13 يناير، 2025 11:04 م

انتخابات إيطاليا المعقدة .. قد تسفر عن فوز «فلاديمير بوتين» !

انتخابات إيطاليا المعقدة .. قد تسفر عن فوز «فلاديمير بوتين» !

خاص : كتب – سعد عبدالعزيز :

في ظل النتائج غير المتوقعة التي أسفرت عنها الانتخابات الإيطالية الأخيرة، نشر موقع صحيفة (هاأرتس) العبرية مقالاً للكاتب والمحلل السياسي الشهير، “أريئيل دافيد”، يستعرض فيه مواضع الأحزاب السياسية من الخريطة الانتخابية، ويستشرف مستقبل التحالفات السياسية المزمعة لتشكيل ائتلاف حكومي على ضوء التوجهات المتباينة للأحزاب الإيطالية. كما يشير إلى مكاسب موسكو من نتائج هذه العملية الانتخابية.

انتخابات مثيرة وبرلمان هش..

يقول “دافيد”: “دعوكم من الاستفتاء الذي أفضى إلى إنسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ودعوكم من النتائج الملتبسة للانتخابات الألمانية، بل حتى دعوكم من فوز ترامب بانتخابات الرئاسة الأميركية واستلامه مفاتيح البيت الأبيض. ففي كل هذه الاضطرابات الانتخابية لعبت الأحزاب التقليدية دوراً فيما أسفرت عنه تلك الانتخابات من نتائج وتبعات. ولكن لم يكن ذلك هو الحال في الانتخابات البرلمانية الإيطالية، التي يبدو أنها تمثل أول إنتصار حقيقي لأحزاب المعارضة الخارجة عن عباءة مؤسسات الدولة في بلد ديمقراطي ليبرالي غربي”.

ويضيف الكاتب: “لقد كشفت النتائج أن البرلمان الجديد هو برلمان هش لم يحصل فيه أي حزب على الأغلبية المطلقة؛ بما يعني أن جهود تشكيل ائتلاف حكومي ستكون مهددة بالفشل، لأن كلاً من القوى السياسية الرئيسة حصل على نحو 30% من الأصوات”.

«النجوم الخمسة» تتألق في سماء روما..

إن الأرقام تكشف أن حركة “النجوم الخمسة” – تلك الحركة الشعبوية المعادية لهيئات الحكم في إيطاليا والطامحة إلى إخراج البلاد من الاتحاد الأوروبي – أصبح الحزب الأول في البلاد؛ بعدما حصل على ما يربو قليلاً على 32٪ من أصوات الناخبين.

كما كشفت النتائج عن مفاجأة غير متوقعة، وهي أن رئيس وزراء إيطاليا الأسبق، “سيلفيو برلسكوني”، الذي يوصف بأنه كبير السياسيين الشعبويين المعاصرين، قد تعرض لهزيمة نكراء حتى داخل تحالفه على يد حلفائه المقربين. فبينما حصل تحالف يمين الوسط المؤلف من ثلاثة أحزاب، هي حزب “إيطاليا إلى الأمام”؛ برئاسة “برلسكوني”، وحزب “الرابطة” المتطرف؛ بزعامة “ماتيو سالفيني”، وحزب “أشقاء إيطاليا” ذي التوجهات الفاشية، على حوالى 37% من الأصوات وتصدر نتائج الانتخابات، نجد أن “برلسكوني” هو الخاسر الأكبر؛ حيث حصل حزبه على 14% فقط من مجمل الأصوات، وأصبح شريكاً صغيراً في تحالفه، وتقزم حجمه أمام حليفه “سالفيني”، اليميني المتطرف المناهض للهجرة والاتحاد الأوروبي.

«سالفيني» يعزف على وتر التطرف ويضطهد المهاجرين..

يوضح الكاتب الإسرائيلي: لقد طالب “سالفيني” مؤخراً بتولي مهمة تشكيل الحكومة المقبلة وترؤسها، قائلاً: “إن التحالف اليميني الذي تصدر نتائج الانتخابات لديه الحق والواجب فى أن يحكم البلاد”. وعلى الرغم من أن التوزيع النهائي لمقاعد البرلمان لم يتحدد بعد، فإن التحالف اليميني لن يحظى بأغلبية مطلقة.

“سالفيني”، البالغ من العمر 44 عاماً، رجل شعبوي وخبير في المناورات الإعلامية، وهو حليف وثيق لحزب “الجبهة الوطنية” الفرنسي المتطرف، الذي تتزعمه “مارين لوبان”، كما أنه داعم كبير للرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”.

ويرى “دافيد” أن “سالفيني” قد حصد هذا النجاح الكبير مستغلاً سخط قطاع كبير من الإيطاليين على موجات اللاجئين المتلاحقة التي إجتاحت بلادهم، وإستياءهم من سياسات التسامح المفرطة التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي بفعل الدول الكبرى في التحالف وعلى رأسها ألمانيا.

ويعتقد الكاتب العبري أن “سالفيني” – الذي يحرص على تتبع خطى “ترامب” – قد اتهم الملياردير اليهودي الأميركي، “جورج سوروس”، وقوى ليبرالية وتقدمية أخرى بالسعي إلى “تحويل إيطاليا إلى مخيم ضخم للاجئين”، ووعد بـ “تطهير” بلاده من المهاجرين “بيتًا بيتًا وشارعًا شارعًا وحارةً حارة، حتى لو اضطر إلى استعمال القوة”.

احتمالات تشكل ائتلاف يضم النجوم والرابطة..

يرى “أريئيل دافيد” أن هناك سيناريو لم يخطر ببال أحد، وإن كانت فرص حدوثه تتزايد يوماً بعد يوم، وهو إنشاء ائتلاف واسع يضم الأحزاب الشعبوية، وعلى رأسها “حركة النجوم الخمسة” و”حزب الرابطة”.

ويعتقد الكاتب أنه في حال تشكل هذا الائتلاف فستتوفر له المقاعد الكافية لتشكيل حكومة مستقرة إلى حد كبير. فقد شهدت الفترات الأخيرة ميل “حركة النجوم الخمسة” إلى توافق أحزاب اليمين فيما يتعلق بقضية الهجرة، كما أنها تشترك مع اليمين في كراهية “اتحاد اليورو” وما يسمونه مؤامرات البنوك والمؤسسات الدولية التي تدير العالم وتضر باقتصاد البلاد.

ويضيف أن الطرفين سيكتشفان أنهما شريكان في العديد من نظريات المؤامرة التي نجحت “حركة النجوم الخمسة” في ترويجها عبر المدونات الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعية؛ بدءًا من فكرة أن التطعيمات مضرة بالصحة، وانتهاءً بأن أحداث 11 أيلول/سبتمبر كانت عمليات مصطنعة أميركيًا.

ولكن رغم ذلك يؤكد الكاتب الإسرائيلي على وجود تباينات حادة بين الطرفين، فـ”حزب الرابطة” هو حزب يميني تقليدي للغاية؛ يقوم على المثل القومية العليا والإستعلاء العرقي وكراهية الأجانب، في حين أن “حركة النجوم الخمسة” هي حركة شعبية تروج للديمقراطية المباشرة والديمقراطية الإلكترونية، وتجتذب شباب الناخبين من مختلف ألوان الطيف السياسي. وقد يعارض هؤلاء الشباب أي اتفاق مع “حزب الرابطة” الذي يحمل عار التحالف المزمن مع “برلسكوني”، الذي تعتبره “النجوم الخمسة” رمزاً لكل ما هو سيء وفاسد في السياسة الإيطالية.

«فلاديمير بوتين» فاز في انتخابات لم يدخلها..

يعتقد “دافيد” أنه في ظل هذه الأجواء الضبابية؛ فإن عدم الاستقرار الذي جدَّ على الساحة الإيطالية والشكوك المحيطة بمستقبل الاتحاد الأوروبي سيعودان بالضرر على إيطاليا والاتحاد الأوروبي معاً في الأشهر المقبلة. وهذا بالتحديد ما كانت تتمناه دولة واحدة، عكفت على متابعة الانتخابات الإيطالية عن كثب. فقبل أشهر من إجراء الانتخابات، حذر مسؤولون ومحللون إيطاليون من خطر التدخل الروسي في العملية الانتخابية من خلال الإعلام المضلل ومتصيدي الإنترنت الذين موَّلهم الكرملين.

ويرى الكاتب الإسرائيلي أن الأدهى من ذلك هو دخول كل من “حزب الرابطة” و”حركة النجوم الخمسة” تحت العباءة الروسية منذ سنوات طِوال، فقد أعربا مراراً عن تأييدهما لسياسة موسكو الخارجية، وأبديا معارضتهما للعقوبات التي يفرضها الاتحاد الاوروبي على روسيا، والأنكى من ذلك أنهما يقيمان علاقات وثيقة مع حزب “روسيا الموحدة” الحاكم.

وختاماً يقول الكاتب: “إذا شاءت الأقدار أن يصل أحد هذين الحزبين إلى رأس السلطة في إيطاليا، سواء بعد هذه الجولة، أو ربما بعد جولة قادمة حاسمة، فإن الفائز الحقيقي في الانتخابات الإيطالية سيكون شخصاً لم يظهر اسمه أبداً على بطاقة التصويت، إنه الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين)”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة