4 مارس، 2024 3:12 م
Search
Close this search box.

بالتخريب والتهريب والسرقة .. هذه حضارة العراق المستهدفة من الجميع !

Facebook
Twitter
LinkedIn

كتب – هاني رياض :

يشهد المسار التاريخي للعراق، باعتبارها من أقدم المراكز الحضارية فى تاريخ الإنسان، على التعايش الحضاري والثقافي لشعوب بلاد ما بين النهرين، وما خلفته من تراث عريق، من “الحضارة السومرية” أقدم الحضارات بالعراق (2850 – 2400 ق. م)، ثم “الحضارة الأكادية” (2350 – 2159 ق. م)، و”البابلية” ما بين القرنين (18 ق. م – 6 ق. م)، و”الحضارة الإسلامية” من القرن السابع الميلادي، مروراً بالكلدانيون، والآشوريون، وغيرهم من الشعوب التى استوطنت بلاد الرافدين، وخلفت أكثر من 15 ألف موقعاً آثرياً وثقافياً جعل العراق يفخر بثراء وتنوع حضاراته المتعاقبة والممتدة، والتى شكلت هويته الوطنية عبر التاريخ.

من هنا كانت ظاهرة نزيف الآثار والتراث الثقافي العراقي خلال السنوات الماضية، التي لم تكن وليدة المؤامرات والمخططات الخارجية فقط، بل تشابكت الأسباب والدوافع الداخلية، لسرقة وتشويه وتدمير آثار العراق وموروثه الثقافي المادي.. فقد كان هدفاً دائماً لكل من الإحتلال الأميركي، وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، بالإضافة إلى “مافيا” تجارة وتهريب الآثار داخل العراق وخارجه، وأخيراً مسؤولية الحكومات المتعاقبة في إهمال الآثار والتراث الثقافي بالعراق.

الغزو الأميركي وأكبر نهب للآثارفي التاريخ..

بعد غزو واحتلال العراق عام 2003، تعرض المتحف العراقي الوطني في بغداد إلى أكبر عملية سرقة آثار في التاريخ، فقد كانت في المتحف ما يقارب 220 ألف قطعة أثرية، سرقت منها 15 ألفاً، ودمر ما صعب حمله، وكانت المتاحف العراقية قد تعرضت للنهب في العام 2003، وتم سرقة آلاف القطع الأثرية وتهريبها إلى خارج البلاد. ومن الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبت بعد غزو العراق فى حق آثارها وتراثها، هو استخدام بعض المواقع الأثرية  كمواقع عسكرية، فقد وثقت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو” في تقريرها عن الأضرار التي لحقت موقع بابل الأثري، انه قد استخدام كقاعدة عسكرية لقوات التحالف من عام 2003 وحتى عام 2004، وقد اعتبر تقرير المتحف البريطاني هذه التجاوزات “أشبه بإنشاء معسكر يحيط بالهرم الأكبر في مصر أو بموقع ستون هينغ في بريطانيا العظمى”، وجاء في التقرير أن أضراراً كبيرة لحقت بالمدينة الأثرية بسبب أعمال الحفر والقطع والقشط والتسوية، كما أن آبنية رئيسة تعرضت لأضرار “تشمل بوابة عشتار، وشارع الموكب”، بسبب الدبابات الأميركية التي دمرت أرضيته وهشمت القطع الأثرية على جانبيه.

خطر “داعش” والتنظيمات الإسلامية المسلحة..

من أكبر الأخطار والتحديات التي تواجه المواقع الأثرية في العراق، هو تهديد تنظيم “داعش” الأرهابي، الذي يسعى لمحو تاريخ وتراث العراق الحضاري من خلال تدمير وتشويه المواقع والمتاحف الأثرية التي تخضع لمناطق سيطرته، بالإضافة إلى قيامه ببيع الآثار للخارج كمصدر لتمويل التنظيم. خلال عام 2016 فقط قام التنظيم، بعد سيطرته على محافظة نينوى، التي عرفت بـ”كالح ” في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وظلت غير مهمة حتى اختارها الملك آشور “ناصربال الثاني” مقراً ملكياً له وعاصمة عسكرية للدولة الآشورية، وتضاءلت مكانتها في القرن السابع حتى تم تدميرها في عام 612 ق. م على يد الكلدانيين والميديين بهدم أسوار قصر الملك “سنحاريب” الأشوري الذي عاش في “حوالي 700 ق. م”، في نينوى بمحافظة الموصل، والذى تم اكتشافه فى الفترة (1845 – 1851)، وفي شهر نيسان/ابريل 2016 قام تنظيم “داعش” بهدم وتجريف “بوابة المسقى التاريخية” التي ترجع إلى القرن السابع قبل الميلاد (705 – 618 ق. م)، وهي إحدى بوابات مدينة نينوى الأثرية، وفي حزيران/يونيو 2016 قام تنظيم “داعش” بتدمير معبد “نابو” في مدينة “نمرود” الأثرية، والذي يبلغ عمره 2800 عام، وقد خصص لعبادة الإله “نابو” إله الكتابة.. يحتوي معبد “نابو” والبناء الملحق به على مكتبة تضم العديد من الكتابات الدينية، والسحرية، والعديد من المعاهدات وعهد “أسر حدون” الذي حكم من (680 –  669 ق. م).

