23 نوفمبر، 2024 6:45 ص
Search
Close this search box.

هل ما كان يكون؟!!

ربما العقل العربي الجمعي محكوم بأواصر كان , وآليات التفكير تقضي بأن ما كان عليه أن يكون , مما أدى إلى تداعيات متواصلة في مسيرة حياتنا , لأن الزمان لا يُدرَك على أنه حالة متحركة والمكان على أنه حالة متغيرة.
وفي ذلك تأكيد على نمطية الثبات والرسوخ والجمود وإنكار دوران الأرض وإختلاف الليل والنهار ,
فعندما نقرأ خارطة السلوك العربي , يتضح حجم الأسر وثقل القيد المرهون بكان.

وهناك الكثير من الحركات والمدارس والتجمعات الداعية إلى تحقيق كان في زمن يكون , وهي تقصد إلغاء أبعاد الزمن وحشره في بقعة ثابتة لا يمكنها أن تتبدل أو تحقق وجودا متجددا.

هذه النمطية العقلية بآليات تفكيرها وإدراكها وإستجاباتها ومفردات تفاعلاتها مع المحيط , تتسبب في صدامات حقيقية ما بين الذات والموضوع وما بين الموضوع والموضوع , للحد الذي تتحول فيه الحياة إلى مستنقع تتآكل فيه الأحياء , وتفوح منه عفونة الصراع ومعطياته النتنة.

ذلك أن جوهر طبيعة الوجود هو الجريان , فما سال طاب وما لم يسل لن يطب , معادلة واضحة معروفة ومن بديهيات الصيرورات الأساسية.

فلماذا نحشر وجودنا في كان ونرتدي أزياءها ونحتسي أفكارها ونستعين بها على قتال يكون؟!

إن الإنسان إبن عصره ومولود من رحم ماضيه ومنطلق نحو مستقبله , ولا يمكنه أن يكون في حالة حرب مع الأبعاد الزمنية , وإنما لا بد من تحقيق التوازن النافع والمجدي.

وأن تكون مساحة الأبعاد الزمنية الفاعلة في حياتنا متناسقة ومتناسبة ولا يتجاوز بُعدٌ على آخر فيها , ومن غير المعقول أن لا تبدو حصة الحاضر هي الأكبر وحصة الماضي هي الأصغر , لأن الحاضر يلد المستقبل , وعليه أن يكتسب عزما وحماسا في الإنطلاق نحوه , ويتحرر من قوة الإرتداد إلى الوراء.

وكلما صغٌرَت مساحة الماضي في صيرورة الحاضر تمكن من الحركة الأرشق والأصوب نحو المستقبل.

ولا يمكن في أي حال من الأحوال التصديق بأن ما زُرع في تراب الماضي يمكنه أن ينمو في تراب الحاضر , لأن لكل فكرة وعاء ووسط صالح لنمائها.
وعندما يتغير الوعاء والوسط فأنها لا يمكنها أن تنمو , وإنما تموت أو تعطي غير الذي كانت تعطيه في وسط آخر.

ومن هنا فأن المدعين بإلغاء يكون وحشرها في بدن كان , إنما يناقضون ناموس الوجود , ويعارضون طبائع الأكوان وأحكامها , وقوانين الخلق بأسره.

فلو أن كان هي الفاعل الأساسي في الوجود , لما تحققت الحركة , ولما أدركنا بأننا من غير الحركة نفنى ونغيب , ولو أن الأرض لا تدور لما وجدت الحياة.

فالحركة سر البقاء والتواصل والنماء , وقوة مؤثرة تؤدي إلى تغيير , والتغيير مصحوب بشروط جديدة وظروف تؤهل حالات مناسبة للإنطلاق والتعبير عما فيها من الطاقات والقدرات الفعالة.

وهكذا فأنّ كان إبنة حالتها التي تحققت فيها ولا يمكنها أن تتجسد في يكون.

والذين يسعون إلى معارضة ناموس الكون الخالد , إنما يستنزقون الطاقات ويبددونها ولا يحصدون إلا الويلات والضرر الفادح بأركان التواصل الحيوي الفعّال , ويكونون أعداء يكون ولا يخدمون إلا الخسران.

 

أحدث المقالات

أحدث المقالات