19 ديسمبر، 2024 12:52 ص

“مَن مَلكَ اسْتأثرَ”!!

“مَن مَلكَ اسْتأثرَ”!!

إستأثر بالشيئ على غيره: خص به نفسه وإستبد به.
الجلوس على كرسي الحكم يمنح البشر شعورا بالقوة وإحساسا مزيفا بالكمال , فلا يحسب أنه يقوم بعمل غير صحيح , وإنما ما يراه ويفكر به ويقدم عليه هو عين الصواب , والقدوة التي عليها أن تُحتذى وتدوم,
ولهذا تجده يقرّب المداحين الذين يعززون هذا الشعور عنده.
وعلى مر العصور تجد القادة والحكام والملوك والسلاطين يتصرفون على هذا المنوال , ولا يزال سلوكهم كما هو إلى يومنا الحاضر.
وظاهرة تنامي الحاشية والمسوغين لسلوك المسؤول متواصلة , وهي التي تساهم في تعزيز سلوكه وتكراره , لأنها تقوم بإعمائه وذر الرماد في عيونه , وتغذية نفسه بما تشتهيه وترغب فيه , خصوصا عندما تتسيد نفسه وتتمكن منه أوهامه , ويعيش في قوقعة رؤاه المعززة بالخداعات والأكاذيب الحاشيوية , وبمواعظ المتلهفين للعطايا والمكرمات.
فترى المسؤول يمعن بالظلم والجور والإستبداد , ولا من أحدٍ يجرؤ على الإشارة والتنبيه والتحذير والشرح وإستحضار الحكمة والروية والحلم.
لأن الإقدام على هذه المداخلات لا تتفق وتيار النهر الحاشيوي الجارف الممعن بالإطراء والتقديس والتعصيم.
ووفقا لهذا يصير العدل ظلما والظلم عدلا , والمقياس الأخلاقي والإعتقادي والوطني يُقرن بالشخص المبجل المتوهم بأنه قد بلغ الكمال , ولهذا جلس على كرسي الحكم.
وتلك مصيبة البشرية النابعة من تفاعل مفردات النفس الأمّارة بما تريد وترغب , وهي منساقة بطاقات الدوافع والنوازع والرغبات , التي لا ترى إلا ما يرضيها ويزيدها شراهة ونزقا , وإمعانا باللذائذ العصية على الإرضاء.
وفي واقعنا المعاصر لا يتحقق التفاعل الإيجابي وتتأكد المصالح الوطنية المشتركة بهذا الأسلوب , الذي يؤكد الإنغماس بالمنافع الشخصية والأنانية المقيتة المدمرة , القاضية بإلغاء أي موجود سوى ذلك الذي صار يصول ويجول ويدوس على رأس القانون , لأنه فوق الجميع ومنه تُستمد القوانين.
فهل من إنتباهة إلى عاهة الكرسي النكيد؟!!