درس إعلامي منحته الأزمة الخليجية التي وقعت أهم فصولها في الخامس من حزيران / يوينو 2017 بين قطر من جانب والإمارات والسعودية والبحرين من جانب آخر بقطع العلاقات وغلق الحدود البرية والبحرية وكذلك المجال الجوي في وجه الدوحة.
إذ أظهرت الأزمة الأكبر في الخليج منذ أزمة الكويت والعراق عام 1990، أنه لا حيادية أو موضوعية في أغلب وسائل الإعلام العربية وحتى غير العربي منها.
التأثير يصل إلى منصات إعلامية شهيرة في أوروبا..
يكفي أن نرى واحدة من كبريات وسائل الإعلام الألمانية كالـ”دويتش فيله” بأقل من ساعة في السادس من حزيران / يونيو، تتبنى نشر 3 أخبار سلبية ضد قطر في الأزمة، رغم عدم تبعيتها لأي دولة عربية!
فتحت عنوان: رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم: لا يمكن إقامة المونديال في بلدان تدعم الإرهاب، جاء الخبر الأول.
ثم تحت عنوان: الأزهر يؤيد قطع العلاقات مع قطر ويتهمها بالإرهاب، جاء الثاني، أما الثالث فحمل عنوان: قطر.. رياح العاصفة تطال قناة “بي .إن” الرياضية والاستقالات تتوالى.
وقبلها بساعتين بث موقع “موشن جرافيك” خبرعنوانه ” كيف تسبب تعليق الرحلات إلى قطر بفوضى في مطار الدوحة الدولي، وعمدت خلاله إلى نقل تغريدات إماراتية وسعودية ومصرية تتحدث عن غلق المجال الجوي للبلدان الثلاثة في وجه قطر.
لكن نيران الدويتش فيله لم تنس أن تطال السعودية كذلك بتقرير تحت عنوان: صحف ألمانية.. السعودية هي الأخرى تمول الفكر الراديكالي.
“دير شبيجل” والموقف الرسمي الألماني غير..
في المقابل، قال موقع “دير شبيجل” الألماني أيضاً: إن مقاطعة قطر عقاب لها على طموحاتها السياسية الكبيرة وتنامي دورها الدولي، وأخذ الموقع يفند في تقرير له كيف أن نجاح قطر اقتصادياً وسياسياً ربما أغضب دولاً عربية.
بينما الموقف الرسمي الألماني استبق زيارة وزير الخارجية السعودي “عادل الجبير” المقررة إلى برلين في السابع من حزيران / يونيو 2017، بإعلان وزير الخارجية الألماني تضامن بلاده مع الدوحة في أزمتها مع دول خليجية وحمل الرئيس الأميركي “ترامب” مسؤولية التوتر القائم بين دول الخليج وقطر.
موضوعية في التناول بطرح وجهتي النظر..
بدورها تعاملت مجلة “فورين أفيرز” الأميركية مع الأزمة الخليجية بحيادية نوعاً ما، إذ قالت إن أمير قطر أمام “خيارين فقط”؛ الأول يتمثل في الرضوخ لمطالب الدول المقاطعة وقطع صلته بالإخوان وما وصفته بـ”الإرهاب”.. وهنا يخسر إيران والأسرة الحاكمة فى قطر، والثاني بإعلانه التحالف العلني مع إيران .. وهنا يخرج نهائياً من مجلس التعاون الخليجى ويفقد امتداده الطبيعى مع دول الجوار، وكذلك أميركا والتى سيكون عليها البحث عن موقع آخر لقاعدتها العسكرية.
هكذا قدمت المجلة نوعاً من النقاش الفكري الذي يطرح أكثر من رؤية دون الميل ودعم وجهة نظر واحدة على طول الخط وهو الخطأ الذي ارتكبته أغلب وسائل الإعلام في الإمارات والسعودية وتفوقت فيه مصر.
مصر تفوقت على السعودية والإمارات..
فقد سعى الإعلام المصري وقبل الأزمة إلى تصعيد اللهجة بشكل حاد وصل إلى درجة التطاول في بعض الصحف المحسوبة على الحكومة المصرية بالتطرق لشؤون عائلية في قطر تتمثل في الحديث عن “موزة” والدة أمير قطر حتى وصل الأمر للقول بأنها من أصول إيرانية وإسمها “زهرة صدقي” وأنها هي التي تتحكم وتسيطر على الحكم في قطر لصالح إسرائيل!
القطريون لا يجدون الخبز والزبادي..
بينما ذهب الإعلامي المصري “أحمد موسى” على فضائية صدى البلد المملوكة لأحد أباطرة “السيراميك” في مصر للقول بأن القطريين الآن يعانون أزمة غذاء طاحنة وأنهم لا يجدون طعام السحور “بيدوروا في كل مكان .. مش لا قيين عيش وزبادي”، هكذا قال الرجل نصاً!
“إمارة الإرهاب” نص متفق عليه للتداول في الإعلام المصري..
ولازلنا في مصر، إذ نجد أن أهم المواقع الإخبارية الخاصة كـ “اليوم السابع” – الأكثرة قراءة هناك – ينشر ملفات وتحقيقات تهاجم قطر بشدة تحت إسم “إمارة الإرهاب”، وللمصادفة هو ذات العنوان الذي أفردت له صحيفة “روزاليوسف” المحسوبة على الحكومة مساحات كبيرة، وكأن تنسيقاً بينهم في إختيار عنوان الملف رغم أن الأول مملوك لرجل الأعمال “أحمد أبو هشيمة” – أحد أباطرة الحديد في مصر وزوج سابق للممثلة اللبنانية “هيفاء وهبي” – والذي كان يتردد في القاهرة أنه على صلة كبيرة بالقطريين!
كما خصص موقع “البوابة نيوز” أحد المواقع الأكثر انتشاراً في مصر ملفات تهاجم قطر بشراسة بعيداً عن الموضوعية في التناول ونشر جميع الأخبار بصياغة سلبية لدرجة التطاول، وهي سمة غالبت كثير من المواقع المصرية والصحف ووسائل الإعلام.
“الشرق الأوسط” انحازت و”الحياة” تحاول التهدئة..
على العكس كان الوضع في الصحف السعودية نفسها، فرغم انتقاد الدوحة في صحيفة “عكاظ” وعدد من الصحف، إلا أنها كانت رسالة إعلامية في نص موضوع الخلاف دون تطاول، وبينما مالت الشرق الأوسط التي تصدر من لندن إلى تبني وجهة نظر الرياض وأبو ظبي، جاءت الحياة بنبرة أقل تشنجاً، بل عمدت إلى نشر ما قد يعمل على التهدئة بأنه لا بديل عن الصف الواحد لمصلحة الجميع.
دعم أميركي بريطاني فرنسي لقطر بمقالات تحذيرية..
“النيويورك تايمز” الأميركية و”الجارديان” البريطانية و”لوفيجارو”الفرنسية، صحف كبرى في العالم دعمت بشكل غير مباشر قطر عبر تحليلات تؤكد أن أميركا ستخسر أرضاً جديدة لصالح إيران وروسيا وتركيا إذا ساعدت في عزلة قطر بحسب الأولى، بينما رأت الثانية أن السعودية والإمارات والبحرين ربما تصرفوا دون ضوء أخضر من ترامب، فيما دافعت الصحيفة الفرنسية عن الدوحة بقولها إن قطر هي الدولة الوحيدة في الخليج التي تتعامل مع إيران بصورة غير طائفية، إذ إنها لا تتعاطى مع طهران بمنطق سني – شيعي، وإنما المصالح هي من يحكم العلاقة بين البلدين.
الصحف القطرية تهاجم الإمارات وتحذر في التعاطي مع السعودية..
