23 ديسمبر، 2024 8:32 م

ما يُترجم على مستوى مجموع الدول العربية قد لا يتجاوز الواحد في المئة من مجموع ما يُترجم في العالم، وذلك بشكل مفارق لوضع اللغة العربية من حيث عدد مئات الملايين من المتحدثين بها على مستوى العالم.

إذا كان التأكيدُ على أهمية الترجمة على مستوى تطور مجمعات المعرفة وتواصلها مع الآخر أمرا بديهيا، فإن ذلك لا يُغني عن الانتباه إلى الحيز الذي صارتْ تشغله داخل لحظتنا التاريخية، بكل حمولاتها ورهاناتها الثقافية والسياسية.

ويكتسي موضوع الترجمة أهميةً أكبر في سياقات مجتمعاتٍ تعيش هوية لغوية ملتبسة. كما هو الحال بالنسبة إلى الكثير من البلدان العربية التي عاشتْ الاستعمار الأوروبي ووَرِثتْ عنه لغاته.

وإذا كان امتلاك لغات الآخر والكتابة بها أحيانا قد شكل نافذة لهذه البلدان للتواصل مع العالم، فإن سوء تدبير المشهد اللغوي وغياب رؤية واضحة سيكرسان التوزيع غير المتوازن لما يُسيمه باسكال كازانوفا بالرأسمال الأدبي الكوني. وهو الرأسمال الذي يحتل في إطاره الأدبُ والإنتاج الثقافي العربي وضعا هامشيا، في مقابل هيمنة الآداب الأوروبية وغيرها من الجغرافيات الثقافية. وسيترسخ هذا الوضع خصوصا مع تراجع الآداب المكتوبة بلغة المستعمر، سواء تعلق الأمر بالأدب المغاربي المكتوب بالفرنسية، أو بالأدب العربي المكتوب باللغة الإنكليزية.

وبذلك، تمثلُ الترجمة المدخلَ الأساس للبحث عن مكانة داخل هذا الكون. وهو الأمر الذي تعكسه حالةُ آداب دول كاليابان والصين وكوريا التي صارت تشكل، كما يسميها ريشارد جاكومون، “قِوًى أدبية”، وذلك بالرغم من كون هذه البلدان لم ترث لغة المستعمر. أما وَصْفتها في ذلك فهي جهدها على مستوى ترجمة آدابها إلى اللغات التي تشكل المعبر نحو العالم ونحو العالمية.

وإذا كان العالم العربي قد عاش لحظات مشرقة على مستوى الترجمة خلال قرون طويلة، تمتد إلى العهد العباسي، فإن الوضع الحالي قد نسخ ما سبق. يكفي هنا التذكير بكون ما يُترجم على مستوى مجموع الدول العربية قد لا يتجاوز الواحد في المئة من مجموع ما يُترجم في العالم، وذلك بشكل مفارق لوضع اللغة العربية من حيث عدد مئات الملايين من المتحدثين بها على مستوى العالم.

وإذا كانت الكثير من البلدان العربية قد أطلقت أكثر من مشروع على مستوى ترجمة الإنتاج الأدبي والثقافي العالمي إلى اللغة العربية، فإن هذه المشاريع، وبرغم أهميتها، لا تنتبه إلى الحاجة إلى ترجمة الإنتاج الأدبي والثقافي العربي إلى لغات الكون، خصوصا مع الحرص على تداول الترجمات على مستوى العالم.

وبذلك، في غياب مشروع يعي أهميةَ تدفق الترجمة في الاتجاهين، مع الوعي بأهمية وصول الإنتاج إلى الآخر، يستمر الكثير من الكُتاب في الاحتفاء بصدور ترجماتهم داخل أسواق النشر الوطنية الصغيرة، بدون أن تصل إلى القارئ المفترض، وهو القارئ الأجنبي، بحيث تصير الترجمات مجرد عناوين في سير الكُتاب. أما التعويل على الآخر، الغارق في مركزيته، لترجمة أدبنا فذلك أمر غير مضمون.
نقلا عن العرب