24 نوفمبر، 2024 10:55 م
Search
Close this search box.

حركة التصحيح والتجديد والابتكار في الأدب العربي

حركة التصحيح والتجديد والابتكار في الأدب العربي

لجنة الذرائعية
(٧)
….صاحب الأخلاق أديب…..
عند استهلال العقد الثاني من الألفية الثانية ظهر التواصل الاجتماعي نعمة من نعم الله الكثيرة على البشر, وفرحنا واستبشرنا بها، الخالق يعطي دائماً ونحن نأخذ ولا نعطي، بل ننكر ولا نشكر، وتلك سمة يمتاز بها بني البشر، إلا القليل منهم ، وهم مُحَارَبون، وهذا القليل المضطهد يمتاز بالهدوء والسكينة, ولا يزج نفسه في أي مشكل أو اشكالية، وكالعادة، تلك السكينة سجية لغزو المتطفلين, والاستيلاء على هذه النعمة حتى قلبوها نقمة، ووجهوا دفتها عكس التيار, ونحو إبليس في المباشر، وبدأت الانتهاكات لحسابات البعض, ونشر ما يسيء في حساب الآخر دون أن يدري، ولم يكتفوا بتلك التفاهات بل تعدوها إلى الإساءة للأدب وبالأدب نفسه، صارت نعمة النت سوقاً للصراعات والانتهاكات اللاأخلاقية والتشهير بالناس, والدعايات للدعارة, و لفلان وفلانة ….

لكن الله لا يترك نعمته تزول مهما كان حجم المارقين وأعداء النعمة، ومن بين تلك الأواك ظهرت زهور خجلة زيّنت المشهد القبيح ذاك, وبثّت في سوق الإفك المزدحم شيئًا من روح وذوق وحركة، وبدأت الكلمة الطيبة تنتشر، والطيب والعطر عدو للشيطان, فمدّ ذراعه ليهيض النتانة والجيف, ويجهض الزهور، وتجمّع النمل حول تلك الزهور ليفتك بها، لكن الخالق، هذه المرة حباها بالأشواك لتدافع عن نفسها، فاستخدمتها للمقاومة وبشراسة…

اندهشت وأنا أشاهد كفاح الأدباء الحقيقيين أمام مدّعي الأدب من المتخلفين والمتشدّقين، والكل يدرك أن المتخلف وقح في النقاش، في الأولى، إن التخلف لاحدود له، وفي الثانية، الإنسان المثقّف والمتحضّر والواعي لايملك ثقافة التخلف الوقحة أصلًا ليدافع عن نفسه, لذا فهو دائماً مهزوم أمام التخلف وجيوشه، وذلك صراع أدبي وتشابك حضاري مستديم بين الكفتين، وجبت النصيحة في هذا الحال منّا للمثقف أن لا يتورط و يناقش متخلفاً, فهي مضيعة للوقت والجهد, وتعب للعقل، وهذا ما جاء عن ألسنة العقلاء من أبناء تراثنا العربي الثري …

أبدو وقحاً وغير معني بما أرى، لكوني لست شاعراً أو كاتباً, بل أنا مجرد إنسان بسيط يهوى قراءة الكلمة الطيبة ويحترم أصحابها، وهزّني مشاهدة زهور الوعي وهي تكافح هذا المد الهائل من التخلف و التعدي والانتهاك للجمال والحقيقة، حاولت أن لا أزج نفسي في الأمر لكني لم أستطع، بسبب هذا الضمير المجنون الذي يغزو عقلي، ويسبب لي الالم لو نأيت بنفسي عن الخطأ، فهو يعيرني ويحسبني شيطانًا أخرس, وعندها زار خاطري في تلك اللحظة الحرجة ما حلّ هذا الإشكال والصراع بيني وضميري، قول الله الفصل في سورة الشعراء، حين عزل ،سبحانه وتعالى بين العاقل والمتخلف من أصحاب الكلمة وأسيادها من الشعراء حين خصهم بسورة باسمهم وقسّمهم سبحانه وتعالى إلى نوعين :

· النوع الأول : الشعراء وأتباعهم الغاوون

· والنوع الثاني: الذين آمنوا وعملوا الصالحات

في نص الآيات البيّنات(224, 225, 226, 227) من سورة الشعراء:

بسم الله الرحمن الرحيم : وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ(227)…. صدق الله العظيم …..

والقصد هنا, مدعي الشعر والأدب حتى وإن كان شاعراً أوكاتبًا فحلًا, ويعتدي على الناس ويؤذيهم فهو عاصٍ ويغضب الله، و المتنبي مثال على ذلك، رغم أنه شاعر فحل ، لكنه حين هجا كافور الأخشيدي في قصيدته المشهورة (عيد بأية حال عدت يا عيد)…وتحديدًا في البيت التالي:

لا تشتر العبد إلا والعصا معه……… إن العبيد لأنجاس مناكيدُ

في هذا البيت الشعري يقسو المتنبي على الجنس البشري باللون, ويخرجه من الإنسانية جمعاء باحتقار وإذلال, وتلك دعوة للعرقية والعنصرية لا ترضي الله و لاالبشر مطلقاً، مع أنه يعد من فحول الشعراء، فهو ليس أديب بل شاعر فقط، حسب قول الله في الآيات البينات(224, 225,226 ) وهذا ليس قولي, وإنما قول الله تعالى, فهو يغضب الله بإيذائه للناس والتفرقة بينهم…

وفي البيت الثالي لنفس الشاعر في نفس القصيدة:

لا يقبض الموت نفساً من نفوسهم …… إلا وفي يده من نتنها عود

وهنا قسوة, لا إنسانية وغير مؤدبة, بعدم احترام هيبة الموت, ونعت الإنسان الأسود الميت بالنتانة ، وعندها لا تذكر إلا محاسن الموتى، نستنتج أن المتنبي مع عظمته الشعرية فهو يسبب الأذى الكبير للجنس الأسود وينشر العرقية والعنصرية ضد هؤلاء الناس إلى يوم القيامة, هذا الشاعر بغض النظر عن اسمه الكبير وشهرته الواسعة فقد أغضب الله والبشر, وليس أديبًا…لأن الأديب لا يغضب الله لاحترمه الناس والكف عن أذيتهم ….

وحسب تفسير تلك الآيات البينات, أن الشعراء هم توابع للشيطان والجن في إيذائهم للخلق بالهجاء والغواية، وأقصد بذلك الأدب العربي تحديداً، غواية بالمنظور القرآني كما ورد في تلك الآية الكريمة, حيث ثبت أن الشعراء بالتشخيص والتعميم (الأدباء) يهيمون في الخيال والرمز الأدبي وأذية الناس بالهجاء والمدح للسعي وراء المال بالابتزاز، وهذا الهيام خوض في اللاواقع بمفترض الخيال البعيد غير الملموس، فهو الكذب المقصود في أعمالهم الأدبية, من تشخيص وخيال كذبٍ وإيذاء، وبقصد الغواية والعصيان، لذلك خصّهم الله بالقول فقط دون الفعل، وتلك صفة ذميمة أخرى, اقتران القول بعدمية الفعل من أجل المنفعة، وهذا المعنى يأخذنا إلى أن الأدب يذهب في الخيال والايذاء بالهجاء والمدح بعيداًعن الواقع, وهو مضر في جوانب الحياة, ومغضب للخالق والمخلوق، وقد قادني هذا القول إلى ناحيتين حين تمركزت النظرية الذرائعية على تلك الآيات الكريمات بهدف:

١-استثناء الأدب من الكذب لأجل المنفعة في القصد نحو الخير في الحث في القول وعدمية الفعل، لكون الغواية والهَيام تخصّ الخيال المسند بنفي الفعل المقترن بالقول ربانياً وخلافه، أي لو أُبعد هذا التحليل الدلالي بتفسير وعظي، حينها يقع الشعراء جميعاً تحت طائلة العقاب الرباني كونهم كذابين وأتباع للشيطان بالفعل، و بذريعة التمرّد على الخالق…

٢- وحاولت من خلال النظرية الذرائعية أن ينضوي الأدب وأصحابه من شعراء وكتاب تحت الآية (2٢٧إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)…..ليكون الأدب رسالي إيجابي الاتجاه، يحمل بين طياته الفضيلة والحكمة والموعظة والأخلاق الحسنة والمثل العليا، والتي حملها الواقع والخيال، لذلك تحتّم ختام كل دراسة نقدية ذرائعية بخلفية أخلاقية، لكون تلك الرؤية النقدية لا تقحم نفسها إلا في الأدب الأخلاقي الرصين الذي يدعم المنظومة الأخلاقية العالمية، التي تلتزم بالمواثيق الإنسانية, والابتعاد عن نشر التفرقة والطائفية والعرقية, وملاحقة الجريمة والظلم ومصادرة حقوق الآخرين، وفيها أصبح الأدب عراباً للمجتمع, والنقد عراباً للأدب, بشرط أن ينضوي الأدب برمّته والأدباء تحت الآية(227) ليصبح الأدب والأديب نصيراً للناس, وليس قاطعًا للطريق ومانعًا للكلمة الطيبة, بل يجب أن يكون مؤمناً بالقيم والأخلاق الإنسانية …

وخلاصة القول ان الشاعر أو الكاتب الذي يؤذي الناس يعتبر:

١-مغضبٌ لله حسب سورة الشعراء الآيات ٢٢٤و٢٢٥و٢٢٦, فكفوا أذاكم عن الناس واتركوا الناس تكتب ما تشاء, مادامت كتاباتهم لا تؤذي أحداً… فهنا أنتم تغضبون الله ومن تسيئون لهم, وليس لكم علاقة بالأدب لا من بعيد أو قريب إلهياً وإنسانيًا…

٢-الأديب الحقيقي هو من يحترم آراء غيره, ولا يفرض نفسه ولا يتطفل على الناس بدافع أنه أديب الأدباء وناقد النقاد، فكلنا تلاميذ في مدرسة المعرفة، وخيرنا من جبّ الأذى عن نفسه, واحترم الناس، وعاملَهم كما يحب أن يعاملوه….

أحدث المقالات

أحدث المقالات