تحقق الإحتلال السياسي الإيراني للعراق منذ نيسان عام 2003 ولحد الآن , ويمضي في تنامي وإشتداد , وهو إحتلال توافقي معلوم وبأجندة متفق عليها قبل إجتياح العراق وإحتلاله. وقد وجدت إيران فرصتها الذهبية لتأكيد أهدافها وتطلعاتها العقائدية والستراتيجية في الوضع العراقي الذي تشكل بعد الإحتلال.
ومضت مسيرة الإحتلال السياسي بإيقاع متناغم مع الإحتلال العسكري للقوة الأخرى. وبعد قرار إنسحاب القوات المقاتلة أصبح العراق في قبضة إحتلالين سياسيين معروفين , والطرف الذي يريد أن يتسيّد فيه هو الإيراني , ولكن وفق ما يحقق إرادة مصالح الإحتلال الآخر.
وفي ذات الوقت هناك تحركات خفية وظاهرة بإتجاه الإنقضاض على إيران , وكما ذكرنا في مقالات سابقة , فأن إيران سيتم قتلها بما تريد , وقد أصبحت اللعبة معقدة وذات تفاعلات متشابكة.
فالقوة التي تريد إيران , تعرف أنها ربما ذات قدرة على حماية أجوائها , وأشارت إلى ذلك إيران بإمساكها بطائرة التجسس الفائقة التكنولوجية , وفي ذلك قدمت الدليل على أنها قادرة على حماية سمائها من صولات الآخرين , أو أنها خُدعت بذلك.
وإيران لديها قدرات رد صاروخية قد تردع الذين يفكرون بالهجوم عليها , فإذا تعرضت لهجمة صاروخية عنيفة فسترد بقدرات لا بأس بها , وستلحق أضرارا فادحة بأهدافها التي قررتها مسبقا.
والقوى التي تريدها تعرف أن الشعب الإيراني يتمتع بموطنية عالية , وأنه من الصعب إختراقه كما يحصل لشعوب المنطقة التي تقع غربها.
وتلجأ تلك القوى لإتباع ذات السياسة التي إتبعتها مع النظام العراقي السابق , وذلك بتأزيم الأوضاع الداخلية ومحاولة تحقيق التفاعل السلبي بين أبناء الشعب الإيراني ودفع قوة إيران إلى الإنبعاج. وإيران تدري جيدا أن أي حرب ستوحد الشعب الإيراني وتجعله كتلة واحدة كما فعلت الحرب العراقية الإيرانية , والتي خدمت الثورة في وقتها ومنحتها الفرصة الكافية للإمساك بالشعب.
ويبدو أن القوى التي تريد إيران , تسعى إلى دفعها لإحتلال العراق عسكريا , وما جرى في العراق مؤخرا ربما هو بداية لخطوات في مسلسل أحداث تهدف إلى أن تقوم إيران بإحتلال العراق وربما سوريا أيضا , وفقا لمتوالية تفاعلات يتحول فيها البلدان إلى ساحة حرب ما بين إيران والقوى التي تريدها. لكن إيران أعطت إشارة بأنها تستهدف مضيق هرمز , كأسلوب مراوغ أو جاد , لكنه يعني أن هناك منازلة معقدة.
وإيران أذكى من أن تحول بلادها إلى ساحة حرب , وإنما ستنقلها إلى بلدان الكراسي الغبية. ولهذا يتم إعداد سوريا لتكون ساحة حرب , والعراق قد تم إعداده وتأهيله نفسيا وسلوكيا ليكون ساحة حرب وهو كذلك منذ عقود.
ولهذا فأن من المرجح أن تقدم إيران على إحتلال العراق عسكريا بعد أن تتوفر المسوغات الكافية لهذه الخطوة التي على ما يبدو أن الكراسي العراقية تعد العدة لها. ويبدو أن هذا الخيار سيقع عاجلا أم آجلا , لأن أية قوة لا يمكنها أن تنضغط داخل حدودها , وكلما إزداد ضغطها , كلما تنامت إحتمالات إنبعاجها , كما حصل لقوة العراق المنضغطة والتي إنبعجت في الكويت. ولهذا فأن من المحتمل أن تنبعج قوة إيران المنضغطة في العراق , وبأسلوب مفاجئ.
وحالما يتحقق الإحتلال العسكري , ستبدأ الحرب الجديدة في المنطقة والتي ستتواصل لعقود , ما بين إيران وتوابعها والقوى الأخرى الإقليمية والمحلية , ولكن ساحتها لن تكون إيران , وإنما العراق وسوريا.
هذا ما يبدو الذي يجري الإعداد له في الخفاء البعيد , وما تقوم بتنفيذه الكراسي في العراق وسوريا , عن قصد أو دون قصد , لأنها توضع في مواقف تدفعها إلى إتخاذ قرارات تخدم ذلك الهدف المستتر , الذي يعني في ما يعنيه أخذ أموال دول النفط , وإنتعاش شركات تصنيع السلاح , مما قد يساهم في إنقاذ الإقتصاد العالمي من الإنهيار المحتمل.
وإن صح هذا التحليل فأن المنطقة مقبلة على أحداث جسام وستتحول إلى ساحة حرب مروعة , فبعد أن كانت لخمسة عقود ساحة للحرب الباردة , ستمضي القرن الجديد على أنها ساحة للحرب الساخنة المعقدة المتطورة ما بين حالتين.
وتساهم الكراسي بجد وإجتهاد في تحقيق هذه الغايات , لأنها لا تهتم بأوطانها ولا تمتلك الروح الوطنية التي تمتلكها القوى المتصارعة على تراب أراضيها.
فاللعبة ذات اللعبة لكن الفريق تبدل.