كتبت – سماح عادل :
ولدت الروائية العراقية “عالية ممدوح” في بغداد عام 1944م، وتخرجت في تخصص علم النفس من الجامعة المستنصرية في 1971.. شاركت في إصدار جريدة “الراصد” في بغداد خلال الفترة من 1975 – 1980، وشغلت وظيفة رئيس تحرير لها، ثم شغلت أمانة تحرير مجلة “العلوم” البيروتية 1973 ولمدة عام واحد، ثم عملت رئيس تحرير مجلة “الفكر المعاصر” الفصلية في الفترة بين 1973 إلى 1975 في بيروت، ومدير مكتب مجلة “شؤون فلسطينية” في بغداد من العام 1980 إلى 1982، وقت كانت المنظمة في تونس.. وهاجرت من بغداد منذ ما يزيد عن ثلاثين عاماً في 1982، كما نشرت مقالات في عدد من المجلات الفكرية والثقافية العربية مثل “الكرمل، الطريق، مواقف، القاهرة الجديدة” وأيضاً في الصحف العربية وما زالت حتى الوقت الحالي تكتب في الصحافة الأدبية.
رواية “الغلامة”..
تحكي عالية ممدوح عن “صباح”، فتاة يتم اعتقالها واختطافها في نادي رياضي قريب بسبب أن حبيبها ناشط سياسي، في فترة الستينيات، تصور عالية مشهد الاعتقال ومشاهد التحقيق والاغتصاب بلغة مميزة، وحكي غير متوقع، تنتبه “صباح” لملابس المحققين ورائحتهم، يشغلنا السرد عن التعذيب الوحشي والاغتصاب لكنه يحوم من حوله، يتناول تفاصيل أقل وطأة على الروح.. تنشغل عالية بشعور “صباح” بجسدها الذي ينتهك بوحشية، فيشعر القارئ أنه حل مكانها، يسمع أصواتاً بعيدة، وصوراً مشوشة، ويفقد الشعور بالألم بعد تجاوز ذروته.. لا ينتمي سرد الكاتبة للسرد المأساوي إنه أقرب إلى الحيادية.
تحكي “صباح” عن “هدى” صديقتها، و”سالم” ابن خالتها الذي يعشقها إلى حد الجنون، وخالتها التي تتعامل بصبر أم مع محنتها، تحمل من اغتصابها وتنجب طفلة لكن بعد إطلاق سراحها بواسطة أحد الجيران البعثيين لا تعود كما كانت، تظل لشهور لا تستحم ولا تعبأ بالحياة حولها، ثم تتحول لامرأة تائهة تقيم علاقات غرامية متعددة وتغير اسمها مرات، لكنها لا ترتاح إلا لقرار الانتحار، فترمي بنفسها في نهر دجلة لتتفسخ جثتها.. ترصد الكاتبة الحياة في العراق من العهد الملكي وحتى 1977، من خلال معايشة أبو صباح لماضيه، ذلك التاجر الذي يطارد النساء وأقصى حلمه إنجاب الذكر، تبين مقدار العنف والمجازر التي حدثت في تساؤل لا إجابة له عن أسبابه، ترصد مصائر أبطال آخرين تنتهي حياتهم بمأساة، مثل هجران صديقتها وجارتها، التي تنتهي إلى أن تصبح مجنونة بعد أن تخلى عنها حبيبها “رامي” الذي كان بعثياً وصولياً.. الرواية ترصد الحيوات الخربة التي انتهكها العنف السلطوي الوحشي، والتي لا تنتهي بالخلاص، فالخلاص في تلك الحالات هو إنهاء الحياة أو الجنون.
رواية “التشهي”..
أثارت هذه الرواية ردود أفعال رافضة، لأنها تتناول موضوع الجنس الشائك بمزيد من العمق والتفصيل.. تتقمص الكاتبة شخصية “سرمد برهان”، الشيوعي المهاجر الذي يكتشف عجزه الجنسي في جو غرائبي، فقد اختفى عضوه فجأة، ثم ومن خلال تقنية استرجاع الأحداث “فلاش باك” يتبين أن العجز الجنسي معادل موضوعي لهزيمة أكبر، وهي هزيمة الوطن وتفككه وتشرد أبناءه في بلدان أخرى، تحكي شخصيات أخري بصوتها، “يوسف” صديق سرمد يحكي معاناته مع بلده أيضاً، وعشيقات سرمد الذين يتذكرهم أثناء علاجه في إحدى المراكز الطبية، لكن حبيبته التي لم ينساها “ألف” يحكي عنها سرمد، من خلال حكي ملئ بالوجع والفقد، تزوجها أخوه “مهند”، الذي عمل في المخابرات العراقية ومارس ساديته ببراعة، ليس فقط على أخوه وإنما على عراقيين آخرين ليتحول إلى رجل أعمال في النهاية.. الرواية تمتلئ بالأبطال المهزومين، الذين تفتتهم الغربة ويقتلهم ضياع الوطن ليس فقط بعد غزو “الشقر”، وإنما قبل ذلك بكثير، عندما بدأت السلطة في التوحش.