في قطر، وجهت صحيفة “الراية القطرية” هجومها ضد قناتي “العربية” و”سكاي نيوز” بالقول: “فشلت العربية وسكاي نيوز أبو ظبي والحملات المسعورة وانقلب السحر على الساحر”، ووضعت في الصفحة الأولى شعارات وسائل إعلامية سعودية وإماراتية هاجمت الدوحة من بينها صحف “الرياض”، “الوطن”، “عكاظ”، “الاتحاد”..”، وذلك بعد لقاء أمير قطر تميم بن حمد بنظيره الكويتي قبل إعلان قطع العلاقات.
حرصت الصحف القطرية مثل “الشرق” و”العرب”، على وصف وسائل الإعلام المهاجمة للدوحة في كل من الإمارات والسعودية، بالإعلام “المفلس” الذي يمارس ألاعيب “صبيانية” وافتراءات لإثارة “فتنة دبرت بليل”.
“سكاي نيوز” و”العربية” في بؤرة تصويب المدافع القطرية..
بينما كان النصيب الأكبر من الهجوم على قطر بدون توقف، من نصيب قناتي سكاي نيوز عربية والعربية، إذ أخذا على عاتقهما نشر ما يؤكد ويدعم وجهة نظرها بأن قطر هي”المغذي الرئيسي للإرهاب في المنطقة”، بل وصل الأمر بالعربية إلى نقل أخبار عن مصادر مصرية تتعلق بقيام الحرس الثوري الإيراني بإرسال قوات إلى قطر لحماية تميم!
إعلام تخلى عن حياديته ودافع عن قطر على طول الخط..
في المقابل أظهرت تلك الأزمة، تبني عدد من المواقع الدفاع عن قطر على طول الخط، مثل “العربي الجديد” الذي يصدر من لندن، و”عربي 21″، و”الخليج الجديد”، و”نون بوست”، وكذلك “ساسة بوست” الذي حاول أن يظهر حيادياً في بعض الأوقات، لكن بالتأكيد كانت الأكثر شراسة هي فضائية “الجزيرة” القطرية تجاه الإمارات دون أن يسجل “تطاول، فقط تقارير مأخوذة من تسريبات سفير الإمارات في أميركا يوسف العتيبة.
“بي. بي.سي” تفرد مساحة أكبر لصالح قطر..
وسيلة إعلام تعد من أهم وسائل الإعلام الموجهة للشرق الأوسط مثل “بي. بي. سي.. هيئة الإذاعية البريطانية”، أفردت مساحات كبيرة لما وصفته بـ”أزمة الخليج”، حاولت من خلالها نشر جميع ما يتعلق بها من تصريحات، لكن بطريقة أو بأخرى مالت إلى النشر أكثر لصالح قطر بتسليط الضوء على الكتاب والمدونين والمقالات التي تدعم الدوحة ومقال واحد أو اثنين يدعمان الإمارات!
غرفة عمليات بين “القاهرة” و”الرياض” و”أبو ظبي” استدعت تعيين “ضياء رشوان”..
لكن في النهاية، ما بات واضحاً أن ثمة ما يشبه بـ”غرفة عمليات” تدار بتنسيق تام بين القاهرة والرياض وأبو ظبي؛ بنشر ذات الأخبار والعناوين وبأسلوب النقل عن الآخرين، فالعربية تنقل عن صحف ووسائل إعلام مصرية، ووسائل إعلام مصرية تنقل عن العربية وهكذا!
ويبدو أن المهمة الإعلامية “الموجهة” لن تتوقف خلال الفترة المقبلة، إذ عين الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي”نقيب الصحفيين الأسبق “ضياء رشوان” رئيسا للهيئة المصرية للاستعلامات في السادس من حزيران / يونيو 2017، لتكون مهمته الأولى تنشيط الهيئة في التواصل مع كافة وسائل الإعلام الأجنبية لمدها بأخبار تثبت وجهة نظر مصر ضد قطر والمعارضة في ليبيا، وربما أحداث أخرى اقترب وقتها تحتاج إلى شخص يجيد الحديث للإعلام! .