مجتمع دنيوي زائل …..ومجتمع أخروي خالد كيف نفهمهما؟
مجتمعان متناقضان ،الاول دنيوي زائل،والثاني اخروي خالد،كيف نفهمهما ونرتضيهما ،ونقتنع بهما في البداية والنهاية…؟ لازلنا ولا زال الكثيرون يؤمنون بهما نظريا ، واحيانا تخالجهم الشكوك والاوهام فيهما وكيف ستكون عاقبة الدنيا مجسدة في الاخرة . كل شيء في الاخرة مبني على الغيب ، ولا احد منا ولا من الانبياء والرسل يعلم الغيب، وكل احاديث الغيب التي اوردتها كتب الصحاح احاديث احادية لا ثبت فيها ابدا، بنص الاية الكريمة :(لوكنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء”الاعراف 188).ان الجدل او النقاش في الغيبيات امر مرفوض ، لانها تدخل ضمن القدرة الالهية الغير المدركة من قبل الانسان اي خارج الوعي الانساني كما في القضاء
والقدربنص الآية : (….وتلك حدود الله فلا تقربوها …”البقرة 187). لكن مهما يكن فأن العلم الحديث يبيح النقاش حتى في المحضورات،
لأن نظرية تقديس النص تمثل الغاءُ للواقع .
ان الواقع الديني مجسد في القرآن بسورة (ص) آية 15 والتي تقول:”وما ينظرُهؤلاء الا صيحةً واحدةً ما لها من فواقٍ”.اي ما لها من رجعة . ويقصد بكلمة الفواق في الاية الكريمة هنا هو ترديد الشهقة العالية للانسان عند النزع الاخيرقبل الموت، ولا عودة لها معه ابدا. وفي المصطلح لا عودة لها ابدا،اي قيام الساعة وانتهاء الكون “انظر لسان العرب كلمة فوق” .
والجنة والنارنقيضان لا يلتقيان ، وسيظهران على انتهاء هذا الكون وعلمهما عند الله.ولكن علينا ان نفهم ان الكون الجديد هو وجود مادي بالضرورة يتعايش مع قانون جديد على اثر انتهاء قانون الحياة الحالي، لكن هذا الوجود سيكون قرارا نهائيا من الله القادر القدير ،يقول الحق :”يا قوم انما هذه الحياةُ الدنيا متاعُ وان الاخرةَهي دار القرارِ،غافر 39″.
لكن المتتبع لايات القرآن الكريم يرى ان في الجنة ازواج “هم وازواجهم في ظلال على الارائك متكئون”ياسين 56″، وفي النار ازواج”وآخرُ من شكلهِ أزواجُ، سورة ص آية 58″. ثم يتحدث القرآن عن طعام وشراب وجنس ومحبة وانهار من لبن وخمر: ونحن نقرؤها ولا نعلم محتواها وماهيتها ولم نفهم معناها، لانها لازالت سرا من اسرار الغيب المجهولة وعلمها عند الله،وكل ما نقرأه عند المفسرين جاء على الحدس والتخمين لا غير.فالجنة لها معانٍ كثيرة في المعاجم العربية ولا مجال لذكرها هنا،لكن خلاصتها هي كالبستان المشجر المغطى بالزروع كما وردت في ايات الكهف 30 -35، وسبأ 16 ، اما النار فلم تأتِ الا كاسم جنس دنيوي وهي نكرة مقصودة، كما في سورة ابراهيم” :يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم”الانبياء 69″.
لكن كليهما غير موجودتين اليوم ولم تظهران الا بعد نفخة الصور، ويقصد بالصور هو التسارع في تغيير (الصيرورة الزمنية ) عند حلول التغيير الكوني المفاجىء” ونفخ في الصورفصعق من في السموات ومن في الارض……الزمر آية 68″ وبه ينتهي عمل المادة في المجتمع الدنيوي ليحل محله مجتمع على نقيضة بموجب الاية الكريمة ” : “ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة”الروم 55″وهذا يعني ان ما يدعيه الفقهاء بعذاب القبر غير موجود، وايات اخرى كثيرة تؤيد هذا الاتجاه، والاية الكريمة تقول”يسئلونك عن الساعة آيان مرساها،قل أنما علمها عندربي….. الاعراف “187. وبما ان الجدل مسموح به من الناحية الدينية والفكرية بحدود العقل والمنطق بأستثناء الغيبيات،”وجادلهم بالتي هي احسن……..النحل 125 .
سنحاول عقد مقارنة بين الحياتين على ضوء الايات القرآنية الكريمة التي وردت في الكتاب الكريم “. والقرأن حقيقة مطلقة بنص الاية 258 من سورة البقرة”ألم ترَالى الذي حاج ابراهيم في ربه ……….”. لكن الحاكمية المطلقة هنا لا تدخل في المطلقية الشمولية دون مراعاة اسسها القويمة، دون السماح لمن يدعون تطبيقها على الارض لهم حق تنفيذها ، كالموقف من اطلاق اللحى وحجاب المرأة والدشداشة القصيرة ، لأن هذا يمثل طغيان فردي جماعي مؤسسة
الدين التي لا وجود لها في الاسلام ولا علاقة لها بالحاكمية ،لان القرآن لا يعترف برجال الدين ولا يخولهم حق الفتوى نيابة عن الناس ولا يعطيهم حق المقدس، وهو مرفوض من وجهة نظر النص الشرعي. لان الاية القرآنية تخضع لقواعد التأويل العلمي واجماع علماء التخصص بنص الاية”( 7) من سورة آل عمران ” وما يعلمُ تأويلهُ الا الله والراسخون في العلم” وليس للفقهاء من دخل فيه. والفرق بين الفقه والعلم والفقهاء والعلماء كبير.،”أنظر لسان العرب كلمة فقه وعلم” وللمقارنة بين المجتمعين نقول:-
في المجتمع الدنيوي وجود ظاهرة العمل والراحة مع الاخرين
ان الانسان وحتى الحيوان لا بد له من عمل معين لتامين حياته وقوته اليومي، ويشمل حتى حيوانات الغابة المفترسة التي تجهد سعيا من اجل اقتناص فريستها ،وبدون العمل تتوقف الحياة الدنيوية،لا بل اصبح العمل اليوم موضع تنافس بين الناس من اجل الحياة الافضل،لذا فالانسان يجد ويحتهد ليحصل على الكفاءة والمقدرة التي تميزه عن الاخرين، وبها يكون مفضلا واحسن حالا ، وهذا ما تهدف اليه النفس البشرية منذ ادركت انسانيتها على عهد ادم ابو الانسنة وليس ابو الأنسانية كما يتوهم البعض ، الذي أول من جاء بالتجريد..
لكن في المقابل نلاحظ اختفاء ظاهرة العمل في المجتمع الاخروي بنص الاية الكريمة” لا يَمَسُهم فيها نَصَبُ وما هم منها بمخرجين ،الحجر 48″ ، وكلمة النصبُ تعني الاعياء بعد العناء الذي لاقوه في الحياة الدنيا من جراء تنفيذ ما امر الله به .لا احد يستطيع ان يعلق على ما اوردته الاية الكريمة سوى على طريقة الاجتهاد الفردي،وكل ما جاء من تفسيرات الفقهاء يدخل تحت هذا الباب او المنعطف المبهم الذي لا يعلمه الا الله جلت قدرته،لذا تخبط الفقهاء في التفسيرات المتناقضة ،لكن الارجح ان الله سبحانه وتعالى اراد للمؤمنين الصادقين ان يمنحهم مكانة التكريم والتقدير ويجعلهم في سررٍ متقابلين،وجعل للاخرين الذين أنحرفوا عن الاستقامة نار جهنم فيها خالدين.نقيضان يتعايشان في مكان لا يدركهم ولا يعلم مكانهما الا هوالله تعالى. لذا فأن القطع فيهما آمر يحتاج الى دليل.
