اختصر قائد فيلق القدس الأيراني قاسم سليماني الأسلوب والغاية والنوايا المبيتة على مختلف كوادر العملية السياسية، باعلانه تبعية العراق لايران ، من خلال المراهنة على صمت سياسيين ومجاملة مسؤولين، متناسيا في ذات الوقت أن العرب الشيعة في العراق لهم حول وقوة فيما يخص هيبة العراق وافتخارهم بالانتماء اليه، ضاربين عرض الحائط، وبالتجربة التاريخية، مواقف سياسيي الزمن الأغبر، ممن تعودوا غض الطرف عن كل أشكال الخروقات الايرانية، والذين ينبغي عليهم الأختياربين اللسان العربي ولحن القول، الذي يتعالى لسان العراق عن تداول مخارج حروفه.
ونحن عندما نقول العرب الشيعة في العراق فاننا نقصد المضمون والمعنى، لأن الطائفية في العراق على مدى تاريخ العراق لذلك لم تتحول الى قنابل موقوتة الا عندما ركبها سياسيو أخر الليل للتغطية على اخفاقات ذاتية قبل أي شيء، ونحن في هذا نستند الى حقائق من بينها ان ابناء العشيرة الواحدة منقسمون طائفيا بحكم جغرافية وجودهم، لكنهم في المقابل يدا واحدة لحماية عراقيتهم من دسائس الحالمين بدور لا يناسب احجامهم أو نواياهم.
وعلى ضوء ما تقدم فان أهلنا الشيعة العرب قد استفزتهم أكثر من غيرهم تصريحات سليماني ، مثلما وقفوا دائما ضد فكرة التفريس، لأنهم أصحاب أرض وحضارة وانتماء حقيقي لحضارة وادي الرافدين والأمثلة على ذلك لا يغطيها غربال، لذلك لم يقبلوا نقل الحوزة العملية الى قم، مثلما أفشلوا مخططات لنقل رفاة الأمام علي ” ع” الى هناك، مثلما هم من أشد الرافضين لفكرة ولاية الفقيه وغيرها، كونها لا تناسب خياراتهم وثقافتهم، وهو ما يجب أن يتبصر به قبل فوات الأوان، كل من يراوغ عن الحقيقة ذات اليمين وذات الشمال، في مجاملة بائسة لخيارات ايران ، فيما منطق الأشياء يقول أن كرامتهم مستمدة من سيادة العراق وكبريائه، وليس من باقي مخلفات الوهم الايراني.
لقد قالها سليماني واضحة أنهم يديرون العراق بطرقهم الخاصة وباستطاعتهم فرض ما يرونه مناسبا، وكأنه لم يعد هناك شعب يعرف طريقه الى الحياة التي تناسبه، أو لأن الايرانيين يعتقدون بقدرة بعض سياسيي العراق على تنفيذ كل أجندات طهران في العراق، فيما الصحيح غير ذلك ففي العراق شعب يعرف حدود التزامه الديني والدنيوي ولا يحلم بالتبعية بمقدار كرهه للعمالة، ما يضع الحكومة والنواب في موقف صعب، فاما الانتصار الى عراقيتهم أو الصمت على كل التدخل الخارجي، فلا فرق بين ايران أو تركيا أو بنغلاديش عندما يتعلق الأمر بالتدخل المج في شؤون العراق، والذي بات حدثا اعتياديا لدى بعض السياسيين الذين يستمدون، ومع الأسف، القوة من أجندات الغريب، فيما كان عليهم وضع اليد باليد لحماية العراق وأهله.
لقد حدد سليماني مقاسات جديدة لاغلب كوادر العملية السياسية في العراق، عندما سحب من تحت اقدامهم بساط القدرة على رفض التدخل الخارجي حتى وان كانت ايران قد صنعت هذا وهمشت ذاك، لكن العراق لم ولن يكون ضيعة ايرانية وأن شعبه يتباهى بعروبة لسانه وانسانية مواقفه وخياراته بعيدا عن الابتزاز والتبعية.
حتى كتابة هذه الأسطر كان الموقف العراقي باهت جدا، فلا الحكومة استنكرت ولا مجلس النواب خصص جلسته أمس لمناقشة مخاطر الطرح الايراني الذي رسم ملامحه سليماني، والذي لا ينطق الا بمشورة المرشد خامنئي، ما يعني أن العراق على مفترق طرق مخيفه، لأن السياسيين فيه يتقاتلون على صغائر الأمور ويتجاهلون الاستحقاق الوطني، لا سيما وان ايران جربتهم في أكثر من مناسبة وظل موقفهم مخجلا، ما يستدعي موقفا شعبيا ضاغطا، لأن بعض السياسيين يتوهمون بمقدرتهم على مصادرة رأي العراقيين وحقوقهم على طول الخط، لكن عندما يشعر المواطن بأن بعض سياسييه يتأسدون عليه وينحنون لكل صوت خارجي، عند ذاك سيكون للعراقي كلمته، والتي نتمنى ان لايطول انتظارها، فقد تجاسر علينا الغريب وأبن الدار، واصبحت مواقفنا يضرب فيها المثل من حيث تراخي أركانها، وهو أمر لا يليق بشعب ينتمي الى حضارة لا تختصرها الالاف السنين.
لقد كشف سليماني تفاصيل المشروع الايراني في العراق، فماذا سيكون رد فعل الحكومة والنواب والشعب على هذا التدخل السافر، هل يبلعون الطعم مثل ما حصل مع الفكة ونهر الوند ومياه البزل على حدود البصرة، واختطاف الصيادين ومحاربتهم في أرزاقهم، أما أن هناك رأيا أخر .. أنا من جانبي سأكون ضمن قائمة المتشائمين، لأن أغلب السياسيين لم يحزموا أمرهم بعد في الانتصار للعراق وأهله، لذلك يتجاوز علينا سليماني في وضح النهار!!
رئيس تحرير” الفرات اليوم”
[email protected]