19 ديسمبر، 2024 12:06 ص

السائد في الواقع العربي أن العديد من الآراء تُطرح والمواقف تتخذ من قبل المواطنين لكنها بلا تأثير أو صدى , ولا تتحقق أية إستجابة لها , ولا يتم النظر إليها أو إعتبارها , وهذه ظاهرة غريبة في المجتمعات التي تدّعي بأنها ديمقراطية , مما يستوجب أن كل ما يهتم به المواطن أو يعاني منه ويشير إليه يؤخذ على محمل الجدية لأن قوة الحكومة والممثلين مستمدة من الشعب.

وفي أقوى الدول الديمقراطية لا يمكن إغفال حاجات الناس ورؤاهم وإنتقاداتهم , وتشخيصاتهم للسلوكيات التي لا تحقق مصالحهم , ولهذا يخشى البرلمانيون من المواطنين ويجتهدون في تحقيق حاجاتهم وحل مشاكلهم والإهتمام بطروحاتهم وآرائهم ومواقفهم.

والمتابع لما يُكتب ويُطرح في الواقع العربي يرى بوضوح أن الحالة أشبه بالتنفيس أو الترويح عن الخواطر , فالحكومات لا يعنيها ما يعانيه المواطن ويريده , وعليه أن يقول ما يقول ولا قيمة ومعنى وأثر لكل ما يطالب به.

وهذا السلوك في جوهر ما يعنيه ويشير إليه , أن الحكومات محمية ومؤيدة من قوى خارجية , وهي موجودة ومؤزرة بها لأنها تحقق مصالحها وتنفذ مشاريعها , ولا يعنيها أمر المواطن وحاجاته , ولهذا تجد المجتمعات تعاني من الحرمان من الكهرباء وما قدمت لها حكوماتها حلا , لأن المطلوب أن تبقى تعاني لكي تتحقق مصالح الأسياد الطامعين.

ووفقا لذلك فقد الرأي معناه وفحواه والموقف قيمته ودوره في التأثير والتغيير , وأصبح هناك تمويت وتعويد على سلوك العجز , أو بتعبير آخر تعليم سلوك العجز والتعجيز , إذ يخيم على النفس الإحساس المطلق بالعجز وإستلطافه والتلذذ بآلياته وتفاعلاته.

وهكذا تجدنا في عالم عاجز عن التواصلات الكلامية والكتابية والرأيوية , وقافلة الحكومات تسير وفقا لخارطة تنفيذ المصالح والأجندات , والمواطنون يكابدون وينهرسون تحت زناجيرها القاسية الدوران.

ومعنى ذلك أن السلوك الذي يسمى ديمقراطيا ما هو إلا عبثيا , وأحد الوسائل المبتكرة لتدمير الشعب وتفتيت الوطن , وإفراغه من القدرة والقوة والطاقة اللازمة لصناعة الوجود الوطني الأفضل , ووفقا لهذا الإيقاع تمضي الأيام في الواقع العربي المدمى بالطعنات الدبمقراطية , والذي تنهال عليه وحوش الغاب المتأسدة المكشرة الأنياب والمتأهبة المخالب للإنتشاب.

ولابد من الخروج من دائرة العبثية السلوكية المفرغة والعودة إلى قيمة الكلمة ودورها وتأثيرها في الحياة , وأن تتعلم الشعوب كيف تكون الحكومات تحت رحمتها وليس العكس , وأن تكون هي القابضة على مصير الحكومات وليست هي الطامعة فيها وبوطنها.

فهل سترتقي المجتمعات إلى إدراك مصالحها الوطنية؟!!