نحن بحاجة ماسة الى تأويل جديد للنص الديني يتوفر فيها شرطان الاول ثبات النص مثلما نزل على محمد(ص) والثاني حركة في المحتوى ليتوائم مع التطور الزمني، والا سنبقى في مكاننا لا نتحرك ابدا،ومن خول الفقهاء وضعنا بهذا السجن الحديدي المقفل ،من حقنا ان نخرج ونكسر الاقفال والسياج معا لنصل الى الحرية الفكرية الحقيقية مثلما وصل اليها الاخرون وتقدموا.ولنتسائل مثلما تسائل قبلنا الاخرون ،ماذا سنفعل بكتب التراث والتي يطبع منها كل سنةٍ الملايين ولا تزيدنا الا أنغلاقاً وتخلفاً ،لكنها تُدرس وتقرأ على أنها الاسلام،أنها كارثة حقيقية التي نعيشها مفروضة علينا بسلطة الحاكم الظالم والذي من اجله فُرضت وباموال الشعوب وجهدها رُسخت ،
انها مشكلة لا نعرف لها حلا؟
وفي الحياة الدنيا وجود ظاهرة الصحة والمرض، واختفاؤها في الاخرة،
الصحة خلاف السقم، والصحيح هو السليم،والمريض هو العليل.وفي لسان العرب يطول شرحهما.والدواء هو شفاء المريض،وفي الشفاء والدواء ابواب كثيرة ذكرها العلماء والمتخصصين قديما وحديثاًً،والاحاديث في باب الصحة والسقم كثيرة…. أنظر دائرة المعارف الأسلامية .
سئل طبيب مصري قديم متخصص بصناعة الادوية عن زمن اختراع الدواء فقال ان زمن اختراع الدواء جاء حين شعر الانسان بالمرض، اي منذ ان مرض الانسان بدأ يفكر بأيجاد وسيلة تخلصه من المرض والموت،والمقولة صحيحة ،رغم اننا لانملك تاريخاً محددا لاختراع الدواء عند الانسان.لكن النصوص التاريخية للحضارة المصرية القديمة تعطينا تلميحات الى زمن اختراع الدواء قبل 2800 ق.م حين وضعوا له شروطا في الاستخدام والاستعمال (البرديات القديمة) .والحقيقة لهم الفضل في انقاذ حياة الناس منذ ذلك التاريخ الموغل في القدم.وللعلامة ابن خلدون باب واسع في الصحة والمرض والدواء تعريفا وشرحاً.
بينما نجد اختفاء ظاهرة المرض في الحياة الاخرى وليس لدينا ما يعرفنا بهذه الظاهرة في الحياة الاخرة والقرآن الكريم هو المصدر الوحيد الثبت يقول فيها”..وان الدار الاخرة لهي الحيَوان لو كانوا يعلمون،العنكبوت 64″.والمتتبع لكلمة الحيَوان في المعاجم العربية يجدها تعني كلمة الحياة الدائمة،أنظر لسان العرب كلمة حياة.
والحيوان اسم يقع على كل شيء حي وفي كلتا الحالتين من في الاخرة يبقى حياً في الجنة ومن في النار خالدا فيها، الا اذا شاء الله ، والله ارحم الراحمين. لذا فكلمة الحيوان يقابلها الموتان .والموت هو نقيض الحياة بالمفهوم الدنيوي عند الانسان،لكن الموت والحياة هما حياة بمفهوم القرآن الكريم كما في الاية 2 من سورة الملك”الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم احسن عملا وهو العزيز الغفور”. فالحياة والموت هما خلق ،لذا فالمصطلح القرآني بحاجة الى تأويل علمي ليستفاد منه الناس والا ما جاءت الاية اعتباطا اوعلى سبيل العضة والاعتبار.
في الحياة الدنيا وجود ظاهرتي الخير والشر،ولا وجود لظاهرة الشر في الاخرة،
وقد ذُكرتا في القرآن بمواضع عديدة . لكنهما ليست من المُطلقات ،ولا معنى لهذين المصطلحين في قاموس الحياة ،لكن معناهما في قاموس الاخلاق والفلسفة عظيما.ولم يعرفهما الانسان الا بعد شوط كبير من الحياة حين نما في فكره الاعتداء وسبل مقاومته ، والمعاونة وسبل تحقيقها ، ومن يتابع في الحضارتين المصرية والعراقية القديمتين يجد كلاماً كثيرا عن الخير والشر، والحق والواجب ، وما يليق وما لا يليق، فقد ذكرت في الشرائع العراقية القديمة وجاءت مجسدة فيها ،كاصلاحات اوركاجينا وشريعة آور نموعند السومريين ، و قانون حمورابي قبل اكثر من ثلاثة الاف سنة الذي احتوى على 282 مادة عند البابليين ، أحتل الخير والشر فيهما نصيباً،حتى لنلمس الشعور عندهم بضرورة حماية الخير ومقاومة الشر، ولهما منظور معين من وجهة نظر التاريخ،لان لكل منهما جوانب معاكسة لما يهدف اليه المصطلحان .
فكلمة الخير لها جوانب في الشر ،ولكل شر جوانب في الخير ، حتى قالت العرب : “لربة ضارة نافعة”.وفي محاورة جرت بين معاوية وأعرابي في الكوفة عام 41 للهجرة ،حين طلب معاوية المبايعة من اعرابي في المسجد فقال معاوية للأعرابي : أتبايعني يا أبن العرب على الخلافة ولك مني ما ترغب وتريد ؟ فرد الاعرابي عليه قائلاً :”ابايعك يا معاوية واني لكاره لك،فقال له معاوية بايع فقد خلق الله في المكروه خيرأ كثير” ،مستندا الى الاية القرآنية التي تقول:” ووصينا الانسان بوالديه حملته امه كرها ووضعته كرها “الاحقاف 15”.والمقصودبه عند معاوية هو الانسان الذي منه يأتي الخير. ،ومنذ البداية جرَ الخيروالشر الى معرفة اسس نشوء القوانين والتشريعات التي تحمي الانسان من شرور الاخرين،و حفظت الحقوق والواجبات فيما بعد.
بينما أختفت ظاهرة (الشر) في الحياة الاخرة كما جاء في التنزيل الحكيم : “ونزعنا ما في صدورهم من غلٍ اخواناً على سررٍ متقابلين،الحجر47” . وكلمةالغل هي الحسد ، وقال الزَجاج في لسان العرب تحت كلمة غل: ان تفسير الاية يعني انه لا حسدَ بين بعض اهل الجنة من بعض في علو المرتبة ، لان الحسد غلٍ وكدر ، والجنة مبرَأة من ذلك .
والنزع يعني الاقتلاع ،اي تحويل الشيء عن موضعه ، وان كان على نحو الاستلاب،كما تنزع النفوس من صدور الظالمين نزعاً ، والنزع احيانا يأتي من النفس الانساني حين تنازع صاحبها نزعا اي مغالبة كما قيل : (ونازعتني نفسي الى هواها) اي غالبتي ، والنزع يعني ايضاً،القلب او الاقلاع ،واحيانا تاتي المجاذبة والمصافحة من قوله تعالى :”يتنازعون فيها كأسا لا لغوٍ فيها ولا تأثيم” الطور 23 ” ،اي ان الله ينفي عنها ازالة العقل بالكلية لانها خمرة صافية :”..بيضاء فيها لذة للشاربين،لا فيها غولُ ولا همُ عنها يُنزفون”الصافات 46 ،47″. وعلى الجملة هي الالغاء التام لهذه الظاهرة الضارة في الاخرة فلا صداع رأس ، ولا اوجاع للبطون ،ولا ازالة العقل بالكلية ، هكذا يفسرها المفسرون كما جاءت عند الحافظ ابن كثير، ونقلها لنا الشيخ محمد النجدي ونحن منهم نقرأ ونصمت،ولا ندري الحقيقة ؟
وفي الحياة الدنيا توجد ظاهرتي الحرب والسلام ، ولا ذكر للحرب في الاخرة،
ولقد ثبت فعلا ان الحرب اذا لم تكن دفاعاعن الحقوق والاوطان فهي لاتفيد القائمين بها في شيء،فكل حروب الغزو والتوسع تؤدي الى خسائر تزيد على مكاسبها،وردود افعالها اكبر من نفعها ،وحروب اليونان والرومان وهتلر وموسليني وصدام حسين مثلا واضحة في ذلك.،لكنهم عليهم ان لا ينسوا خراب اوطانهم وهدم ديارهم وتحطيم كبرياء نفوسهم وانتهاء عظمتهم، عندما تدور الدوائر عليهم لانتزاع حقوق الناس والاوطان منهم.من هنا نفهم ان كل امجاد الحروب والغزوات شر وويل ودمار. فهل يعي اصحاب المنطقة الخضراء من الظالمين المصير..؟
كما في قول المتنبي حين مدح الحرب والنزال وقد اخذته العاطفة: ديوان المتنبي
—————————————————————
ولا تحسبن المجد زقا وقينة بل الحرب والضرب والفتكة البكر
وتركك في الدنيا دويا كأنما تداول سمع المرأ أنملة العشر
وما ابعد البون بين هذه الخيلاء الكاذبة والاحساس العميق في قول ابي العلاء المعري في السلام والمحبة والشعور الانساني حين يقول: ديوان المعري
تسريح كفك برغوثا ظفرت به أبر من درهمٍ تعطيه محتاجا
كلاهما يتقي والحياة له عزيزة، ويُمني النفس مهتاجا
نعم الحرب ان لم تكن دفاعا عن النفس والوطن والشرف فهي شر وويل ودمارومرفوضة من كل الوجوه..
