19 ديسمبر، 2024 12:00 ص

أضواء على كتاب اﻹجتهاد والتقليد(21)

أضواء على كتاب اﻹجتهاد والتقليد(21)

مسألة (4): التقليد هو العمل إعتماداً على فتوى المجتهد، سواء إلتزم المقلِّد بذلك في نفسه أم لم يلتزم.
بعد أن عرفنا حكم التقليد وموضوعه، فالتقليد واجب على كل مكلّف عامّي، والعامّي هو الفرد الذي لم يبلغ رتبة الاجتهاد، وقد تناولتْ مسألة (1) بيان وجوب التقليد في أغلب المسائل الشرعية، أقصد جميع العبادات والمعاملات وسائر الأفعال والتروك، وأيضاً عرفنا من مسألة (2)أن عمل العامّي من دون تقليد باطل ـ أي العبادات والمعاملات ـ، فالتقليد من أهم الواجبات، وهو من أهم طرق الإمتثال بعد طريق الإجتهاد…
والتقليد بالمعنى الأعم يمثل سيرة عقلائية وسلوك إنساني لا يمكن الإستغناء عنه، فالتقليد بالمعنى الأعم هو أخذ الجاهل برأي العالم،
وهذا المعنى متحقق لكل بني البشر، وفي مختلف حقول المعرفة والعلم، وفي الفنون والصناعات أيضاً،
إن التقليد يمثّل المصدر الشائع في ثقافة الإنسان؛ لأن نسبة العلماء وأصحاب الإختصاص نسبة ضئيلة جداً قياساً الى غيرهم من عامة الناس.
ومن المعلوم أن المعرفة النظرية تحتاج إلى إستدلال وبُرهان، وكل معرفة لها طريقتها في الإستدلال والإستنتاج، وهذا يتطلب من الفرد الدراسة الجدّية وصولاً إلى المرتبة العلمية التي بها يستطيع الفرد تحصيل المعارف والعلوم، وهذا يسمى بالتخصص العلمي الذي هو معنى الإجتهاد بمعنى أن الفرد يحصل على المعرفة والعلم بالأشياء إعتماداً على إجتهاده وبرهانه وتجاربه، يعني بصورة ذاتية، أمّا لو حصل على المعرفة بالإعتماد على أهل الإختصاص فهذا هو معنى التقليد، فالعلم الحصولي النظري يكون بالذات(الإجتهاد)، أمّا إذا حصل بالغير فهو (تقليد)..
إن العلم عن تقليد يكون علماً فقط بالنتيجة لا أكثر ولا أقل، أما سبب حصول النتيجة وكيفيتها فهو ليس داخل في موضوع التقليد لأن الإجتهاد هو سبب هذه النتائج لا التقليد.
وعلى هذا الأساس أخي القارئ حاول أن تطبّقَ هذه الفكرة على معلوماتك وثقافتك العامة، ستجد أن أغلبها هي عبارة عن نتائج فقط،
ولم يكنْ لك دورٌ في إستنتاجها والبرهنة عليها (الإستدلال عليها)وقد خَطَرَ في ذهني مثال لطيف يصلح لبيان التقليد بالمعنى الأعم،
عندما تسمع متكلّم يتكلم بلغةٍ أجنبية، فأنتَ لأجلِ فهمِ ما يقول هذا المتكلم بين أمرين لا ثالث لهما:

الأول: أن تفهم هذه اللغة لكونك متمكن منها وتجيدها، ويكون فهمك لمُراد المتكلّم بالاعتماد على قدرتك الذاتية، وهذا هو المعنى الأعم للاجتهاد أو قل هذه معرفة عن إجتهاد أو علم عن الاجتهاد.

الثاني: أنك لا تستطيع فهم ما يقوله المتكلم، وهنا تحتاج إلى مترجم، وهذا هو التقليد بالمعنى الأعم أو قل العلم عن تقليد.
ومن هنا لابد لنا أن نعود إلى المسألة التي تتكفل بيان المعنى الاصطلاحي للتقليد، أي التقليد بالمعنى الأخص، فالتقليد الذي يكون واجباً على المكلّف الذي لم يبلغ رتبة الاجتهاد، المراد منه المعنى الاصطلاحي يعني باصطلاح الفقهاء المجتهدين والذي أعتبره الفقهاء أحد أهم طرق الامتثال، بل هو محل الإجماع لدى جميع الفقهاء.
في هذه المسألة يحدّد السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره) ماهيّة وحقيقة التقليد، وحيث أن التقليد هو إصطلاح فقهي،فإنه وبطبيعة الحال لا يعتمدُ على العُرف في تحديدِ معناه على عكس الأعم الأغلب من موضوعات الفقه فإن المدار فيها هو العُرف ؛.
وقد إختلفَ الفقهاءُ في تحديدِ معنى التقليدِ، وسوف يتضحُ ذلك خلال شرح هذه المسألة.
وللحديث بقية اذا بقيت الحياة…