23 ديسمبر، 2024 10:31 ص

وهم الحكومة المستقلة!!

وهم الحكومة المستقلة!!

لم يحسم مجلس النواب جدل التعديل الوزاري رغم جلسة عاصفة وذلك لأن بعض المطالبات استثنائة في مجافاتها للحقيقة و المنطق، فالدعوة لحكومة مستقلة مثلا يدخل في باب الأماني القريبة من الوهم، لاعتبارت كثيرة منها أن العراق جديد على تجربة الأحزاب الدينية، وثانيا أن حكومة الأحزاب معمول بها في جميع تجارب العالم الذي سبقنا بوقت طويل الى الممارسة الديمقراطية.
ان تحشيد المواقف عند الحكومة المستقلة ، وخاصة داخل قبة البرلمان، يثير تساؤلات عن الجهة المستفيدة من تعطيل الاصلاحات و امكانية تنفيذ هذا المطلب في عملية سياسية هرمت قبل انتهاء مرحلة الفطام،بسبب ممارسات خارج الاعتدال و المسؤولية، فمرة يريدونها شراكة سياسية و أخرى يلوحون لحكومة الاغلبية، لتبقى الطائفية و العرقية القاسم المشترك لكل الاخفاقات المتراكمة، بينما ” نخوة” البرلمانيين المعتصمين تمثل خروجا على ترهل العملية السياسية و تحريكا لمياه راكدة داخل منظومة الكتل، ما قد يؤسس لمعارضة برلمانية خارج هيمنة الأحزاب، وهي خطوة بالاتجاه الصحيح.
لقد أثبتت الوقائع أن تجربة الحكم الديني في العراق ليست ناجحة، مثلما ان حكومة مستقلة غير قابلة للعيش، لأن الأحزاب تضغط بكل ثقلها من منطلق” اذا كانت أمريكا راعي العملية السياسية في العراق تعمل بوزارة الأحزاب فلماذا تطالبوننا بالمستحيل”، في اشارة الى تقاسم الحكم بين الجمهوريين و الديمقراطيين، مثلما يجري أيضا في فرنسا و بريطانيا و ألمانيا و غيرها من الدول الناضجة.
ما تروج له الأحزاب العراقية في أحقيتها بالحكم فيه التفاف على الحقيقة، لأن الحكومات في الدول المتقدمة يتم اختيارها على أساس الكفاءة و المواطنة وحرية العمل، فالحزب الجمهوري في أمريكا لا يمتلك ذراعا مسلحا لفرض الرأي وخارطة العمل على الوزير من خارج الحزب، مثلما لم يعترض البرلمان الفرنسي على وزير مسلم لأن المعايير مختلفة عما يحصل في العراق، حيث خدمة المسؤول و كفاءته وعفة يده ليست من الضروريات طالما عدم الخروج عن ايديولوجية الحزب و شخصنه صانع القرار، فيما يعترض وزراء المان مثلا على سياسة حكوماتهم اذا خالفت المصلحة الوطنية حتى لو كان رئيسها من داخل كتلة الوزير المعترض.
وضمن هذه المعطيات فان الحاجة الى حكومة ليبرالية أكثر الحاحا من استقلاليتها، فما ينتظره العراقيون استعادة هيبة ومدنية مؤسسات الدولة، وتوزيع خارطة الدرجات
الوظيفية والخدمات على اساس المواطنة لا التزكيات الحزبية و الطائفية، ما يستدعي البحث عن مخارج منطقية لأزمة الحكم في العراق، من بينها العودة الى النظام الجمهوري و استعادة نفوذ حكومة المركز و الابتعاد عن مظاهر الفتن و التقسيم و الضرب بيد من حديد على الفاسدين و الخارجين عن القانون، يعني حكومة تمثل العراقيين دون النظر الى هوياتهم الصغيرة ، و الايمان بفخر الانتماء الى العراق للقضاء على التثاؤب السياسي المتواصل منذ 2003 لأن الأحزاب لا تثق ببعضها البعض حتى داخل الائتلاف الواحد!!

[email protected]