7 أبريل، 2024 3:11 م
Search
Close this search box.

اسباب وتداعيات ومآلات عدم الاستقرار في العراق ٢٠٠٣-٢٠١٨

Facebook
Twitter
LinkedIn

الفهرس
المقدمة
المبحث الاول
الاستقرار السياسي في العراق
مفهومه ومعوقات وجوده في العراق
المصادر
المبحث الثاني
المناطق المتنازع عليها من معوقات الاستقرار في العراق
المصادر
المبحث الثالث
عدم الاستقرار في العراق
وتجربة الفوضى الخلاقة
٢٠٠٣-٢٠١٨
المصادر
الخاتمة

المقدمة
لو تتبعنا واقع العراق(باستثناءاقليم كوردستان) سيتبين انه لم يعرف الاستقرار منذ دخول القوات الأميركية إلى العراق في ١٠ نيسان 2003.
اذ تم اسقاط نظامه وحل جيشه ومؤسساته، مما دفع اجهزة العراق المنحلة الى جيوش عاطلين او اتجهوا لمقاومة العملية السياسية، فأمسى في مهب ريح الفوضى الخلاقة ، من مجلس الحكم الذي منح للشيعة ٦٠٪؜ وبقية العراقيين٤٠٪؜،وسط انقسام داخلي، ارتكز على قناعة راسخة ان حسم المعارك على نموذج العراق الجديد،لن تحسم الا بالاستناد الى الدعم الخارجي.
لقد وضعت الفوضى الخلاقة العراق والشرق الاوسط في عين عاصفة النظام الدولي الاحادي الجديد الذي تزعمته الولايات المتحدة بعد نهاية الحرب الباردة، والذي احدث تغييرا جذريا مقصودا في العراق والمنطقة، نقلته بعد 2003، والمنطقة من بعده في 2011، من حالة استقرار مفروض بالقوة من قبل نظام صدام حسين، الى حالة فوضى خلاقة(متحكم بها دوليا) لم تزل تضرب اطناب العراق والمنطقة.
وحتى تحقق الفوضى الخلاقة اهدافها عراقيا واقليميا، وتعيد التوازن الاستراتيجي محليا واقليميا،ليس من السهل عزل البيئة العراقية غير المستقرة، عن البيئة الاستراتيجية الاقليمية والدولية، والاميركية منها بوجه خاص،التي ابتكرت تكتيك (الفوضى الخلاقة) وجعلت العراق مسرحا لها بعد احتلاله في 2003، ونجحت بنقض دولته ومحاولة اعادة تشكيلها، حتى اطاح التغيير الذي حصل في العراق بعد 2003 بأربعانظمة عربية بعد 2011، ويُترقب ان يطال التغيير إيران ايضا.
الإطار النظري
مشكلة البحث الرئيسة هي عدم الاستقرار بسبب التوازن المحلي المختل لصالح البيت الشيعي بعد تجربة الفوضى الخلاقة، والتوازن الاقليمي المختل لصالح إيران التي جعلت من العراق ساحة حرب، قلقا من وصول دوامة الفوضى الخلاقة الى الداخل الايراني.
وتفترض الورقة انه دون دخول ايران في دوامة الفوضى الخلاقة، فان خروج العراق من دوامة عدم الاستقرار يعد امرا بعيد الاحتمال.

والعراق هو متغير الفرضية المستقل الذي دخل تجربة الفوضى الخلاقة قبل الجميع، والمتغير التابع للفرضية هو الدول التي دخلت الفوضى (الربيع العربي) بعد العراق،وإيران التي قد دخلت او تكاد الفوضى الخلاقة بعد انتفاضة ايران نهاية 2017.
ولان العراق متغير مستقل،في مسار تجربة الفوضى الخلاقة، فان استقراره مرتبط حكما بمرور ايران بدوامة فوضاه الخلاقة باي صيغة من الصيغ، بعد مرور دوامة الربيع العربي 2011.
وتحاول الورقة ان تثبت او تنفي صحة هذه الفرضية من خلال الاجابة عن اسباب عدم الاستقرار وتداعياته وامكانية الخروج من دوامة عدم الاستقرار.وستتطرق بالتسلسل الى هذه الاسباب وتداعياتها وسبل الخروج من حالة عدم الاستقرار.

المبحث الاول
الاستقرار السياسي في العراق
مفهومه ومعوقات وجوده في العراق

توطئة
قبل الخوض في ماهية الفوضى التي تعرض لها العراق الجريح من الاحتلال وليومنا هذا وتناول سبل تحقيق الاستقرار فيه، كان من الأهمية بمكان التعريج على بعض المصطلحات التي تناولها البحث، كعلم السياسة، والاستقرار باعتبارهما أهم عناصر البحث للتعريف بهما والخوض في ماهيتهما كمنطلق لكتابة هذا المبحث.
يعد علم السياسة أحد فروع العلوم الاجتماعية، ونظرا لأهمية علم السياسة ودور الاستقرار السياسي في تقدم وتطور الشعوب لذلك كانت السياسة أهم علم من العلوم الاجتماعية، وتضم العلوم السياسية تخصصات مختلفة تتناول هذا العلم من زوايا متعددة، فهناك النظرية السياسية والفلسفة السياسية، وعلم السياسةالمقارن. (1)
ولا يختلف مفهوم الاستقرار السياسي عن العديد من المفاهيم في العلوم الإنسانية والسياسية بشكل خاص من حيث غموضه وتعقده وعدم وجود تعريف شامل له متفق عليه، ويُعد هذا المفهوم معياريا فما قد يتسبب في استقرار جماعة ما قد يكون سببًا في عدم استقرار جماعة أخرى في الوقت ذاته، وتتركز أهمية مفهوم الاستقرار السياسي كونه يشكل مطلبًا جماعيًا، فمهما كان نوع ونمط النظام السياسي القائم في أي دولة من دول العالم سواء كان النظام ديمقراطي أم ديكتاتوري فإن مبتغى وهدف هذا النظام أو ذاك في أن يكون حكمه مستقرًا من أجل الاستمرار والبقاء.(2) وهي سنة الحياة فالاستقرار الهدف السامي الذي اذا تحقق تحققت معه مصفوفة كاملة كالإعمار والاستثمار والتطور والنهوض وكل ما يبدعه الإنسان يحتاج للاستقرار، حتى الحرية وامتلاك الإرادة لاستمرار حركة الحياة منشئها الاستقرار.

مفهوم الاستقرار
الاستقرار لغة: استقرَّ / استقرَّ بـ / استقرَّ على / استقرَّ في يستقِرّ، اسْتَقْرِر / اسْتَقِرَّ ، استقرارًا ، فهو مُستقِرّ ، والمفعول مُسْتَقَرٌّ به اِسْتَقَرَّ سُكَّانُ الصَّحْراءِ : ثَبَتُوا في مَكانِهِمْ بَعْدَ تَرْحالٍ هُوَ لاَيَسْتَقِرُّ على حالٍ : لاَ يَثْبُتُ على وَجْهٍ وَلا على قَرارٍ اِسْتَقَرَّ رَأْيُهُ على السَّفَرِ : أَقَرَّ رَأْيُهُ ، رَضِيَهُ ، أَمْضاهُ استَقَرَّ بالمكان : تمكَّنَ وسَكَنَ.(3)
الاستقرار اصطلاحا؛ وقد اصطلح على الاستقرار في العلوم الاجتماعية على ثبات الوضع الاجتماعي الذي لا يطرأ عليه تغيير فجائي أو جذري، بمعنى عدم حدوث تغيير مقصود من قبل المجتمع نفسه أو من خارجه يقوم بتغيير النسق وتوازنه مما يفقده حاله فيخرج على حالة الثبات أو الاستقرار الذي كان عليه إلى حالة عدم الاستقرار. (4)
إن تمتع الدولة باستقرار داخلي، يؤدي إلى منحها فرصاً أكثر لخدمة مصالحها الاستراتيجية، في علاقتها الداخلية مع المجتمع بكافة ألوانه وفي العلاقات الخارجية، وبالتالي لعب دور استراتيجي أقوى، وتمتعها بثقل أكبر ضمن الحسابات الإقليمية. وعلى الرغم من وجود تعريف نظري عام واضح ومحدد للاستقرار الداخلي، وهو الذي تم التقديم به، إلا أن المعايير العملية لدراسة الاستقرار الداخلي لدولة ما، والمقاييس التي يمكن اعتمادها للحكم على الواقع الداخلي لهذه الدولة بأنه واقع مستقر أو لا، هي في الحقيقة معايير ومقاييس عديدة ومتشبعة ومتداخلة، تشير إلى مدى استقرار كل من المجتمع ومؤسسات الدولة واستقرار العلاقة بينهما.(4)
الاستقرار السياسي
يقول استاذ العلوم السياسية محمد الصالح بوعافية (5) ؛ لعل من أبرز أنواع الاستقرار بالنسبة للمجتمعات، الاستقرار السياسي، الذي يعد أحد أبرز الظواهر السياسية ذات الأبعاد المتعددة و المتشابكة التي تتغير بتغير الزمان و المكان و الأشخاص، و من بين أكثر المفاهيم السياسية غموضاً و تعقيداً، نظراً للجدل الكبير الذي شهده من أجل الوصول به إلى معنى محــدد و دقيـــق، كما يعد أيضاً من أكثر أشكال الاستقرار إلحاحاً لاستمرار المجتمعات و تفوقها، لأنه يتضمن صياغة منظومة من السياسات التي تأخذ بكل أشكال التغير، من أجل التقدم الذي لا يؤثر على جوهر الاستقرار بشكل عام.
و تكمن أهمية مفهوم الاستقرار السياسي في أنه يعد مطلباً جماعياً ، فمهما كان نمط النظام السياسي القائم فـي أي دولة من دول العالم، فإن العامل المشترك دائماً هو أمل النظام الحاكم في أن يكون حكمه مستقراً لكي يستطيع الاستمرار والمضي في خدمة الصالح العام.
و لقد استحوذت هذه القضية على تفكير الكثير من المفكرين و المحللين السياسيين منذ البداية الحقيقية للفكر السياسي الغربي، إذ تعد من الموضوعات القديمة و المألوفة في علم السياسة ، فلقد عرفها الفكر السياسي عبر مراحل تطوره المختلفة ،و تناولها المفكرون السياسيون و تعرضوا لها منذ عهد الحضارة الإغريقية.

تعريف الاستقرار السياسي

يمكن تعريف الاستقرار السياسي بالرغم من كثرة التعريفات المتداولة بأنه:( عملية التغيير التدريجي والمنضبط التي تزيد من شرعية وكفاءة النظام السياسي ) كما يعرف إجرائيا على أنه: ( قدرة مؤسسات النظام السياسي على الاستجابة للمطالب المقدمة إليه والنابعة من البيئة الداخلية والخارجية للنظام).(6)
إن الاستقرار السياسي “هو نتيجة أو محصلة أداء النظام السياسي عندما يعمل بكفاءة و فعالية في مجالات التنمية السياسية والاقتصادية و الشرعية السياسية و الفعالية“. معنى ذلك أن عملية الاستقرار في النظام تعتمد على فاعلية النظام السياسي و على التطور الاقتصادي.(7) ويقول الدكتور بهاء الدين مكاوي (8) إن مصطلح الاستقرار السياسي يشير الى قدرة النظام السياسي على القيام بوظائفه ، والاستجابة لمطالب الجماهير ، والتكيف مع متغيرات البيئة الداخلية والخارجية المحيطة به، على نحو يكسبه الشرعية السياسية اللازمة لاستمراره ، ويحول دون تعرضه لاية اعمال عنف أو صراعات يصعب السيطرة عليها بالطرق السلمية وفي اطار الالتزام بالقواعد الدستورية.

مؤشرات الاستقرار السياسي.
إن من اهم مؤشرات الاستقرار السياسي في الدول:
– الوحدة الوطنية وغياب النزعات الاستقلالية و الانفصالية والصراعات الطائفية و العرقية والاثنية أو محدوديتها،إن هذا لا يعني التجانس المذهبي والقومي بالضرورة، لكن المقصود هو وجود رؤية واستراتيجية واضحة للتعامل مع التنوع المذهبي والعرقي والثقافي من شأنها تحقيق التكامل الوطني في الدولة، وحل النزاعات والقضاء على النزعات الانفصالية . إن المجتمعات التي لا تعرف ظاهرة التعدد سواء على المستوى العرقي أو الديني أو اللغوي أو الطائفي غالباً ما تكون أقرب إلى الاستقرار السياسي من تلك التي تعرف التعددية.
الفصل بين السلطات الثلاث: أن يكون الفصل بين السلطة التنفيذية والسلطتين التشريعية والقضائية فصلا حقيقيا على المستويات كافة، فقيام السلطة التشريعية بدورها التشريعي والرقابي بعيدا عن هيمنة وتهديد السلطة التنفيذية يكرس الاستقرار. واستقلال القضاء ضرورة تقتضهيها مصلحة البلد وكل ما كان القضاء مهنيا ومستقلا يؤسس للاستقرار ويديمه.
– شرعية النظام السياسي، ويقصد بالشرعية أن تكون السلطة االتنفيذية وليدة الإرادة الحرة للبرلمان المنتخب الذي يعبر عن الارادة الجماعية، هذا في الأنظمة البرلمانية ويصدق الحال مع اختيار الرئيس في الأنظمة الرئاسية، أي تقبل الشعب للسلطة الحاكمة وخضوعه لها طواعية، وتأتي الشرعية من التجاوب المباشر والاستجابة لاحتياجات الناس والسعي لتحقيق التطلعات الوطنية.
– الإرادة الحرة للدولة وعدم تبعيتها للآخر يكرس قوة النظام السياسي وقدرته على حماية المجتمع والدولة ضد أي أخطار خارجية محتملة، وتعد مسألة قدرة النظام السياسي لمواجهة التهديدات الخارجية هي أهم وظائف النظام السياسي على الاطلاق كونها تتعلق ببقاء الدولة نفسهاويؤسس للاستقرار.
– غياب العنف الحكومي والمجتمعي واختفاء الحروب الاهلية والحركات الانفصالية والتمردات: ويكون ذلك من خلال استراتيجية متكاملة تمكن من القضاء على كل أسباب النزاع والشقاق في الدولة، وتشعر كل فرد بالمساواة التامة مع الاخرين، ويشعر معها كل فرد في الدولة بأنه جزء لا يتجزأ منها ، يكن لها الولاء والتقدير، ويكون مستعدا للتضحية من اجلها ، فتتوقف بذلك الحروب والنزاعات ويتجه المواطنون نحو التنمية والاعمار. وعدم استخدام العنف السياسي للنظام الحاكم عبر الاستخدام الفعلي للقوة المادية لإلحاق الضرر والأذى بالآخرين, وذلك لتحقيق أهداف سياسية أو أهداف اقتصادية واجتماعية لها دلالات سياسية.
-نجاح السياسات الاقتصادية للحكومة وقدرة السلطة على توفير احتياجات الناس وتمكينهم من العيش الكريم . إن توفير احتياجات الناس الاساسية ودعم الطبقات الفقيرة هي أكثر ما يستهلك جهد الحكومات الغربية اليوم ، وأول ما يتصدر برامج الاحزاب السياسية في البلدان الغربية في مواسم الانتخابات .
– التداول السلمي للسلطة: ويقصد بها وجود آليات لانتقال السلطة والقيادة من شخص إلى آخر بطريقة سلسة وقانونية وشرعية، وإمكانية تبادل المواقع القيادية وإحلال الأشخاص بعضهم لبعض بصورة سلمية،خاصة بعد انتهاء المدة القانونية للبرلمان والحكومة المنتخبة عنه، وينبغي أن تكون الطرق سالكة ومفتوحة للصعود والهبوط وفقاً لمعايير وآليات منصوص عليها في الدستور والقوانيين المنبثقة عنه .
– حسن إدارة العلاقات الخارجية للدولة :من مؤشرات عدم الاستقرار السياسي للدولة سوء علاقاتها الخارجية مع الجيران أو مع المجتمع الدولي ، أو مع المنظمات الدولية والاقليمية ، وذلك أما بسبب سوء ادارتها لملف السياسة الخارجية بسبب عدم كفاءة القائمين عليه ، أو بسبب الطبيعة الصراعية للنظام الحاكم
– المؤسساتية؛كلما اقترب نظام الحكم في مجتمع ما إلى المؤسساتية، كان هذا مؤشراً للاستقرار السياسي، والعكس صحيح. المؤسساتية تعني: أن صناعة القرار السياسي في مجتمع ما تحكمه آليات مؤسساتية تأخذ بنظام الفصل بين السلطات، واحترام سلطة القانون والبعد عن شخصنة عملية صناعة القرار كلما اقترب ذلك النظام السياسي من حالة الاستقرار، حتى ولو لم يكن ديمقراطياً. (9)

مؤشرات عدم الاستقرار في العراق؛
الطائفية السياسية؛ هي انتقال الطائفية، بمفهومها العام، من تواجدها على مستوى الأفراد داخل المجتمع الواحد إلى التمثيل السياسي للطوائف التي ينتمي إليها هؤلاء الأفراد وتجسيدها في مستوى الدولة الحاضنة للجميع.(10) وفي العراق بعد الاحتلال أول من أسس الطائفية السياسية الحاكم المدني بول بريمر بعد أن قسم المجتمع العراقي إلى مكونات بدلا عن المواطنة بعد أن قامت قوات الاحتلال الأمريكي بحل مؤسسات الدولة الامنية والعسكرية، واعتمدت على الاستقطاب الطائفي في عملية بناء الدولة العراقية، وتشكيل معظم القوى والاحزاب السياسية العراقية التي تأسست على اساس ولائها للمكون، و عانت هذه القوى من غياب رؤية واضحة لمفهوم الدولة وعملية بنائها لكونها حديثة الممارسة للسلطة وانشغلت بالتشبث بالسلطة.(11)
التطرف والإرهاب؛ يزدهر التطرف العنيف في المجتمعات التي ُينظر فيها إلى مؤسسات الدولة على أنها قمعية وفاسدة وغير فعالة وغير شرعية. لذلك فإن أي هزيمة طويلة الأمد للتطرف العنيف في العراق تتطلب التغلب على فشل الدولة العراقية في كسب ثقة ودعم قطاعات واسعة من الشعب العراقي.
أصبح العراق قوة مزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط، وسيكون لاستمرار تقلبه تأثيرا كبيرا على البلدان المحيطة، ويوفر وجود مساحات غير خاضعة للحكم عمقًا استراتيجيًا لشبكات الإجرام والمتمردين والمتطرفين في البلدان المجاورة. وتستفيد الجماعات المسلحة في سوريا، بما في ذلك تنظيم داعش، من طرق الإمداد عبر العراق. كما أن تصدير المقاتلين الشيعة العراقيين إلى سوريا، الذي تنظمه قوات الحرس الثوري الإيراني يزيد من تفاقم الصراع في سوريا. (12)
غياب مبدأ الفصل بين السلطات في ظل هيمنة السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية، فالسلطة التنفيذية لها وجود كبير في البرلمان وبالتالي يعرقل هذا الوجود أي مسعى حقيقي للمراقبة والمحاسبة من قبل البرلمان، وفي أحيان كثيرة يستهدف برلمانيون بسبب أدائهم الجيد ودورهم الرقابي الصحيح.
القضاء العراقي مسيس ويفصل الأحكام حسب هوى الحكومة التنفيذية، والشواهد لا تعد ولا تحصى، أما الاستهداف السياسي والقمعي فبات القضاة يعذبون المستهدفين سياسيا بأيديهم، وينشرون الأحكام جزافا، حتى عجت السجون بساكنيها المظلومين من ضحايا الاستهداف الطائفي. وتقننين وتفصيل مادة أربعة إرهاب على المجتمع العربي السني في العراق يعد وصمة عار في جبين السلطة القضائية والمؤسسات الأمنية.
فقد السيادة واستقلال القرار السياسي العراقي، بل القرار مرهون بمصالح الآخرين، ولا اعتبار للتوافق الوطني ومصلحة العراق بقدر المصالح التي يحقهها الساسة لهذا البلد أو ذاك.
في العراق الفاعل الأقليمي والدولي واضح ما بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية في إيران وبين هذه الفواعل ينقسم اللاعب السياسي العراقي، ما بين من يراعي مصلحة هذا الطرف أو ذاك، وهذا في الغالب الأعم، ولا نعدم من يسعى لعلاقات طيبة مع هذه الفواعل شريطة أن لا ترتهن إرادته بإحداها بل الأمر يرتبط بمصالح البلد فحسب وهذا الاتجاه حاليا قد يكون مغيب عن التأثير.
الاستئثار بالسلطة والسعي للهيمنة على الآخر وغياب التوافق الوطني، إن المسعى للتوافق الوطني على صعيد ادارة الدولة العراقية قد يهيء الساحة العراقية إلى ايجاد نقلة نوعية في الملف السياسي والملف الأمني والسعي إلى تحقيق حياة سياسية مستقرة، غير أن هذا الامر يواجهه تحديات عديدة أهمها أن الأحزاب الحاكمة في العراق وبرامج بعض أطرافها مرتبطة باجندة خارجية دولية وإقليمية وهي بالضرورة تعمل خلاف هذا السيناريو التوافقي الوطني.
الاستهداف السياسي واستخدام العنف السياسي، والاستخدام الفعلي للقوة المادية والسلطة التنفيذية وتسخير المؤسسة الأمنية والقضائية لإلحاق الضرر والأذى بالمنافسين، وذلك لتحقيق أهداف سياسية أو أهداف اقتصادية واجتماعية لها دلالات سياسية، والعنف قد يكون رسمي أو غير رسمي, أما الرسمي فهو الموجهة من النظام ضد المواطنين أو ضد جماعات أو تنظيمات أو عناصر معينة، أما غير الرسمي فقيام العصابات والميليشيات الخارجة عن القانون بهذا الواجب.
التهجير والنزوح بسبب الوضع الأمني؛ إن أسباب الهجرة بشقيها الداخلي والخارجي يمكن إجماله بالوضع الأمني المرتبط بالعمليات الحربية، أو بسبب الهيمنة الطائفية والاستهداف السياسي؛ وكلا السببين بدورهما يؤشران إلى ظاهرة عدم استقرار سياسي. فالاستقرار السياسي في جوهره ومضمونه، ليس وليد القوة العسكرية والأمنية، مع ضرورة ذلك في عملية الأمن والاستقرار، وإنما هو وليد تدابير سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية.
عمليات التغيير الديمغرافي والتطهير العرقي، فقد شهدت المحافظات العراقية المختلطة بغية تغيير التركيبة السكانية وفق ما تراه الأحزاب الطائفية التي تملك السلطة والقرار، كما هو الحال مع محافظة بغداد خاصة في مناطق حزام بغداد، ومحافظة ديالى(13) وأماكن أخرى. وكذلك ما شهدته محافظة كركوك والمناطق المتنازع عليها من قبل الاحتلال وما بعد الاحتلال من تغيير ديمغرافي عرقي.

سبل دعم الاستقرار في العراق؛
لدعم الاستقرار في العراق لا بد من معالجة جميع المؤشرات التي أفضت إلى عدم استقرار العراق بعد الاحتلال وليومنا هذا، و في سبيل إرساء الاستقرار وتعزز من إمكانية ديموته لا بد أن تكون الخطوة الأولى في الاعتراف من كون طبقة سياسية محددة هي التي تتحمل المسؤولية الأكبر عن انعدام الاستقرار بسبب تصرفاتها وأفعالها التي كرست للطائفية السياسية في العراق. ففي الخطوة الأولى لا بد من أن يتحمل “التحالف الوطني” المسؤولية أمام الشعب العراقي عن ما حدث في العراق طيلة أربع عشرة سنة عجاف أذاقت العراقيين الأمرين، والكلام حول الفشل تكلم به قادة ورادة من مكون التحالف الوطني، ففي لقاء متلفز للسياسي عزت الشابندر(14) يحمل المالكي والقادة الأمنيين مسؤولية الاعتقالات العشوائية، وينص في تصريحه حين يقدم القادة تقريرا للمالكي عن اعتقال 200 إرهابي، يصرح الشابندر بكون المعتقلين الارهابيين الحقيقيين لا يتجاوز 10 أشخاص والبقية أبرياء حين يتعرضون للظلم والاضطهاد دون جريرة فإنهم بالضرورة سيتحولون إلى إرهابيين، بهذ الطريقة يتحمل التحالف الوطني تعزيز قدرات الإرهاب، ولعل سقوط الموصل بيد الإرهاب كان بأوامر عليا من مكتب القائد العام، بعد أن مهدت القوات الأمنية وبأوامر اطلاق سراح قادة الإرهاب من سجون البصرة وأبي غريب(15).هذه عينة من الفعل السياسي والأمني المتسبب بخراب العراق على أيدي قادة التحالف الوطني، الأمر الذي يتطلب منهم بعد الاعتراف الإعتذار من الشعب العراقي، وفي الاعتراف والاعتذار لايراد الانتقاص ولا التبكيت من أحد، بل لابد من التشخيص الدقيق لبناء رؤية للحل.
وتتمفصل رؤيتنا للخروج من حالة الفوضى إلى الاستقرار بعد هذه الخطوات لابد من مصالحة سياسية ومجتمعية وبرعاية أقليمية ودولية بين مكونات الشعب العراقي عبر من يمثلهم ومن يثقون به، ثم لا بد من رؤية واضحة المعالم للخروج النهائي من الفوضى إلى الاستقرار، ولعلنا لا نجافي الحقيقة لو اعتمدنا رؤية السيد العبادي ” النظرية” لعراق ما بعد “داعش” كمنطلق لواقع جديد يعيد البلد إلى حالة من الاستقرار يتعذر على الطفيليين أن يجهزوا عليها.
مع اعتبار بعض التعديلات عليها واشراك المكونات في المصالحة للتأسيس عليها ورفدها برؤية كل مكون لها لتكون منطلقا للتغيير بعد الإصلاح.
إن رؤية العبادي (15) لما بعد الانتصار والتحرير هي مجموعة خطوات تتلخص في سبع نقاط مترابطة لا تتقدم إحداها عن الأخرى أو تنفصل عنها، ولا بد أن تسير معاً في ظل حوار جدي ومصالحة مجتمعية تطوي بهما صفحة الإرهاب وما خلفه من دمار وتهجير وجرائم ضد الإنسانية.
مدخل هذه الرؤية تتمثل في إعادة الأمن والاستقرار والخدمات الأساسية عبر ما أسماه إعادة الاستقرار وتمكين النازحين من العودة إلى ديارهم ومشاركتهم في بناء وإعمار ما دمره داعش.
ومعالجة الآثار السلبية التي ترتب عليها شهداء وضحايا وجرحى وخراب المحافظات في الممتلكات العامة والخاصة. والالتزام بالتعايش السلمي مع جميع الشركاء في الوطن واحترام الإنسان والحفاظ على حريات المختلفين دينياً ومذهبياً وفكرياً واحترام مقدساتهم، وحماية الأقليات وقدسية دور العبادة لجميع الأديان والمذاهب، وهذا يمثل أساساً للمصالحة المجتمعية.
عدم السماح بالتحريض والتوتر والتخندق الطائفي والقومي البغيض على حساب المصالح العليا للبلاد، لذلك يوجب الالتزام بالخطاب الذي يكرس روح المواطنة ويحث على الوحدة والتعاون،
أهمية إقامة علاقات حسن جوار مبنية على المصالح المشتركة مع دول الجوار والإقليم، والعمل بإرادتنا الوطنية وقرارنا العراقي المستقل وعدم رهن إرادتنا ومواقفنا بالخارج في ما يخص قضايانا ومصلحتنا الوطنية.
حصر السلاح في يد الدولة وإلغاء المظاهر المسلحة بشكل نهائي، وإنهاء تواجد المليشيات والعصابات التي تحمل السلاح وتتذرع بذرائع طائفية مقيتة.
احترام أحكام القضاء مع اعتبار اصلاح القضاء ودعم مهنيته وعدم التدخل في اختصاصاته من قبل الحكومة، وسيادة القانون في جميع مفاصل الدولة والمجتمع.
الاستمرار بكل قوة وعزيمة وبتعاون الجميع بمحاربة الفساد بجميع أشكاله وصوره لأنه أكبر حاضنة للإرهاب والجريمة. وإبعاد مؤسسات ودوائر الدولة عن التدخلات السياسية والمحاصصة وعدم الاستئثار بمواقع المسؤولية والوظائف العامة من أجل تحقيق العدالة.

المصادر
مدونة السنهوري الأكاديمية، الاستقرار السياسي، 18/1/2008، https://khaleifa.wordpress.com/2008/01/15/الاستقرار-السياسي .
ماجد أحمد الزاملي، مستقبل الاستقرار الامني والسلم المجتمعي في العراق بعد تحرير الارض، موقع كتابات، 14/12/2017،
https://kitabat.com/2017/12/14/مستقبل-الاستقرار-الامني-والسلم-المجت/
3. معجم المعاني الجامع، مادة استقر.
4. د. شاهر الشاهر ، الاستقرار السياسي…معايره ومؤشراته، مؤسسة دام برس الإعلامية، 31/8/2016،
http://www.dampress.net/mobile/?page=show_det&category_id=48&id=73497 .
5. محمد الصالح بوعافية، الاستقرار السياسي…قراء في المفهوم والغايات،21/9/2016،
https://revues.univ-ouargla.dz/index.php/acceill/revue-calliers-de-politique-et-droi/198-dafatir-droit-et-politique/numero-15-2016-dafatir/3161-2016-09-21-11-12-08 .
6. محمد بن سعيد الفطيسي، الاستقرار السياسي ودوره في تعزيز الأمن الوطني، الوطن، 4/12/2017، http://alwatan.com/details/213398 .
7. محمد الصالح بوعافية ، مصدر سابق.
8. د. بهاء الدين مكاوي، الاستقرار السياسي مفهومه وتجلياته ومؤشرات قياسه، موقع الصحافة، http://alsahafasd.com/10089100 .
9. ينظر كل من المصدر السابق، ود. شاهر الشاهر الاستقرار السياسي معاييره ومؤشراته(مصدر سابق).
10. بدر الدين شوهاتي، انعكاسات الطائفية السياسية على الاستقرار السياسي، 2/12/2017، http://www.mominoun.com/articles/انعكاسات-الطائفية-السياسية-على-الاستقرار-السياسي-4338 .
11. المركز الديمقراطي العربي، دولة المكونات في العراق بعد عام 2003 الواقع والمستقبل،2/12/2016، http://democraticac.de/?p=36858 .
12. تقرير مجموعة عمل مستقبل العراق، برئاسة السفير الأمريكي ريان كروكر ومجموعة من المستشارين، ص 4 http://www.publications.atlanticcouncil.org/wp-content/uploads/2017/05/تقرير-مجموعة-عمل-مستقبل-العراق.pdf .
13. ينظر؛ https://www.alaraby.co.uk/politics/2015/11/6/ديالى-العراقية-تدفع-ثمن-التغيير-الديمغرافي-قتل-وخطف-وتهجير . وينظر: https://www.alarabiya.net/ar/arab-and-world/iraq/2015/03/13/التغيير-الديموغرافي-يهدد-استقرار-العراق-بعد-دحر-داعش.html .
14. ينظر؛ https://www.youtube.com/watch?v=2BTljSa8mlg .
15. ينظر دراسة بعنوان “حرب الإبادة للعرب السنة”،مركز العراق الجديد، لكاتب المقال http://www.newiraqcenter.com/ / .
16. ينظر http://www.nrttv.com/AR/birura-details.aspx?Jimare=8212 . وينظر http://rawabetcenter.com/archives/57033 .

المبحث الثاني
المناطق المتنازع عليها من معوقات الاستقرار في العراق
شاهو القره داغي/ مستشار مركز العراق الجديد
مقدمة
كانت وما تزال مشكلة “المناطق المتنازع عليها” بين حكومة إقليم كردستان و الحكومة العراقية من أهم محاور الخلاف بين الطرفين منذ عام 2003 ، ورغم نجاح قوات البيشمركة الكردية في نيسان/أبريل 2003 من العبور إلى هذه المناطق أثناء الحرب الأمريكية على العراق و محاولة خلق واقع جديد عن طريق جلب طاقم إداري و موظفين إلى هذه المناطق إضافة للوجود العسكري إلا أن انحسار الاقتتال الطائفي في نهاية عام 2007 أعادت ملف المناطق المتنازع عليها إلى الواجهة مجدداً عندما حاول رئيس الوزراء العراقي آنذاك “نوري المالكي” ارسال قطعات عسكرية لهذه المناطق و التأكيد على سلطة المركز مما خلق أزمة بين الإقليم و المركز و بيئة غير مستقرة في هذه المناطق قابلة للانفجار في أي لحظة ، ورغم ذهاب “المالكي” ومجيء “العبادي ” في عام 2014 إلا أن إضعاف تنظيم داعش فتح الباب أمام تركيز المركز على هذه المناطق مما أدى إلى استغلال عملية “الاستفتاء” التي قامت بها أربيل في 25/09/2017 كمبرر لدخول المناطق المتنازع عليها من قبل الحكومة العراقية و طرد قوات البيشمركة و حل الميليشيات الطائفية مكان البيشمركة ليتشكل صورة جديدة لهذه المناطق من أبرز ملامحها فقدان الأمن و الاستقرار وعودة عمليات الاختطاف و الابتزاز و العنف و الفوضى الذي كان غائباً خلال الفترة السابقة.
ومن هنا تبرز أهمية “المناطق المتنازع عليها” للعراق الجديد الذي لا يمكن أن يُحقق الاستقرار في ظل استمرار مشكلة هذه المناطق بشكل معلق دون إيجاد حل يُرضي كافة الأطراف و يُقدم حلول غير مجحفة و قابلة للتطبيق بسبب أهمية هذه المشكلة التي كانت سبباً لفشل الكثير من الاتفاقيات بين الإقليم وبغداد سابقاً و باستمرار هذه المشكلة يكون الصراع بين أربيل وبغداد قابلاً للانفجار في أي لحظة ، وكما يقول الجغرافي الفرنسي سيريل روسل” المناطق المتنازع عليها تعد المعالم الرئيسية للخلاف بين السلطة المركزية و الإقليم الكردي”.
المناطق المتنازع عليها:.
تشكل المناطق المتنازع عليها شريطاً يبلغ أكثر من 1000 كلم ويمتد من الحدود مع سوريا حتى الحدود الإيرانية وتبلغ 37 ألف كلم مربع ، ويمر هذا الشريط إلى جنوب محافظات الإقليم (أربيل، سليمانية، دهوك) ويشمل أراضي في محافظات نينوى و أربيل و صلاح الدين و ديالى و محافظة كركوك)
في قانون إدارة الدولية العراقية للمرحلة الانتقالية لعام 2004 يتحدث عن “المناطق المتنازع عليها “في المادة 58 فقرة (أ) ويقول: تقوم الحكومة العراقية الانتقالية ولاسيما الهيئة العليا لحلّ النزاعات الملكية العقارية وغيرها من الجهات ذات العلاقة، وعلى وجه السرعة، باتخاذ تدابير، من أجل رفع الظلم الذي سبّبته ممارسات النظام السابق والمتمثّلة بتغيير الوضع السكاني لمناطق معيّنة من ضمنها كركوك، من خلال ترحيل ونفي الأفراد من أماكن سكناهم، ومن خلال الهجرة القسرية من داخل المنطقة وخارجها، وتوطين الأفراد الغرباء عن المنطقة، وحرمان السكان من العمل، ومن خلال تصحيح القومية، ولمعالجة هذا الظلم” (1)
وفي الدستور العراقي الدائم لعام (2005) تم تخصيص المادة (140) للحديث عن “المناطق المتنازع عليها” والذي يؤكد ضرورة تنفيذ متطلبات المادة (58) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية بكل فقراتها، نص المادة يقول:
أولاً: تتولى السلطة التنفيذية اتخاذ الخطوات اللازمة لاستكمال تنفيذ متطلبات المادة (58) من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية بكل فقراتها. ثانياً: المسؤولية الملقاة على السلطة التنفيذية في الحكومة الانتقالية والمنصوص عليها في المادة (58) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية تمتد وتستمر إلى السلطة التنفيذية المنتخبة بموجب هذا الدستور على ان تنجز كاملة (التطبيع، الاحصاء وتنتهي باستفتاء في كركوك والمناطق الاخرى المتنازع عليها لتحديد إرادة مواطنيها) في مدة اقصاها الحادي والثلاثون من شهر كانون الاول سنة الفين وسبعة.” (2)
ومن هنا نُدرك أن الدستور العراقي لم يُعرف “المناطق المتنازع عليها” باستثناء (كركوك) الذي ورد ذكرها في المادة (136) الفقرة الثانية و المادة (140) الفقرة (2) ولم يتحدث المادة عن المعايير التي بموجبها يمكن تحديد وتسمية المناطق بالمتنازع عليها ما فتح الباب أمام أطراف الصراع أن يُفسروا المادة وفقاً للمصلحة السياسية .
وحول هذا الغموض الموجود حول “المناطق المتنازع عليها ” وخاصة بعد أحداث (16) من أكتوبر 2017 و تدخل القوات العراقية و الحشد الشعبي لهذه المناطق و خروج البيشمركة منها، أصدرت المخكمة الاتحادية العليا العراقية في 11/3/2018 قرارا يُفسر المناطق المتنازع عليها بأنها ” الأراضي التي لم تكن تُدار من قبل حكومة إقليم كردستان في (19/3/2003) الواقعة في محافظات دهوك وأربيل و السليمانية و كركوك وديالى و نينوى و أن حسم هذا الموضوع يكون من قبل اللجنة المشكلة وفقا للمادة (140) من الدستور” (3)
وفي ظل عدم وجود رؤية موحدة بين القوى و الأطراف السياسية العراقية حول هذه المناطق ، من الموضوعية أن نعتمد على تحديدات بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي ) التي أنشأت لتقديم الدعم والمشورة للعراق، وقد قسمت المناطق إلى مرحلتين من التحليل وهي:
أولا: المرحلة الأولى وتشمل المناطق التالية :.
1.قضاء عقرة/التابع من الناحية الإدارية لمحافظة نينوى .
2.قضاء الحمدانية/ التابع من الناحية الإدارية لمحافظة نينوى.
3.قضاء مخمور الذي يتبع إداريا محافظة أربيل منذ العام 1932 ومحافظة نينوى منذ العام 1991م.
4.قضاء مندلي/ قضاء بلدروز في محافظة ديالى منذ عام 1932 م وقد جرى تخفيض المستوى الإداري لمندلي من قضاء إلى ناحية سنة 1987 .
ثانيا: المرحلة الثانية وتشمل الاقضية التالية :.
1.قضاء تلعفر/ التابع إداريا ” لمحافظة نينوى .
2.قضاء تلكيف/ التابع إداريا لمحافظة نينوى
3.قضاء الشيخان / التابع إداريا لمحافظة نينوى.
4.قضاء سنجار/ التابع إداريا لمحافظة نينوى .
5.قضاء خانقين/التابع إداريا لمحافظة ديالى .
6.محافظة كركوك . (4)
فالمناطق المتنازع عليها هي التي تم اقتطاعها من إقليم كردستان و ضمها إلى المناطق الإدارية الأخرى خارج حدود الإقليم و عرفت رسميا في قانون إدارة الدولة بالمناطق المتنازع عليها بين حكومة الإقليم وحكومة المركز.
ملامح غياب الاستقرار في المناطق المتنازع عليها
الخلاف حول المناطق المتنازع عليها ورسم حدود إقليم كردستان خلاف قديم بين القيادة الكردية والحكومات المركزية ، وقد تسبب هذه النقطة في إفشال العديد من المفاوضات التي عقدت بين الطرفين لإنهاء المشكلة الكردية في العراق و فتح صفحة جديدة بين الطرفين ، فالحكومات العراقية المتعاقبة كانت تمنح الوعود للأكراد بحصولهم على المناطق المتنازع عليها أو الوصول إلى صيغة مشتركة لإدارة هذه المناطق، ولكن عدم تنفيذ هذه الوعود كانت سبباً لعودة النزاعات و الصراعات بين الطرفين.
بعد التدخل الأمريكي في العراق عام (2003) و مشاركة قوات البيشمركة في العمليات العسكرية، نجح الأكراد في الدخول إلى المناطق المتنازع عليها وفرض واقع جديد على هذه المناطق، في ظل انعدام الخبرة لدى الحكومة العراقية و انشغالها بملف الإرهاب و التعامل مع المتمردين على الدولة ، ولكن بمجرد إنهاء هذه المشاكل من قبل الحكومة العراقية بقيادة (نوري المالكي) بدأت بوادر الصدام بين الأكراد و المركز ، وكاد وجود البيشمركة في المناطق المتنازع عليا خارج الخط الأخضر أن يؤدي إلى وقوع نزاع خطير بين البيشمركة و الجيش العراقي في آب 2008 عندما أمر قادة قوات الأمن العراقي البيشمركة بالانسحاب ولكنهم رفضوا بالقرب من مدينة خانقين، وتكرر الأمر عندما حاولت وحدات من الجيش العراقي عبور مدينة “مخمور” في طريقها إلى الموصل في حزيران 2009 ولكن البيشمركة أعاقت تقدم هذه الوحدات و تم تلافي العنف بسبب التدخل الأمريكي، وأيضا في شباط 2011 تم نشر البيشمركة على أطراف كركوك ولم تنسحب إلا تحت الضغط الأمريكي.
وكان الدور الأمريكي مؤثرا ومساهما في منع الاحتكاك بين قوات البيشمركة و القوات الأمنية العراقية في هذه المناطق ، فقد عبرت وزارة الخارجية الأمريكية في تقرير إلى الكونغرس أنه “في الوقت الذي بدو فيه أن الآليات الأمنية المشتركة في المناطق المتنازع عليها قد خففت من احتمال وقوع صدامات غير متعمدة بين الجيش العراقي وقوات البشمركة ، ففي مناطق عديدة محاذية لحكومة إقليم كردستان مثل نينوى و كركوك وبحد أقل ديالى ، فإن درجة التوتر مازالت مرتفعة بين البيشمركة و قوات الأمن العراقية و العديد من هذه المناطق يحوي خليطا عرقيا وهو غني بالموارد ، وتحاول كل من حكومة إقليم كوردستان والحكومة العراقية فرض تفوقها الأمني في غياب ترتيب سياسي واضح، من غير المرجح حالياً أن يتسبب الجيش العراقي أو البشمركة بمواجهة عسكرية متعمدة ، فهما يفضلان التفاوض من أجل الوصول إلى نتائج مقبولة ، ومع هذا فإن بمغادرة القوات الأمريكية قد تزداد فرص الحسابات الخاطئة أو الاستفزازات” (5)
في 2014 وبعد انهيار القوات الأمنية العراقية نجحت قوات البيشمركة السيطرة على كركوك و عدة مناطق أخرى و حماية هذه المناطق من خطر تنظيم داعش و أعلن مسعود بارزاني أن المادة (140) أنجزت و انتهت بدخول البيشمركة إلى المناطق المتنازع عليها ” (6) .
ورغم تغيير الحكومة العراقية و مجيء رئيس وزراء جديد (حيدر العبادي) إلى السلطة كان يسود توقع إيجابي لتعامل جديد مع إقليم كردستان و المناطق المتنازع عليها و الاستفادة من الأخطاء التي وقع فيها رئيس الوزراء السابق(نوري المالكي) و أدت إلى نشر الفوضى و العنف و فقدان الثقة بين المكونات و الأطياف و زيادة التوتر بين الإقليم والمركز ، ولكن بالرغم من انشغال الحكومة العراقية بالحرب على تنظيم داعش، كانت قيادات الميليشيات المسيطرة و أصحاب النفوذ داخل الدولة تُصر على إعادة السيطرة على المناطق المتنازع عليها و طرد البيشمركة بعد الانتهاء من تنظيم داعش ، وهذا ما حصل بعد تحرير الموصل و أغلب المناطق و الأراضي ، قررت الحكومة العراقية بمساعدة الميليشيات المسلحة استعادة المناطق المتنازع عليها و اخراج البيشمركة من هذه كركوك والمناطق المتنازع عليها في (16 أكتوبر 2017) بحجة الاستفتاء مما أدى لنزوح عشرات الآلاف من مواطني هذه المناطق وتدمير عشرات المنازل و المحلات التجارية و عمليات الانتقام من قبل الميليشيات وبالتالي زرع بذور الانتقام و الكراهية من جديد في هذه المناطق.
ولكن رغم سيطرة القوات الأمنية العراقية على هذه المناطق إلا أن الإقليم لا يعترف بهذه القوات ويعتبرها غير شرعية، وكرر قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة (مسعود البارزاني) أن كركوك و المناطق المتنازع عليها محتلة ، لأن الحكومة لم تسمح بإدارة تلك المناطق بصورة مشتركة ولم تطبق المادة 140 من الدستور”. (7)
خطوات على طريق الحل
أدرك رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أنه لا يستطيع إدارة (المناطق المتنازع عليها) بمفرده بعد زيادة الأعمال الإرهابية و الاختراق الأمني في هذه المناطق ، مما دفعه للقبول بإدارة مشتركة مع الإقليم لهذه المناطق، وسط خوف أمريكي من عودة الجماعات الإرهابية لهذه المناطق بسبب الفراغ الأمني وعدم قدرة القوات الاتحادية على بسط الأمن لوحدها، وبالرغم من الضروري إيجاد الحلول المناسبة لتجنب الصدام و إنهاء الثغرات الأمنية في المنطقة .
أولا: الحكومة العراقية تعاملت خلال الفترة السابقة كطرف وخصم ضد الإقليم ، ولكن من الأولى أن يتعامل الحكومة العراقية في المرحلة القادمة بعقلية مختلفة يكون التركيز على تطبيق الدستور في هذه المناطق بالتعاون مع الإقليم، وليس المنافسة مع الإقليم للسيطرة الأمنية و الإدارية على المناطق والتي أفرزت الكثير من المشاكل و الانقسامات بين المكونات الموجودة في المنطقة ، ومن واجب حكومة الإقليم أيضا السعي لإبرام اتفاق حقيقي مع المركز و حماية التنوع الموجود في (المناطق المتنازع عليها) وعدم السماح بتكرار بعض الإجراءات التي أزعجت بعض المكونات الموجودة .
ثانيا: عودة التنسيق الأمني بين الحكومة المركزية و قوات البيشمركة التابعة لحكومة الإقليم : من المهم عودة التنسيق الأمني و الأهم عودة الثقة بين الطرفين ، لأن بناء الثقة بين القوات الأمن العراقية و البيشمركة يقلل من احتمال نشوب صراع مستقبلي بين الطرفين و ينهي الفجوات و الثغرات التي يستغلها الجماعات الإرهابية و المتمردة ، وعدم اللجوء إلى القوة في حال نشوب خلافات بشأن العمليات أو السيطرة على بعض المناطق. (8)
ثالثاً: طريقة تعامل حكومة المركز مع أزمة الاستفتاء و توجيه الميليشيات المسلحة للمناطق المتنازع عليها و ارتكاب الانتهاكات بحق المواطنين أعاد ذاكرة الأكراد إلى النظام العراقي السابق ، وبالتالي على الحكومة العراقية إبعاد الميليشيات الطائفية التي تزيد التوتر و ترتكب تصرفات غير قانونية تمهد لإشعال صراع جديد في هذه المناطق ، لأن بقاء هذه الميليشيات في هذه المناطق يدفع المواطنين للتمرد على الدولة وبالتالي خلق الفوضى و إدخال المناطق في دوامة عنف
رابعاً: إختيار قوات أمنية محترفة لإدارة هذه المناطق حتى تساهم في عملية طمأنة المواطنين و إعادة الثقة بين المواطن و الأجهزة الأمنية ، و بسبب التنوع الموجود في هذه المناطق فهي تحتاج إلى طريقة خاصة في التعامل مع المواطنين فيها وإدارة شؤونهم بحيث لا يتأثر الخلافات السياسية المستمرة على العلاقات بين المكونات المتنوعة .
خامساً: التخلي عن العقلية التنافسية و الأمنية في التعامل مع هذه المناطق سواءً لدى الحكومة المركزية أو حكومة الإقليم، فالطرفان يركزان على توسيع النفوذ في هذه المناطق لتبوء مكانة أعلى في المفاوضات و فرض الشروط على المقابل، ولم يكن الهدف تحقيق الاستقرار بشكل فعلي و كسب ثقة و رضا المواطنين و الاستعجال بتطبيق الدستور و القوانين التي تعجل في إنهاء هذه المعضلة .
سادساً: ضرورة وجود طرف ثالث لضمان عدم الاقتتال بين قوات البيشمركة و القوات الأمنية العراقية ، ومن المهم أن يكون هذا الطرف مقبولاً لدى الطرفين ، وقد يكون العودة الأمريكية تمهيدا للعب هذا الدور مستقبلاً ، ولكن الوجود الأمريكي لا يمنع تواجد أطراف دولية تساعد في تحقيق الاستقرار و توفير مناخ من التعايش عن طريق تقديم و تنفيذ مشاريع معينة في هذه المناطق .
https://iraqja.iq/view.78 / (1)
http://cabinet.gov.krd/a/d.aspx?l=14&s=04030000&r=114&a=15833&s=010000 (2)
http://www.rudaw.net/arabic/middleeast/iraq/1203201818 (3)
(4)https://www.iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=75765
(5) قياس الاستقرار و الامن في العراق، تقرير قدم وفقا لقانون الاعتمادات الاضافية لعام 2008 الخاص بوزارة الدفاع (فقرة 9204) القانون العام 252-110) Measuring Stability and Security in Iraq: Report to Congress in Accordance with the Department of Defense()Supplemental Appropriations Act 2008 [Section 9204, Public Law 110-252
(6)http://almadapress.com/ar/news/33184/%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D8%B2%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%AF%D8%A9-140-%D8%A7%D9%86%D8%AA%D9%87%D8%AA-%D8%A8%D8%AF%D8%AE%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A
(7) http://www.kurdistan24.net/ar/news/f945a5c7-51e0-4027-ba0c-7cdb90b33614
(8) إدارة التوتر العربي- الكردي في شمال العراق بعد انسحاب القوات الامريكية، مركز راند
Measuring Stability and Security in Iraq: Report to Congress in Accordance with the Department of Defense( )110-252 ّ العام )Supplemental Appropriations Act 2008 [Section 9204, Public Law 110-252[

المبحث الثالث
عدم الاستقرار في العراق
٢٠٠٣-٢٠١٨
وتجربة الفوضى الخلاقة

المقدمة

الاستقرار وعدم الاستقرار

يعرف قاموس لروس (Larousse)الفرنسي صفة الاستقرار “أبقاء الوضع على ما هو عليه، أو وجود حالة من التوازن المستمر (durable Equilibre)” والواقع أن هذا التعريف القائم على حالة التوازن المستمر يمكن أن يكون إلى حد كبير نقطة انطلاق لتعريف الاستقرار السياسي(1)
ويعرف الاستقرار في العلوم الاجتماعية بثبات الوضع الاجتماعي الذي لا يطرأ عليه تغيير فجائي أو جذري، بمعنى عدم حدوث تغيير مقصود من قبل المجتمع نفسه أو من خارجه يقوم بتغيير النسق وتوازنه مما يفقده حاله فيخرج على حالة الثبات أو الاستقرار الذي كان عليه إلى حالة عدم الاستقرار(2).
وعلى النقيض من مفهوم الاستقرار السياسي نجد مفهوم(الاستقرار السياسي) الذي يمكن تعريفه بحالة من (عدم الاستقرار أو حالة التغير السريع غير المحكوم وغير المنضبط (لأسباب خارجية وداخلية) تسم بتزايد العنف السياسي وعدم قدرة الدولة على إدارة الصراعات القائمة داخل المجتمع وفقدان التوزان بين الدولة والمجتمع، واستخدام العنف السياسي وتناقض شرعية النظام وكفاءته، بحيث يصبح أمر تغييره مقبولاً من قبل الاطراف الداخلية والخارجية) (3).
اسباب عدم الاستقرار
العراق وتجربة الفوضى الخلاقة
ان اختيار الولايات المتحدة العراق كحقل تجارب للفوضى الخلاقة، لم يكن عبثا، اذ أصبح محطة تنافس محلي واقليمي على نموذجه الذي يقترب ان يكون معادلا إقليميا على حساب الامن والاستقرار،الذي يمكن ان يعود على (حال افضل) بعد ان تحقق الفوضى الخلاقة المتحكم بها اهدافها، بتفكيك واعادة تشكيل المنطقة وفق رؤية الولايات المتحدة صاحبة المصلحة في التغيير(4).
وقد ساعدت عراقته وديموغرافية العراق الطائفية والعرقية ومحيطه الجغرافي وموقعه الجيوسياسي، في اختيار اميركا للعراق كحقل تجارب اول للفوضى الخلاقة ومعادل اقليمي لنماذج الحكم المركزية في المنطقة، سواء كانت تقليدية (السعودية) او قومية (تركية) او دينية (ايران).
وعلى الرغم من أن الفوضى الخلاقة التي سادت في العراق بعد ٢٠٠٣ تنسب الى ماريكرت تاتشر رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، او كونداليزا رايس مستشارة الامن القومي الاميركي، الا ان العراقيين رأوا منذ القدم انفي الكون نظاماً لا فوضى، لكن في تلافيفه حشداً من الإرادات الفردية المتنازعة الملآىباحتمالات الفوضى التي دخلوها عبر العصور وكان اخر عهدهم بها بعد 2003.
اذ يقول عالم الآشوريات توركلد جاكوبسن ” أن العراقي القديم لو عاد إلى الحياة لما اضطرب كثيراً لمرأى آثاره وهي حطام لأنه كان دائماً يعرف معرفة عميقة (أن ايام الإنسان معدودة ومهما صنع فما هو إلا ريح تهب(5).
وسواء كانت رؤية العراقيين القدامى هي من دفعت اميركا في 2003 لاختيار العراق كنموذج اول لتجربة الفوضى الخلاقة، او موقع العراق الجيوسياسي وعراقته وعروقه، هي التي دعت البتناغون لازاحة مشروع الخارجية الاميركية في بناء العراق بعد احتلاله،لادخاله في الفوضى الخلاقة، فان الامر سيان.
فقد اشار كل من ستيفان هالبر وجوناثان كلارك في كتابهما المهم التفرد الأمريكي-المحافظون الجدد والنظام العالمي2004 إلى كيفية استيلاء المحافظين الجدد على صناعة القرار بشأن العراق مما أدى إلى استبعاد مشروع وزارة الخارجية لمستقبل العراق،وادخل العراق في تجربة الفوضى الخلاقة.
ويشدد المؤلفان على تعمد وكيل وزارة الدفاع لشؤون السياسات في البنتاغون (دوغلاس فيث) وهو أحد المحافظين الجدد، وموظفيه، في تجاهل خطة عمل وزارة الخارجية في العراق بعد الحرب التي استغرق أعدادها عاما كاملا وحالوا دون السماح لكبير المخططين في وزارة الخارجية توماس وأريك بالتوجه إلى العراق.
وقد نتج عن الصراع بين البنتاغون والخارجية الأمريكية حل الجيش العراقي ومؤسسات الدولة وصولا للمرحلة صفر، مما أدى لانهيار مشروع بناء الدولة لصالح بناء مشروع جديد مغاير نوعيا اسمه فوضى خلاقةتركت أثارها على استقرار العراق، فتحولت الجيوش المسرحة إلى جيوش من العاطلين، وانضم العديد منهم (مع ما يحملونه من نقمة) إلى صفوف القائمين بالعمليات المسلحة ضد قوات الاحتلال، فأصبح العراق أرضية صالحة لتزويد بنية العنف المتصاعد بوقود جديد في ظل صراع محلي واقليمي ودولي على نموذج العراق والشرق الاوسط الجديد(6).
وجوهري هنا ان نتطرق لتعريف الفوضى الخلاقة، حتى ندرك اهداف استخدامها واختيار العراق ساحة اولى لها. تُعرِّف مراكز التخطيط الاستراتيجي الاميركي الفوضى الخلاقة انها” فلسفة سياسية تفترض وجود خطر داهم من عدو مجهول يتهدد الأمن القومي الأميركي في كل لحظة،دون ان يكون التهديد بالضرورة، حاصلاً بالفعل من دولة أو من منظمة إرهابية لكي تخاض ضده حرب وقائية، وإنما يكفي أن يتم تصوره من جانب مراكز التخطيط الاستراتيجي في البيت الأبيض و البنتاغون للمبادرة إلى تلك الحرب( 7).
ووفق رؤية (كوندليزا رايس) فان مفهوم الفوضى الخلاقة تعنى التخلي عن مفاهيم الأمن والاستقرار،حتى ولو أدى لإسقاط العديد من الأنظمة الحليفة للولايات المتحدة، تحت دعوى الإصلاح والديمقراطية(8).
وهناك من يفسر مصطلح الفوضى الخلاقة التي شكلت إحدى أهم وأبرز منجزات الفكر الاستراتيجي الأمريكي،إنما تعني في حقيقتها السعي الإستباقي نحو تفكيك وإعادة تركيب كل المواقع والجغرافيات المفترض أنها تشكل مصادر تهديد لأمن ومصالح أميركا في العالم(9).
وهناك من يرى ان الفوضى الخلاقة تعني بمضمونها بأنها فعل تغييري او هي ثورات تغييرية،او انها “حالة سياسية إنسانية يتوقع ان تكون مريحة بعد مرور مرحلة فوضى متعددة الإحداث”(10)، وليست خطة لصناعة الفوضى وترك الأمور لتفاعلاتها لإثارة الاضطراب او حتى الاقتتال الأهلي الداخلي لمجرد إنهاك المجتمعات وتركها تأكل ذاتها، وإنما يتعدى الأمر ذلك لان هذا العنف ربما يتوجه نحو الخارج من جديد ليهدد امن ومصالح الولايات المتحدة ولو بعد حين.
أي ان هذه الفوضى يجب ان تخضع لتحكم، فهي فعل قام ويقوم علي أكتاف قيادات وكوادر محلية من فئات تحديثية لتقود عمليات التغيير او ثورات التغيير وفق هذا التكتيك (الفوضى الخلاقة) ، وتدافع عنها بوصفها عملا ثوريا تقدميا، وهي تبنته كاملا بوصفها صاحبة المصلحة في التغيير(11)
الفوضى الخلاقة من النظرية للتطبيق
وقد تطورت نظرية الفوضى الخلاقة فأصبحت نموذجا قابلا للتطبيق في مناطق اخرى من العالم، يقول(توماس بارنيت) (إن الاستجابة لتوسيع دائرة فهم الفوضى الخلاقة وتعميم التجربة في المستقبل على النطاق العالمي راجع إلى أنها لم تعد مجرد طرح نظري فحسب، ولكنها أصبحت جزء من استراتيجية ناجحة في العراق وتنتظر نتائجها التي تم قياس نجاحها بشكل نسبي في الشرق الأوسط التي يجري تنفيذها بالكامل على أرض الواقع(12 ) .
وعلى هذا الأساس فخلق وتوظيف الفوضى في الشؤون العالمية بحسب هذا المنطق ليست حكراً على الولايات المتحدة ولا القوى المسيطرة عالمياً ولكن من الممكن أن تتسبب دول صغيرة او كيانات غير دولتية بفوضى، تستطيع من خلالها التأثير على التوازن الاستراتيجي العالمي ذاته، او كبح جماح قوة دولية كبرى،وأحداث 11 أيلول2001، تمثل في تجلياتها مثالاً واضحاً على قيام كيان غير دولي بفوضى عارمة هزت الأمن القومي الأمريكي ومن ثم وصلت تداعياتها الى الشؤون العالمية بشكل عام(13).
ولكن الشيء المميز في الولايات المتحدة بصورة رئيسة، أنها حين تقوم بخلق فوضى إقليمية او عالمية في المستقبل، فإن الوضع على الرغم من عدم السيطرة عليه بشكل كامل، إلا انه يمكن للولايات المتحدة ان تديرها وتوظف المتغيرات التي تنتج عن هذا العمل، مع ابتكار اكثر من صيغة للفوضى الخلاقة،وهذا ما يميز الولايات المتحدة من بقية الكيانات التي من المحتمل ان تتبنى تكتيك الفوضى الخلاقة المضادة لمواجهة تكتيك الفوضى الخلاقة الأمريكية(14).
من هنا فقد أدت الفوضى الخلاقة اكثر من دور في الشرق الأوسط بدل الدور الواحد،وهما النقض واعادة التشكيل، مما يعني ان انعكاسات التجربة العراقية على بلدان الربيع العربي، ليست بالضرورة ستأخذ نفس الصيغة،فنموذج الفوضى الخلاقة الذي بدا تنفيذه في العراق بصيغة احتلال، اصبح بعد 2011 بصيغة ربيع عربي، وقد تلتحق بهما ايران بصيغة اخرى(15).
لقد أصبح العراق متغيرا مستقلا لتجربة الفوضى الخلاقة وجزء من استراتيجيةاميركية يمكن قياس نجاحها بشكل نسبي في الشرق الأوسط، اذ اسقطت اغلب الانظمة العربية المعارضة للولايات المتحدة.
وفي الوقت الذي نتحدث فيه عن فوضى خلاقة ادت لعدم الاستقرار في العراق،نجد ان مراكز البحوث الاميركية تتحدث عن الفوضى، باعتبارها استراتيجية لحماية الامن القومي الاميركي من جهة، وكفعل ثوري تغييري تقدمي نحو الديموقراطية،وصف به الربيع العربي، وقد يوصف به الربيع الايراني ايضا،بل ان بعض الدوريات العملية الغربية وصفت انتخابات العرق 2005 بانها بداية للربيع العربي.
ان إعادة رسم ملامح التوازن الاستراتيجي الذي ترغب في تحقيقه الولايات المتحدة الأمريكية بعد الفوضى الخلاقة في العراق والمنطقة يعد شكلا جديدا لطبيعة العلاقات وتفاعلها في الشرق الأوسط.على ذلك فان ضبط العلاقة بين الفوضى الخلاقة كمتغير جديد في المعادلة الاقليمية وبين اثرها في صياغة تفاعل استراتيجي من نوع جديد يمكن عنونته بالتوازن الاستراتيجي الاقليمي من خلال ما يشهده شرق الأوسط من إعادة تشكيل النظمالسياسية التي مرت بثلاث مراحل، أولها إسقاط النظام و ثانيها الانتقال الى الديمقراطية وثالثها تثبيت الديمقراطية و رابعها نضوج هذه الديمقراطية(16)
فبحسب دراسة أجراها معهد كارنيغي الأمريكي تشير الى أن مئة نظام من عام 1970 لغاية عام 2000 وجدوا ان 20% منها وصلت لمرحلة النضوج الديمقراطي ، وتراجعت 5% منها إلى النظام الدكتاتوري ، و 75% ظل قابعا في مرحلة الفوضى وعدم الاستقرار لكثرة الأزمات الداخلية والخارجية بسبب عدم وجود رؤية استراتيجية واضحة المعالم لمرحلة ما بعد تغيير النظام.
إن احتمالات عودة الأنظمة القمعية أو انتقالها للمرحلة الثانية أو الثالثة ودخولها في أزمات وحالة فوضى واردة في العراق وبعض الدول العربية التي حدث فيها التغيير مطلع العام 2011، مع عدم ترجيح احتمال الانتقال للمرحلة الرابعة (النضوج الديمقراطي) في المدى القريب او المتوسط(17)
لكن هذه الاحتمالات تعتمد على الكثير من العوامل الداخلية والخارجية التي تؤثر في مدة كل مرحلة من مراحل الانتقال من الدكتاتورية للديمقراطية، فأبرز المؤثرات أو العوامل الداخلية المؤثرة تكمن في ثقافة الشعوب وتطورها ومدى وعيها ومكونتها الديمغرافية والأسس الإيديولوجية السائدة في المجتمع.
وبقدر تعلق الأمر (بالعراق) والشرق الأوسط، فإن احتمالاته المستقبلية واستمرار توظيف الفوضى الخلاقة فيه من قبل الإدارة الأمريكية تشير الى بقاء النظم السياسية في المرحلة الثانية (التحول نحو الديمقراطية) و من ثم فأن إطراف التوازن الإقليمي الفاعلين ستكون الدول التي لم يحدث فيها اي عصف للتغيير بعد عام 2011 وهي( تركيا و إيران و إسرائيل)(18).
وهذا يقتضي ان عدم الاستقرار في العراق مع بقاءه ضمن مرحلة الانتقال للديموقراطية سيستمر حتى تدخل ايران دوامة الفوضى وهي الاقرب لذلك من تركيا التي تجري فيها حالة تحول هادئ من تركيا القديمة الى تركيا الجديدة، او اسرائيل التي تنتظر حلا سياسيا دوليا مرتبط ربما بدخول ايران دوامة الفوضى الخلاقة.
تداعيات عدم الاستقرار
ان الفوضى الخلاقة التي ضربت اطناب العراق بعد احتلاله، ادت الى عدم التوزان بين القوة والقانون في العراق، وبين السلطة والمجتمع،كما هو حال معادلة القوة والقانون دوليا واقليميا، فكان عدم الاستقرار السياسي هو الظاهرة البارزة، اذ غابت الدولة وتعطل الدستور وسادت عوامل غير دوليتة عابرة للحدود الوطنية ومليشيات دون وطنية ، بمعنى أن العلاقة بين الاستقرار السياسي والعوامل غير الوطنية ودون الوطنية الداخلية والعابرة للحدود علاقة متبادلة.
ان الانقسام الداخلي على نموذج العراق الجديد،من اهم تداعيات الفوضى الخلاقة،وبنفس الوقت من اهم ركائزها، اذ على هذا الانقسام الداخلي تمددت الفوضى الخلاقة، وبهذا الانقسام الداخلي لازالت الفوضى الخلاقة مستمرة.لقد انقسم العراقيون على نموذج العراق الجديد، واقتنعوا ان حسم المعارك الداخلية لايمكن ان يحسم دون الدعم الخارجي،واستمر الانقسام، واستمر الدعم، واستمرت الفوضى الخلاقة، رغم احتكار البيت الشيعي للسلطة منذ 2005 وحتى 2018.
ومنذ انطلق نموذج العراق الجديد بعد تحرير الكويت1992 وحتى تحرير العراق من داعش2018، لازال العراق الجديد يعيش فوضى الاستحواذ على السلطة، رغم التغيير الذي حصل بعد 2003، ورغم الانتخابات التي تعد فارقا جوهريا، بين عراق ما قبل وما بعد 2003،الذي كان قوميا قبل 2003، ودينيا شيعيا بعد 2003،فقد استحوذ البيت الشيعي على السلطة.
ان خمس جولات انتخابية كان اولها 1992، التي افرزت برلمان اقليم كوردستان، وأربع انتخابات برلمانية جرت بعد 2003 التي فرزت برلمان العراق الاتحادي، لكن كتلة البيت الشيعي الاكبر الموالية لإيران،سيطرت على كل المؤسسات السياسية والامنية والقضائية بغض النظر عن نتائج الانتخابات.
ولان سياسة الاستحواذ على السلطة من قبل البيت الشيعي هي السائدة فيالخمسة عشر عاما الماضية منذ 2003، فقد تفكك التحالف الكوردي الشيعي، الذي قامت على اساسه العملية السياسية،وظل الصراع بين اقليم كوردستان وسلطات بغداد مستمرا،حتى سيطرت بغداد على مناطق المادة 140، بعد استفتاء اقليم كوردستان في ايلول 2017(19).
وفيما كانت بغداد تتنازع مع اقليم كوردستان،كانت ساحة محافظات العرب السنة ساحة تمرد على العملية السياسية، اذ انقسم السنة الى مشارك ومعارض في العملية السياسية وقاوموا الاحتلال.ثم ترك السنة المقاومة فقاتلوا القاعدة بالتحالف مع القوات الاميركية، بعد ان سيطرت القاعدة على محافظاتهم بعد تفجيرات سامراء 2006، ثم بعد ان فازوا في انتخابات 2010 ضمن القائمة العراقية، وانسحبت الولاياتالمتحدة في 2011،استهدفتهم بغداد بزعامة المالكي، فسقطت محافظاتهم بيد داعش في 2014.
وفي الوقت الذي ينتظرفيه العراقيون انتخابات 2018 البرلمانية بعد انتهاء داعش، فان الاطراف الاقليمية والدوليةلم تكن بعيدة عن الصراع الداخلي، فكانت ايران هي الحاضر الابرز اقليميا، واميركا هي الغائب الحاضر الابرز دوليا، وكانت النتيجة ان ارتبط العراق بمحور ايران الاقليمي من جهة، وبالتحالف الدولي من جهة اخرى، فيما اختلف واقع العراق عن دستوره،
واستنزفت كل المكونات العراقية الدينية والقومية مواردها البشرية والمادية في هذا الصراع. فخسر السنة والكورد والشيعة والمسيحيين والايزيدين ، وان كانت خسارة كل طرف عراقي تختلف عن خسارة الطرف الاخر.
وساد في العراق اليوم سخط شعبي عارم ضد الطبقة السياسية، يترجمه العراقيون بقولهم “كبل كان صدام واحد وهسه الف صدام”، وهذا قد يعني موجة اخرى من موجات الفوضى الخلاقة، اكثر مما يعني ومعمهلة ترامبللخروج من صفقة النووي الايراني ان لم يتم تعديله،والتي تتزامن نهايتها مع يوم الانتخابات العراقية، فان عدم الاستقرار في العراق قد يستمر مهما كانت نتائج انتخابات مايس 2018، في ظل صراع اميركا مع ايران على نموذج العراق الجديد، وفي ظل توقعات تتحدث عن احتمال عودة داعش ان خرج ترامب من الاتفاق النووي(20).
ان تداعيات عدم الاستقرار تشير ان العراق منذ دخل الفوضى الخلاقة لازال يعيش عدم الاستقرار،وسيظل كذلك ضمن الفترة الانتقالية الثانية(الانتقال للديموقراطية)بعد اسقاط النظام، ولم ينتقل بعد الى المرحلة الثالثة، وهي مرحلة (تثبيت الديموقراطية)التي اشار لها معهد كارنيغي الأمريكي، ولازال بعيدا عن المرحلة الرابعة في مسار التحول وهي مرحلة نضوج الديموقراطية، هذا اذ افترضنا انه لن يعود الى المرحلة الديكتاتورية التي سبقت سقوط النظام، في ظل الانقسام الداخلي وتعنت ايران،ذلك ان ايران قادرة على استخدام فوضاها الخلاقة وبقاء العراق في دوامة عدم الاستقرار، لمنع دخولها في دوامة الفوضى الخلاقة(21)
مالات عدم الاستقرار
ذهبت مجموعة الأزمات الدولية الى القول، أن العراق يتجه على ما يبدو إلى تقسيم بحكم الأمر الواقع وحرب أهلية على نطاق واسع،إذا لم تقم الولايات المتحدة برعاية تسوية حقيقة بين الشيعة والأكراد والسنة.
وان المدخل لتحقيق استقرار العراق ومنع المألات التي اشارت لها مجموعة الازمات الدولية، فيكمن في توازن المشهد السياسي العراقي، ودخول ايران في دوامة الفوضى الخلاقة ثانيا،ان لم نقل سقوط نظام ولاية الفقيه، او رضوخه لإرادة المجتمع الدولي من جهة، والمجتمع الايراني الذي طالب بسقوط نظام الخامنئي من جهة اخرى.
وتوازن المشهد الاقليمي بسقوط نظام ولاية الفقيه،او بانتقال ايران من الثورة الى الدولة، قد يكون كفيلا بظهور طبقة سياسية عراقية قادرة على التفاهم فيما بينها على نموذج العراق الجديد، وتحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية بعملية متعددة الأطراف وشفافة تفتح الباب لإعادة بناء العراق بمشاركة المجتمع الدوليمن جهة،وتوافق الطبقة السياسية العراقية الجديدةمن جهة اخرى، مع معايير الامن والتنمية والدستور التي تؤكد الشروط الضرورية لتوفير الاستقرار.
والتأكيد على مشاركة المجتمع الدولي امر مفروغ منه، لان المجتمع الدولي مسؤول مسؤولية مباشرة عن الفوضى الخلاقة التي احدثها في العراق بتحالفه الثلاثيني في 2003، الذي ادى الى تسليم البلد لإيران على طبق من ذهب كما قال سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي الراحلفي 2007 .
اما توافق الطبقة السياسية العراقية الجديدة مع معايير الامن والتنمية والدستور، فقد ربط (روبرت ماكنمارا) وهو وزير دفاع أمريكي سابق ورئيس سابق للبنك الدولي، بين تحقيق الأمن وقدرة الدولة على النهوض بأعباء التنمية، حيث يقول في كتابه (جوهر الأمن) لا يمكن للدولة أن تحقق أمنها إلا إذا ضمنت حداً أدنى من الاستقرار الداخلي، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه إلا بتوفر حد أدنى من التنمية على المستوى الوطني.
وقد عرف ماكنمارا الأمن بقوله: الأمن يعني التنمية فالأمن ليس تراكم السلاح وليس هو النشاط العسكري التقليدي، فالعديد من الدول تمتلك ترسانة عسكرية ضخمة وأجهزة أمنية متطورة، وكل مظاهر القوة المادية إلا أن استقرارها السياسي هش وضعيف، ومع أي ضغط أو تحول، نجد التداعي والاهتراء والضعف،وفي المقابل نجد دولاً لا تمتلك أسلحة عسكرية ضخمة، ولا مؤسسة أمنية متطورة، إلا أن استقرارها صلب ومتين، وقادرة بإمكاناتها الذاتية من مواجهة الأزمات ومقاومة المؤامرات، وحفظ استقرارها وأمنها العام(22).
متطلبات الاستقرار السياسي
واذا افترضنا تحقق خروج العراق من هيمنة ايران، فان الاستقرار السياسي في العراق يعتمد على عنصرين: النظام (اللا فوضى) والاستمرارية. و(اللا فوضى) يعني غياب العنف والقوة والإكراه والقطيعة مع النظام السياسي، والاستمرارية، تعني غياب نسبي للتغيير في مكونات النظام السياسي، بتدني مستوىتغييرات جوهرية على النظام السياسي وغياب قوى اجتماعية وحركات سياسية تسعى إلى إدخال تغييرات جوهرية على النظام السياسي(23).
أما “ليجفارت” فهو يحصر الاستقرار السياسي في أربعة عناصر:
1. الإبقاء على النظام،
2. النظام المدني،
3. المشروعية،
4.الفاعلية(24).
ويضع اخرون ثلاث عناصر لانطلاق استراتيجية الاستقرار، عبر الجمع بين ثلاثة مفاهيم متكاملة: الأول مفهوم سيكولوجي (الأمن)، والثاني مفهوم اقتصادي (التنمية) والثالث مفهوم قانوني (الشرعية)(25).
وعليه فأن اي استقرار سياسي يخضع لتأثير عاملين، أولهما تكون لها آثار استقرارية، وثانيهما آثار غير استقراريه، بحيث تكون حالة النظام هي نتاج التفاعل بين هذين النوعين من التفاعل.
وبذلك فكل سلطة تتجه أحد الاتجاهين: فإما أن تتحول إلى إدارة السلطة تدير مؤسساتالمجتمع تحت سلطة الدولة، والدستور، والقانون، فتنتمي بذلك إلى أنظمة الاستقرار السياسي الإداري، أو أن تبقى سلطة متسلطة فتنتمي إلى سلطة الانقلابات. وبعبارة أخرى فإن وجود استقرار سياسي للحكم القائم يعني تغلب قوى الاستقرارية على قوى عدم الاستقراروالعكس صحيح(26).
والمعضلة في العراق منذ 2005 وحتى 2018 تكمن في تعطيل الدستور من قبل عوامل اللادولة على حساب الدولة، وفقدان الامن لعدم وجود جهاز أمنى وطني مهني واحد وسط عشرات الاجهزة الامنية التابعة للسلطة او الحشد الشعبي، التي لا يمكن معها تحديد المسؤول عن فقدان الامن،اضافة الى شيوع الفساد الاداري والمالي والسياسي على حساب التنمية، الذي ادى الى تربع العراق على قمة الدول التي يعشعش فيها الفساد في العالم(167 من 176 حسب منظمة الشفافية الدولية)
ولوضع النقاط على حروف الاستقرار في العراق،وفق المفهوم النظري في العلوم السياسية، يمكن التمييز بين مدرستينفكريتين في العلوم السياسية، حيث تتبع كل منها مفهوم معينا للاستقرار السياسي وهي:
1 .المدرسة السلوكية: وفقا لهذه المدرسة، فإن الاستقرار يرادف غياب العنف السياسي، والنظام السياسي المستقر هو ذلك النظام الذي يسوده السلم وطاعة القانون وتتم عملية اتخاذ القرار وفقا لإجراءات مؤسسية وليس نتيجة للعنف(27).
ومن هذا المفهوم المحدد للاستقرار السياسي نجد أنه لا يصح استخدام العنف داخل كيان المجتمع الواحد مهما كانت الأحوال بغية تحقيق أهداف سياسية، وأن الإصلاح في هذه الحالة لا يتم السعي إليه إلا بأساليب سياسية مدنية(28).
المدرسة النظمية: تنطلق هذه المدرسة من منهج التحليل النسقي، وحسبه المدرسة،فالاستقرار السياسي مرادف لحكم النظام والإبقاء عليه، كما أنه يعني القدرة على التكيف مع الظروف والأوضاع والمتغيرات الجديدة.
فالاستقرار السياسي هنا هو حياد مؤسسة الخدمة والإنتاج عن تقلبات السلطة وفصل هذه المؤسسات عن اللعبة السياسية في الداخل والخارج، وعدم استغلالها لكسب مواقف ذاتية تجعل من هذه المؤسساتأدوات غير مستقلة(29).
وبناء على هذا، يمكن تعريف أنظمة الاستقرار السياسي والإداري والدستوري على أنها “أنظمة تتمتعمؤسساتها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والعسكرية بالاستقرار السياسي والإداري في تنظيماتهاوهياكلها الأساسية وتقسيماتها الضبطية والإدارية بشكل يحقق لها التوازن والاستقرار في ظل أي متغيرات سياسية مفاجئة قد تحدث في المجتمع(30).
واذا وضعنا واقع العملية السياسية في العراق، تحت مجهر هذه المفاهيم النظرية للاستقرار السياسي ،فان تحقيق أي استقرار سياسي في العراق يتطلب وجود مشاركة سياسية في عملية صناعة القرار السياسي، أي انخراط المواطنين في عملية التعبير عن المصلحة أو كما يعرفها “لوسيان باي” بأنها تعني مشاركة أعداد كبيرة من الأفراد والجماعات في الحياة السياسية، وهي تعني بحسب “صاموئيل هنتنغتون” ذلك النشاط الذي يقوم به المواطنون العاديون بقصد التأثير في عملية صنع القرار الحكومي، سواء كان هذا النشاط فرديا أو جماعيا، منظما أو عفويا، سلميا أو عنيفا، شرعيا أم غير شرعي، فعالا أم غير فعال(31).
وتتجلى أهمية المشاركة السياسية في أنها الآلية الأساسية في إرساء البناء المؤسسي للدولة، والتي لم تسمح عوامل اللادولة العابرة للحدود غير الوطنية، والمليشيات الطائفية دون الوطنية بهذه الالية خلال السنوات الخمسة عشر الماضية في العراق.ولا تقف أهمية المشاركة السياسية عند ذلك،بل لأنها تشكل إطارا للعملية السياسية وأداة للمحافظة على الاستقرار السياسي.
انطلاقا من ذلك يربط “هنتنغتون” بينها وبين المشاركة السياسية والاستقرار السياسي ويرى أن ضرورة تحقيق الاستقرار السياسي تتطلب بناء المؤسسات السياسية التي تنظم المشاركة السياسية وتحول دون انعدام الاستقرار.
واستنادا إلى ذلك فإن استقرار ألعملية السياسية في العراق يتوقف على العلاقة بين مستوى المشاركة السياسية ومستوى المؤسساتية السياسية، بعبارة أخرى إن الاستقرار السياسي في المجتمع يتوقف على العلاقة بين مستوى المشاركة السياسية من ناحية ودرجة المأسسة من ناحية أخرى(32).
كان ذلك وفق النظرية السلوكية في التحليل السياسي، اما استنادا لنظرية تحليل النظم،فإنّ الاستقرار السياسي يعني قدرة النظام السياسي على أن يحفظ ذاته عبر الزمن، أي أن يظل في حالة تكامل.
وهو ما لا يتم إلا إذا قامت مؤسساته المختلفة بوظائفها على أحسن وجه، ومن بينها وظيفة البنية السياسية، ويتوقف ذلك على قدرة البنية السياسية على تعميق احترام قواعد الدستور والقوانين النافذة والنظام العام لدى أفراد المجتمع وزيادة حماسهم للمشاركة في حياة الأحزابا لسياسية وتطوير فعاليتها في إطار آليات النظام، وهذا ما يدعم الاستقرار السياسي في المجتمع،وهذا ما عرقلته المليشيات الطائفية في العراق من جهة، والعوامل العابرة للحدود الوطنية الدينية المسلحة كالقاعدة وداعش من جهة اخرى.
ختاماوكما وردتفي فرضية البحث، فان الاستقرار السياسي في أي مجتمعهو نتيجة وجود توازن بين النظام السياسي وبيئته الاجتماعيةمن خلال تحقيق أربعة أبعاد:
1 -أن يعكس النظام السياسي القيم الثقافية و الاجتماعية الرئيسية للمجتمع.
2 -أن تعكس سياسات النظام مصالح و أهداف الجماعات و الطبقات المؤثرة في المجتمع.
3 -أن يوجد النظام قنوات الاتصال القادرة على ربط كافة أجزاء الجسد المجتمعي بحيث تشعر كل جماعة أو فئة أنها تستطيع أن تؤثرفي عملية صنع القرار
4-أن تعكس النخبة في داخلها القوى المجتمعية المختلفة بحيث تشعر كل قوة بأن النخبة تمثل امتدادا لها.
وبدون ذلك، فان معيقات الاستقرار السياسي في العراق ستبقى مهيمنة على واقعه الامني والسياسي، نتيجة الصراع المحلي والاقليمي والدولي، الذي بدا في العراق بعد دخوله تجربة الفوضى الخلاقة، والذي لن يستقر على حال حتى تحقق الفوضى الخلاقة اهدافها محليا واقليما ودوليا، ومنها دخول إيران دوامة الفوضى الخلاقة، ومشاركة المجتمع الدولي في هندسة جديدة للعملية السياسية في العراق، وطبقة سياسية عراقية جديدة قادرة على التفاهم فيما بينها على نموذج العراق الجديد(33).
معيقات الاستقرار السياسي
اضافة الىالتدخلات الدولية المباشرة وغير المباشرة في العراق التي ادت الى فوضى خلاقة، فانأبرز معيقات الاستقرار السياسي هي الاستقطاب الطائفي والعنف السياسي والحرمان الاقتصادي والفساد السياسي الذي تمارسه السلطة الحاكمة ضد مكونات المجتمع العراقي.
يقول بريمر، الحاكم الاميركي بعد 2003، ان المالكي بعد انسحاب اميركا من العراق في 2011، قرر ضرب أبرز سياسي سني عراقي هو طارق الهاشمي، وقطع موازنة اقليم كوردستان، وطهر الجيش العراقي طائفيا لصالح احزاب الشيعة الطائفية(34).
فأذن نحن أمام مظاهرعديدة تتلخص بسياسات سلطة استحوذت على القرار العراقي بغض النظر عن نتائج الانتخابات، ادت سياساتها الى تفجيرات سامراء وسقوط محافظات السنة بيد القاعدة في 2006، ثم سقوط الموصل بيد داعش في 2014، ومالم تسقط السياسيات التي ادت لذلك، فان العرق سيواجه نسخة اخرى من القاعدة او داعش.
فبحسب “نيفين عبد المنعم مسعد”ان عدم الاستقرار السياسي هو رد فعل لقمع النظام السياسي(35).وهذا ما مارسته سلطة المالكي تجاه العرب السنة. كما ان سياسات المالكي تجاه الكور، تمثلت بقطع موازنة الاقليم، والذي استمر عليه العبادي من بعده. والحرمان الاقتصادي يمثل مصدرا اخر للإحباط وعدم الرضا والغضب.
وقد ربط الدكتور “فاروق يوسف” بين الحرمان الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي داخل المجتمع، وهو يعني بالحرمان الاقتصادي عدم تيسر حصول جماعة أو جماعات معينة من أفراد المجتمع على المنافع والموارد الاقتصادية في الوقت الذي يتيسر فيه ذلك لغيرها من الجماعات، فسوء توزيع الموارد (عدم العدالة في التوزيع) يمثل تهديدا للاستقرار السياسي داخل المجتمع(36).
كما ان الفساد السياسي وفقدان التنمية ادى الى سخط شعبيشيعي عام يسود اليوم الشارع الشيعي فضلا عن الشارع السني الكوري، على اعتبار ان الشارع الشيعي ساخط ضد طبقته السياسية الدينية الحاكمة التي لم تقدم له سوى اللطميات السنوية والمقابر التي اكت اضعاف مضاعفه،والتي يشير لها الشعار والمواطنون العاديون دوما في دواوينهم ومنتدياتهم، وهنا لذلك مثل(37)
ولحل ھذه الإشكالات الكبرى،لابد ان يحصل توزان قوى على الارض محليا واقليميا يمهد لمصالحة تاريخية تفرز احزاب وطنية وليس احزاب عابرة للحدود الوطنية، دولةعراقية وطنية غير مرتبطة بمحور إيران الاقليمي،دولة تضطلعبمسؤولياتها الوطنية والدستورية وتلتزم بالشفافية وتخضع للضبط والمحاسبة الشعبية.
الخاتمة
بعد الاجابة عن اسباب عدم الاستقرار وتداعياته وامكانية الخروج من دوامة عدم الاستقرار، تبين ان فقدان التوازن المحلي المختل لصالح البيت الشيعي في العراق بعد تجربة الفوضى الخلاقة، والتوازن الاقليمي المختل لصالح ايران،قد جعلت من العراق ساحة حرب وعدم استقرار.
ودون تغير معادلة القوة على الارض في العراق والمنطقة، سواء بدخول ايران في دوامة الفوضى الخلاقة، او بتوقيع صفقة مع المجتمع الدولي، فان خروج العراق من دوامة عدم الاستقرار يعد امرا بعيد الاحتمال.
فالعراق الذي دخل تجربة الفوضى الخلاقة قبل الجميع، أصبح معادلا اقليميا لنموذج الفوضى الخلاقة، خاصة بعد تطور نموذج العراق الذي تم باحتلاله لصيغ متعددة مرت بها دول الربيع العربي، وقد باتت ايران اقرب لان تمر بإحدى صيغ الفوضى الخلاقة، ولعل نموذج مصر هو الاقرب الى ايران.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر

1–Dictionnaire Larousse, Paris, Larousse, 1982, p :389
2- بن الحاج يحيى، الجيلاني(1997) وآخرون، القاموس الألفبائي، بيروت: الأهلية للنشر، ص320
3- مليكة بوضياف، الحكم الراشد والاستقرار السياسي، مداخلة ألقيت في ملتقى الحكم الراشد والاستقرار السياسي، جامعة الشلف، 2006 ،ص: 7.
4-http://democraticac.de/?p=411
5-https://annabaa.org/nbahome/nba80/002.htm
6-المصدر الخامس
7-محمود حيدر،الفلسفة السياسية للمحافظين الجدد:إيديولوجية الفوضى الخلاقة ، مجلة الدفاع الوطني اللبنانية ، العدد 318 ، 1/7/2005 http://www.lebarmy.gov.lb/article.asp?ln=ar&id=8293.
8-مصطفى البكري ، الفوضى الخلاقة ام المدمرة :مصر في مرمى الهدف الامريكي ، مكتبة الشروق ، مصر ، ط1 ، 2005 ، http://www.neelwafurat.com/itempage.aspx?id=egb59102-5059061&search=books ).
9-محمود حيدر،المصدر السابع
10-ايمن احمد رجب ، الاقتراب من حالة عدم اليقين (الفوضى الخلاقة) ،مجلة السياسة الدولية ،ملحق اتجاهات نظرية،المجلد 46 ، العدد 185، يوليو ، 2011 ، ص 8 .ص 8
11-Peter t.leeson , efficient anarchy, polishing by business media , London , first edition . p.13
12-المال والسياسة : التمويل الخارجي للتفاعلات الانتقالية داخل الدول العربية، مجلة السياسة الدولية ،القاهرة ، العدد 186 ، المجلد 46 ، اكتوبر 2011 ، ص 72 -77
13-Derek Cholet , American between the wars , first edition , Read how you want .com , U.S.A., 2011 , , P 504
14- http://democraticac.de/?p=411
15-المصدر 14
16-Tarik Sabry , arab Cultral studies : mapping the field , first edition , I.B.Tauris , U.S.A., 2012 , P129..
17- Alexander T.J.Lennon , Democracy in U.S. Security Strategy : from promotion to support , institute of carengy ,U.S.A., 2012, P 57 .
18- Mark Hitchcock, Op.cit p,P78
19-https://www.youtube.com/watch?v=gzlWzreo_js&t=11s
20- موقع حفريات:ملامح الانتخابات العراقية المقبلة.. هل تؤكد تبعية العراق لإيران
21- Alexander T.J.Lennon , Democracy in U.S. Security Strategy : from promotion to support , institute of carengy ,U.S.A., 2012, P 57
22-محمد محفوظ، في معنى الاستقرار السياسي، صحيفة الرياض، العدد 13819، 25 أبريل 2006
23-صاموئيل هنتغتون، النظام السياسي في المجتمعات المتغيرة، بيروت: دار الساقي، ط1 ،1993 ،ص: 60
24- إيريس جلوز ماير، الانتخابات اليمينية الأولي في 1993 :ممارسة ديمقراطية وتحولات سياسية 1990-1994 ،أبو ظبي: مركز الدراسات الإستراتيجية.80 :ص، 199
25-المصدر الخامس
26-الطيب البكوش، “هل العلاقة بين الديمقراطية والتنمية لها حدود”، المجلة العربية لحقوق الإنسان، تونس، 1995 ،ص: 109
27-حسن كريم، “مفهوم الحكم الصالح”، مجلة المستقبل العربي، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 309 ،أكتوبر 2004 ،ص- ص: 50-51
28-سالم القمودي، سيكولوجية السلطة، بيروت: مؤسسة الانتشار العربي، ط2 ،2000 ،ص: 117.
29-خالد حنفي علي، الإستراتيجية الجديدة لأمريكا في إفريقيا، مجلة السياسة الدولية،القاهرة:مؤسسة الأهرام، العدد 153 ،جويلية 2003 ،ص: 29
30-سالم القمودي، مصدر 28، ص: 118
31-ثامر كامل محمد الخز رجي، النظم السياسية الحديثة والسياسات العامة، دراسة معاصرة في إستراتيجية إدارة السلطة، عمان، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، ط1 ،2004 ،ص: 181
32-صامويل هنتنغتون،مصدر23، ص102
33-http://www.acrseg.org/40466
34-http://www.akhbaar.org/home/2018/3/242307.html
35-نيفين عبد المنعم مسعد، الأقليات والاستقرار السياسي في الوطن العربي، القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1988،ص:١٠
36-أحمد وهبان، التخلف السياسي وغايات التنمية السياسية: رؤية جديدة للواقع السياسي في العالم الثالث، القاهرة: الدار الجامعية، 2002 -2003 ،ص-ص: 64-65
37-https://twitter.com/abotamam73/status/978616392575569921.
المصدر/ مركز العراق الجديد

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب