التأمل الثامن والثلاثون.
الإجماع وخلافة ابي بكرو عمر بن الخطاب.يعتقد بعض المسلمين من أهل السنة أن النبي قد توفى دون أن ينصب خليفة بعده، ويعتقدون أن هذه المهمة تقع على عاتق المسلمين أنفسهم، فهم الذي عليهم أن يختاروا قائدهم بطريق “إجماع المسلمين ” باعتباره أحد الأدلة الشرعية.
ويضيفون إلى ذلك قولهم: إن ذلك قد حصل فعلاً واختير الخليفة الأول بإجماع الأمة.
لكن كل مطلع على احداث السقيفة لا يؤيد ذلك فلا إجماع على خلافة أبي بكر أن خلافة أبي بكر ما كانت بموافقة أهل الحل والعقد ، ولم يحصل الإجماع عليها والدليل قول عمر بن الخطاب في صحيح البخاري- أصدق صحيح عند أهل السنة -وما قاله عن الإجماع والبيعة في السقيفة قوله : ( إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة ، وتمت ولكن الله وقى شرها – إلى أن قال – من بايع منكم رجلا من غير مشورة من المسلمين ، فلا يبايع هو ، ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا – إلى قوله – إلا أن الأنصار خالفوا ، واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة ، وخالف عنا علي والزبير ومن معهما ).(1).
فالإجماع المزعوم نفاه كثير من علماء أهل السنة منهم صاحب كتاب ( المواقف ) والفخر الرازي وجلال الدين السيوطي وابن أبي الحديد والطبري والبخاري ومسلم بن الحجاج وغيرهم . وقد ذكر العسقلاني والبلاذري في تاريخه وابن عبد البر في ( الاستيعاب ) وغير هؤلاء أيضا ذكروا : أن سعد بن عبادة وطائفة من الخزرج وجماعة من قريش ما بايعوا أبا بكر ، وثمانية عشر من كبار الصحابة رفضوا أيضا أن يبايعوه ، وهم شيعة علي بن أبي طالب وأنصاره ذكروا أسمائهم كما يلي :(1- سلمان الفارسي.2- أبو ذر الغفاري.3- المقداد بن الأسود الكندي.4- أبي بن كعب.5- عمار بن ياسر.6- خالد بن سعيد بن العاص.7- بريدة الأسلمي.8- خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين.9- أبو الهيثم بن التيهان.10- سهل بن حنيف.11- عثمان بن حنيف.12-أبو أيوب الأنصاري.13- جابر بن عبد الله الأنصاري.14- حذيفة بن اليمان.15- سعد بن عبادة.16- قيس بن سعد.17- عبد الله بن عباس.18- زيد بن أرقم .(2).
وذكر اليعقوبي في تاريخه فقال : تخلف قوم من المهاجرين والأنصار عن بيعة أبي بكر ، ومالوا مع علي بن أبي طالب ، منهم العباس بن عبد المطلب . والفضل بن العباس ، والزبير بن العوام ، وخالد بن سعيد بن العاص ، والمقداد ، وسلمان ، وأبو ذر الغفاري ، وعمار بن ياسر ، والبراء بن عازب ، وأبي بن كعب.(3). ألم يكن هؤلاء من صفوة أصحاب النبي ومن المقربين إليه والمكرمين لديه ؟ ! فلماذا لم يشاورهم ؟ فإن لم يكن هؤلاء الأخيار من أهل الحل والعقد ومن ذوي البصيرة والرأي في المشورة والاختيار ، فمن يكون إذن؟!!
وفي عهده بالخلافة الى عمر بن الخطاب لم يعبأ برأي أحد من الصحابة السابقين
وإذا لم يعبأ برأي أولئك الذين كانوا مع النبي يشاورهم الأمور ويعتمد عليهم ، فبرأي من يعبأ ورأي من يكون ميزانا ومعيارا لإبرام الأمور المهمة وحسم قضايا الأمة ؟!
الإجماع وخلافة عمر بن الخطاب.
تولى أبو بكر الخلافة بعد المجادلات التي دارت في اجتماع السقيفة، فلما أحس بدنو أجله دعى الصحابة وأفضى إليهم بما يجول في خاطره، قال: (قد حضرتُ من قضاء الله ما ترون، وأنه لابد لكم من رجل يلي أمركم ويصلي بكم، ويقاتل عدوكم، ويقسم فيأكم).(4)
لكن ما السبب في انتقال الخلافة إلى عمر بن الخطاب بالعهد ؟ وكيف أقر متكلمو أهل السنة ومن اتبع منهجهم في الاستدلال هذه الوسيلة كأحد الطرق التي ثبتت لها الإمامة مستندين على انعقاد إجماع الصحابة على صحتها؟ وكيف يعقل أن النبي لم يعهد وابو بكر يعهد هل كان ابو بكر احرص من النبي على الامة؟!
اعتمد أهل السنة فيما بعد أسس نظرياتهم في ضرورة تولي الإمام أمر المسلمين، أو بعبارة أخرى نظرية وجوب الإمامة سمعًا، استدلالًا بالأمر الواقع أيام الخلافة الراشدة فإن عبارة أبي بكر تتضمن أبرز المهام التي تناط بالإمام وهي:
أولًا: أداء الصلاة، وهي الركن الجوهري في الإسلام، وقد بينا كيف كانت إمامة الصلاة هي أحد الاستدلالات التي أثبت بها أهل السنة صحة خلافة أبي بكر. ولا بأس من أن نسجل هنا حرص الصاحب الثاني على أدائها حتى ساعاته الأخيرة. إذ استجاب لنداء الصلاة وهو يقول: (نعم، لا حظ لامرئ في الإسلام إن أضاع الصلاة) فصلى والجرح يثغب دمًا(5).
ثانيًا: قتال الأعداء والذود عن ديار المسلمين
ثالثًا: تقسيم الغنائم تفاديًا للمنازعات والخصومات.
وقد ظلت هذه المهام إجمالًا هي التي رسم حدودها أهل السنة قياسًا على الأسس التي وضعت إبان الخلافة الأولى. يقول إمام الحرمين: (الإمامة رياسة تامة وزعامة عامة تتعلق بالخاصة والعامة في مهمات الدين والدنيا، متضمنها حفظ الحوزة، ورعاية الرعية، وإقامة الدعوة بالحجة والسيف، وكف الجنف والحيف)(6).
آراء علماء أهل السنة في صحة خلافة عمر بن الخطاب.
1-الدليل الذي يراه الباقلاني على إثبات إمامة عمر بن الخطاب، فهو أن أبا بكر عهد إليه أمام جلة الصحابة، فقبلوا رأيه بعد أن خطت خطبته التي وصف فيها عمر بصفاته كلها وخلاصتها: أنه شديد في غير عنف، لين في غير ضعف، وإذا كان طلحة قد احتج على توليته بقوله لأبي بكر: (تولي علينا فظًا غليظًا، ماذا تقول لربك إذا لقيته؟)، فقد حدث أن اعترف بعد ذلك بفضله وقال لعمر: (لقد استقامت العرب عليك وفتح الله على يديك)، ثم اشترك مع عثمان وعبد الرحمن في طلب العهد من أبي بكر لعمر لأنه أهل لها)(7).
2-ويقول القاضي عبد الجبار: وبهذا صار عمر بن الخطاب إمامًا للمسلمين بعهد أبي بكر إليه لأنه وقع برضا الجماعة (وإجماعهم على ذلك يكشف عن صحة الطريق الذي صار به إمامًا)(8).
3-والجويني يؤكد: ولقد قاس مفكرو أهل السنة على ذلك فجعلوا من تولية العهد مسلكًا في إثبات الإمامة في حق المعهود إليه لأن أبا بكر خليفة الرسول – صلى الله عليه وسلم – لما عهد إلى عمر، أقره الصحابة على ذلك(9). 4-ويستند ابن خلدون (808 هـ- 1405م) في مشروعية العهد على دعامتين:
الأولى: بما أن حقيقة الإمامة هي النظر في مصالح العامة لأمور الدين والدنيا، فإن الإمام على هذا هو الولي الأمين الذي يتولى شئون المسلمين أثناء حياته وبعد مماته أيضًا، فهو إذا أقام لهم من يتولى أمورهم بعد وفاته قبلوا هذا الاختيار عن رضى واطمئنان لأنهم يثقون في اختياره كما وثقوا به إمامًا أثناء حياته.
الثانية: أجمعت الأمة على جواز هذا العهد وانعقاده كما تم بواسطة أبي بكر لعمر بمحضر من الصحابة فأجازوه وأوجبوا على أنفسهم طاعة عمر، وكما عهد عمر في الشورى إلى الستة ففوض بعضهم إلى بعض حتى أفضى ذلك إلى عبد الرحمن بن عوف، وانعقد الأمر في النهاية إلى عثمان بن عفان وأوجبت المسلمون طاعته (والملأ من الصحابة حاضرون للأولى والثانية ولم ينكره أحد منهم فدل على أنهم متفقون على صحة هذا العهد عارفون بمشروعيته والإجماع حجة)(10).
للحديث بقية.
……………………………………………………
1-صحيح البخاري : ج 4 ، ص 119.
2-ذكره ابن الأثير في أسد الغابة 3 / 329.وفي الكامل في التاريخ 2 / 325، والحلبي في السيرة الحلبية 3 / 484 ، والطبري في الرياض النضرة 1 / 241 .
3-تاريخ اليعقوبي 2 / 9.
4-ابن قتيبة. الإمامة والسياسة، ص 19.
5-ابن الجوزي، تاريخ عمر بن الخطاب، ص 217.
6-إمام الحرمين، غياث الأمم، ص 9.
7-الباقلاني، التمهيد،ص197.
8-القاضي عبد الجبار. المغني ج 2، القسم الثاني ص 6.
9-الجويني. غياث الأمم. ، ص 65.
10-ابن خلدون، المقدمة، ص 210.