفاق لوزان النووي قد جرى في ظل الحرب الخليجية الرابعة التي قد يتحقق في ظلها ايضا اتفاق اقليمي دولي تتخلى به ايران عن دعم الارهاب،لكن اتفاق لوزان يواجه الان احتمال انسحاب ايران او اميركا منه.
وهذا يعني احتمال عودة ايران الى البند السابع الذي خرجت منه.فايران هي البلد الوحيد في العالم الذي خرج من البند السابع دون حرب.ومن هنا فان احتمال حرب خليجية خامسة امر محتمل.
امر محتمل تعززه احتمالات انزلاق العراق الى فوضى وتفكك،وهو يواجه استفتاء اقليم كوردستان على الانفصال من جهة وتغول الحشد الشعبي على الدولة والدستورمن جهة اخرى.
وقد يساعد انضمام العراق للتحالف الدولي في فتح الطريق لتدخل دولي يمنع تفكك العراق من جهة ويخرجه من عباءة ايران من جهة ثانية ويقربه من خيمة مجلس التعاون الخليجي من جهة ثالثة،خاصة وان العراق لازال تحت البند السابع.
المقدمة
منذ تبددت الشراكة التي جمعت ضفتي الخليج ضد العراق بوصول خميني للسلطة في 1979 تعسكر الخليج وماحوله ودخل في فاصلة تاريخية ربما تشبه فاصلة حرب الثلاثين عاما في القرن السابع عشر التي انتهت باتفاقية ويست فاليا.
والملفت ان عام 2017 ربما يشبه عام 1979 في كثافة العسكرة التي يشهدها الخليج .وربما تشبه سنوات 2011-2017 سنوات النصف الثاني من سبعينيات القرن العشرين.فقد قُتل الملك فيصل ثم السادات ثم استلام صدام حسين الحكم في العراق بما يشبه الانقلاب.
وكذا فعل ضياءالحق في باكستان وكنعان ايفرن في تركيا.وكانت كامب ديفيد وظهرت ولاية الفقيه وتم احتلال الحرم المكي من قبل جهيمان وظهر مجلس التعاون الخليجي.وكانت حرب افغانستان وغزو لبنان والحرب الخليجية الاولى.
وانتهت الحرب الباردة وتشكلت ثلاث تحالفات دولية احدها لتحرير الكويت واخر لاحتلال العراق وثالث ضد داعش في سوريا والعراق ورابع اسلامي عسكري.فتعسكر الشرق الاوسط مرة اخرى في 2017 وكاننا على ابواب 1979 من جديد (1).
وفي الوقت الذي غابت فيه دول وانظمة،ظلت ضفتي الخليج الشرقية والغربية الاثقل وزنا والاطول يدا في المنطقة.وقد يدل هذا على ان ضفتي الخليج استوعبت تحديات وتداعيات الفوضى والحخروب باستراتيجية صراع توازي احدهما الاخرى شبرا بشبر وذراعا بذراع(2).
شبرا بشبر وذراعا بذراع رغم ان اقصر مسافة بين ضفتي الخليج 60 كيلومتر عند مضيق هرمز. فالضفتين متباعدتين عن بعضهما بعد المشرقين ومتصارعتين على العراق منذ ظهور ولاية الفقيه.
وتعود اسباب صراع الضفتين على العراق الى الجغرافية التي يقول عنها بسمارك انها الشئ الوحيد والدائم في السياسة.فالعراق هو البلد الوحيد الذي يتاخم إيران والسعودية والكويت معاً.
ومضيق هرمز عنق الزجاجة بين الشرق والغرب.والهيمنة عليه تهدد الخليج والعالم.ومن هنا قال وارن كريستوفر وزير خارجية الولايات المتحدة في 7-10-1980″ سندافع عن مصالحنا في هرمز والخليج الذي يجب ان يكون بمنأى عن اي تدخل وسنتخذ الاجراء لمنع اي تدخل”(6).
كما ان الخليج يرتبط جيوسياسيا بحدود منطقة الناتو.ومن هنا فتح الناتو مقرا في الكويت في ك2 2017.و ان “اي ذراع بحري لم يقدم ولن يقدم مجالا حيويا كما قدمته مياه الخليج” كما قال الخبير البريطاني ارنولد ولسون.
كما ان الرئيس الاميركي هاري ترومان قد قال في 7-4-1947 ان “الخليج منطقة استراتيجية عظيمة تلتقي فيها خطوط البر والبحر والجو العالمية”،واضاف عالم اميركي اخر “ان الخليج مركز العالم ومنطقة تلتقي فيها المصالح الكونية(6).
واذا كان الاسكندر المقدوني قد قال في مجلس قادته بمصر “انني لا استطيع تامين موقعي بمصر في ظل سيطرة فارس على الخليج”،فلايمكن لاميركا ايضا في ظل سيطرة ولاية الفقيه على ضفة الخليج الشرقية والعراق حتى البحر المتوسط تامين موقعها في الشرق الاوسط او وسط اسيا.
وعلى ابواب انسحاب بريطانيا من الخليج، ولادراك اميركا لاهيمة الخليج،وقعت اميركا اتفاق النفط مقابل الامن مع السعودية في 1945.وقد اقلقت ثورة خميني السعودية خوفا من ان ترفع اميركا يدها عنها اذا واجهت ثورة مماثلة.فقد ذكرت صحيفة نيوزوويك الاميركية في 3-اذار 1980 ان السعودية شعرت بالثورة في ايران اكثر من اي بلد في الشرق الاوسط(3).
كما ان قلق السعودية يكمن ايضا في ان ايران تعتبر الخليج ايضا جزء من امنها القومي. لكن امريكا اخرجت الخليج من دائرة الصراع الدولي بمبدا كارتر في 1981 (4) ثم عسكرته بعد غزو الكويت.
وقد اخرجت اميركا الخليج عن دائرة الصراع الدولي لخطورة موقعه الجيوسياسي على النظام الدولي من جهة ،ومن جهة اخرى ان ولاية الفقيه ولاية معادية للنظام الدولي الذي تفوده الولايات المتحدة(5).
ورغم أن النظام الدولي قد تغير منذ اتفاقية ويست فاليا عام 1648 خمس مرات، فان مفهوم ويست فاليا (الدولة-الأمة)لا يزال ثابتا يقاوم كل من يحاول هدمه ابتداء بنابليون مرورا بهتلر والسوفيت وانتهاء بولاية الفقيه(7).
ومن هنا ربما دعمت اميركا مع دول الخليج العراق ضد ايران في حرب الخليج الاولى . وجاءت التحالفات الدولية الثلاث من 1991 الى 2003 الى 2014 لحماية امن الخليج من ولاية الفقيه من جهة ولنقض وبناء شرق اوسط جديد(8).
فخروج مصر باتفاق كامب ديفيد في 1978 من مثلث القوة الاقليمي لشرق اوسط القرن العشرين المتكون من مصر وايران وتركيا من جهة،واستبدال موقع مصر في مثلث القوة الاقليمي بالسعودية بعد 1980(9) من جهة اخرى ،ربما كان اول خطوة في نقض وبناء منظومة اقليمية نظيرة.
لكن استلام ولاية الفقيه الحكم في ايران وضع المنطقة امام تهديد امني جديد بنظام ثوري لايؤمن بالدولة الوطنية.وبدل ان تحافظ ايران على دورها وواجبها الاقليمي كدولة متوسطة القوة قامت بتصدير الثورة فزعزت الامن الاقليمي كما فعلت مصر من قبل.
وزعزعة الامن الاقليمي تهديد بخروج الامن في الشرق الاوسط عن السيطرة.وهذا ما لا يسمح به النظام الدولي.ومن هنا ربما وقفت الولايات المتحدة مع الخليج والعراق ضد ايران في الحرب الخليجية الاولى.ثم جاءت التحالفات الدولية الثلاث واحدا اثر الاخر.
وقد ترافق مع هذه التحالفات الثلاث تبدل في استراتيجية الولايات المتحدة من سياسة الاقطاب المزدوجة بين السعودية وايران الى استراتيجية احتواء العراق وايران.كون العراق وايران غير مؤهلين لضمان الامن في الخليج.
واستراتيجية الاحتواء الاميركية مع العراق وايران قد نجحت ربما في جعل العراق عضوا في التحالف الدولي الثالث الذي تشكل بعد سقوط الموصل،كما نجحت في تحقيق اتفاق لوزان النووي مع ايران في ظل التحالف الدولي الثالث.
وامام ايران اتفاق دولي اخر حول ملفها الاقليمي.اتفاق قد تفقد به ايران دورها الاقليمي كما فقدت ملفها النووي.وقد تكون التحالفات الدولية والاقليمية حول ايران اليوم رادعا في حال رفض ايران الانصياع لارادة النظام الدولي(10).
وقد اشار البيت الابيض الى ان المنطقة تحتاج اتفاق دولي مشابه لاتفاق كامب ديفيد.وان كانت اشارة البيت الابيض قد جاءت في سياق حل الازمة الخليجية الخليجية الاخيرة(11). والاشارة الى كامب ديفيد اشارة الى مصر التي فقدت دورها الاقليمي.وقد تعني ان ايران قد تفقد دورها الاقليمي لنفس السبب.
وفقدان ايران المحتمل لدورها الاقليمي قد يُنهي صراع الطرفين على العراق باحد ثلاث احتمالات.احدها اعادة التوازان المفقود في العراق لصالح ولاية الفقيه منذ انسحاب اميركا من العراق نهاية 2011 وقبل اندلاع الربيع العربي.
ويؤكد هذا عودة اميركا من جديد بعد 2014 وانتهاء موجات الربيع التي بدات في 2011 ثانيا.وتحالف مصر مع السعودية والامارات والبحرين ثالثا وكلها دول مضادة للربيع العربي.
وقد يتمثل الاحتمال الثاني باسترداد العراق من ولاية الفقيه التي جعلته ساحة لعدم الاستقرار في المنطقة.ويؤكد هذا الاحتمال انضمام العرق للتحالف الدولي وتقارب السعودية والامارات والبحرين منه.وهذا قد يعني احتمال انضمام العراق للتحالف الاسلامي العسكري فضلا عن انضمامه المحتمل لمجلس التعاون الخليجي.
واما احتمال تغيير نظام ولاية الفقيه فقد يؤكده حديث محمد بن سلمان بنقل المعركة الى طهران حيث قال “ان الحوار مع إيران مُستحيلٌ بسبب إيمانها بالولي الفقيه،والمهدي المُنتظر،وأن إيران تُريد الاستيلاء على الأماكن المُقدّسة،وعلينا أن لا ننتظرها وأن ننقل الصّراع إلى عُمقها” (12).
الفصل الاول
الاطار النظري للبحث
اشكالية البحث
تتمثل المشكلة البحثية في هذه الورقة اولا في دراسة اسباب صراع ولاية الفقيه ومجلس التعاون الخليجي على العراق منذ 1980- 2017.وثانيا في البحث عن استراتيجية صراع الطرفين وثالثا في دراسة مراحل صراعهما ورابعا في البحث عن نتائج صراعهما المحتملة من خلال الاجابة عن الاسئلة التالية:
اولا
هل هناك صراع بين ضفتي الخليج على العراق؟
هل يملك طرفي صراع الضفتين استراتيجية محددة؟
هل صراع الضفتين مدار اميركيا؟
هل حروب الخليج الثلاثة كانت محطات في صراع الضفتين على العراق؟
هل عودة اميركا بعد سقوط الموصل في 2014 كانت بداية لحرب خليجية رابعة؟
هل هناك احتمال نهاية هذا الصراع ام ان حرب خليجية خامسة امر وارد؟
هل يمكن ان ينتهي الصراع بخروج العراق من عباءة ايران وانضمامه لمجلس التعاون الخليجي؟
متى يمكن ان تلتقي ضفتي الخلج والعراق في حلف او منظومة اقليمية؟
فرضية البحث
تحاول فرضية البحث الاجابة عن الاسئلة اعلاه بالقول ان هناك صراعا بين ضفتي الخليج الشرقية والغربية على العراق بسبب تغيير نظام الحكم في ايران في 1979.وتضيف الفرضية ان الصراع بين الطرفين يقتضي وجود استراتجية صراع طويلة الامد.وقد مر صراع الطرفين بثلاث مراحل منذ 1980 ودخل في مرحلة رابعة وقد ينتظر مرحلة خامسة.
وتمثلت المراحل الثلاثة بحروب الخليج الاولى والثانية والثالثة التي انتهت بانسحاب اميركا نهاية 2011 من العراق.واما الرابعة فقد بدات بعودة اميركا بتحالف دولي ستيني بعد سقوط الموصل.وربما تتجه نحو حرب خليجية خامسة تتعلق بملف ايران النووي والاقليمي.
وتؤكد الفرضية ان صراع الضفتين المستمر منذ 1980 على العراق يمكن ان يؤدي الى انهاء صراع الطرفين على العراق بانضمام العراق لمجلس التعاون الخليجي والتحالف الاسلامي العسكري والتخلص من عباءة ايران بعد ان اصبح العراق عضوا في التحالف الدولي.
لكن حسم صراع الطرفين على العراق قد لاينهي صراع الضفتين قبل ان يزول نظام ولاية الفقيه عن الحكم في ايران.لان الفرضية تشير ان صراع ضفتي الخليج ليس صراعا ثنائيا بين ضفتي الخليج على العراق فحسب،بل صراع بين نظام ويست فاليا الدولي بزعامة الولايات المتحدة ونظام دولي ديني مركزي عابر للحدود بقيادة ولاية الفقيه لايؤمن دستوره ومنظومته بالنظام الدولي.
الفصل الثاني
اختبار فرضية البحث
القسم الاول
صراع ضفتي الخليج بين النظرية والتطبيق
تغيير = صراع
الصراع هو عملية تفاعلية تتجلى في عدم التوافق بين الاطراف (خلاف او تنافر).(13) وتشتمل عملية التفاعل هذه على دفع وسحب واخذ وعطاء لايجاد حالة توازن بين الاطراف تأخذ بالاعتبار عوامل الداخل والخارج.
ويحدث الصراع عندما يرغب احد الطرفين في عمل يتعارض مع ارادة /حاجة /التزام الطرف الاخر.والسبب الرئيس في الصراع هو حصول تغيير في نخبة الحكم او معايير الانظمة او ميزان القوى بين الطرفين.وهذا ماحصل في ايران في 1979.
فقد تغير نظام الحكم في ايران من ملكي تقليدي الى ديني ثوري فبدا الصراع على العراق مع ضفة الخليج الغربية.واصبحت ايران ومجلس التعاون الخليجي تشبه علاقة توامين غير متشابهين وبلدين متجاورين في الجغرافية متقاربين في الموارد مختلفين في النموذج والمصالح وفي طبيعة علاقة كل منهم بالمجتمع الدولي.
وبدات عملية الصراع بين الضفتين في فضاء القيم ونموذج الحكم والمعايير والمواقف. وكانت كامنة اول مرة ثم تحولت لميدان المصالح فكانت معلنة. واستمرت حالة الصراع في حرب اخليج الاولى حتى تحقق نوع من توازن في المصالح والقدرات والارادات يوم 8-8-88.
ثم تغيرت المعادلة بعد حرب الخليج الثانية اذ تغير النظام الدولي وغزا العراق الكويت وتوفي خميني وتعسكر الخليج اميركيا.فاستمر صراع الطرفين على العراق وان بنمط فيه نوع تساوم. اذ اصبح العراق مصدر قلق للضفتين.
ثم عاد الصراع بين الضفتين بعد احتلال العراق في حرب الخليج الثالثة.وازاداد اكثر بعد انسحاب اميركا منه نهاية 2011. حتى سقطت الموصل فعادت اميركا بتحالف ستيني ينبئ بحرب خليجبية رابعة على العراق بين الضفيتن.
وكانت العناصر المشتركه(14) في صراع الضفتين على العراق هي
1- معايير وقيم ومصالح مختلفه ومتعارضه بين الضفتين في لعبة (صفريه).
2- اعتقاد كل طرف ان الطرف الأخر يتصرف ضده
3- يتجلى الأعتقاد بعمل معادي بين الطرفين
4- يؤكد الأعتقاد حالات عداء ماضيه وقعت بين الطرفين
اما الأفكار المشتركه في عملية صراع الضفتين فهي
1-الشعور بالتفوق لدى احد الطرفين
2-ظلم يقع من احد الطرفين بأتجاه الأخر-سنه وشيعه-
3-شعور بالضعف – انعدام ثقه – قلة حيله
3-رفض التبعيه من طرف لطرف اخر
وعندما تبدأ دورة حياة صراع (15) بين طرفين بهذه العناصر والافكار يأخذ الصراع مراحل متعددة هي:
المرحلة الاولى: (نحن-هم).
ويزداد الصراع على الأقل في دائرة الوعي حين يكون هناك غموض بين الطرفين في نظرة كل طرف للأخر. وفي هذه المرحلة من الصراع لا يوجد عنف.ثم ينتقل الصراع الى مرحلته الثانية.
المرحلة الثانية:
وتتميز بالعنف و يبحث الطرفيين عن حلفاء ويسعى كل طرف لكسر ارادة الطرف الأخر-حرب الخليج الاولى
ثم يدخل الصراع مرحلته الثالثه:
المرحلة الثالثة:
وهي مرحلة الطريق المسدود وهذه قد تؤدي الى
1- تصاعد الحرب من جانب واحد وتؤدي الى تغيير المعادله الى صالحه –البحرين2011. او طريق مسدود مع استمرار الصراع بين الجانيين– حرب الخليج الاولى والازمة السورية وحرب اليمن.
2- استنزاف الطرفين – الحرب العراقية الايرانية- والثورة السورية- وهذه تؤدي الى المرحلة الرابعه:
المرحلة الرابعة:
وهي مرحلة البحث عن تسويات بواسطة طرف ثالث.
ثم تكون المرحلة الاخيرة.
المرحلة الخامسة والاخيرة :
وهي مرحلة التوصل الى اتفاق او معاهدة-حصل الاتفاق في نهاية حرب العراق وايران 1988.وربما سيتكرر مرة اخرى في العراق ايضا كما اشار روحاني في مقاله في الواشنطن بوست قبل توقيع اتفاق لوزان 2015.
ولو انتقلنا بالصراع بين ايران ودول الخليج من مدار النظرية الى مدارالتطبيق لوجدناه ينطبق تماما بعضه على بعض.فلم يبدا الصراع قبل التغيير الذي حصل في ايران 1979 وقد كان الطرفان قبل ذاك في اصطفاف اقليمي دولي كما ذكرنا انفا وهذا في اسباب الصراع.
اما في افكاره فأيران مثلا تشعر بالتفوق الثقافي على الأرض وبنفس الوقت تشعر بالعزلة لغة ومذهبا وترفض التبعيه وكل ذلك يدفعها للنفوذ الأقليمي.ولو عدنا لعناصر الصراع لوجدنا كلا الطرفيين ينظر للاخر بمنظار مختلف.
فايران تنظر للعرب سنة وشيعة بمنظار الموروث الفارسي(16).والعرب ينظرون لأيران بمنظار ترى ايران بأنه منظار غربي.اذن نحن وهم موجودة بقوة بين الطرفين وحين تشكل مجلس التعاون مثلا رأت ايران ان هذا مؤامره غربيه لمحاصرة ثورتها.
وحين قامت ثورة ايران رأت دول الخليج ان هذا تهديدا وجوديا لها. وتجسد هذا في دعوة الخميني العرب الى الثورة لأسقاط الأنظمه الملكية اللااسلاميه. وشكلت دول الخليج مجلس التعاون.
ثم انتقل الصراع من دائرة الوعي بين الطرفين الى الصراع غير المباشر في الحرب العراقيه الأيرانيه. وهكذا نجد ان دول الخليج ادركت المخاطر وكذا فعلت ايران فشكلت ولاية الفقيه منظومة تحالف مع الفاعلين من غير الدول محليا واقليميا.فمؤسسات ولاية الفقيه تتوازى فيها منظومة الدولة واللا دولة واقليميا.وبدأت بتأسيس فيلق بدر في العراق وانتهت بالحشد الشعبي.
وشكلت دول الخليج مجلس التعاون في 1981كتحالف اقليمي في مواجهة المتغيرات الأقليميه.وبدا الصراع في عدة جولات بدات في حرب الخليج الاولى.وبعد حرب الخليج الثانية ظلت العلاقات متوترة وان انفرجت قليلا.وبعد حرب الخليج الثالثة واحتلال العراق رفضت السعودية الاحتلال كدولة مسؤولة عن حفظ الامن الاقليمي الاحتلال فزعزت ايران امن العراق والمنطقة.
وبعد انسحاب اميركا من العراق سقطت الموصل فعادت اميركا وبدات ما يمكن ان نسميها حرب خليج (رابعة).ومعها عادت السعودية للعب دورها الاقليمي كدولة متوسطة القوة وبدات بالتحرك صوب العراق تدريجيا منذ 2015.وانفتحت في 2017 بطريقة لم تحصل منذ غزو العراق للكويت(17).
