هكذا قرأ البعض خروج (عمار الحكيم) من المجلس الاعلى، بانه ترك التوجه الإسلامي وإلتحق بالعلمانية والمدنية، لكن هناك سؤال مهم، هل العراق دولة إسلامية؟ أم علمانية، فإذا كان العراق دولة علمانية، يعني هذا هو واقع الحال ولم يأتي بجديد، اما اذاكان العراق دولة إسلامية فلا يمكن علمنته.
إن نسبة المسلمين في العراق تشكل 97% من السكان، اي ان العراق دولة إسلامية، وذا شعب مسلم، بعيداً عن سلوك الفرد العراقي، وهذا السلوك الذي نقصده هو “السلوك السياسي”، الذي يطلق اليوم على الأيديولوجيات والتيارات السياسية المختلفة، والذي صُنِّف الى ثلاث أصناف «اليمين» (Right ) و«اليسار» (Left) و«الوسط» (Moderate)، حيث تعود تلك التصنيفات (تاريخياً) إلى القرن الثامن عشر الميلادي. وتعتبر هذه الصفات، في الوقت الحاضر، أهم وأول معايير تصنيف الأيديولوجيات والعقائد السياسية، وكذلك التيارات الفكرية والسلوكية السائدة في عالم اليوم.
إلا إن تلك التصنيفات والمتبنيات الفكرية السياسية، لا تخرج الفرد العراقي عن إسلامه، وإن حدث مثل هذا الأمر، فالأعداد قليلة جداً لا تكاد تحصى، اي يبقى المواطن العراقي مسلماً ومحافظاً على إسلامه وتدينه.
(عمار الحكيم) لم يخرج عن المنهج والسلوك الإسلامي، وإنما إختار الوسطية (Moderate) وحاول العمل في مساحة اوسع من ذلك الأسم، وهذا ما تتطلبه المرحلة الحالية، كما عبر عنها الإمام جعفرالصادق عليه السلام، بما رواه الكليني “ان رجلا قال للصادق (عليه السلام) أصلحك الله ذكرت أن علي بن أبي طالب كان يلبس الخشن، يلبس القميص بأربعة دراهم، وما أشبه ذلك ونرى عليك اللباس الجيد، فقال له إن علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر ولو لبس مثل ذلك اليوم لشهر به، فخير لباس كل زمان لباس أهله”،
و هنا نشير الى ان هناك مجموعة كبيرة و احيانا متباينة من القيم ودور الإمام هو تشخيص القيمة المناسبة للزمان، فهناك فرق بين الحالة الشخصية و الرغبة الذاتية و بين مقتضيات الحضور الاجتماعي بما يفرضه المكان والزمان.
إن المفاهيم التي اطلقها زعيم تيار الحكمة (عمار الحكيم) لن تخرج لا مفهوماً ولا تطبيقاً عن الجذور الاسلامية الاصيلة، القادرة على استيعاب التغييرات المجتمعية “الزمانية والمكانية”، والإيمان بالهوية الوطنية الاسلامية للمجتمع العراقي تأكيد على إسلامية المجتمع.
أما منهج الانفتاح والايمان بالتعددية والمواطنة والسلم المجتمعي، مناهج اصيلة في فكر أئمتنا (عليهم السلام)، وكانت وصية الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر خير دليل على ذلك، عندما ارسله ليكون والياً على مصر، حيث أوصاه بعدة وصايا منها: قال له يا مالك “الناس صنفان اما اخٌ لك في الدين أو نظيراً لك في الخلق”، فهل نجد اروع من ذلك الوصف للإنفتاح وللتعددية المجتمعية؟ وهو ذاته منهج مرجعيتنا الرشيدة على مدار التاريخ من نشأتها الاولى والى يومنا هذا.
فمواكبت العصر لا تعني التخلي عن الماضي، وإنما استثمار تجارب الماضي لتطويرها في الحاظر وتحسينها للمستقبل، فلا يمكن للمجتمع ان يتقوقع في ماضية وينعزل عن الحاظر، بسبب خشيته من الإنزلاق والضياع، فمتى ما تمسك بالثوابت الدينية الأصيلة والصحيحة، مستلهماً حركته من سيرة أهل البيت الأطهار عليهم السلام، كانت خطواته اكثر ثباتاً، ومنهجه اكثر وضوحاً وصفاءً، فالمجتمعات تحتاج الى تغيير مستمر حسب متطلبات المراحل التي تعيشها، من العولمة والعصرنة والتقدم الذي يعيشه العالم، فكل شخص يستطيع ان يُفَصِل لباسه على مقاساته، لكن حسب ما يتقبله ويرتضيه المجتمع الذي يعيش فيه، لا حسب أهوائه ورغباته، التي سوف تأخذه الى الضياع والتوهان.
اكثر ما اثار حفيضة الآخرين هو الانفتاح على الجميع، مع الحفاظ على الثوابت الدينية والأخلاقية للفرد، فدخول الإسلاميين مع المدنيين لا يعني التنازل عن تلك الثوابت والقيم، وقبال ذلك لا يدعو الى تنازل الآخرين عن فكرهم وإيمانهم بمشاريعهم السياسية، لأن أصل المشروع سياسي ولم يكن ديني او مذهبي، فالفكر السياسي يختلف عن الفكر الديني، ولم يدعوا صاحب (الزي العربي) ان يستبدل زيه، ويرتدي (القاط) أو العكس، ولم يدعو الى (سفور) المرأة او (تحجبها).
تيار الحكمة الوطني يتبنى الانفتاح الإيجابي لا الإنفتاح السلبي، يدعو الى الانفتاح على الاحزاب والحركات والتيارات ذات التوجهات المختلفة، لا لإنفتاح المجتمع على العصرنة والعولمة، التي تطيح بالثوابت الإسلامية الأصيلة، ووالدعوى للتخلي عن الأعراف المجتمعية، التي تربت عليها الأسر العراقية الأصيله، فلابد من مواكبة التيارات الشبابية التي تؤمن بالدولة المدنية، وهذا هو منهج السيد عمار الحكيم، ودعوته المستمرة لتمكين الشباب لقيادة البلد، لما يحملون في داخلهم من طاقات خلابة، يمكنها تغيير الواقع العراقي نحو التقدم والإزدهار.