23 ديسمبر، 2024 5:55 ص

قال لي: كلما تأملت جواهر الأفكار الإسلامية ، أشعر بالألم والحزن والقلق , ذلك أن الكثير من المسلمين يبتعدون عن تلك الدرر المنيرة النقية الصافية , ويتبعون الذين ينعقون بما لا يفقهون ويستثمرون في جهل الجاهلين ، ويحوّلون الدين إلى بضاعة تجارية وسياسية ، ووسيلة لتحقيق الرغبات الشخصية والتطلعات الدنيوية الدونية.
أتألم كثيرا، وأنا أطوف في فضاءات الموسوعات الإسلامية الفكرية على مر العصور، وأقف مبهورا أمام قوة الكلمات وجمان الأفكار الإنسانية ، التي ركنّاها على رفوف أميتنا وكسلنا وضيق أفق تفكيرنا، وإتبعنا الأنداد ذوي المسميات والعناوين والمناصب والقوة والسلطان.
أتألم عندما أرى المسلم العربي، لا يفهم ما يقرأه من القرآن , ولا يعرف معنى أبسط الآيات , ولا يمكنه أن يدرك ما يسمعه ، وإنما يتأثر بأنغام الترتيل والتجويد وحسب.
أتألم وأنا أرقب الذي يبتعد عن لغة الضاد ، ويتحدث بلغة الدنيا الأخرى ، وكأنه يريد القضاء على نفسه وهويته ووجوده.
أتألم وأنا أرى مَن ، ينكر تأريخه ويذل رموزه وأعلامه ، ويقاتل أنوار المسيرات الحضارية العربية الساطعة ، التي رسمت معالم الصيرورات الإنسانية الكبرى.
أتألم حينما أشاهد مُدّعي الإسلام ، يتحدث وكأنه العالِم الداري بما يقول ، وما ينطق إلا السفه والسوء والبغضاء والكراهية والبهتان والضلال ، ويصرّ على أن ذلك هو الدين وما سواه عدو الدين.
أتألم وأنا أجالس أصحاب الشهادات والإختصاصات ، وأجدهم يتمتعون بأمية قاسية عن التأريخ العربي ، ويعيشون في وهم المعرفة والدراية ، وعندما تتحدث معهم عن التأريخ يتفاعلون معك بنرجسية وكبرياء ، وكأنك قد أنزلتهم من مقاماتهم السامقة ، فكيف تقول ما لا يعرفون، وإن ما تقوله غير موجود ، لأنهم لا يعرفونه ولم يسمعوا به من قبل , وعندما تسألهم عن أبسط أبجديات التاريخ تراهم بوجهك يحملقون.
أتألم على حالنا ومصيرنا عندما أجد المسلم غير العربي يعرف الإسلام أكثر من المسلم العربي، ويعرف معاني الآيات والكلمات القرآنية بلغته أكثر من العربي ، وعنده ثقافة واسعة عن مسيرة الصحابة والتابعين ويدرك بوضوح معايير وخُلق الإسلام القويم.
أتألم جدا، عندما يقترب مني مثقف ، ويقول : عن أية حضارة وتأريخ عربي تتحدث، إنها أكاذيب وإفتراءات، فنحن بلا تأريخ ولا حضارة ، نحن همج رعاع لا نعرف إلا الإقتتال على مر العصور، وعندما أقول له وهل قرأت تأريخ غيرنا من الأمم لتعرف قيمة تأريخنا، يغضب أكثر ، ويحسب أني أحط من قدره ورأيه.
أتألم لأننا أصبحنا أعداء عروبتنا ولغتنا وديننا وحاضرنا وماضينا ومستقبلنا.
وما نحن إلا نسعى إلى مسيرة إنتحارية جماعية ستمحق وجودنا العربي الأصيل.
فهل من يقظة وغيرة على العروبة والتأريخ والدين؟!
وهل تتألمون معي، أم تنكرون ألمي؟!
فقلت: وهل ينفع التألم في نهر الآلام الدافق؟!
وإنّ الأمم والشعوب تكون حينما تريد أن تكون , فإلى متى نبقى متوحلين في أطيان لا أكون؟!!