وتؤكد طبيعة صراع الضفتين ان دول مجلس التعاون ترى في انظمة ايران والعراق خطرا سياسيا من جهة ومن جهة اخرى ترى نفسها مسؤولة عن حفظ الامن الاقليمي فتعالجة بالتحالف مع النظام الدولي.
وان كان تحديد المخاطر موحدا بين منظومة دول مجلس التعاون فان دوله تختلف في طريقة معالجة المخاطر في كل مرحلة من مراحل الصراع كما سنرى لاحقا.
في حين ان سياسة ايران التي ترى في منظومة مجلس التاعون وتحالفاتها تهديدا لدورها ونظامها فانها تعتمد في مواجهته اولا على نظام مزدوج من الثورة والدولة تناور بهما في كل مرحلة من مراحل الصراع التي مرت بثلاثة حروب وقد دخلت في نطاق حرب خليجية رابعة منذ 2014. كما تعتمد ثانيا على تحالف اقليمي عابر للحدود مكون من منظومات عوامل غير دولتية دينية مسلحة تابعة للحرس الثوري(18).
القسم الثاني
استراتيجية صراع ضفتي الخليج على العراق
بين النظرية والتطبيق
تغيير = صراع = استراتيجية
دون طرف منافس لا قيمة لاي ستراتيجية.والمنافسة هي التي تبرر الاستراتيجية.وهي تعني البحث عن قواعد السلوك الصحيح للفوز في المسابقة. واصل كلمة الاستراتيجية يوناني يتكون من مقطعين -1-ستراتوس :يعني جيش و -2-اج يعني يقود(19).
والمقصود هنا ان الاستراتيجية وضعت لتحقيق الفوز بالتركيز على الترابط بين قرارات الخصوم وقراراتك من جهة، ومن جهة اخرى التركيز على التوقعات حول سلوك كل طرف تجاه الطرف الاخر.وبهذا تكون الاستراتيجية هي سياسة البقاء والنجاح والرهان على المستقبل.وهي تعني ايضا ان صراعك مع خصم لايمنع من وجود مصالح مشتركة في ظل قيم ومصالح واهداف متعارضة(20).
تتمحوراسئلة الاستراتيجية الكبرى كمايلي
اين انت الان؟
الى اين الاتجاه ؟
كيف نصل الى هناك؟
اين ننافس؟
كيف ننافس؟
ماهو وضعنا الان؟
ماهي مواردنا؟
ولو انتقلنا من مفهوم الاستراتيجية النظري الى واقعها العملي بين طرفي الصراع نجد ان كلا الطرفين قد امتلكا عناصر استرايجية لاجل البقاء والنجاح على المدى الطويل. فتقاربا مرات وتعارضا مرات واسطاع كل منهما ان يصل بعد اربعين عاما او تكاد وضفتي الخليج توزاي وتوازن الواحدة الاخرى.وهذا يعني ان الطرفين نجحا في وضع استراتجية جعلتهما يتجاوزان ثلاث حروب خليجية على العراق ودخل في اجواء حرب رابعة ربما في حين زالت دول وانظمة وجيوش منذ 1980.
أ استراتيجية ايران
استراتيجة دولة واستراتيجة ثورة
وقد تضمنتها مشروع رؤية2025 الذي أعده مجلس تشخيص مصلحة النظام.وهي وثيقة تُعرف باسم “الإستراتيجية الإيرانية العشرينية” (2005-2025)، أو الخطة الإيرانية العشرينية “إيران 2025″(21).
وتُعتبر “أهم وثيقة قومية وطنية بعد الدستور الإيراني اذ تضع التصورات المستقبلية للدور الإيراني خلال عشرين عامًا،وتهدف إلى تحويل البلاد إلى نواة مركزية تشمل 25 دولة وتشمل المنطقة من حدود الصين شرقًا والمحيط الهندي جنوبًا والخليج العربي غربًا والقوقاز والبحر المتوسط شمالاً.
واسيا الوسطى والقوقاز تأتي في المرتبة الثانية بعد الخليج وفق الاستراتيجية الإيرانية العشرينيّة. يعني ان الخليج والعراق شماله يحتل الالوية في هذه الاستراتيجية.وهي المناطق التي مارست عليها ايران هيمنتها طوال فترة تمتد منذ زمن الأخمينيين مرورًا بالساسانيين وغيرهم ويسمى ايضا مشروع “حوزة إيران الحضارية” أو إيران الكبرى.
ووفق دراسة مركز الجزيرة لوليد عبد الحي عن بنية القوة الايرانية وافاقها فان إيران دولة تمتلك رؤية إستراتيجية تصرّ على بلوغ هدفها المركزي وهو تحقيق مكانة الدولة المركز في فضائها الإقليمي المتعدد(22).ومن قالوا ان ايران عاصمة امبرطوريتهم الكبرى(23).
أن الاتجاه العام لحركة الاستراتيجية الايرانية هذه يشير إلى أنها تسير.لكن تواجهها تحديات كبرى خصوصا بعد تحديات اتفاق لوزان وقدوم ترمب باجندة تقرير اوليبرايت هادلي اصافة الى تحديات الداخل الايراني في ظل التصعيد الدولي ضدها.
ورغم هذا فان بنية “الضبط والتوازن مكّنت نظام ولاية الفقيه من الصمود ومنحته قدرة تكيّف عالية مكنته من امتصاص الضربات من خلال توازن ذاتي تساهم فيه مؤسسات ثنائية تكبح جماح بعضها البعض بشكل قصدي واضح -جيش-حرس ثوري،مجلس شورى-مجلس صيانة الدستور-مجلس خبراء–مجلس تشخيص مصلحة النظام-المرشد-الرئيس-مجلس الأمن القومي-الحكومة.
فهناك مؤسسات دولة توازيها مؤسسات ثورة وهناك استراتيجة دولة واستراتيجة ثورة ورغم ما يبدو من كرّ وفرّ في علاقاتها الدولية والإقليميةالا ان بيت الامام-بيت رهبري- يقودها جميعا.
وقد تناوبت الثورة مع الدولة خلال حروب الخليج الاربعة.ففهي الحرب الاولى تقدمت الثورة على الدولة ثم تراجعت لصالح الدولة في الحرب الثانية. ثم تقدمت الثورة في حرب الخليج الثالثة ثم تراجعت في حرب الخليج الرابعة.
وهذا ربما مكنها كما يقول محجوب الزويري في ورقته -من الفكرة الرأسمالية الغربية التي تقسّم العالم إلى مركز ومحيط. فإيران تقدم نفسها سياسيًا ام قرى ومركزللعالم الإسلامي، وأشبه بالمحيط الذي يجب أن “ينهل” من تجربة إيران بعد الثورة(24).وهذه الرؤية باختصار رؤية توسعية ثورية هجومية تستند الى نزعة قومية امبراطورية واخرى طائفية متطرفة وتختلف عن رؤية مجلس التعاون الخليجي.
ب استراتيجية مجلس التعاون الخليجي
اولا
الحفاظ على توازُن القِـوى وعلى الامن الاقليمي
فقد وقف وراء تاسيس المجلس في عام 1981استراتيجية تحقيق الأمن الجماعي لمواجهة خطر وجودي. ومجلس التعاون هو نظام امني اقليمي وفق نظرية الامن الاقليمي في العلاقات الدولية. وهو نظام يحترم اسس الدولة الوطنية التي يقوم عليها النظام الدولي ويعضدها بنظام امني عابر للحدود ومتحالف مع المجتمع الدولي.وتقوم استراتيجية مجلس التعاون على الحفاظ على توازُن القِـوى والامن الاقليمي والتحالف الدفاعي مع الأطراف الدولية(25).
وتتلخص رؤية المجلس بقيام مؤسسات عسكرية وامنية واقتصادية صلبة.والتحالف مع الولايات المتحدة التي تعتبر الخليج جزءا من امنها القومي.وأدّى ذلك إلى تدويل كامل لأمن الخليج عبر سلسلة من الاتفاقات الدفاعية بين دوله والدول الغربية.وكان تحالف عاصفة الصحراء الاول لتحرير الكويت والثاني لاحتلال اللعراق والثالث بعد سقوط الموصل في 2014.
ثانيا
إستراتيجية التنمية الشاملة(26) بعيدة المدى 2000 إلى 2025
ثالثا
مبادرة اسطنبول28+1 (27)لتعزيز شراكة الناتو الأمنية مع دول الخليج
رابعا
رؤية المجلس في عام 2015
وقد التفت الملك سلمان الى ابيران في 2015 واطلق عاصفة الحزم في 26-302015 وقال جمال خاشقجي لكل زمان دولة ورجال وسياسة خارجية(28).
وبمقارنة استراتيجية ضفتي الخليج يبدو ان استراتيجية الضفة الغربية تختلف عن الشرقية وان كانت موازية لها. فاسستراتجية ايران هجومية غير دولتية دينية عابرة للحدود الوطنية معادية لاسس للنظام الدولية.فيما تركز استراتيجية الضفة الغربية على المحافظة على ألاوضاع الراهنة بطرق دفاعية والحفاظ على الامن الاقلمي بالتحالف مع النظام الدولي.
ج– استراتيجية الولايات المتحدة التي تدير صراع الصفتين
تتمثل استراتيجية الولايات المتحدة بموجة جيبية بين صعود يتمثل بسياسة التدخل المباشر اي القيادة من الامام يعقبه هبوط بسياسة التدخل غيرالمباشر والقيادة من الخلف.ومضت موجة امريكا الجيبية منذ وودورولسون وحتى ترمب.وبهذه الاستراتيجية الجيبية استطاعت الولايات المتحدة الامساك بزمام السياسة العالمية منذالحربين العالميتن وحتى الان فاسقطت هتلر والسوفيت وتزعمت النظام الدولي ووضعت حجر اساسه الاول في الاتحاد الاوروبي وذراع النظام الدولي العسكري في الناتو وهي على ابواب اسقاط ولاية الفقيه ربما.
فقد تحالفت مع ايران والسعودية ضد العراق في السبعينيات. ثم تحالفت مع السعودية والعراق ضد ايران في حرب الخليج الاولى.ثم تركت سياسة الاقطاب المزدوجة الى سياسة احتواء العراق وايران بعد حرب الخليج الثانية.وعسكرت الخليج بخطة ثلاثية الابعاد.
وقد تمثل بعدها الاول بعلاقات ثنائية عسكرية مع كل دول من دول مجلس التعاون.وتمثل محور اخر بعلاقة جماعية عسكرية ومناورات متعددة دورية مع منظومة مجلس التعاون.ومحور ثالث تمثل بزيادة وجود اميركا العسكري في الخليج. وقد اقلق ذلك ايران واستمرت سياسة احتواء العراق وايران من قبل اميركا قائمة منذ ذلك الوقت،على اعتبار ان ايران والعراق لايمكن ان يكونا ضامنين لاستقرار المنطقة(29).
وقد تشابهت استراتيجية دول مجلس التعاون مع استراتيجية امريكا خلال حروب الخليج الاربعة على العراق.فتقاربت السعودية والكويت من العراق في الحرب الاولى في حين تقارب الطرفين مع ايران بعد حرب الخليج الثانية.
وان كانت الامارت وقطر قد تقاربتا مع ايران في حرب الخليج الاولى فقد تقاربا مع العراق في حرب الخليج الثانية.ويبدو ان الازمة الخليجية الاخيرة التي تقاربت فيها قطر مع ايران قد ادت لتقارب سعودي اماراتي بحريني من العراق.وهذا ينسجم مع سياسة الاحتواء من جهة ولحفظ توزان القوى في الخليج من جهة اخرى.
القسم الثالث
مراحل الصراع على العراق بين ضفتي الخليج
مقدمة
حرب الخليج الاولى
حرب الخليج الثانية
حرب الخليج الثالثة
حرب الخليج الرابعة
مقدمة
كان الرحالة القدماء يطلقون على شمال الخليج اسم الخليج الأعلى.فالعراق شمال الخليج وشرقه إيران وغربه دول الخليج التي تأطرت منذ العام 1981 في مجلس التعاون لدول الخليج.وبذا فالعراق امتداد جيوسياسي للخليج وبوابته الجغرافية للبحر الأبيض المتوسط وأوروبا(30).
ومن هنا كانت جغرافية العراق السياسية وموقعه الجيوسياسي وديموغرافيته الطائفية والقومية والدينية سببا في صراع ضفتي الخليج عليه.وليس هذا فحسب بل ان العراق هو قلب العالم الاسلامي وقلب الشرق الاوسط ومفتاحه نحو اوروبا.اذ يحيط بالعراق إيران وتركيا وسوريا والأردن والسعودية والكويت(31).
ومن هنا ارادت ايران جعلها جزءا من امنها القومي وعاصمة لامبرطوريتها الاقليمية وساحة تحارب بها خارج حدودها:فخاضت من اجل ذلك اربع حروب خليجية.
ولان امن العراق من امن الخليج وامن ضفة الخليج الغربية من امن ضفته الشرقية،دعا وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس في حوار المنامة عام 2008 لضم العراق إلى مجلس التعاون الخليجي، في إطار الحديث عن التحديات الأمنية التي تواجه دول الخليج العربي والتي ربط غيتس بينها وبين ما يسميه التهديدات الإيرانية للجوار الخليجي.
وفي تصور غيتس أن إشراك العراق في المنظومة الخليجية وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة معه سوف ينتزعه من القبضة الإيرانية من ناحية ومن ناحية أخرى يكثف الضغط على إيران للانصياع لرغبات المجتمع الدولي(32).
ودعوة غيتس في 2008 تقدمت للامام حين ربطت الولايات المتحدة بعد 2014 العراق بمنظومة التحالف الدولي بعد ان ربطت مجلس التعاون الخليجي بمبادرة اسطنبول منذ 2004.وذلك يعني ان العراق ومجلس التعاون الخليجي قد اصبحا اقرب من اي وقت اقرب لبعضهما البعض.ومن هنا جاء الانفتاج الخليج الاخير على العراق.
حرب الخيج الاولى
ادركت ايران بعد وصول خميني للسلطة ومجلس التعاون بعد ظهوره في 1981 ان الطرف الاخر يشكل خطرا استراتيجيا ضده.فشيطنت ايران مجلس التعاون واعتبرته مؤامرة امريكية لمحاصرة ثورتها ودعت لاسقاط ممالكه (اللاسلامية) فاسست دول الخليج مجلس التعاون الخليجي.
ففى ربيع الاول من عام 1979 عقد الاجتماع الافتتاحى لدول الخليج العربي فى القاعده الجويه السعوديه خميس مشيط.وعندما قام مجلس التعاون كان قد مضى على الحرب العراقية ـ الايرانية تسعة اشهر.
وحراك الخليج نحو تاسيس مجلس التعاون جاء من عاملين رئيسين: اولا التحولات السياسيه والاقتصاديه التى طرات على دول الخليج العربيه وحولتها من اطراف هامشيه الى اطراف فاعلهة بما اتاحته لها ثرواتها بعد استخدام سلاح النفط خلال حرب اكتوبر 1973.
والعامل الثانى هو ادراك تلك الدول ضرورة انضوائها تحت تنظيم اقليمى واحد للوقوف فى وجه الهيمنه الايرانيه صفا واحدا حين اصبح مسرح الخليج مجالا خصب للثوره الايرانيه التى وصلت الى السلطه فى الاول من ابريل عام 1979 وما اعقبها من نشوب الحرب العراقيه الايرانيه (33).
وكان من سياسات الولايات المتحده الامريكيه منذ ظهور ولاية الفقيه ابعاد روسيا عن المنطقه واحتواء ايران وتطويقها حمايه لمصالح امريكا فى الخليج بشكل خاص.ومن هنا عملت الولايات المتحدة على تقوية المملكة العربية السعودية والعراق ودول الخليج تزامن ذلك مع قيام مجلس التعاون الخليجى الذى اصبح تكتلا لا يستهان به (34).
وبهذا يمكن القول ان الحرب العراقية الإيرانية ثمرة تعاون خليجي – عراقي – اميركي، من جهة ومن جهة اخرى تحولت العلاقات السعودية -الإيرانية إلى علاقات صراعية بعد ان كانت سياسة تحاف وقت الشاه.
وبعد وصول صدام إلى السلطة بدلاً من البكر،وأصدر صدام عام 1980 ما عرف بـ الإعلان القومي الذي يؤكد على أمرين: أولهما، عدم شرعية أي تدخل من جانب أية دولة عربية في الشؤون الداخلية لأية دولة عربية أخرى.
وثانيهما،أن الوحدة العربية هدف استراتيجي،أي هدف بعيد قد يحدث وقد لا يحدث،وكانت هذه كلها إشارات طمأنة للسعودية أدت إلى التقارب بين صدام حسين والأمير فهد (الملك فهد) في ذلك الوقت(35).
ورغم ان موقف دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية كان يتصف بالحياد الرسمي والانحياز العملي نحو العراق،فان ايران التي كانت تسعى لتحييد دول الخليج عن الحرب والضغط عليها بكافة السبل للتخلي عن دعمها للعراق مادياً،كانت ترى ان الكويت والسعودية منحازتين الى جانب العراق.
وقدت شهدت عواصم مجلس التعاون الخليجي نشاطاً دبلوماسياً مكثفا واجتماعات استثنائية للمجلس الوزاري لمجلس التعاون وزيارات متكررة لبغداد وطهران لانهاء الحرب.ولم تكن ايران ترضى للوسيط الخليجي ان يكون خصماً وحكماً في آن واحد.وقد حذر هاشمي رفسنجاني رئيس مجلس الثورة الاسلامية في ايران دول الخليج من مساعدة العراق وان ايران يمكن ان تلجأ الى اجراءات ضد هذه الدول دفاعاً عن نفسها.
حتى بدات ايران تتعرض في ربيع عام 1984 لسفن محايدة وغير محايدة في الخليج.وهددت بانها لن تترك طرق الملاحة امنة في الخليج اذا ما بقي الطريق الى مينائها النفطي في جزيرة خرج مهدداً.فقصفَتْ الناقلتين الكويتيتين للنفط (ام القصبة ) و( بحرة ) في 13 ـ 14 ايار 1984 والناقلة السعودية للنفط (مفخرة ينبع) في ميناء راس تنورة السعودي وهي محملة بحوالي (210) الف طن في 16 ايار 1984م.
واتهمت الكويت رسمياً ايران بقصف الناقلتين.وتبني مجلس الامن قراره رقم ( 552 ) الذي فرض اجراءات فعالة اذا استمر التهديد للسلام والامن الدوليين. ورسم الملك فهد خطه الوهمي الاحمر على طول الخيج لاول مرة ومنع اي طائرة او بارجة ايرانية من اختراقه.
وقد اسقط الطيران السعودي طائرتين تجاوزتا الخط ولم تفعله ايران مرة اخرى.وحشدت القوات الامريكيه قطعها فى الخليج للتصدى لتحرشات الحرس الثورى الايرانى ضد شحنات النفط الدوليه حين بدا الحرس بمساعده بعض عناصر البحريه النظاميه بتلغيم ممرات الملاحه الدوليه فى الخليج العربى(36).
واصبح الامر اخطر حين احتلت ايران شبه جزيرة الفاو في 1986.وهدد مسؤولون ايرانيون بانه اذا لم تتوقف دول المجلس عن دعم العراق فسوف تعرض نفسها للخطر. فقام مجلس التعاون بتنسيق دفاعي وامني مشترك تركزت درع الجزيرة اثره في منطقة قرب الكويت بعد احتلال الفاو.
ثم قصفت ايران حقل ( ام البخوش ) النفطي في دولة الامارات في كانون الاول 1986م.وفي اب 1987م تظاهر حجاج ايرانيون في مكة المكرمة فاسفرت عن سقوط مئات الضحايا.ومع ذلك ابقت دول المجلس على اتصالاتها مع ايران عبر الامارات وسلطنة عمان بهدف حصر المخاطر المحدقة بين الجانبين في اضيق نطاق ممكن.
حتى اتفقت الدول الكبرى الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وبريطانيا على وضع نهاية لهذا الصراع بعد ان اسقطت الولايات المتحدة طائرة ركاب ايرانية فوق الخليج قُتل جميع ركابها الـ 290 .
وتم اعلان وقف اطلاق النار وقبول قرار مجلس الأمن رقم ( 598 ) لعام 1987 في 8/ اب/ 1988،بعد ان فشلت ايران في الوصول الى اهداف اعلنت عنها فيما سمي بـ( سنوات الحسم ) ونجح العراق في تحرير شبه جزيرة الفاو في 17 نيسان 1988.
ودفعت هذه العوامل المجتمعة ايران في 17 / تموز / 1988م الى ابلاغ الامين العام لهيئة الامم المتحدة خافير بيريز بما نصه “نعلن رسمياً ان جمهورية ايران الاسلامية بناء على الاهمية البالغة التي توليها لانقاذ ارواح البشر واقامة العدل والحفاظ على السلام والامن الاقليميين والدوليين تقبل قرار مجلس الامن 598.
وقد اقنع رفسنجاني رئيس مجلس الشورى الايراني خميني بقبول غير المشروط لقرار( 598 ) وقال نصاً” ان الوقت لم يعد في صالح ايران ؛لأن القوى المتعجرفة المناهضة للاسلام قررت بذل اقصى ما في وسعها لتكبيل ايدينا”.