اما ظاهرة السلام فقد نادى بها القرآن في الدنيا قبل الاخرة ودعى اليها”واذا جنحوا للسلم فاجنح لها” وايات اخرى كثيرة، وكل الانبياء والمرسلين دعوا اليها وطبقوها ولم يلجئوا الى الحرب الا اضطراراً.
وما احلى وجود ظاهرة السلام الدائمة في الاخرة وانتهاء وجود ظاهرة الحرب والويل والدمار ،وياليت الانسان يتعض بالحياة الدنيا اتعاضه بما يقوله القرآن الكريم عن الاخرة وبالخير الذي لايمل ولا يرفض ابدا.كما في قوله تعالى” ان ذلك لحقُ تخاصمُ اهل النارِِ، سورة ص64″.
وهناك امور كثيرة بهذا الخصوص بحاجة الى بحث وتدقيق لاستكمال المراد من البحث في الحق والباطل والعدل والظلم ،والأعتداء والمسامحة …. وأمور أخرى ذكرت في الصراط المستقيم .
وفي الحياة الدنيا ظاهرة الخليفة او المَلك او السلطان او الرئيس,وأختفاء هذه الظاهرة في الاخرة.
———————————————————————-
ظهر الفرعون منذ القدم يحكم بنظرية التفويض الالهي او قل هو الاله الذي لا ينازع (نظرية أنا ربكم الاعلى) وكما قالها المنصور العباسي : “انما انا سلطان الله في أرضه أسوسكم بتوفيقة وتسديده ..أطيعوني ما أطعت الله ،الطبري الرسل والملوك ج8 ص89” فساد وسيطرة وظلم وتجبرعلى الناس ،فكان حكمه باليد لا بالعقل او التفكير . والانسان هو الجنس الوحيد الذي مُنح نعمة العقل كجنس قائم بذاته وله خصائص بدنية مكنته من التغلب على الطبيعة و لكنها لم تمكنه من التغلب على نزعته المادية، فكانت النهاية دوما سقوط ودمار،والقرآن يقول “ألم نجعل له عينين، ولساناً وشفتين ، وهديناه النجدين ” سورة البلد7-10. والمراد بالنجدين الطريقان ،طريق الخير وطريق الشر،ليختار ايهما بحسب ما يهديه اليه عقله ،والمراد بذلك نعمة العقل.،وبهذه الطريقة اللامعقولة حكَم الملك والخليفة والسلطان والرئيس ،وكان كلهم مثل عاد وثمود وقوم لوط الذين أزالهم الله زوالاً، عندما دار الزمان وابادهم الحدثان.
الأسلام والقرآن آيديولوجية تقدمت على الآيديولوجيات الحديثة الرأسمالية والشيوعية ،لكن القائمين عليه لن يفهموه ولن يقبلوا ان يفهموهم الناس خوفا على ضياع السلطة والمال منهم …؟ بديل أنهم اخفوا دستور المدينة ومنعوا التآويل القرآني المنصوص في الآية 7 من سورة آل عمران ؟ .
لكن العالم الاخروي يخلوا منهم جميعا ، فلا رئيس ولا مرؤوس ، ولا حاكم ولا محكوم، ولا طبقات فيها سادة وعبيد ،الكل على الارائك متكئون ،ومن حور العين والولدان المخلدون متمتعون- ليس لدينا لها من تفسير منطقي في التطبيق – ،فلا غلٍ ولا عوز هم ينظرون,بل عدل ومساواة وتكريم هم فيها يتمتعون.اذن لابد من خلق متين وامانة وصدق وصفاء نية وبعد عن الخداع يتعاملون.واهل النار ينادوهم من وراء حجاب فهل لهم ينتصرون،الاعراف 45-46؟ فرق بين الثرى والثريا.
وفي القرآن الكريم قوانين الجدل،والجدل ذكرحصراً في القرآن والفلسفة القديمة، : “ولقد صَرفنا في هذا القرآن من كل مثلٍ وكان الانسان اكثر شيء جدلا”الكهف 54”.اي ان الجدلية الانسانية لا مثيل لها عند غيره لاتصافها بالعقل والمنطق والمعرفة الانسانية. وقد أهملوها بحجةحرام التدخل في افكار الدين …؟
اماالجدلية التي اوردها الفلاسفة فهي :
جدلية ثنائية تلازمية ،وتقابلية ،وتعاقبية ،وكل منها يبحث في جدل الكون والانسان .وهي قوانين علمية فلسفية بحتة ،الخوض فيها لغويا يفسد من قيمتها العلمية ولا يعطيها تفسيراً صحيحا .لذا حين فسرت لغويا على نظرية الترادف اللغوي الخاطئة عند الفقهاء كانت نتيجتها خاطئة تماما وجاءت على طريقة الاجتهاد الشخصي والحدس والتخمين ،لذا لابد من توافر العلماء لدراستها وشرحها وافهام الناس بها حتى لا يقعوا في خطأ التقدير الذي وقع به الفقهاء من قبلهم.
فالجدلية الثنائية التلازمية ،ولَدت جدل هلاك الشيء من جراء الصراع والتناقض ويسموها الفلاسفة النفي ونفي النفي،وبهذا القانون الجدلي في التناقض سيهلك الكون لينشأ على انقاضه كونا اخر ،الذي تتجسد فيه كلمة “البعث الحق”انظر سورة الحج أية 5”. بها تتحق ما جاء في الاية الكريمة “كلُ شيء هالك الا وجهه”القصص 88”.
وجدلية ثنائية تقابلية :وهي جدلية تلاؤم الزوجين في الخلق،كما جاء في الاية الكريمة” وانه خلق الزوجين الذكر والانثى “النجم 45” والاية الكريمة لها معانٍ كثيرة ورائعة لم يفسروها المفسرون كما اراد لها القرآن ،فهي لا تعترف بين الزوجين الذكر والانثى بتفريق او تميز بينما فسرت الآية لصالح ذكورية الرجل ،والثانية ان الزوجين يجب ان يكونا رجل وامرأة بعقد نكاح ،لكنهم سكتوا عن تفسير الآية وما ملكت أيماهم بدون وعقد احصان ؟ ولا كما تدعيها العلمانية المتطرفة بانها تشمل الاثنين امرأة ورجل،ورجل ورجل،وامرأة وامراة وهذا غير جائز شرعا وقانوناً .وايات كثيرة تؤيد ما نقول كما في ياسين 56، والزخرف 70 وما بعدها “.
وجدلية ثنائية تعاقبية ،بين ظاهرتين لا تلتقيان كما في الليل والنهار ،والشهيق والزفير عند الانسان والخطوط المستقيمة،وهذا ما يسمى بجدل تعاقب الضدين لقمان 29 وفي آيات اخرى كثيرة ..؟
وخلاصة القول :
—————–
ليس من السهولة على الكاتب او الباحث من دراسة مجتمعين متناقضين،لا سيما الاول دنيوي انساني والاخر اخروي رباني ،لكل منها مقاييسه الحضارية والفلسفية المختلفة ان يصل فيها الى نتائج قطعية ومتكاملة . لاسيما الاول مجتمع مادي والثاني معنوي صرف، وان تحققت فيه الماديات غير المعروفة ولا المرئية . فالمجتمع المادي لا حدود لكفاية المطامح فيه،وعُمدته العقل وحسن التصرف لكبح الطموح المادي وايقاف الانسان عند الحدالمعقول فيه حتى لا يتجاوز حقوق الاخرين كما جاء في الوصايا القرآنية العشرة.في هذا المجتمع يتصارع الانسان مع غيره كما تتصارع الحضارات مع بعضها البعض صراع مادي وصراع فكري،وهو الميدان الاوسع للصراع الثقافي ،لان الفكر هو الذي يسير التاريخ.
وهذا ما لاحظناه بخروج الاسلام من شبه جزيرة العرب ليلتقي بافكار الحضارات الاخرى التي سبقته فيفيد ويستفيد،لكن نشر الاسلام كان عملية انتشار ثقافي ديني متمثل في الاسلام والقرآن، ولغوي فكري متمثل بانتشار اللغة العربية شعرا ونثرأ.ثم تعدد الصراع على طريقة الصراع الحضاري فيما بعد.
بينما في المجتمع الاخروي لم نلمس مثل هذا الصراع ابدا في آيات القرآن الكريم.ولم َيحدث الصراع مادام الجميع ،كلهم متساوون في الحقوق بلا واجبات.لكننا نسأل ومن حقنا ان نعرف ،هل ان الجنة والنار فيهما الخلود الابدي كما جاء في سورة غافر اية 39 المذكورة في بداية المقالة؟.
اذا كانت كذلك هل ستتحول الجنة الى عالم خالد واخر متحرك؟ كما نعلم ان بعد الصور ينتهي عالم ويحل محله عالم اخركما جاء في القرآن الكريم”والذي نزل من السماء ماءً بقدرٍفأنشرنا به بلدةً ميتاً كذلك تخرجون” سورة الزخرف آية11 “،
وهل ستتكرر العملية بعد كل حين ليذهب عالم ويحل اخر؟وما فائدة عالم ثابت لا يعمل ولا يتناسل ولا ينتج بل انه في سررٍ متقابلة هم وازواجهم على الارائك متكئون. مجتمع اخروي مقدس لاعمل فيه ولا حرب ولا خصام ولاحسد ولا غيرة ولا بغضاء ولا شر ولا مرض.لم يعد بوسعي ان اتصور مجتمع يقدم له كل مغريات الحياة وما يتمناها الانسان لمجرد انه استقام في الحياة الدنيا وقدم الواجبات الالهية من عبادة وحقوق للاخرين.ثم يخرج مجتمعا اخر ليمر بنفس الدورة حتى ياتي دوره في الصور مرة ثانية ،لان من المستحيل ان تبقى الارض بلا حياة،والا مااصبح حتى للمقدس من وجود ،وهكذا دواليك والقرآن يقول”ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الارض الا من شاء الله ثم نفخ فيه اخرى فاذاهم قيام ينظرون الزمر 68″.
.نحن لن نُسلم بما اورده الفقهاء من تفسير ،بل علينا ان نفهم ونفرق بين البقاء والدوام وبين الخلود والاستمرار وبين الزمن والوقت كما ورد في الايات.فالقرآن تجاهل الزمن وكرر الوقت كما في قوله “ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا “النساء 103”. وايات اخرى كثيرة ذكر فيها الوقت دون الزمن ،لكن الزمن لن يغيب عن القرآن حين قرنه بالسنة والعام “قال تزرعون سبع سنين دأبا ….”يوسف47”. ثم يقول “ثم يأتِي من بعد ذلك عام فيه يُغاث الناس وفيه يعصرون “يوسف 49”.
والمتتبع للحالة القرآنية العظيمة يدرك ان مصطلح السنة استخدم للعام والخاص عند الهلاك” كل شيء هالك الا وجهه” القصص88″. والثاني عند القحط الاقتصادي او عند العوز المادي” ,وكما جاء قي الذكر الحكيم”ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقصٍ من الثمرات لعلهم يذكرون،الاعراف130″،لذا فأن التصنيف كان حديا لا غامضاً او عائماً. او ان التكرار جاء على سبيل العضة والأعتبار .
اما الدائم والباقي ،فمصطلح الدائم من الديمومة المتقطعة “واوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا” فهي فترة زمنية فيها حياة ثم تنقطع ،أما الباقي فهو الخالد الذي لا يزول “مثل الجنةالتي وعد بها المتقون تجري من تحتها الانهار أكُلُها دائم الرعد 35″.من هذا نستنتج ان الوجود الحالي دائم لكنه منتهي يوما ،اما الباقي فهو الله الذي لا يموت”ورزق ربك خيرُ وأبقى”طه131”.
هنا يثبت ان القرأن خالٍ من الترادف اللغوي وان كل كلمة وردت فيه تعني معنىً معين يغاير الاخر.
وعلينا ان نتسائل هل بانتهاء الحياة وحلول الاخرة ستنطفأ الشمس وينتهي القمر، فالشمس والقمر لا ينطفآن فجأة لانهما ظاهرة فلكية لا تزول بغتة ، ولكن القرآن يقول ” قل انما علمها عند الله”.هل سيحصل فصل قانون صراع المتناقضات عن الوجود المادي؟ وهل ان طبيعة المادة وتركيبها في الكون الجديد بعد البعث والحساب ستسمح برؤية الخالق عز وجل ام سيبقى من في الارض والبحر والسماء في حالة ذهول؟
أسئلة كبيرة ومحيرة لم يستطع فقهاء الدين ان يعطونا جوابا عليها،لكن الواقع العلمي هو الذي يفسرها بالحجة والدليل حين يقول : ان الحياة والمكون باقيان ، وانما البشرهو الذي سيتغير اذا حدث الصور الجلل،على غرار عاد وثمود فما ابقى…؟
هذا القرآن الكريم الذي جاء بهذه الفلسفة المادية والمعنوية البالغة التعقيد والمعقدة الفكر والتفكر،هل كان بامكان الفقهاء بعد القرن الثاني الهجري وهم حديثي عهد بالفقه والتفسير، من تفسيره تفسيرا يجعلنا نستسلم لاقوالهم ونتبع هواهم ،انها كارثة حقأ وحقيقة هذه التي تحيط بنا وتفرض علينا فرضاً باتباعهاعرفاً وتقديساً فهل من منقذ يدلنا على السراط المستقيم ويخلصنا من محنة الزمن القاتلة ؟ام سنبقى ننتظر الصور والصور الاخر الذي بهما نحن منتظرون.
مالم نتخلص من مؤسسة التفسير الترادفي الخاطىء للقرآن الكريم ، سنبقى الى الابد في خانة الأنكفاء والتخلف وعدم معرفة حقائق الوجود في الدين ..؟
فلسفة دينية غامضة بحاجة الى تآويل وتفسير خارج نظرية الترادف اللغوي الخاطئة …؟
معلومات يقتضي معرفتها :
—————————-
معنى القضاء : حركة انسانية واعية بين النفي والاثبات ضمن الوجود أي سلوك أنساني.
معنى القدر : هو الوجود الحتمي للأشياء والأحداث خارج الوعي الأنساني أي وجود موضوعي .
معنى السحر : هو مشاهدة الظاهرة بالحواس دون فهم القوانين التي تحكم الظاهرة، لذا فحراتها غير مرئية .
معاني القرآن :حقيقة موضوعية مادية وتاريخية لا تخضع لأجماع الأكثرية من المفسرين،بل للفلسفة العلمية
الحروف في أول الآيات : هي ليست حروف عادية منفصلة عن الآية بل كل منها جزء من آية ، وكلها تحمل الصفة الكونية.بحاجة الى تأويل لعدم معرفة المفسرين لتأويلها.
المصادر المعتمدة
——————
* القرآن الكريم
* كتب الحديث المختلفة
* ابن منظور –لسان العرب
* د.حسين مؤتس –كتاب الحضارة الاسلامية.
– المقالة تعتمد على الكتاب والقرآن – للدكتور محمد شحرور
[email protected]