تؤكد مؤشرات سير ” أكبر ملحمة عراقية” انهيار معنويات مسلحي ” داعش” بشكل غير مسبوق، ما يٌبشر بانتهاء هذا المرض الخطير و استعادة العراق لعافيته، وخير دليل على ذلك قيام التنظيم بحرق أبار النفط التي كانت تشكل عونا ماليا كبيرا له قناعة منه انها لن تكون تحت سيطرته بعد اسابيع، لتتكرر بذلك تجربة حرق أبار النفط الكويتية قبل انسحاب القوات العراقية من هناك.
وتؤكد المعارك في صلاح الدين حقائق كثيرة منها أن مخاوف الطائفية قد تراجعت لصالح التكاتف الوطني، اضافة الى انهيار حاجز الخوف بين المدنيين و أساطير داعش في القتال، كما أن تنفيذ الخطط على أيدي قيادات عراقية أضعف الحاجة أو الأتكاء على الدعم الدولي، لذلك ستؤسس هذه المعارك لهدف نبيل هو القضاء على داعش و الطائفية بارادة عراقية.
لا يجوز بناء المواقف على هواجس أو ردود أفعال، مثلما ليس من الصحيح الأبقاء على نفس التصورات، فالعقلية الانسانية متحركة بطبيعتها و الظروف تفرض حسابات متغيرة، لذلك فان انهيار شبح الخوف من التطهير الطائفي في صلاح الدين سيدفع الى الواجهة الخوف على أخوة العراقيين، و من هنا ينبغي التفكير بحلول بديلة عن سوء الظن و الاتهامات الجاهزة.
ولأن الحشد الشعبي لم يعد مقتصرا على لون واحد، وهو يمثل أبناء العراق و مزاجياتهم المتشابهة حتى في اختيار ألوان الملابس، فان طي صفحة الشحن الطائفي تقترب من نهايتها بنفس المفاجأة التي افقدت مسلحي ” داعش” عنصر المبادرة منذ أسابيع ، حيث أصبح التنظيم بموضع دفاعي لم يتعود عليه منذ 8 أشهر بسبب زخم المعركة بشريا و عسكريا.
وبغض النظر عن التقييم العسكري لطبيعة المعركة في صلاح الدين، فان تقاطع المصالح الاقليمية يضفي عليها خصوصية كبيرة، فدخول ايران على الخط بشكل مباشر ومعلن ليس مصادفة أو رد فعل بل استراتيجية متفق عليها مع واشنطن ببنود البرنامج النووي، بحيث تقدم طهران دليلا على صحة المعالجات بابعاد معركة صلاح الدين عن الطائفية و القهر الاجتماعي و تحويلها الى حرب عراقية ضد داعش، وهو المتحقق لحد اليوم، ما سيعطي المفاوض الايراني كارتا اضافيا في حسن السلوك و بما يخفف من ” ضغائن” ملفه النووي، وهو ما لمح اليه رئيس هيئة الاركان الأمريكية بمفردات قابلة للتأويل على غرار القبول بالدور الايراني اذا لم يؤسس لمشاكل اجتماعية، و الأ يكون على حساب الدور الأمريكي، بعبارة أدق فان واشنطن لا يزعجها تحمل ايران تكلفة طرد داعش من المدن العراقية و التعاون في القضاء عليه لاحقا في الرقة السورية عبر الموصل.
ولأن السياسة تقبل مختلف الأضداد، فان الكشف رسميا عن وجود سليماني في تكريت و عدم تدخل طيران التحالف في صلاح الدين يحتمل تفسيرات كثيرة من بينها تقاسم الجهد بين واشنطن و طهران، وثانيا ايصال رسالة الى العراقيين تُفند الترويج الطائفي، فاذا نجح سليمان بالتعاون مع قيادة الحشد الشعبي في منع الخروقات الطائفية فانه سيؤسس لمقبولية ايرانية في غير مناطق شعبيتها، وهو كسب تاريخي، لذلك ينبغي انتظار النتائج على الأرض قبل اصدار الأحكام بطريقة تغلب عليها العواطف أكثر من الواقعية، فالغريق لا يسال عن هوية المُسعف لحظة انقاذه!!