وقد برهن مجلس التعاون لدول الخليج اثناء الحرب قدرته على دمج المصالح المشتركة للدول الاعضاء،من خلال علاقاته مع الطرفين المتحاربين العراق وايران.ومحاولاته المتكررة لاحتواء اثار الحرب وعدم اتساع رقعتها.
ولو قارنا سياسات دول مجلس التعاون المتناقضة ظاهريا مع ايران اثناء حرب العراق وايران مرورا بحروب الخليج الثلاث المتتالية وصولا للازمة الخليجية مع سياساته لوجدناها متشابهة.
وقد حاول الامين العام المساعد للشؤون السياسية في مجلس التعاون سيف بن هاشل المسكري تبرير تتشابه وتناقض علاقات دول المجلس المتباينة اثناء حرب العراق وايران بالقول ان الزيارات بين ايران وبعض الدول الاعضاء لا تخرج عن اتجاه انهاء الحرب العراقية ـ الايرانية اولاً وتخفيف التوتر في المنطقة وابعادها عن الصراعات الدولية.
واضاف ان تباين وجهات نظر دول المجلس ليس في تحديد المخاطر،بل في كيفية معالجة تلك المخاطر.واضاف ان دول المجلس ذات طابع تعاوني وتنسيق مشترك في مواقف سياسية، وان كل دولة لها اجتهاداتها ولها وجهات نظرها في كيفية معالجة الامور من اجل انهاء هذه الحرب”(37).
حرب الخليج الثانية
ما ان انتهت حرب العراق وايران لصالح مجلس التعاون والولايات المتحدة حتى انهار السوفيت وتزعمت اميركا النظام الدولي وغزا العراق الكويت فكانت عاصفة الصحراء وكان تحالف 1991.
وبغزو العراق للكويت نفذت دول مجلس التعاون الخليجي احد اهم قرارتها في نصرة الكويت. اذ نصت مقررت تاسيس المجلس على ان العدوان على إحدى الدول الأعضاء يعتبر عدواناً على كافة دول المجلس.
وقد تجسد هذا المبدأ على الصعيد العملي أثناء أزمة الكويت في العامين 1990-1991 حيث شاركت كافة دول المجلس في تحرير أراضي بلد عضو في مجلس التعاون الخليجي.
وكذلك تجسد لاحقا في نقل 1500 عسكري من قوات “درع الجزيرة” في 14 مارس عام 2011 من الوحدات السعودية والكويتية والإماراتية إلى البحرين فضلاً عن الوحدات الرمزية العمانية لاحقا (38).
وفكره غزو العراق للكويت وضمها، لم تتولد مع صدام بل مع كل رئيس حكم العراق.فقد استمرت السياسه التهديديه وغير الوديه تجاه الكويت بدون توقف منذ تبادل الرسائل بين البلدين فى عام 1932 للحصول على مدخل بحرى للطرق المائيه للخليج عن طريق ضم جزيره وربه وجزء من جزيره بوبيان ضمن اراضيها.
وعلى الرغم من الضغوط البريطانيه رفضت الكويت هذا الطلب خوفا من ان تحتل العراق الجزيرتين.وربما تبقى الكويت رهينه عن طريق الضغط بتزويد المياه.
وقد اعلن العراق عام 1961 عن رغبتها فى ضم الكويت فى عهد رئيس وزرائها عبد الكريم القاسم.وعلى الرغم من اتفاقيه 1963 بتشكيل لجنه تعيين الحدود المشتركه لم ترسم الحدود بسبب المماطله العراقيه المستمره.
وبعد وقف اطلاق النارمع ايران فى 1988 وعلى عكس التوقعات بدا العراق يقتنى اسلحه ومعدات جديده. ولم يسرح احدا من جيشه الكبير ولم يحول اى عدد منه الى قطاعات مدنيه انتاجيه(39).
وبغزو نظام صدام الكويت تغير الظرف الدولي والاقليمي بالكامل.وتغير معه نمط تعاون – صراع بين إيران والدول الخليجية الذي ظل يحكم علاقات الطرفين حتى حرب تحرير الكويت.
حيث تراجعت الولايات المتحدة عن سياسة توازن القوى التي اتبعتها فى عقد السبعينات (حيث تحالفت مع إيران والسعودية ضد العراق)وفى عقد الثمانينات (حيث تحالفت مع العراق والسعودية ضد إيران).
وقررت واشنطن أن تدافع عن مصالحها بشكل مباشر في الخليج وأن تضاعف قواتها العسكرية التي كانت قد دخلت إلى مياه الخليج ابتداءً من عام 1987 بناءً على دعوة كويتية برفع الأعلام الأميركية على ناقلات النفط الكويتية لحمايتها مما عرف بـ حرب الناقلات التي شنتها إيران في مياه الخليج العربي رداً على حرب المدن التي كان يقوم بها العراق ضد المدن الإيرانية.
وتركزت استرايجية اميركا بغد غزو الكويت على ثلاث محاور اولها تعزيز قدرات كل دولة في مجلس التعاون وتعزيز القدرات الجماعية للمجلس وتعزبيز قدرات اميركا العسكرية في الخليج(40).
وبتخلي الولايات المتحدة عن سياسة توازن القوى وظهورها القوي في الخليج ابتداءً من عام 1991استطاعت أن تجهض ربط امن الخليجي بما يسمى (الأمن العربي) عبر ما سمي يومها بـ إعلان دمشق بين دول مجلس التعاون الست ومصر وسوريا.
وبدات بعقد اتفاقيات أمنية ودفاعية ثنائية مع كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي على حدة.وتحولت تفاعلات النظام الإقليمي الخليجي إلى ما سمي بـ مستطيل التوتر بعد أن أصبحت الولايات المتحدة القوة الإقليمية الأبرز والأهم في الخليج.
وهو تطور جعل من نزاع ضفتي الخليج أميركياً من كثافة العسكرة الاميركية في مياه الخليج وفي القواعد الأميركية المنتشرة على شواطئه.وقد بلغ عدد المناورات العسكرية لدول مجلس التعاون الخليج مع الولايات المتحدة في عام 1991 فقط 100 مناورة حضرها اكثر من 100الف جندي من قوات الطرفين(41).
واصبحت العلاقات بعد حرب الخليج الثالثة صراعية بين إيران ومجلس التعاون،إيران والعراق،مجلس التعاون والعراق،والعراق والولايات المتحدة،واخيرا بين الولايات المتحدة وإيران(42).
وان تحولت استراتيجية اميركا في حرب الخليج الثانية كما اتضح انفا،فان ايران قد اعلنت استرتيجيتها الجديدة للمنطقة فى 9 اب 1990 التي ابتدات في رفضها لقرار العراق بضم الكويت.
وقال البيان الايرانى ان ايران لن تسمح بتغيير جغرافيه المنطقه السياسيه. وصرح على اكبر ولاياتى وزير الخارجيه الايرانيه وقال “ان انسحاب العراق من الكويت قد يكون بدايه لانسحاب كافه القوات الاجنبيه”(43).
وقد صرح رفسنجاني “ان سياسة ايران الفجة قد خلقت لها اعداء بلا داع”.واعتبرت ضفتي الخليج بعد حرب الخليج الثانية العراق مصدر قلق مشترك للطرفين.كما ان زوال السوفيت قد ازاح هم ضفتي الخليج من قلق مشترك.فتقاربت السعودية مع ايران(44).
ومؤكد ان هذا التقارب قد جاء ايضا بعد تراجع منظومة الثورة في ايران لصالح منطومة الدولة بعد رحيل خميني وبسبب الاستنزاف الذي تعرضت له اثناء حرب الخليج الاولى مع العراق(45).
ومع ذلك فلقد استفادت من تغير الظرف الدولي بعد غزو العراق للكويت.وبدات ربما في اعتماد سياسة التقدم بالثورة تارة وبالدولة اخرى.كما فعلت في الثمانينات حين تقدمت منظومة الثورة.وكما فعلت في التسعينيات حين تاخرت منظومة الثورة مقابل تقدم منظومة الدولة.وقد اكسبتها هذه السياسة قدرة في مواجهة التحديات وامتصاص اثر الازمات على منظومتها السياسية.
ومثل ماحصل من تقدم للثورة في الثمانينات حصل مثله في العقد الاول من القرن الواحد والعشرين بعد انتخاب نجاد في 2005.وقد يكون انتخاب روحاني في 2013 على ابواب حرب الخليج (الرابعة) مماثلا لانتخاب رفسنجاني على ابواب حرب الخليج الثانية.
وكان من نتيجة اتباع إيران سياسة الحياد في حرب الخليج الثانية ان انفتحت آفاق تعاون نوعي مع بعض دول مجلس التعاون الخليجي. وقد تكللت بعد عدة زيارات متبادلة بتوقيع اتفاق امني سعودي-ايراني في ايار 2001 في عهد احمد خاتمي وهو اول رئيس ايراني يزور السعودية.وكان هذا الاتفاق الامني اول اتفاق امني بين ايران ودولة خليجية منذ ظهور ولاية الفقيه.
وربما كان هدف السعودية من توقيه هذا الاتفاق تشجيع خاتمي على الانفتاح بعيدا عن تصدير الثورة التي تم انتهاجها في حرب الخليج الاولى.وربما كان هدف ايران من توقيع الاتفاق الامني ان تقترب من اولايات المتحدة عن طريق السعودية.
وربما ارادت ايران ايضا ان يكون الاتفاق نواة لتعاون امني ايراني عربي بديلا عن تعاون دول مجلس التعاون مع اميركا(46).وقد دعا حسن روحاني ممثثل خمنائي في المجلس القومي الايراني بعد حرب الخليج الاولى الى اقامة منطومة امنية مشتركة تضم ايران والعراق ومصر وسوريا ودول مجلس التعاون الست لكنها كانت مشروطة بخروج كافة القوات الاجنبية من المنطقة(47).
لكن استراتيجة ايران لم تكن لتنجح امام اختلال توزان القوى لصالح اميركا في المنطقة والعالم بعد انهيار السوفيت من جهة، ومن جهة اخرى حسم امريكا الصراع في الخليج لصالحها وعسكرتها للخليج وتغير سياستها من الاقطاب المزدوجة الى احتواء العراق وايران.
وقد وضع الواقع الجيوسياسي الجديد بعد حرب الخليج الثانية اي دول طامحة للعب دور اكبر فى محيطها الاقليمى مثل ايران في وضع حرج من جهة،ومن جهة اخرى جعل احتمال تخلى الولايات المتحده عن ارتباطها العسكرى بالخليج امر مستبعدا.
كما ان العراق و إيران لم يعودا يصلحان كضامن للاستقرار في المنطقة بسبب غزو العراق للكويت،ولا كحلفاء سياسيين للقوى الغربية ايضا.وما لم تقم ايران بابداء حسن النيه وخفض حده التوتر فى المنطقه والكف عن تهديد واستقرار امن الخليج فان الولايات المتحدة ليست في وارد الانسحاب وفك ارتباطها بالخليج (48).
وهذا ما اقلق ايران وجعلها تشعر انها اصبحت مستهدفة مثل السوفيت الذين انهاروا.وفي حين كانت ايران قبل ولاية الفقيه قد اجتمعت مع السعودية وامريكا ضدهم،فكيف وقد اصبحت مصدر قلق لهم ولدول مجلس التعاون خلال حرب الخليج الاولى والثانية؟(49).
ورغم توقيع الاتفاق الامني بين ايران وقبل اندلاع حرب الخليج الثالثة والسعودية،فقد ترسخ التوتر في علاقة السعودية بايران اكثر بعد تفجير أبراج سكنية في الخبر من قبل حزب الله الحجاز في 1996الذي وفرت ايران الحماية لمرتكبيه ومنهم المواطن السعودي أحمد المغسل الذي قام بالتفجير الذي ادى الى مقتل 120 شخصاً من بينهم (19) من الجنسية الأميركية.
ومن هنا فقد اعتبرت دول مجلس التعاون وجود القوات الأجنبية حجر اساس في تحقيق امنها القومي في حين ترى إيران أن هذا الوجود هو يمثل تهديدا حقيقيا لامنها القومي لأمنها(50).ولهذا فقد بقيت نقاط خلاف اساسية في صراع ضفتي الخليج،كان من شانها استمرار التوتر على علاقات الطرفين حتى اندلاع حرب الخيج الرابعة على العراق رغم التقارب الذي حصل بين الضفتين بعد حرب الخليج الثانية.
حرب الخليج الثالثة
بعد هجمات 11-9-2001 استمر التوتر مخيما على علاقة الضفتين حتى كان غزو العراق فزاد التوتر اكثر.فقد وظفت ايران فوضى الاحتلال الخلاقة وامتدت تحت دخانها واتسع نفوذها حتى اقلق السعودية التي اعتبرت تمددها تهديدا لامن الخليج فعلمت على احتواءه ومحاصرته(51).
والملفت ان ايران استفادت من المعارضة العراقية في العراق بعد حرب الخليج الثالثة اذ احتضنتها منذ حرب الخليج الاولى والثانية.وعلى العكس فعلت السعودية حتى قال مسؤول سعودي في 2007″كانت لدى الإيرانيين خطة قبل غزو العام 2003 وعملوا على إنجازها وهم يستحقون النفوذ الذي حصلوا عليه في العراق”(52).
وتحول الصراع بين الضفتين على العراق بعد حرب الخليج الثالثة من نمط توتر ساد بعد حرب الخليج الثانية إلى صراع هيمنة على إقليم الشرق الأوسط بعد غزو العراق.وهذا النمط الصراعي الجديد بين ضفتي الخليج زاد من تعقيد علاقة الضفتين.
ولم يعد ممكنا عزل علاقات الطرفين عن مجمل تفاعلات الصراع حول الهيمنة على إقليم الشرق الأوسط في ظل مشاريع استراتيجية اميركية ترمي لتأسيس إمبراطورية عالمية ابتداءً من السيطرة على هذا الإقليم التي أخذت اسم الشرق الأوسط الكبير(53).
وفيما بررت ايران ان نفوذها في العراق هو بسبب الوجود الاميركي الذي يستهدفها،وان اخراج الامريكان مقدم على اي سياسة اخرى، رات السعودية ان حكومة عراقية تمثل الجميع هي الحل.
وفي ظل صراع الهيمنة وجدت السعودية ان ايران قد تمكنت من العراق بعد حل جيشه حتى قال سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي ان “امريكا قد سلمت العراق على طبق من ذهب الى ايران”.وترتب على ضعف الدولة العراقية،والغلبة السياسية للفصائل الشيعية فيها، أن حُرمت دول مجلس التعاون من شريك سُنّي مهم في المنافسة الاستراتيجية والجغرافية مع إيران(54).
ياتي ذلك في وقت رحل فيه خاتمي وانتخب نجاد في 2005 الذي قلب صفحة التقارب السعودي الايرااني في عهد خاتمي الى صفحة صراع(55).
وقد اتهمت ايران السعودية بزعزعة امن العراق من خلال تحالفها مع الولايات المتحدة التي تخوض معها ايران صرعا في ملفها النووي وفي العراق بعد انتخابيات 2005 في العراق وايران وبعد تفجيرات سامراء 2006 التي ادت لاحقا لانسحاب اميركا في 2011.
وقد قال لاريجاني ” ان كانت اميركا تريد للعراق ديموقراطية فعليها الانسحاب بعد ان اختار العراقيون مجلس نوابهم “(56).
وقد وجدت السعودية استفراد ايران بملف العراق ان انسحاب امريكا سيجعل من العراق ايرانا ثانية على حدودها الشمالية.فتقاربت مع العراق ومع ايران بعد تفجيرت سامراء كما دعمت السعودية القائمة العراقية في 2010.
لكن ايران استطاعت ان تعيد المالكي لولاية ثانية تسببت في زيادة صراع الضفتين على العراق والمنطقة التي انطلفت فيها رياح الربيع العربي.
وقد اثار انتشار النزاع الطائفي والارهاب عبر الحدود مخاوف من الطابع الجديد الذي ستتم به إعادة تشكيل المنطقة بعد انطلاق الربيع العربي.وعندما اندلع حراك البحرين شعرت دول المجلس أن النار داخل البيت فتدخلت وحسمت الامر.
وقد كشف الربيع العربي استراتيجية ايران امام شعوب المنطقة التي نفرت منها اذ تركت سياسات مليشياتها الدينية العابرة للحدود اسواء الاثر في المحيط العربي الذي امتدت به بحجة مكافحة الارهاب.
وفي الوقت الذي كان اسقاط الربيع العربي لعدد من الأنظمة الديكتاتورية اختبارًا غير متوقع لعلاقات امريكا مع مجلس التعاون فانه كان تحولًا دراماتيكيًا للسلطة السياسية في العالم العربي.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الإطاحة بعدد من مراكز القوى السياسية والاقتصادية كان في صالح دول الخليج وليس العكس،فربح الخليج مرتين.مرة لانكشاف استراتيجية ايران امام شعوب المنطقة ومرة لغياب منافسين عرب لدور مجلس التعاون الاقليمي.
ومن جهة ثالثة فقد أثرت الاضطرابات السياسية على العراق وإيران وأضعفتهما سياسيًا واقتصاديًا وأتاحت الفرصة لدول مجلس التعاون الخليجي بالظهور كمركز للقوة الاقتصادية في الخليج وفي الشرق الأوسط.
ويرجع ذلك إلى إيرادات النفط التي جعلت منها الحليف الوحيد المستقر لدى الولايات المتحدة،وتحول ميزان القوى من إيران والعراق إلى دول الخليج التي دخلت عصرها الذهبي على ابواب سقوط الموصل في 2014(5).
حرب الخليج الرابعة
لقد فتح سقوط الموصل في 2014 الباب لحرب خليج (رابعة) في العراق وتشكل التحالف الدولي رقم 3 في اب 2014.
وربما قامرت ايران بكل رصيدها الاقليمي حين سقطت صنعاء والموصل في 2014 على ابواب الاتفاق النووي الذي اثار توقيعه مخاوف دول الخليج من جهة،ومن جهة اخرى على ابواب دخول دول مجلس التعاون الخليجي عصرها الذهبي.
وربما كان الهدف الأيراني بسقوط الموصل وصنعاء محاصرة دول مجلس التعاون الخليجي من جهة والتفاوض من موقع قوة مع المجتمع الدولي بالتنازل عن النووي مقابل النفوذ الاقليمي من جهة اخرى.لكن الاتفاق النووي كان خسارة استراتيجية لايران،كما هو ربح اخر مضاف ربما لمجلس التعاون الخليجي.
فايران قد تخلت عن سيادتها النووية للمجتمع الدولي من جهة ولم تُمنح ضوءا اخضر لتكون شريكا في التحالف الجدولي لمكافحة الارهاب كما كانت تامل.كما انها لم تحصل على ضوء اخضر او ضمان دولي في عدم تغيير نظامها.كما قد يعني ان اللغو الثوري الإيراني وصل إلى خواتيمه،واضطرت إيران لتجرع كأس سم الواقعية السياسية مرة ثانية في عمر ثورتها(57).
وان كانت ايران قد نجحت في تحييد السعودية بعيدا عن العراق بعد هجمات 2001 من خلال اتهام السعودية بدعمها للارهاب وطرح ايران نفسها حليفا للمجتمع الدولي في مكافحة الا رهاب,فانها لم تنجح في تكرار نفس اللعبة مع داعش ضد تركيا بعد سقوط الموصل.
ومن هنا ربما تقاربت تركيا والسعودية بعد سقوط الموصل.فارسلت تركيا قواتها الى بعشيقة نهاية 2014 وارسلت السعودية سفيرها الى بغداد في ك2 2015.ثم انفتح البدان على بغداد تدريجيا بعد ان ربطت حرب الخليج الرابعة بغداد بالتحالف الدولي.
وهذا من شانه ان يجعل العراق أقرب من اي وقت مضى لحلفاء أميركا بالمنطقة وأبعد بنفس الوقت ربما عن إيران.في وقت بدا فيه ميزان القوى الاقليمي بالتحول من إيران والعراق إلى دول الخليج بسبب سياسة الاحتواء المزدوج الاميركية التي بدات بعد غزوالكويت ضد ايران والعراق (58).
وقد يفتح انضمام العراق للتحالف الدولي الباب لانضمام العراق للتحالف الاسلامي العسكري ومجلس التعاون الخليجي ايضا.ومن هنا ربما جاءت زيارة روؤساء أركان الأردن والسعودية لبغداد لتحقيق رغبة روبرت غيتس وزير الدفاع الأميركي السابق حين اعلن عنها في حوار المنامة لربط العراق بدول مجلس التعاون كخطوة لابعاد العراق عن ايران(59).
ورغم ان تطورات صراع الضفتين على العراق مازالت شائكة، الا انها مازالت محل اهتمام صانع القرار الأمريكي.فالخليج أحد المناطق الحيوية التي لا يمكن التخلي عنها،لما قد تؤدي الصراعات بداخله إلى تهديدات عابرة للحدود لمصالح الولايات المتحدة.واتفاق لوزان النووي في تموز 2014 يدفع مجموعة(5+1) لاتفاق يجمع الضفتين وجها لوجه(60).
