نشر المحفل الماسوني في بريطانيا إعلانا على صفحة كاملة في عدة صحف بريطانية رئيسية تطالب فيها بإنهاء ما وصفته بـ”التمييز” ضد أعضائها. وقال المحفل الكبير إنه يرحب بجميع الأفراد من مختلف الاتجاهات لكن أعضاءه “يوصمون بدون وجه حق”.
وأضاف أنه بعث برسالة إلى لجنة المساواة وحقوق الإنسان تتعلق بهذه الشكوى. وكانت أخبار قد نشرت في الفترة الأخيرة تتعلق بمدى تأثير الماسونية بين أفراد الشرطة وأعضاء البرلمان في بريطانيا. واشتكى المحفل في الإعلان الذي ظهر في صحف “التايمز”، وديلي تلغراف”، والـ”غارديان”، مما وصفه بـ”سوء تمثيل كبير” لأعضائه.
وقال الدكتور ديفيد ستيبلز، الرئيس التنفيذي للمحفل، في المنشور الذي جاء تحت عنوان “طفح الكيل”، إن المنظمة جمعت أكثر من 33 مليون جنيه استرليني من أجل قضايا الخير، العام الماضي. وأضاف أن المحفل يرحب بكل الناس، من أي جنس أو عقيدة أو طبقة أو اتجاه سياسي للانضمام إلى المنظمة التي يبلغ عمرها الآن 300 عام. ويقتصر المحفل الماسوني الكبير في انجلترا على الرجال، غير أن هناك محافل أخرى موجودة للنساء. ويوجد في بريطانيا وويلز حوالي 200 ألف ماسوني من الرجال، و4700 من النساء، يلتقون في أكثر من سبعة آلاف محفل.
وكانت صحيفة الـ”غارديان” قد نشرت الأسبوع الماضي موضوعا قالت فيه إن هناك محفلين ماسونيين يعملان في ويستمنيستر، مقر البرلمان البريطاني، وقالت إنهما مخصصان لأعضاء البرلمان والصحفيين المختصين في الشؤون السياسية.
الماسونية تعرف نفسها بأنها “حركة أخوية عالمية أهدافها المساعدة المتبادلة والصداقة وخير الناس”. ولطالما كانت الماسونية محط عداء الكنيسة، ولا سيما الكاثوليكية، وحتى النازية، ونظر إليها الناس بعين الارتياب والخوف. وما زال العداء لها ماثلا بين المسيحيين المتزمتين رغم أن البابا الراحل “يوحنا بولس الثاني” رفع في 27 أكتوبر/تشرين الثاني 1983م الحرم الكنسي المفروض على جميع الماسونيين منذ عهد البابا “كليمنت الثاني عشر” عام 1738م.
وكثيرا ما اتهمها أعداؤها بأنها تعمل على نشر الليبرالية والعلمانية، مرورا بالتعاليم الشيطانية، بل وحتى التمهيد لظهور المسيح الدجال والقضاء على الأديان، بطرق سرية وخبيثة تعتمد التضليل والخداع بهدف السيطرة المزعومة على العالم، كما يورد الباحث “نيك هاردينغ” في كتابه “الجمعيات السرية”، والكاتب الماسوني “جون مايكل غرير” في كتابه:”الموسوعة الأساسية للجمعيات السرية والتاريخ الخفي”.
وتقول بعض المصادر الماسونية، مثل كتاب “الماسونيون الأحرار: الكتاب المصور لأخوة قديمة” لمؤلفه “مايكل جونستون”، إن هناك أساطير ماسونية ترجع نشأة الحركة إلى ما قبل طوفان نوح بل حتى ترجعها إلى عهد النبي ابراهيم والنبي سليمان. لكن السائد كما عند معظم الباحثين أن أصول الماسونية ترجع إلى القرون الوسطى مع ازدهار حقبة الطلب على البنائين لبناء القلاع والكاتدرائيات الكبرى.
ومن الروايات الشائعة عن نشأة الماسونية، كما يورد الكاتب الماسوني “بات مورغان” في كتابه “أسرار الماسونيين الأحرار”، والكاتبان الماسونيان “جون هاميل” و”روبرت غيلبرت” في كتابهما الموسوعي “الحركة الماسونية: احتفال بالصنعة”، وغيرهم، أنها امتداد لتنظيم عسكري “منقرض” كان يعرف باسم (فرسان الهيكل) ظهر في نهاية الحملة الصليبية الأولى (1095-1099م) على المشرق الاسلامي(= بلاد الشام).
