23 ديسمبر، 2024 12:33 ص

٢٠ قرن على ثغرة الاستقراء المنطقية

٢٠ قرن على ثغرة الاستقراء المنطقية

منذ أن اكتمل الفهم الفلسفي عند الإنسان فكانت الفلسفة الإيجابية دليلا وبرهانا على تطور هذا الفهم, فهي تمثل قمة الهرم للحضارة اليونانية وهذه القمة (أي الفلسفة الايجابية)كانت نتاجا فكريا لفلاسفة عظماء كسقراط وأفلاطون و أرسطو… تمخض عنها تطور المذهب العقلي للمعرفة مما أدى إلى ولادة المنطق الأرسطي الذي هو بنفسه يمثل الفهم العقلي المكتمل لأساليب الاستدلال أي أن العقل البشري قد نضج واكتمل فكان المنطق الأرسطي يمثل قمة هذا النضج العقلي وعلى ضوء هذا الفهم المكتمل التفت فلاسفة المذهب العقلي وعلى رأسهم المعلم الأول (أرسطو) إلى وجود ثغرة في الدليل الاستقرائي وبالتحديد في الأساس المنطقي الذي يستند عليه الدليل الاستقرائي مما يقلل من قيمة الدليل نفسه من الناحية البرهانية (اليقين) ,,,

وقد حاول فلاسفة المذهب العقلي عدة محاولات لعلاج الثغرة واكتشاف الأسس المنطقية للاستقراء ولكنها لم تسفر عن شئ وبقيت هذه المشكلة تشكل تحديا للفكر الإنساني منذ ذلك الزمن ومرورا بالاتجاه الحسي للمعرفة قبل خمسة قرون الذي اتخذ من الحس والتجربة منطلقاً للتوصل إلى أسرار الكون وقوانين الطبيعة وهذا الاتجاه الحسي يعتمد بصورة رئيسية على الدليل الاستقرائي في جميع اكتشافاته العلمية !!!!

وهذا يعني أن المشكلة قد واجهت المذهب التجريبي أيضا بمختلف اتجاهاته الثلاثة اليقينية والسيكولوجية والترجيحية وقد حاول فلاسفة المذهب التجريبي عدة محاولات جادة في علاج المشكلة وسد الثغرة إلا إن محاولاتهم لم يكتب لها النجاح وبقيت المشكلة دون حل وعلاج واستمرت ألفي عام وهي تمثل تحديا عظيما للفكر الإنساني وقد اختلف الحال عند الشهيد محمد باقر الصدر(قدس سره) فقد استطاع أن يضع حدا لهذه المشكلة من خلال كتابه العظيم الأسس المنطقية للاستقراء!!!

بعد أن عرفنا قصة هذه المشكلة لابد أن نتعرض إجمالا للمشكلة نفسها استجابة لفضول القارئ الكريم!!!
إن كل دليل أو استدلال يحتاج إلى تقييم قبل الاعتماد على نتائجه…
فعلى سبيل المثال:القياس,,وهو نوع آخر من أنواع الاستدلال,
فالقياس: هو سير الاستدلال من الكليات(القواعد العامة) إلى الجزئيات(التطبيقات)..
وبتعبير أدق هو الاستدلال الذي تكون نتيجته اصغر من المقدمة…

فإن الأساس المنطقي للقياس هو مبدأ عدم التناقض وهو مبدأ عقلي تصديقي بديهي ينص على استحالة اجتماع النقيضين فإذا كانت مقدمة القياس صادقة فإنه يستحيل أن تكون النتيجة كاذبة لأنه يلزم اجتماع النقيضين(الإثبات والنفي) لان النتيجة محتواة في المقدمة أي أن النتيجة جزء من المقدمة وبالتالي فإن صدق المقدمة لازمه صدق النتيجة ,,,,
ومن هنا اكتسب القياس قيمته من خلال معرفة الأساس المنطقي الذي يستند عليه.

أما الاستقراء فهو سير الاستدلال من الجزئيات إلى الكليات, وبتعبير أدق هو الاستدلال الذي تكون نتيجته اكبر من المقدمة…
وهذا يعني إن النتيجة ما دامت اكبر من المقدمة فهي ليست جزءا من المقدمة فلا يكون مبدأ عدم التناقض أساسا منطقيا للاستقراء بمعنى إن صدق المقدمة لا يتناقض مع كذب النتيجة…

فالمشكلة تكمن في تقييم الاستدلال الاستقرائي عن طريق معرفة أسسه المنطقية.
وهذه المشكلة هي التي جعلت فلاسفة المذهب العقلي يعرضون عن الدليل الاستقرائي في إثبات الصانع الحكيم مكتفين بالبراهين الفلسفية في إثبات الصانع الحكيم…
ولكن وبعد أن تمت البرهنة على الأسس المنطقية للدليل الاستقرائي على يد الشهيد محمد باقر الصدر(قدس سره) فلا داعي للإعراض عن الاستقراء في إثبات الصانع الحكيم ودعم مسألة الإيمان بالله!
وهذا ما طبقه الشهيد محمد باقر الصدر(قدس سره) في كتاب المرسل والرسول والرسالة.

إن فلاسفة المذهب التجريبي قد تطرفوا في فكرهم إلى درجة أنهم قد توهموا في ادعائهم بأن الدليل العلمي يتنافى مع الإيمان بالله وهذا الادعاء يتعارض
أولا مع علماء الطبيعية وما ذهبوا إليه وصرحوا به من أقوال تثبت الإيمان بالله.

وثانيا إن الشهيد الصدر استطاع أن يبرهن على إن الإيمان بالله والعلم الحديث مرتبطان في أساسهما المنطقي الاستقرائي وبالتالي ليس من الممكن الفصل بينهما…
فإن إنكار الإيمان بالله هو إنكار للعلم!!
إن السيد محمد باقر الصدر(قدس سره) أسس مذهبا جديدا في نظرية المعرفة اسماه (المذهب الذاتي)..
إن سبب هذه التسمية هو الإشارة إلى مرحلة التوالد الذاتي في الدليل الاستقرائي فان الشهيد محمد باقر الصدر(قدس سره) قال إن الفكر البشري أهمل مرحلة التوالد الذاتي الأمر الذي يفسر سبب فشل الفكر الإنساني في علاج مشكلة الاستقراء…
فالمذهب الذاتي هو مذهب ثالث في نظرية المعرفة من خلاله تعرف الفكر الإنساني على الأسس المنطقية للاستقراء…
والمذهب الذاتي استطاع أن يعالج ما عجز عنه المذهبان التجريبي والعقلي ..