وهناك جدل بأن وجود منتدى أمني إقليمي داخل منطقة الخليج أو منتدى خليجي إقليمي أوسع يشمل دولًا غير الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي على غرار منتدى هلسنكي الأمني، من شأنه أن يساهم في تطوير آليات حل النزاعات الإقليمية والحد منها.
وإذا أخذنا في الاعتبار العداوات القائمة بين إيران ودول الخليج، فان الاقتراح الواقعي هو خلق كيان أمني إقليمي يجمع بين دول الخليج وشركائها الغربيين والذي سيساعد في ترتيب اجتماعات منتظمة لمناقشة المسائل الأمنية الإقليمية، وتعزيز الجهود التعاونية بينهم(61).
وعلى الرغم من ان العراق لازال في قلب معركة دولية اقليمية تبحث عن حماية مصالحها الخاصة على ممرعبور تاريخي بين الشرق والغرب، فقد بدا الاّ مكان لايران في العراق بعد اندلاع حرب الخليج الرابعة.
فمن خلال العديد من الإصلاحات التي تحد من الدور الإيراني في البلاد،دفع بها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي،وقام بخلق فرص للدول الأخرى في المنطقة لتقديم أدوار تسمح بمزيد من النفوذ في العراق.
لكن إيران لن تتراجع دون قتال.و سوف تستخدم كل وسيلة لها،بما في ذلك القوات بالوكالة،لحراسة وحماية مصالحها في العراق(62).وهذا يعني ان الطريق لحرب خليجية خامسة بات امر محتملا ويعتمد حصوله من عدمه ربما على سلوك ايران.
الفصل السابع
تحديات ومالات
صراع الضفتين
على العراق
في ظل صراع الضفتين على العراق فشلت ولاية الفقيه ومنذ 1979 ان تقدم نموذج اقتصادي او سياسي .بل الفجوة بين النظام الثوري والمجتمع في ايران من جهة وبين النظام الثوري ومحيطه العربي والدولي بدأت تتسع بسبب الاثر السئ الذي تركه سلوك مليشياتها من جهة واستعانتها بالمقدس ضد قيم الدول الوطنية من جهة اخرى.
يؤكد على ذلك الباحث الإيراني ونائب مدير معهد طهران للأبحاث والدراسات الدولية الدكتورمحمود رضا حين يقول “لابد من الاعتراف بأن الطريق لايزال طويلاً لإعادة “السجادةالإيرانية” إلى سابق عهدها التاريخي وإلى جعل “صنع في إيران” مصدرثقة”.
وكانت نتيجة التقييم التي قام بها الباحث الإيراني جهانجرأموزجارلنتائج الخطة الخمسية الرابعة التي انتهت عام 2010 في تقييم مسارالحكومة الايرانية والمسارنحو 2025، فيقول: “انه يتراجع من سيءإلى أسوأ”(64).
في حين نجد ان مجلس التعاون الخليجي وضع حاجيتن اساسيتين هما الاقتصاد والامن كاولويات له منذ تاسيسه. ونحن نجد اليوم (رغم الازمة الخليجية الطارئة) ان له منطقة تجارة حرة واتحاد كمركي واخر نقدي على الابواب وسوق مشتركة وتجارة بينية وانضمام لمنظمة التجارةالعالمية.
كما لمجلس التعاون من الجانب الامني درع الجزيرة وقوات تدخل سريع ودرع صاروخية واتفاقية دفاع مشتركة واستراتيجية دفاعية ومبادرة اسطنبول مع دول الناتو و قد افتتح الناتو مركز له في الكويت في كانون ثاني 2017. واخرها كان تحالف الحزم العربي والتحالف الاسلامي العسكري.هذا بالاضافة الى كون دول المجلس اعضاء في التحالف الدولي في العراق وسوريا.
وقد تدفع الاحداث ضفتي الخليج برعاية دولية لعقد صفقة اقليمية وليست ثنائية فحسب تتخلى بموجبها ايران عن دعم عوامل الارهاب كما تخلت عن النووي في اتفاق لوزان.
ومع ذلك فان ضفتي الخليج يوجهان ثلاث تحديات كبرى بعد مرور اربع حروب خليجية.اولا:احتواء تداعيات الفاصلة التاريخية على البنية السياسية والاقتصادية والامنية لنظام ولاية الفقيه ومنظومة مجلس التعاون الخليجي.
وثاني هذه التحديات يكمن في كيفية البحث عن امكانية الأنتقال من حالة صراع غير مباشر مدار اميركيا الى حالة تساوم(تعاون+تنافس)اقتصادي امني.حالة تساوم قد تنقلهما من دول ريعية ابوية الى دول منتجة دستورية، يمكن ان تسمح بالتقاء الضفتين وجها لوجه بمنظومة امن وتعاون اقليمي جديدة.
وثالث هذه التحديات هو كيفية خروج صراع ضفتي الخليج على العراق بما ينقلهما والعراق والمنظقه من منظومة عالم اللادولة الى عالم الدولة بصيغ تستجيب لتطلعات الشعوب.
ولاشك ان الخروج من عالم اللادولة الى عام الدولة يتوقف على سلوك طهران. فهل هي مستعدة ان توقع اتفاق سلام وتتخلى عن الارهاب؟.ام ان العقلية الدينية العسكرية العابرة للحدود ستهرب للامام بعيدا عن الاستسلام والاصطدام؟
وحتى تتضح جدية المجتمع الدولي في تغيير نظام ولاية الفقيه من عدمه، وبانتظار سلوك طهران،فان تحالفات وموارد وقيم واهداف النظام الدولي قد تدفع ايران الى توقيع اتفاق اقليمي مشابه لاتفاق لوزان النووي او اتفاق كامب ديفيد تفقد به دورها الاقليمي.
خاتمة
حاولت الورقة الاجابة عن اسئلة البحث واختبار صحة الفرضية من خلال فصول الورقة ابتداءا من فصل الصراع والاستراتيجية مرورا بمراحل الصراع بين الضفيتن منذ حرب الخليج الاولى.
وقد تبين ان الصراع بين الضفتين ليس صراعا ثنائيا فحسب بل هو صراع مدار اميركيامن جهة،ومن جهة اخرى هو صراع بين النظام الدولي ونظام ولاية الفقيه.وقد شهدت مراحل الصراع الكثير من المبادئ والاستراتيجيات الأمريكية خلال الاربعين سنة الماضية.
فقدارتبطت مراحل الصراع بأسـماء الكثيـرمن الرؤساء الأمريكيين، مثل: مبدأ نيكسون في التدخل غير المباشر ثم مبدأ كارتر في التدخل المباشر ومبدأ الصراع الاستراتيجي فـي عهـد ريغان، ومبدأ الاحتواء المزدوج في ظل كلينتون،ومبدأ بوش الاستباقي وانسحاب اوباما ثم التدخل المباشر عند ترمب.
واذ تحتدم العلاقة بين ايران ومجلس التعاون الخليجي على العراق في ظل حرب الخيج الرابعة، فان امريكا التي تدير هذا الصراع قد تنتقل بالمشهد الخليجي من صفقة النفط مقابل الامن عام 1945 مع السعودية الى صفقة دولية اقليمية قد تنتقل فيها ايران والمنطقة من الثورة الى الدولة.
لكن يبقى احتمال تحول حرب الخليج الرابعة الى حرب خليجية خامسة مشابهة لعاصفة صحراء تحرير الكويت.فقد تزايدت إحتمالاتها الحرب منذ صدور قرار مجلس الأمـن الـدولي رقـم1929 في التاسع حزيران 2010.
حيث قد تجد هذه الحرب شرارتها في إشتباك يدور في عرض البحر،على خلفية تفتيش إحدى السفن الإيرانية(63).وهذا وارد إستناداً للمادة الخامسة عشرة من القرار وهو قرار تحت البند السابع ضد ملف ايران النووي.
وقد يعود العمل به طبقا للقرار 2231 الصادر في 2015، خاصة في ظل تصعيد ادراة ترمب ضد ايران واحتمال انسحاب امريكا منه او ايران.او قد تندلع شرارة المواجهة ان تفكك العراق بعد داعش.
وهذا قد يعني ان الصراع الذي بدا في العراق بحرب الخليج الاولى ثم الثانية والثالثة،قد ينتهي به ايضا.خاصة وان حرب الخليج الاولى قد انتهت بوقف لاطلاق النار في 8-8-88 ولم تنته باستسلام او اتفاقية سلام.وان انسحاب اميركا من العراق قد تم دون استسلام او سلام ايضا.
كما ان عدم استقرار العراق واحتمالات ذهابه الى التقسيم يعزز هذا الاحتمال.ويعززه ايضا وجود امبراطورية حرس ثوري ايراني عابر للحدود دينية مسلحة ترفض حدود الدول الوطنية من جهة،ومن جهة اخرى هناك تحالفات دولية واقليمية في ظل ادارة ترمب التي وضعت ايران كاكبر راع للارهاب في العالم(65).
وسواء جرت حرب خليجية خامسة او وقعت ايران اتفاق دولي مشابه لاتفاق كامب ديفيد اواتفاق لوزان النووي.فان السنوات القادمة لن تكون سنوات راحة ايرانية.فقد اعتادت ايران في ظل نظامها المزدوج،ان تنتقل بعد كل مرحلة من مراحل الصراع من منظومة الثورة الى الدولة او بالعكس.
فقد انتقلت من الثورة الى الدولة بعد حرب الخليج الولى. ثم انتقلت من الدولة الى الثورة اثناء حرب الخليج الثالثة.ثم انتقلت او تكاد من الثورة الى الدولة على ابواب حرب الخليج الرابعة.
وقد استطاعت بهذه الاستراتيجية ان تواجه التحديات وان تمتد من طهران الى بغداد فدمشق فبيرون فاليمن.لكن استمرار هذه اللعبة في ظل التوجهات والتحالفات الدولية والاقليمية ربما لم يعد متاحة لايران.
وتقف ايران اليوم ربما في مواجهة مرحلة لم تعهدها منذ 1980.فانتقالها من الثورة الى الدولة في عهد روحاني لن يسعفها ربما في مواجهة تحديات غير مسبوقة.تحديات من شانها استرداد العراق وقطع امتداد محورها من طهران الى بيروت.
فضلا عن اضطرارها ان تعود ربما الى داخل حدودها،لمواجهة تصعيد غير مسبوق وتهديد دولي واقليمي علي نقل المعركة لاول مرة الى داخلها،كما صرح بذلك ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وربما لن تلتقي ضفتي الخليج مع العراق في حلف واحد الا برحيل ولاية الفقيه.ولاية اشاعت عدم الاستقرارفي العراق وجعلته ساحة فوضى تحارب بها خارج ارضها وهربا من مشاكلها الداخلية وجسرا للبحر المتوسط ومنصة للتفاوض مع ضفة الخليج الاخرى والمجتمع الدولي.
