18 ديسمبر، 2024 9:59 م

الأزمة الخليجية .. غرابة المطالِب

الأزمة الخليجية .. غرابة المطالِب

لم تفارقنا بعدُ تلك المفاجأة الصدمة التي حملها ذلك الفجر الرمضاني بإعلان أربع دول عربية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع دولة قطر، بينها ثلاث دول خليجية تجمعها مع قطر عضوية مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

ولقد ازداد عمق الشعور بالإستغراب ،بعد أن بدأت مساعٍ لاحتواء الخلاف،حين أعلنت الدول المقاطِعة قائمة مطالبها التي بدت غاية في الغرابة، وكان طبيعياً أن تعود على تلك الدول بالحرج واتساع دائرة الرفض عربياً وعالمياً لقرار الحصار الذي حاولت تغليفه بوصف المقاطعة، إذ أن أكثر المتابعين تشاؤماً لم يكن يتوقع أن يصحو على القرار المفاجئ المصحوب بتحركات تحاول كسب التأييد بلا طائل، وحملة إعلامية استخدمت فيها مفردات العداء البعيدة عن اللياقة ورصانة الخطاب وموضوعيته. وزاد استغراب المتابع عمقاً أن هذا القرار وهذه الحملة جاءا من نصف عدد أعضاء مجلس خليجي أريد له، عند إنشائه قبل ستة وثلاثين عاماً، أن يكون أساساً وأداة لتوحيد المواقف ورص الصفوف بين الدول الخليجية الأعضاء.
جاءت قائمة المطالَب ، في محتواها وفِي الشكل المطروح لتنفيذها، غريبة أجادت الخارجية القطرية في وصفها بأنها وُضعت لكي تُرفض، ويكفي للتدليل على صواب هذا الوصف أن نقف عند أبرزها.
أول المطالَب هو (التوقف عن دعم الإرهاب) الذي جاء مرسَلاً غير محدد رغم أن من يوجه اتهاماً خطيراً كهذا يجب عليه أن يأتي بما يسنده من دليل، خاصة أن مصطلح (الإرهاب) ما زال، وربما سيظل، محل خلاف ناجم عن اختلاف المواقف والمصالح السياسية، ولا سيما مواقف ومصالح القوى العالمية الكبرى، لكننا نعرّج على مطلب توقف قطر عن دعم منظمة (حماس) لندرك أن الدول المقاطِعة قد تبنت المفهوم الإسرائيلي للإرهاب، القائم على رفض الإعتراف بحق الشعب الفلسطيني في المقاومة وتحرير أرضه والدفاع عن كرامة الإنسان العربي الفلسطيني. وهنا يتضاعف الإستغراب والعجب.
وحين نتأمل في مطلب آخر هو إغلاق قناة الجزيرة، لا بد أن نتساءل عن مصير حق اسمه الحق في التعبير، فهذه سابقة لم تألفها ساحة الإعلام في العالم، ولم يسبق لدولة طلب إغلاق وسيلة إعلام في دولة أخرى. وإذا كانت لدى هذه الدول تحفظات على بعض ما تقدمه القناة فقد كان عليها أن تحدد المواد الإعلامية المقصودة وأوجه اعتراضها عليها ليخضع الأمر للنقاش، لا أن تطلب ببساطة إسكات صوت إعلامي عربي كبير فرض لنفسه مكاناً مميزاً بين أجهزة الإعلام على مستوى العالم.
أما مطلب خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع إيران، فإنه،بعيداً عن الرأي في السياسة الإيرانية، يثير سؤالاً كبيراً، يوجه إلى دولة الإمارات ومملكة البحرين خاصةً، عن بواعث اشتراكهما في هذا المطلب رغم أنهما لم تخفضا مستوى تمثيلهما الدبلوماسي مع إيران (!)، ويثير سؤالاً كبيراً آخر يوجه إلى مصر التي شاركت في هذا المطلب قبل أن تخفض التمثيل الدبلوماسي مع اسرائيل التي يرفرف علمها في القاهرة!.هذا عدا كون هذا المطلب متعلقاً بالسيادة التي تملكها الدولة في تكييف علاقاتها الدولية وفق رؤيتها ومصالحها الوطنية.
ويأتي إعلان الدول المقاطِعة عن أن شروطها غير قابلة للتفاوض ليكشف إصرارها على تحقيق أهداف المقاطعة (الحصار) دونما مناقشة بسبب إحساسها بالعجز عن الدفاع عن موقفها الذي يفتقر إلى الشرعية وإلى المنطق.
أما إجراءات الحصار التي لجأت إليها الدول المذكورة، من قطع للممرات البرية والبحرية والجوية، ومنع السفر المتبادل لمواطنيها والمواطنين القطريين – رغم اللحمة الإجتماعية الوثيقة – فقد كشفت عن مدى الإصرار على تنفيذ ما خططت له وظنت واهمة أن نتائج النزاع ستكون لصالحها قبل أن تفاجأ بتعاطف عربي ودولي مع الموقف القطري على المستويين الرسمي والشعبي، وباصطفاف القطريين في وجه ما اعتبروه باطلاً وعدوانا.
من خلال الإستقراء يبدو أن الأزمة ستنتهي بترسيخ ثلاثة من الثوابت السائدة في عالم اليوم خليجياً ، أولها أن مبدأ سيادة الدولة لا يفرق بين دولة صغيرة المساحة وأخرى كبيرة، وثانيها أن منطق وصاية دولة على أخرى لا يُواجه بغير الرفض مهما كانت الأسباب، وثالثها أن الشعوب هي الأقدر على تقييم مواقف حكامها ومدى صواب هذه المواقف أو انحرافها عن الصواب.