رواية “الأجنبية”..
في سرد مختلف.. لا يلتزم بشكل الرواية أو السيرة الذاتية المعروف، وإنما يخط لنفسه شكلاً مختلفاً.. تحكي “عالية ممدوح” عن نفسها، مخاوفها، وانهزامها، ومحاولاتها التماسك، في باريس، تذكر أسماء لشخصيات عاشت معهم، وتحكي تفاصيل حياتية خاصة بها، تصور مخاوف امرأة مغتربة ووحيدة ولديها طفل، تعاني من كل شئ، رفض السفارة العراقية في باريس لسنوات تجديد جواز سفرها العراقي، واضطرارها إلى التخفي، ورحلة تعلمها اللغة الفرنسية، وتهيئة الظروف لإقامة طويلة في فرنسا، كل تلك الأحداث التي تزيد خوفها، كما تحكي عن طفولتها في العراق، وحنينها إلى بلد تخاف الرجوع إليه، وارتعاشاتها أثناء مرورها بالمطارات ومواقف التفتيش التي تزيدها هلعاً، ومحاولتها زرع جذور لها في أرض غريبة لا تتقبلها تماماً.
روايات عالية ممدوح مسكونة بهم الوطن الذي لم يعد كذلك إلا بصورة خيالية، وطن تحن إليه وتنعي انكساره، تتوزع ما بين التمسك بالانتماء إليه وما بين عمل هوية جديدة لها، في بلد اختارت أن تقضي حياتها فيه، يشغلها الجنس كعلاقة لها رموزها الغنية في تصوير وكشف النفس البشرية، تحارب العنف برصده وكشفه ومسائلته في رواياتها، امرأة تكتب بروح الأنثى، في لحظات قوتها وضعفها، تمردها وانصياعها، شخصيات روايتها غنية بالتفاصيل، ترسمها بدقة فتصير شخصيات حية تتحرك أمام القارئ.. تستطيع الكتابة عن الشخصيات الذكورية بنفس المهارة التي تكتب بها شخصياتها النسائية ونفس القدرة على سبر أعماق ذواتهم ومعرفة ما يدور في أذهانهم، لها لغة مميزة أقرب إلى اللغة الشعرية، ترصد تفاصيل مميزة لا تلتقطها إلا عين متفحصة.
أعمالها..
– “افتتاحية للضحك”، مجموعة قصصية، بيروت، 1973.
– “هوامش إلى السيدة”، مجموعة قصصية، بيروت، 1977.
– “ليلى والذئب في بغداد”، رواية، 1980.
– “حبات النفتالين”، رواية، القاهرة، 1986. وترجمت إلى سبع لغات “الانكليزية، الفرنسية، الايطالية، الالمانية، الاسبانية، الكتلانية، الهولندية”، ودرست الرواية في جامعة “السوربون” لعامين متتالين، ودعيت المؤلفة للرد على أسئلة الطلبة.
– كتاب “مصاحبات / قراءة في الهامش الابداعي العربي والعالمي”، المغرب، 1993.
– “الولع”، رواية، بيروت 1995، وترجمت الرواية للفرنسية والألمانية، صدرت وقدمت في أثناء الغزو الأميركي، وضرب العراق في احتفالية في “الكوميدي دي فرانس”، ولقد قدم لها البرلمان العالمي للكتاب، وقدمتها الكاتبة الفرنسية “هيلين سيكسو”، وقام ممثلون فرنسيون بأداء أدوارها على ذات المسرح في يوم 22 آذار/مارس من العام 2003.
– “الغلامة”، رواية، بيروت 2000.
– “المحبوبات”، رواية، 2003، فازت بجائزة “نجيب محفوظ للأدب” في العام 2004، ترجمت الرواية من قبل الجامعة الأميركية بالقاهرة، وصدرت بطبعة بريطانية عن دار “ارابيا”، وبطبعة أميركية عن دار “فمينيست”.
– “التشهي”، رواية، بيروت 2005.
– “غرام براغماتي”، رواية، بيروت 2010.
– “الأجنبية”، سيرة روائية، بيروت 2013.