هناك اليوم تحالفات وتصريحات واجندات دولية واقليمية تتحرك ضد ايران ولاية الفقيه. لكن السؤال هل هناك ارادة دولية واقليمية جادة في ازاحة نظام ولاية الفقيه لتحقيق الاستقرار في الخليج وبناء منظومة امن وتعاون خليجية اقليمية دولية جديدة بدون ولاية الفقيه؟
سؤال نترك الاحابة عليه لتدافع الاحداث المتسارعة في الخليج.والتي كان اخرها قمم الرياض التي انعقدت في ايار الماضي وجمعت دول العالم الاسلامي الا ايران،واعلنت عن تحالف شرق اوسطي سيعلن في عام 2018 (66).
*********************************
المصادر
1-مازن عزي-وكاننا في عام 1979-معهد العالم للدراسات-2017-
http://alaalam.org/ar/politics-ar/middle-east-ar/item/534
2-عبدالله-العلاقات السعودية الايرانية وامن الخليج-من 1979-2003-مجلة شؤون خليجية-مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية-العدد 36-2004
3- محمد سليم الكواز-العلاقات السعودية الايرانية 1979-2011 -دراسة تاريخية سياسية-عمان-دار غيد 2013- ص 26
4- الراية القطرية-الدوحة- قنا:دول الخليج وأمريكا..تاريخ من الشراكة الإستراتيجية- 21/4/2016 م-
http://www.raya.com/news/pages/5055dd9f-2779-4a4d-ba62-fa748280b966
5- زينب سليم- مترجم: ما تحتاج أن تعرفه عن التحالف الأمريكي-الخليجي- 2014-
http://www.sasapost.com/us-gulf-alliance
6-مصطفى الشمري- عسكرة الخليج- الوجود العسكري الامريكي في الخليج-2013-ص13
7-عمر عبد الستار محمود- انتصار معاهدة ويست فاليا على ولاية الفقيه-مركز العراق الجديد للبحوث والدراسات-2017-
http://www.newiraqcenter.com/2017/07
8-(هنري كيسنجر) 2015 النظام العالمي -تاملات حول طلائع الامم ومسار التاريخ-ترجمة فاضل جكتر-دار الكتاب العربي-بيروت لبنان.[ص 115-120]
9-أثر اتفاقية كامب ديفد على الصراع العربي الإسرائيلي وفقدان مصر دورها الاقليمي والحيلولة دون عودتها اليه-موقع الجزيرة نيت-
http://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/f2f4a573-6637-44f1-9d1f-470c5932f40a
10-زيدان حسان حاوي الشويلي -مؤتمر فينّا 1814 – 1815-كلية التربية – ابن رشد – جامعة بغداد- 1425هـ 2004م
http://alsafeerint.blogspot.com.tr/2010/06/1814-1815.html
11-ترامب يدرس إمكانية عقد قمة عربية لحل الأزمة الخليجية بتمرير كامب ديفيد 2
http://www.watanserb.com/2017/06/24
12-محمد بن سلمان- لن نُلدغ من إيران مرتين.. وسنعمل لتكون المعركة عندهم وليس في السعودية
https://arabic.cnn.com/middle-east/2017/05/03/saudi-mohammed-bin-salman-relationship-iran
‎‏ 13-نور-انثروبولوجيون في العالم- 2011-المنتدى العربي الاول في الانثروبولوجيا -طلاب جامعة النهرين- نظرية الصراع في علم الاجتماع
http://anthro-world.ahlamontada.net/t2532-topic
14- د. منير محمود بدوى-مفهوم الصراع-دراسة فى الأصول النظرية للأسباب والأنواع- 2014
http://www.alma3raka.net/spip.php?article102
15-مركز دراسات السلام-مراحل النزاع وعناصره
https://www.facebook.com/peaceconflictstudies.uod/posts/1021698717897894:0
16- النفيسي: إيران عدو للأمة ويجب محاربتها
http://www.aljazeera.net/programs/the-interview/2017/3/15
17- ماذا تعني عودة السفير السعودي لبغداد بعد ربع قرن ؟
https://arabic.rt.com/news/794662
18-وثائق تكشف تدريب الحرس الثوري الإيراني للميليشيات الإرهابية من عدة دول داخل ايران
http://alekhbariya.net/ar/node/28087
19- توماس شيلينج- استراتجية الصراع توماس شيلينج-الدرار العربية للعلوم ناشرون-مركز الجزيرة للدراسات-2005-ص 11
20- المصدر السابق ص 12
21- علي حسين باكير-اكتشاف القوة الناعمة الإيرانية.. القدرات وحدود التأثير- 2013
http://studies.aljazeera.net/ar/files/iranandstrengthfactors/2013/04/2013411102151266414.html
22- د. وليد عبد الحي -بنية القوة الايرانية وافاقها- -2013
http://studies.aljazeera.net/ar/files/iranandstrengthfactors/2013/04/201343112429798680.html
23- علي يونسي- مستشار روحاني- أصبحنا امبراطورية عاصمتنا بغداد
http://www.alarabiya.net/ar/iran/2015/03/08
24- محجوب الزويري-حدود الدور الإقليمي الإيراني: الطموحات والمخاطر- 2013
http://studies.aljazeera.net/ar/files/iranandstrengthfactors/2013/04/20134492330407430.html
25-وضحه ذيبان غنام المطيري-ﺩﻭﺭ ﻤﺠﻠﺱ ﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ﺍﻟﺨﻠﻴﺠﻲ ﻓﻲ ﺤﻔﻅ ﺃﻤﻥ ﻤﻨﻁﻘﺔ ﺍﻟﺨﻠﻴج- 2011-2003 -ص 100-110
http://www.meu.edu.jo/uploads/1/586786d25f9b2_1.pdf
(26-إستراتيجية التنمية الشاملة المطورة بعيدة المدى لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية (2010 – 2025م
http://businesspulse.qa/knowledge/directions/gcc
27- سمير التقي وعصام عزيز – ميدل إيست بريفينج- الاتجاه نحو تعزيز الشراكة بين الناتو والتعاون الخليجي
http://thenewkhalij.org/ar/node/36024
28- الملك سلمان يلتفت إلى إيران.. ولكل زمان دولة ورجال وسياسة خارجية
http://www.orient-news.net/ar/news_show/86238
29- الأستاذ الدكتور عبد العزيز شحادة المنصور-أمن الخليج العربي بعد الاحتلال الأمريكي للعراق:دراسة
في صراع الرؤى والمشروعات-مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية– المجلد 25 -العدد الأول-2009-ص-598-600
http://www.damascusuniversity.edu.sy/mag/law/images/stories/589.pdf
30- عبد الجليل زيد المرهون-العراق ورابطته الخليجية- 2016-الجزيرة نيت
31-هاكان كاراكورت-الحرب الأهلية القادمة في العالم الإسلامي-2017
http://katehon.com/ar/article/lhrb-lhly-lqdm-fy-llm-lslmy
32- دعوة غيتس لضم العراق إلى مجلس التعاون الخليجي – الجزيرة.نت-2008
http://www.aljazeera.net/programs/behindthenews
33-محمد حسنين هيكل-مدافع ايه الله-القاهره-دارالشروق-1993-ص251
34-جمال سند السويدى-مستقبل مجلس التعاون لدول الخليج العربيه-ابو ظبى-مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
35- د. محمد السعيد إدريس-الدور الايراني الاقليمي في الشرق الاوسط مشروع تعاون.. ام هيمنة؟
36-محمد السعيد ادريس-النظام الاقليمى الخليجى من 1971-1992-رساله دكتوراه-القاهره-كليه الاقتصاد والعلوم السياسيه-
37-عبدالرزاق خلف محمد الطائي-قراءة في موقف دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988
38- بروفيسور/ جريجوري كوساتش-بروفيسور/ إيلينا ملكوميان-مجلس التعاون لدول الخليج العربية : المنظمة الإقليمية والأمن الإقليمي- موسكو ـ روسيا الاتحادية.
39-خالد احمد محمد-اثر المتغيرات الاقليميه والدوليه على العلاقات الايرانيه(1979-2000)-رساله دكتوراه-القاهره-كليه الاقتصاد والعلوم السياسيه-2006-
40-المصدر 29 –ص 598-603
41- دكتور مصطفى الشمري- عسكرة الخليج: الوجود العسكري الأمريكي في الخليج-ص 132
42-المصدر 35
43- مصدر 36-
44-دكتور محمد سليم الكواز- العلاقات السعودية الايرانية 1979-2011 – دراسة تاريخية سياسية-عمان-دار غيد – 2013- ص40
45- دكتور تاج الدين جعفر الطائي- استراتيجية ايران تجاه دول الخليج- ٢٠١٣- دار مؤسسة رسلان دمشق-جرمانة- ص 148
46- المصدر 44 – ص 75-76
47-المصدر 29-ص 606
48- اشرف سعد العيسوى- انعكاسات البيئه الاقليميه والدوليه على امن دول مجلس التعاون الخليجى 1990–2004- رساله ماجستير- القاهره- معهد البحوث والدراسات العربيه- 2005
49-المصدر 44-ص 43
50- محمد الحمامصي- العلاقات الخليجية الإيرانية: الاستقرار في مواجهة الثيوقراطية التوسعية- العرب- 2017/01/23، العدد: 10521، ص(6)
51-المصدر 44 ص 100
52- فريدريك ويري وكريم سجادبور-توازن بعيد المنال- أميركا وإيران والمملكة العربية السعودية في الشرق الأوسط المتغيّر-28 أيار2014
53-المصدر 35
54-المصدر 5
55- المصدر 44 ص 103
56- المصدر 44 ص 106
57- نديم قطيش-أثر الاتفاق النووي على أدوات إيران – العرب
58-المصدر 5
59- المصدر 32
60- باسم راشد-عرض مُوجز لدراسة تحت عنوان:إيران ودول الخليج: الاضطراب غير الضروري”صادرة عن المعهد الملكي للشؤون الدولية “تشاتام هاوس”، يوليو 2015
61-المصدر 5
62-ستراتفور: العراق مركز الصراع على النفوذ الإقليمي بين إيران والخليج-ترجمة وتحرير أسامة محمد – الخليج الجديد
63-المصدر 25 ص56
64-المصدر 21
65-ترمب: إيران أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم-الجزيرة نيت-٢٠١٧
66- قمة الرياض: تأسيس “تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي” وقوة من 34 ألفاً ضد “الإرهاب
http://www.rudaw.net/arabic/middleeast/210520179
المصدر/ مركز العراق الجديد

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة