23 نوفمبر، 2024 7:40 ص
Search
Close this search box.

في أتون المرجعيات العقائدية

في أتون المرجعيات العقائدية

يشهد الشرق الاوسط والاجتماع العربي الاسلامي المتلازم حقبة من الصراع الناعم في كيفية ولوج الفكر السياسي الذي يدعو الى النفوذ من الاقطاب التقليدية في الفكر العقائدي الذي يراهن على التأصل في الاقطاب المرجعية؛ وافرزت نتائج هذا الصراع صعود ظاهرة احزاب الاسلام السياسي على اختلاف عقائدها ومرجعياتها وهي تستميت في الوصول الى السلطة بمشروعية حاكمية الخلافة وولاية الامر وقد استغلت تلك الاحزاب ما حصل من فوضى ربيعية وشكليات النُظم الديمقراطية التي انطلقت بدون تكوين قاعدة فكرية سياسية مؤسساتية قادرة على ادارة الافراد من خلال الحقوق والواجبات بآليات قانونية عادلة؛ ومع النكوص والتداعيات المدقعة التي رافقت الادارة المفصلية في الحكومات التي هيمنت عليها الجماعات العقائدية والتحول التاريخي بسقوط حكم الاخوان في مصر بعد الثورة وما حصل بعدها من انقلاب؛ الا ان الاسلام السياسي لازال يتنامى وينفلق تباعا؛ لتظهر بين الحين والاخر جماعات وتيارات وفصائل من رحم العقيدة الام وبالتاكيد فان ذلك سينتج مزيدا من زعماء العروش من الاسياد والحكماء والامناء والقيادات الاصلاحية والضرورة ومسميات شكلانية وصورية غارقة في التنظير والتأويل وتبتعد عن المحتوى والتطبيق؛ وبالرغم من كل الاختلافات الجوهرية والتناطح والتناقض والانفصالية التي تجانب عمل الاحزاب الاسلامية الحركية الا ان هناك من يدعمها ويضفي عليها الشرعية ويديم ميكانيكية توالد هذه الجماعات حتى وان كانت على خلاف فقهي اصولي فيما يتعلق بالرجوع والتقليد بالاعلم او الفقيه او علماء الامة فالجميع على بينة من الامر لان السقوط سيطال السلاطين والاساطين فيما لو تعرضت الادوات العاملة الى هزة ارضية تجرف معها الاسس التكوينية التي تمتد قواعدها الى قرون خلت من التيه الفكري الذي اسقط الهوية المجتمعية الحضارية في هوة تاريخية لا نهائية.
والفكر العقائدي لا يمتلك اي مقومات منهجية ولا معرفة تخطيطية ترتبط بالمعطيات المتغيرة في الفكر السياسي لذا كان الاخفاق كبيرا جدا ولم يستطيع ان يقدم اي نموذجا ناجحا نسبيا لان العقيدة بحد ذاتها لا يمكن عرضها على اي معيار انتاجي وفي اي نسق تطبيقي؛ فالعقائديون اولى بالمنقادين الغافلين من انفسهم؛ وبمجرد لبسهم العمامة والعباءة وقيامهم بالاستغفار والتسبيح والتسليم فهذا يكفي في نظر العامة الغافلة عن امور دنياهم بالولاء والتقليد والتبعية ؛ ولا تحتاج الاعوام الاربعة عشر الى مراجعة ولا الى حجة ولا دليل لبيان مستوى الخراب وعلى كافة المسارات وهم يعترفون بذلك جهارا بدون محاسبة ولا مسؤولية قانونية وفوق كل ذلك فهم متمسكون وينشطرون ويتعاظمون؛ فالتدني المنهجي لم يكن وليد الواقع وتداعياته بل هو امتداد 1400 عام من التخالف على شرعية السلطة؛ وأي عقيدة كانت لا يمكن دمجها في المنظومة الفكرية للدولة لانها تلغي الاخر تكوينيا سواء على مستوى المذهب او الطائفة او الجماعة وكل تلك المفاهيم كانت حصيلة سياسية لادامة السلطة والاستبداد وهنا تظهر الحاجة الى الزعامة او المرجعية الروحية التي تتوارث العلم والفقه والاجتهاد للاستغراق في تعويم النزق العقائدي والانغلاق الفكري والتشدق بالماضوية وبهذا تكتمل الحلقة بين ادامة التقليد الديني والسلطة السياسية كلاهما يعضد الاخر ويزيد القطعان الغافلة والادوات الفاعلة في نفس الوقت؛ وتبعا لذلك يتنامى التسويق الاعلامي واجنداته الداعمة لتعويم وتلقين الطبقة النمطية التي تكابر وتهول الفكر التقليدي غيا او نفعا او وهما بان الخلاص هو في الاسترشاد بالمنهجية العقائدية وجعل الاحاديث المكررة المتعاقبة من ايام الجمعات منهجا تفاعليا لادارة الازمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية مع العلم انها سطحية وتغرق في السذاجة والافراط بالمثاليات غير الواقعية لتنطلق بدون اي تحليل او قراءة مستفيضة للاسباب وجعلها تنحصر في النتائج؛ فان كان هذا الفكر الموروث ذو ابعاد واطر ستراتيجية فلماذا يتقلب الكثير من المفكرين الاسلاميين بحواريات وجداليات التحديث على مستوى النص والمضمون؟ ولماذا تخلف المسلمون عن المسيرة الحضارية؟ ولماذا لا يجتمع العقائديون على كلمة سواء لانهاء الصراع الذي تلازم منذ يوم الرزية والى يوم لا نراه قريب؟ والرأي في ذلك ان القواعد البنيوية للفكر الاسلامي ومنذ التاسيس كانت متأصلة بالصراع على السلطة الحاكمة لذلك افتقدت الى اي فلسفة او رؤية منهجية فيما يخص اليات الحكم وجعلها تاخذ مبررات الصراع العقائدي الذي أدام وافرط في المتناقضات المذهبية والطائفية وهي تحذو حذو النعل بالنعل في مترديات الواقع فاصبحت تلك المفاهيم من ثوابت الاسلام السياسي وحجر الركن الذي يراهن عليه في توسيع القواعد التعبوية الشعبوية ومن فوقها الرمز الاعلم من الناس جميعا مع كل حواجز التقديس والعصمة وجوبا والتي أفلت ولم تعد قادرة على تجديد خطابها بما يتوائم مع ديناميكية التحديث؛ حيث لازال مبهما يحمل من الاوجه مثنى وثلاث ورباع وما ملكت اقلام المسطرين وهم يأولون ويفسرون زخرف الحديث بلا اي نقد معرفي ادراكي وكأنه بيان كان في لوح محفوظ واليوم قد نطق عن الهوى .
المنظومة الفقهية الاسلامية قد اخرجت على المؤمنين ستراتيجية الاجتهاد لتعطي السلطة العقائدية بعدا غير محدود على بساط ممدود الى اجل غير معدود؛ ومن هذا الفقه انطلقت شخصية المجتهد الرمزية وبمسميات مختلفة؛ الفقيه والمرجع والاعلم والولي مع ما يتبعها من صفات التقديس والتعظيم والتبجيل ولكي تكون المنظومة في مأمن من اي فكر قد يقلب الموازين ابدعت مشروعية الفتوى والتي ممكن ان تشمل جميع الانساق وفي اي اختصاص حتى في العلوم التطبيقية الحديثة على الرغم من ان المجتهد العامل لم يدرس تلك الاختصاصات وبعضها لم يتعرف اليها اصلا ولكنه وبما وسع من الانغماس التقليدي في الموروث العقائدي واستنباطاته من مدونات الاحاديث والروايات قادر على التكهن باي حدث كونه يتعامل مع النص المطلق في مقابل العقل النسبي الذي يتعامل مع العلوم المعرفية الاخرى؛ وهنا تكمن الطامة الكبرى في وأد الفكر السياسي العقلاني الذي يرتبط بالمعطيات الزمانية والمكانية وبين الفكر العقائدي الثابت الذي يرتبط بالمثالية الغيبية؛ ولكي تديم السلطة الدينية حضورها لابد من تعظيم ادواتها الفاعلة وهذا ما شهدناه بعد سقوط الدكتاتوريات ومدى تنامي وتعاظم الدور المؤسساتي والاستثماري للمرجعيات الدينية وانتشار الحوزات والجامعات وتزايد طلاب علوم الشريعة ودور المنابر في تعويم الخطاب العقائدي وتغييب الهوية الفكرية باي اتجاه اخر والتحريض على التكفير والتضليل والتجهيل وتنميط المجتمعات بالتجنيد والتحشيد العقائدي ليكون الاحتراب مستديما وباليات شرعية تعطي الجماعات والحركات المسلحة حرية عبور الحدود الدولية وحرية القتال ورفع رايات الاسلام الجهادي وبدعم اجندات ومرجعيات اصبحت متصارعة حتى من داخل المذهب الواحد نفسه والخطر القادم هو ان ترتبط هذه الجماعات بمحاور مجندة لتمرير مشاريع ستراتيجية من دول عميقة تهيمن على القرار السياسي والاقتصادي وتكون خارج حدود القوانين والاعراف الدولية وستكون المجابهة ذات ابعاد جسيمة على المنطقة وعلى اقتصاديات وثروات الشعوب المغلوبة على امرها حين تقوم تلك المحاور بتسميات المقاومة والممانعة بالاستنزاف والاستحواذ على حقوق الافراد في العيش بكرامة لتكون كل المسارات الانتاجية في تراجع خطير في مقابل الافراط المتعاظم في السلوك العقائدي واختلافه وخلافه المزمن على السلطة وحتى يمكن وأد اي تحرك فكري انقلابي يمكن ان يكون نواة تعبوية تستطيع ان تؤسس واقع يخرج عن المسار النمطي الذي يدور حول نقطة الاصل .
المد الحركي العقائدي بدأ يغلو ويخطط لممرات وخطوط تربط بين القواعد والادوات المجندة وسيكون لها تاثيرا هائلا على البنية الاجتماعية وعلى الواقع الديمغرافي وسيكون هناك اختلال في التوازن الجيوسياسي في المنطقة وبذلك سيقمع اي توجه فكري مناقض والتوجة نحو حرب باردة طويلة المدى لاستثمار الجماعات المسلحة ودعمها من قبل دول معروفة تريد بذلك مصالح غير ممنهجة ولا شرعية والغايه هي الابقاء على واقع غير مستقر للحفاظ على الارث والسلطة الذي تديمه الانظمة التقليدية؛ وسيكون ذلك مسوغا لرسم خرائط عشوائية لاقاليم او دويلات عقائدية وبالطبع فان هذا لن يكون حلا لصراع قد دام قرونا عديدة وستكون تلك المناطق العقائدية مجرد ولايات تابعة الى الدول الاكثر نفوذا؛ وبالتالي اضعاف المنطقة وتقوية محاور الصراعات التقليدية المزمنة فيها؛ ومن هنا يجب ان تنطلق القواعد النخبوية الحرة من ستراتيجية فكرية سياسية غير عقائدية وغير مؤدلجة والاجتماع على تاسيس منظومة تحضي بدعم دولي تأخذ على عاتقها تحييد وتفكيك القواعد الفكرية للمنظومات العقائدية ورموزها ومراجعها وجعلها ترتبط بمعادلة قانونية كاي فرد اخر ومن ثم غلق باب الاجتهاد وجعله يدور في حقل البحث العلمي كاي قراءة للتاريخ بدون تقديس لذلك البحث واطلاق حرية النقد المعرفي الادراكي لاي نص ومحتوى ومن ثم دحض حجة مشروعية فتاوى القتال والجهاد واعتبارها تحريض وخرق للقانون وتجري عليه العقوبات الصارمة وهيكلة المؤسسات الدينية ومدارسها وجامعاتها والتي استنفذت الموارد المالية الطائلة على تركة ثقيلة لم تنتج غير مدونات من موروث عقيم “لها اول وليس لها اخر” ومن الخرافات والزخرف والزيف ما لا يمكن جعله منهجا تطبيقيا حتى وان اجتمع علماء و مراجع وفقهاء الامة واصبح بعضهم لبعض ظهيرا .

أحدث المقالات

أحدث المقالات