التجارة غير المشروعة..

تمثل أعمال تهريب وتجارة الآثار غير المشروعة من التحديات الكبرى التي تقابل الجهات الحكومية، وغيرها من المنظمات المدنية والشعبية الحريصة على الحفاظ على التراث والموروث الثقافي المادي، من حيث تعدد أسباب التهريب وتشابك مصالح مافيا تجارة وتهريب الآثار فى الداخل والخارج، وصعوبة مواجهة عمليات التهريب والتنقيب غير المشروع من جهة، واستعادة الآثار بعد تهريبها من جهة أخرى.

يمثل حجم المواقع الأثرية التي تقدر بـ13 ألف موقع أثريّ، بحسب ما أعلنته وزارة السياحة والآثار في حزيران/يونيو من عام 2015، وعدم توافر الحماية الأمنية المناسبة لهذه المواقع، السبب الرئيس في نجاح التنقيب عن الآثار وتهريبها، بالإضافة إلى تخلف طرق الرصد والمراقبة بالمواقع، وعدم اتباعها الوسائل الرقميّة الحديثة في المواقع الأثريّة، لا سيّما الرصد والمراقبة عبر الأقمار الإصطناعيّة، وأخيراً عدم وجود وعي آثري حقيقي بقيمة الآثار وأهمية الحفاظ عليها.

نشطت عمليات التنقيب عن الآثار، والتجارة غير المشروعة فى ظل احتلال تنظيم “داعش” لبعض المدن العراقية مثل “الموصل” في حزيران/يونيو من عام 2014، وفي “ذي قار”، مما أدى إلى طلب وزير الخارجيّة العراقيّ “إبراهيم الجعفري” الدعم الدولي للحد من تهريب الآثار، على آثر القبض على بعض مهربي الآثار في بغداد خلال كانون ثان/يناير من عام 2016، وبعدها في آيّار/مايو من نفس العام بمدينة “ذي قار”، وكذلك في نيسان/ابريل عام 2015 بمحافظة بابل.

الإهمال الحكومي ومسؤوليته..

يعد إهمال الحكومات المتعاقبة على العراق للبيوت والأماكن التراثيّة التي تضم ما يقارب 1800 بيت تراثيّ مسجّلة رسميّاً في وزارة السياحة والآثار، أو هدم تلك البيوت لاغراض استثمارية من الأخطار الحقيقية التي تهدد التراث الثقافي والحضاري، ففي 5 آب/أغسطس 2016، تم هدم منزل تراثيّ عمره نحو مئة عام، يعود إلى مؤسّس النظام الماليّ في العراق، ووزير الماليّة الأوّل في حكوماته “ساسون حسقيل” في وسط بغداد، وفي 18 آيّار/مايو 2016 هدم “مبنى الدراسات الموسيقيّة” الذي أنشئ في ثلاثينيّات القرن الماضي في العاصمة بغداد، كما تم تحويل جزء من “قلعة كركوك” التاريخيّة وسوقها 11 تشرين ثان/نوفمبر 2016، ويبلغ عمرها نحو مئة سنة إلى مشروع استثماريّ، كما تم هدم جزء من السور التاريخيّ الذي يعود إلى عام 1217م لإقامة مشروع استثماريّ في فندق داخل مدينة النجف، وفي كربلاء تساقطت جدران “خان العطيشي” في 16 آب/أغسطس 2016، ويعد أحد أهم خانات القوافل في العراق، ويقع في منطقة العطيشي التابعة لناحية الحسينية، إلى الشمال الشرقي في مدينة كربلاء على الطريق القديم الذي يربط بين بغداد وكربلاء، وهي مخصصة لإقامة المسافرين وقوافل التجار والحجاج، وازدهرت في العهود الإسلامية الأولى بسبب توسع الحركة التجارية داخل الدولة الإسلامية وخارجها.

وبسبب الإهمال الحكومي لحفظ وصيانة المواقع الأثرية بشكل دوري، وعدم وجود الوعي الأثري، فإن الأبنية التي تم ترميمها في بابل في حالة سيئة، وخاصة معبد “ننماخ”، ومعبد “نابو شخاري”، ومعبد “عشتار”، والبيوت البابلية، والقصر الجنوبي للملك “نبوخذ نصر”، فقد اندثرت المدرسة “الشرابيّة في “واسط”، والتي بنيت سنة 1234 ميلاديّ، ولم يتبقّ منها سوى بوّابة، بعد ما اندثرت كلّ أجزائها، وهي مدرسة تاريخية يعود تأسيسها إلى العصر العباسي، وقد بناها “شمس الدين أبو الأزهر أحمد بن الناقد”، وكيل الخليفة المستنصر بالله في عام 1230م.

على الرغم من مسؤولية الإهمال الحكومي في تدمير واندثار الآثار، إلا أن هناك محاولات ومجهودات مبذولة لحماية المواقع الأثرية والتراثية على المستوى المحلي والدولي فى مجال صيانة الآثار، وزيادة الوعي الأثري، واستعادة الآثار العراقية المهربة إلى الخارج.

الجهود المحلية والدولية..

في تحرك عاجل لوقف تهريب الآثار أعلنت وزارة السياحة والآثار في عام 2015 عن “الحملة الوطنيّة لحماية الآثار العراقيّة”، وتتضمّن مسح المواقع الأثريّة والتراثيّة وتوثيقها وتشجيع المواطنين على الإبلاغ عن وجود أيّ موقع أثريّ قرب مكان سكنهم بهدف توثيقه، خطة طوارئ عاجلة منبثقة من منظمة “اليونسكو”، من خلال تشكيل لجنة يرأسها مدير عام دائرة المتاحف العامة وتضمّ عدداً من الخبراء الآثريين وممثلين عن وزارتي الثقافة والداخلية، وقد اعتمدت القائمة الحمراء للآثار العراقية المسروقة، وتعميمها على الدول كافة لمتابعة هذه الآثار، وحماية المواقع الأثرية والتراثية والممتلكات الثقافية من الهجمات التخريبية وعمليات التهريب التي تقوم بها عصابات “داعش” الارهابية في المحافظات التي تعرضت إلى الغزو الإرهابي وشهدت عمليات عسكرية.

كما شاركت وزارة السياحة والآثار في مؤتمر “اليونسكو” الاخير الذي عقد في باريس لبحث آليات الحفاظ على الآثار العراقية، ودعا إلى تضمين الاتفاقية الدولية لعام 1970 بنداً ينص على حماية الآثار العراقية من أعمال التخريب والسرقة والنهب التي تتعرض له من قبل المجاميع الإرهابية، ومافيا الآثار المحلية والإقليمية والدولية.

كما أعلنت عن خطوات للقضاء على التهريب من خلال نشر الوعي على غرار حملات التوعية التي أنتجتها “اليونسكو” في آب/أغسطس من عام 2016 للتوعية على حماية التراث الثقافيّ العراقيّ، وقبلها مبادرة “اليونسكو” في آذار/مارس 2015 “متحدون مع التراث” لصيانة وحماية الآثار العراقية، كما قامت اللجنة الماليّة في مجلس النوّاب بتخصيص 90 مليار دينار عراقيّ لتطوير المناطق الأثريّة، كما انطلقت حملة وطنية شعبية من ناشطين ومتطوعين لحماية الآثار العراقية، لمواجهة بيع الآثار العراقية في المزادات العالمية من خلال التنسيق مع وزارة الخارجية، وقد استطاعت العراق فعلياً استعادة العديد من القطع الأثرية المهربة خارج البلاد سواء إلى الدول العربية أو الأجنبية، فقد نجحت في نيسان/ابريل عام 2008 في استعادة 701 قطعة أثرية من سوريا، و1133 قطعة أثرية من الولايات المتحدة الاميركية.

وعلى المستوى الدولي قام “مجلس المتاحف العالمي” الذي أنشئ عام 1946، وعدد أعضائه 35 ألف خبير من 137 بلداً ومقره باريس، بإصدار قائمة طوارئ حمراء لمساعدة السلطات على تحديد الآثار العراقية المعرضة لخطر النهب والتصدير بشكل غير قانوني، بسبب تصاعد أعمال العنف والمعارك في البلاد مع تنظيم “داعش”، وفي نيسان/ابريل 2015 قام برلمان الاتحاد الأوروبي بالتصديق على قرار بالقضاء على سوق الآثار التي سرقها تنظيم “داعش” من العراق وسوريا، فيما دعا إلى استخدام تكنولوجيا الأقمار الصناعية للحصول على تقارير عن القطع الأثرية التي دمرت ومتابعتها.

على الرغم من المجهود الدولي والمحلي المبذول لحماية وصيانة المواقع الأثرية والتراثية، من خلال تفعيل وزيادة الحماية الامنية، ونشر الوعي الأثري، واستخدام التقنيات الحديثة لصيانة وحفظ الآثار،ولكنها مجهودات ضعيفة لا ترتقي إلى المسؤولية الواجبة لإنقاذ آثار وتراث العراق أهم مراكز الحضارية الإنسانية.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب