19 ديسمبر، 2024 12:23 ص

الطائفية والعنصرية سلوك نتعلمه!

الطائفية والعنصرية سلوك نتعلمه!

“ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم”
ترى هل أن الطائفية والعنصرية من طبائع السلوك البشري , أم أنهما سلوك نتعلمه منذ صغرنا وننشأ عليه ولا نعرف سلوكا سواه , برغم كل ما يجلبه علينا من الأوجاع والملمات الاجتماعية الدامية؟
هل الطائفية والعنصرية سلوك يمكن أن نغيره؟
علينا أن نسأل أنفسنا ونفكر جيدا ونستحضر كل مبادئ ديننا وأخلاقنا وتقاليدنا ونجتهد بالجواب.
ترى كيف يتحول أبناء الدين الواحد إلى طوائف متناحرة وأصحاب الألوان المختلفة إلى أعداء؟
إن الموضوع قد يكون معقدا والجواب عليه في قدر كبير من الصعوبة , لكن البشر عليه أن يحاول وأن يجد في البحث عن الجواب , لكي يزيل غشاوات الجهل والانفعال والاضطراب في سلوكه وأيام حياته.
يبدو لمن يتأمل التأريخ ومعايير السلوك البشري عبر مراحله الزمنية الطويلة, أن النسبة العظمى من هذا السلوك إنما هي مكتسبة, أي أن البشر يتعلمها من محيطه الذي يترعرع فيه. فلا توجد جينات عنصرية أو طائفية  , بل توجد جينات بشرية تنزع في تأثيراتها إلى تحقيق الاختلافات التي هي من ضرورات الحياة وتواصل النوع البشري فوق الأرض.
بعض البشر ينزع إلى هذه السلوكيات اعتمادا على اضطرابات في شخصيته , خصوصا أولئك المصابين باضطراب الشخصية اللاإجتماعية أو السايكوباثيون , الذين مات في أعماقهم الضمير وما عاد لديهم رادع لما يفعلون , ولا توجد قوة في داخلهم تحاسبهم عن أعمالهم.
أناس بلا ضمير يؤنبهم ويسائلهم فيعيثوا في الأرض فسادا , وإذا امتلكوا قوة خربوا الأرض وأهانوا العباد لتحقيق حاجاتهم النفسية الدونية.
إن في الكثير من السلوكيات الطائفية والعنصرية هناك نوازع سايكوباثية وشره مطلق للجريمة وسفك الدماء والشعور بالقوة والسيطرة والجبروت.
وبصورة عامة فأن هذه السلوكيات التي يفرزها المجتمع ويصيب بها أعضاءه , إنما هي سلوكيات نكتسبها من الآخرين المصابين باضطرابات سلوكية خطيرة وتحولوا إلى رموز لفئة ما أو قوة ما هنا أو هناك.
فالبشر يتعلم بالتقليد وبالملاحظة , وعندما يقوم هؤلاء بمثل هذه السلوكيات ويحصدوا من ورائها ما يقويها , فان الآخرين يعيدونها ويكررون سلسلة مآسيها وتجليات دماراتها الإفنائية , وتتحقق في داخلهم قوة رافضة للآخر الذي لا يمت إلى الطائفة أو اللون بصلة. أي أنهم يميلون إلى التصندق والانغلاق والتوهم بأن ما يقومون به صحيحا وعين الحقيقة ولا شائبة عليه , ولا يحق لأحد أن يحاجج فيه , لأنه قد تحول إلى وجود مقدس في أعماقهم , مما يتسبب في المزيد من الويلات والجراحات وسفك الدماء البريئة.
ويصابون بداء مثالية السلوك الخبيث.
إنهم يتعلمون هذه السلوكيات من خلال تكرار مشاهدها , وتنامي المردودات المشجعة عليها وتحويلها إلى قيمة اجتماعية ذات مردود معنوي كبير على الفرد والعائلة.
إن أمثال هؤلاء يحسبون كل الأواني إناءا واحدا , ولا يفكرون بما يحتوي كل إناء. أي أنهم يميلون إلى التعميم القاسي والنفي المشين. ومن هنا تنشأ الكراهية والحقد والبغضاء , وكل معطياتها السلبية التي تعمي البصيرة وتشل الأبصار , وتحوّل البشر إلى مخلوق عدواني متوحش ومفترس كاسر لأخيه الإنسان.
إنه اضطراب سلوكي خطير يجعل البشر يعامل بعضه البعض بكراهية مسمومة وجهل مروع,  اعتمادا على أفكار شريرة وتطلعات عدوانية هائجة تفور في دنياه , وتعززها خرافات وتصورات وادعاءات معدومة البراهين , وإنما هي أفكار قد اختمرت في جهاز البشر المتحكم بغريزة الخوف والبقاء , الذي يدفع إلى التوحش وردود الأفعال البشرية الغير متناسبة مع الموقف أو الحالة القائمة , أي أنها تدفع إلى سلوك جنوني دموي رهيب , إنه سلوك الخوف من الخوف المقيت.
إن الطائفية والعنصرية سلوك مكتسب نتعلمه في البيت والمدرسة والمجتمع ومن خلال نشاطاتنا الاجتماعية المتنوعة , ويتم إستخدامه بأسلوب سلبي حاقد وبغيض لإيقاع المزيد من الويلات بين الناس ولتحقيق أغراض سياسية مقيتة.
فنحن نتعلم في هذه الأوساط كيف نكره الآخر , وكيف نخاف منه , وقد يتم تعليمنا بعناية فائقة وقصد خبيث جدا دون شعور منا , سوى أن ما نتعلمه يعزز فينا الشعور بالانتماء إلى تلك الفئة أو الجماعة.
وكلما أسرفنا في التخندق في خنادق الطائفية والعنصرية , كلما ازداد خوفنا وكراهيتنا للآخر,  وصار فعلنا تجاهه فعل تدمير وقتل , لأننا قد زرعنا فينا شعور بالخوف الشديد منه وشعور بالكراهية الحمقاء له.
إن البشر الذي لا يمتلك أحاسيس الطائفية والعنصرية ويعيش في مجتمعات متوحدة ومتفاعلة, يشعر بالقوة والأمن والأمان ويحقق إبداعا خلاقا , ويؤسس لحضارة متطورة يسودها العدل والقانون. أما أولئك الطائفيون العنصريون , فانهم يمضون حياتهم في رعب وتدهور وانهيارات متلاحقة وضعف متواصل يؤدي بهم إلى حيث الفناء.
وقد تلعب القوة دورا في هذه السلوكيات.
القوة المرتبطة بالرغبة المطلقة في امتلاكها والخوف الشديد من ضياعها أو فقدها. ويتم إثارتها باستثمار مواطن الاختلاف , وكأن البشر خلقوا كفرد واحد بلسان وعقل ولون واحد لا غير.
إن وعي هذا السلوك وإحباط كل مبررات تعلمه واستهجان كل ما يشير إليه , سواء في البيت أو المدرسة أو المجتمع وفي الصحف ووسائل العلام المختلفة , يساهم بجدية في علاج هذا الاضطراب السلوكي البشري الذي لا يجني منه المجتمع إلا الضرر.
فعلينا أن نرفض منطق الطائفية والعنصرية , وأن ندينه إدانة شديدة ونرفضه بقوة ونحذره أشد الحذر. وعلى الرموز الدينية في أي مجتمع أن تنأى عن هذا المنطق التفريقي التدميري للمجتمع الذي هي فيه. وعليها أن تشجع على التواصل والتفاعل والتفاهم وتبادل الرؤى ووجهات النظر , لكي تصنع سبيكة اجتماعية قوية ترضي الله وتسعد أبناء المجتمع كافة.
إن الذات عليها أن تستيقظ والعقل عليه أن ينفتح والجميع عليه أن يرفع شعار كلنا أبناء وطن واحد , وعلينا أن نساهم في بنائه وتحقيق السعادة لنا وللأجيال من بعدنا , وأن نرفض الثقافات العنصرية والطائفية وأن نهينها أيما إهانة.
فأبناء الدين الواحد أخوة وأنهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر أعضاء الجسد بالسهر والحمى. وأن نعتصم بحبل الله جميعا ولا نتفرق وأن نكون عباد الله إخوانا.
“أيها الناس إنما المؤمنون أخوة…”
“أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم…”
“أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد. كلكم لآدم وآدم من تراب. أكرمكم عند الله أتقاكم…”
إن اختلاف البشر آية من آيات الخلق وإعجاز الصيرورة والوجود, فجيناتنا متشابه وأمراضنا متشابهة وألواننا مختلفة ولغاتنا كذلك , لكننا نعمل بقلب واحد نحو هدف واحد ولنا قبلة واحدة واله واحد ونبي واحد. فلماذا ننسى كل هذا وذاك ونتصاغر في خنادق الطائفية المهينة؟
نعم إن هذه السلوكيات مكتسبة نتعلمها وعلينا أن نرفض كل سلوك يُشجعها ويُعلمها في أي مكان من المجتمع. وعلى كل القيادات السياسية والدينية والاجتماعية أن تحرم التعامل بمفرداتها , وأن تمقتها وبقوة لأنها تمثل الخسارة والدمار والثبور والضياع للجميع من غير استثناء.
وتبا للأقلام والكراسي الطائفية العنصرية المقيتة.