وتقول مصادر مطلعة إن الماسونية أساسا لها ثلاث أفرع أساسية أولها يسمى (المحفل الأزرق)، وهو مكون من ثلاث درجات، وتبدأ بدرجة (تلميذ الصنعة- المستجد)، ثم تليها (زميل الصنعة)، ثم تليها (البناء المعلم).
أما الفرع الثاني، وهو الأعلى، فهو (الطقس اليوركي) نسبة الى مقاطعة يورك البريطانية وهو مكون من 10 درجات، ثم (الطقس الاسكتلندي) الذي يصل حتى الدرجة 32. أما أعلى درجات الماسونية (معروفة للعلن) فهي الدرجة 33. والانضمام للماسونية ليس حكرا على أبناء دين معين، بل يمكن أن ينضم إليها أي شخص ومن أي دين.
ولطالما ارتبطت الماسونية بالرموز، والإشارات، وهي كثيرة، مثل الفرجار والزاوية اللذان يمثلان “الطبيعة الأخوية” للماسونية. وغالبا ما يشاهد داخل الفرجار والزاوية رمز آخر هو النجمة أو القمر أو الشمس(تمثل الحقيقة والمعرفة) أو العين أو الحرف اللاتيني G.
أما الحرف G فيقال إنه يمثل أول حرف من كلمة God أي الله، فالماسونيون “ملزمون” بالإيمان بوجود كائن أسمى يسمونه “مهندس الكون الأعظم” وإن كانوا لا يطلقون عليه اسم الله. أما العين داخل الفرجار و الزاوية فتسمى “العين التي ترى كل شيء”، ويقول الماسونيون إنها تشير إلى الاعتقاد بـ” أن الله يستطيع أن يسبر ببصره أغوار قلوب وأنفس الناس”. لكن بالمقابل يقول أعداء الماسونية إن ” العين ليست عين الله ” ( أو المهندس الأعظم الماسوني)، بل هي في الواقع ليست إلا “عين الشيطان” التي يسعون من خلال نشاطاتهم للسيطرة على العالم جعلها” ترى كل شيء تحت سيطرتهم”.
فحسب كتاب( شرح الرموز الماسونية) لمؤلفته ( الدكتورة. كاثي بيرنز) تقول ” إن الحرف G يمثل كوكب الزهرة( = كوكب الصباح)، وكوكب الزهرة يمثل العضو الذكري عند الرجل، وهو أيضا أحد أسماء الشيطان” ، وهو يمثل عند الماسونيين الإله(بافوميت- الإله الشيطاني الذي اتهم فرسان الهيكل بعبادته في السر، وهو يجسد الابليس “لوسيفير).
ويضيف أعداء الماسونية، كما يقول الكاتب (مايكل بينسون) في كتابه (داخل الجمعيات السرية) ” أن رمز العين التي تظهر في قمة مثلث على الختم الأعظم للولايات المتحدة وعلى فئة الدولار الواحد الورقي، والكلمات المكتوبة تدلل على سيطرة الماسونيين على الولايات المتحدة وعلى رغبتهم في السيطرة على العالم باعتبار أن من صمم الختم ووضع الرسم والكلمات له خلفية ماسونية”.
بيد أن الماسونيين ينفون أن يكونوا هم وراء وضع الختم الأعظم للولايات المتحدة وصورة الدولار، ويقولون إن الشبه بين التصميم رموزهم ليس سوى “صدفة”، وإن مصممه لم يكن ماسونيا.
ويجاهر أعداء الماسونية باتهامها بأن شعاراتها مثل Novus Ordo Seclorum ) New Secular Order) ( وتعني النظام العلماني الجديد)، و Odru ab Chao ( (وتعني: النظام من داخل الفوضى) (وهو نفس الشعار الذي يتبناه “المحافظون الجدد الذين بات لهم نفوذ سياسي متعاظم في الولايات المتحدة حاليا) لها مدلولاتها، كما يقول: (مايكل بينسون) في كتابه ” داخل الجمعيات السرية”، حيث يمكن تفسير الشعار الأخير مثلا على أن الماسونيين ” يغتنمون الفرص من الفوضى لأنه من السهل استغلال حاجة البشر للنظام”.
ومما يلفت الانتباه لما تعلنه الحركة الماسونية (على الأقل في بريطانيا) أن الماسونيين يحظرون على أنفسهم الحديث عن السياسة والدين.
وهناك العديد من الشخصيات السياسية والدينية في التاريخ البريطاني مثلا كانت في صفوف الماسونية، وأبرزها: رئيس الوزراء البريطاني في سنوات الحرب العالنية الثانية (ونستون تشرشل)، ورئيس الكنيسة الأنكليكانية البروتستانتية الراحل (جيفري فيشر) الذي توج ملكة بريطانيا الحالية (إليزابيث الثانية).
وبخصوص العراق فقد تأسس اول محفل ماسوني فيه بعد الاحتلال البريطاني في ميناء البصرة سمي ب (محفل مابين النهرين) ، وقد أسسه الضباط والموطفون البريطانيون الذين قدموا الى العراق خلال سنوات الاحتلال 1918م-1932م، و بعد الاحتلال1932-1958م
وقد نشرت إحدى الصحف العراقية في 12كانون الثاني /ينايرعام1925م خبراً مفاده ” إن المحافل الماسونية في البصرة قد احتفلت بوضع الحجر الاساسي لبناء المحفل الماسوني الواقع على طريق النهروان، أفتتحه المستر (مور) مبيناً إن المحافل الماسونية في البصرة قد تأسست في سنة 1839م، وإنها تضم الان ما يقارب السبعمائة عض”.
كما نشرت مجلة 14 تموز الصادرة في بغداد في عدديها الحادي عشر والثاني عشر، بأن الماسونية لم تؤسس إلا من قبل الاستعمار البريطاني، وقد ثبت ان الجمعية الماسونية قد تأسست في العراق في اليوم الخامس من شهر تشرين الاول/اكتوبرسنة 1922م، وانها كانت تتكون في باديء الامر من ستة عشر عضواً كلهم من البريطانيون وأن كل شخص أراد أن يرشح نفسه للانتماء الى الجمعية الماسونية في العراق كانت ترسل اوراقه الى (لندن) الى المحفل الاكبر الانكليزي لاخذ الموافقة على قبول عضويته.
وقد لاحظ عالم الاجتماع العراقي الدكتور علي الوردي وهو يستعرض أسماء رؤساء المحافل الماسونية في العراق منذ عام 1919م وحتى عام 1957م ان اكثرهم بريطانيون والقلة القليلة منهم عراقيين. وفي قاعة المحفل الماسوني الكائنة في الكرادة الشرقية في وسط بغداد الذي حول الى نادي المعلمين بعد ثورة تموز 1958م، قد لفت نظره الى قطعة من المرمر موضوعة في أسفل أحد العمودين القائمين قرب المدخل السري للقاعة، وقد كتب عليها بالانكليزية ما ترجمته ” هذا الحجر الاساسي لقاعة بغداد الماسونية وضع من قبل صاحب الفخامة المندوب السامي (هنري دوبس) وعاونه الاخ المحترم الكولونيل(جون جابلوارد) في 25 تموز/يوليوعام 1925م”. كما يذكر إنه عثر في مصدر ماسوني انكليزي على هذه العبارة:” أخبرنا ألاخ (جي في كولز) إن الماسونية إزدهرت في العراق منذ نهاية الحرب العالمية الاولى حتى قيام (اسرائيل) وعنذ ذلك تعطلت مؤقتاً ثم إنتعشت من جديد حتى قيام الجمهورية العراقية عام1958م “.
ومهما يكن من امر فقد ظهرت في العراق عشر محافل ماسونية على أقل تقدير، وهي على التوالي:
محفل بين النهرين، تأسس في البصرة عام 1918م.
محفل بابل، تأسس في البصرة عام 1922م برقم 326 وكان يعقد اجتماعه في مقر شركة(اندرووير) في محلة العشار، كما كان يعقد إجتماعاته في مدينة عبادان الايرانية احياناً.
محفل صدق الوفا، تأسس في البصرة تحت رعاية المحفل الوطني الاكبر المصري.
محفل البصرة، تأسس في البصرة تحت رقم (5105).
محفل الفيحاء، تأسس في البصرة تحت رقم (1311)، وقد فتح هذا المحفل خصيصاً للعراقيين الذين لا يجيدون التكلم بالانكليزية.
محفل دار السلام، تأسس في بغداد تحت رقم (5277).
محفل العراق، تأسس في بغداد تحت رقم (4471)، وكان يعقد اجتماعاته في الدار المرقمة 17آ/39 والعائدة لشركة (بيت اللينج)، وكان يمتلك الدار البريطانيان ( كولين ومالكولم لينج)، وكانت عضويته تنحصر على الانكليز المتواجدين في بغداد خاصة والعراق عامة.
محفل كركوك، تأسس في مدينة كركوك تحت رقم (7079)، وكان يعقد اجتماعاته في مقر شركة النفط العراقية ( (A.B.Cفي ذلك الوقت.
محفل دجلة، تأسس في بغداد تحت رقم (7024)، ومقره في الحبانية. وكان يشرف على تنظيم العاملين في القاعدة الجوية البريطانية في الحبانية والمنطقة المجاورة.
محفل بغداد، تأسس في بغداد تحت رقم (4022) ومقره مدينة بغداد.
وان جميع هذه المحافل كانت تابعة وتحت رعاية المحفل الانكليزي الاكبر(محفل انكلترا الاكبر)، وانها كانت تعمل باشراف (جمعية الاخوة) التي كان مقرها في بغداد. وكانت هذه الجمعية تقوم بتنظيم أعمال جميع المحافل الموجودة في العراق المذكورة آنفاً، وتوجيهه اضافة الى الاتصال بالمحفل الانكليزي الاعظم في لندن، كما كان لها فرع آخر في البصرة يحمل الاسم نفسه، وقد اتخذت هذه الجمعية لنفسها واجهات اجتماعية عدة للتمويه. منها باسم (نادي الاخاء) الذي تأسس في 14تموز/يوليو1934م، ومؤسسوه من الضباط الانكليز الذين تواجدوا مع الاحتلال الانكليزي، او بأسم (الجمعية البغدادية ) التي كان مقرها في منطقة الصليخ في بغداد. وقد اغلقت هذه الجمعية عام 1975م بعد ان تكشفت للسلطات العراقية بأن هذه الجمعية (البغدادية) ما هي إلا احدى المحافل الماسونية الكبرى في العراق، وتم اعدام رئيسها الذي كان يشغل منصب أمين عاصمة بغداد، كما تم تنفيذ الحكم على الذين ثبتت عليهم ارتباطهم بالماسونية ولمدد مختلفة.
كما اتضح بان هناك في البحرين محفلا ماسونياً تحت رقم (7389)، ومحفلاً ماسونياً في دولة الكويت تحت رقم (6810) يرتبطان بشكل مباشر ب(جمعية الاخوة) ومن ثم ب( الجمعية البغدادية ) في بغداد.
ولما قامت ثورة 14 تموز/يوليو عام 1958م واعلنت الجمهورية، أمرت الحكومة العراقية بغلق جميع المحافل الماسونية المتواجدة على ارض العراق، وتم وضع اليد على المحفل الماسوني الرئيسي في بغداد، وتداول بعض الناس قوائم بأسماء الماسونيين في العراق منذ تأسيسها، وقيل انها وجدت في المحفل، كما قيل بأنها وجدت في الخزائن الحديدية الموجودة في البنك المركزي بعد ان تمت السيطرة عليه. وسواء وجدت هنا او هناك فان هذه القوائم كانت تعود لاناس مشبوهين، ولاكثر من مائة وخمسين اسماً ماسونياً من الشخصيات العراقية الذين كانوا يسيرون العراق حسب اهوائهم واهدافهم لخدمة اعداء الامة؛ إلا ان هذه القوائم الخاصة بالاشخاص الماسونيين في العراق لم تعرض للملء بل حفظت من قبل السلطات الامنية وصار يعاقب كل من يشير اليها.
وحسب هذه القوائم فان عدد الماسونيين في العراق او المتهمين بها في جميع القوائم تلك التي تمت السيطرة عليها من قبل السلطات الرسمية كان (625) ستمائة وخمسة وعشرون شخصاً، وان تحليلاً اولياً للاسماء الواردة في تلك القوائم يتضح ان هناك (97) من الاجانب منهم (85) من الانكليز و(12) من الهنود. وكان هؤلاء اما موظفون لدى حكومتي الاحتلال والانتداب البريطاني او لدى الحكومة العراقية، او مسؤولي السفارة البريطانية، ومسؤولي القنصلية البريطانية في البصرة، أو كانوا مستخدمين لدى الشركات الانكليزية التي كانت تعمل في العراق كشركة النفط العراقية وغيرها. وبنتيجة طرح اسماء الاجانب من القوائم ، يكون عدد الذين كانوا ينتمون الى الماسونية من العراقيين (528) شخصاً، وهم ينقسمون من ناحية انتماءاتهم الدينية والقومية الى الفئات التالية:
الانتماءات الدينية والقومية للعراقيين العدد النسبة المئوية
عرب مسلمون 280 53.9%
يهود 121 22%
مسيحيون 85 16% (عدا الارمن)
أرمن 22 0.4%
كرد 12 2.2%
تركمان 3 5.%
المجموع 528 100%
وينتمي جميع هؤلاء الى الطبقة البرجوازية والطبقة العليا في المجتمع العراقي، وبينهم عدد من الوزراء ورؤساء الوزارات، وعدد من الشخصيات البارزة التي تبوئت مراكز هامة في الدولة، وعدد من كبار ضباط الجيش ومن المثقفين ومن اصحاب المهن الحرة والموظفين، وكلهم من سكان المدن العراقية الكبرى، كمدينة بغداد والبصرة والموصل.