23 ديسمبر، 2024 8:09 م

سنبتعد في هذا المقال قليلا عن السياسة وهمومها المتشعبة في العراق، رغم انها أساس الجرح الكبير الذي ينزف يوميا دما عراقيا طاهرا يضاف الى معاناة مفتوحة للبلاد والعباد، بسبب اهمال السياسيين للمشروع الوطني وتخندقهم وراء أجندات هامشية للتغطية على فشل متراكم، قفزت بسببه الى الواجهة دكاكين الطائفية والعرقية ونرجسية الحزب وأنانية الشخص، تلك القواسم المشتركة الكبيرة ، القادرة على اجهاض اي تحول حقيقي يخفف من وطأة الهم دون أن يبعث أملا حقيقيا  في النفوس.
وما يحز في النفس حد ايذاءها بشدة هو أن غالبية كبيرة من شعب العراق سايروا و لا يزالوان سياسيين في سوء تقديرهم وعدم ترتيبهم لسلم الأولويات، حيث تغاضوا بوضوح عن مشروعهم الوطني لصالح يافطات كانت تمثل حتى الأمس القريب عيبا على المتحدثين بها، لا بل أن أحدا لم يلتفت اليها أو يتغنى بها كما اليوم ، حيث كانت عراقية المرء هي هويته الحقيقية، قبل أن يتحفنا سياسيون بمشاريع ” جهنمية” لنصرة الطائفة والقومية، متناسين أن العراق عائلة واحدة لا يمكن تقسيمها حسب الحروف الأبجدية، فالبيت العراقي يمثل نسيجا شعبيا متكاملا يترفع عن الطائفية ويتنكر للقومية احتراما لهامات العراق.
لا ندري ماذا حل في شعب  العراق حتى نلمس بل ونعيش كل هذا التراخي في المشروع الوطني،كل هذا الانغلاق على أجندات تؤخر ولا تقدم، انشغال بأمور هامشية جدا لاعلاقة لها بعسر التحديات وكثرة المشاغبين، وكأن الهم بات من موجبات العيش ” الرغيد”، أو أن القبول بالحد الأدني من الخدمات من ضروريات ” البناء الديمقراطي” ، اي التنازل عن بعض الحقوق التي هي أصلا مغيبة.
وضمن هذه المعطيات يمكننا القول أن المجتمع العراقي رضخ بشكل ما الى أجندات سياسييه، فبات ينغلق حينا على الطائفية واخرى على حزبية ضيقة ومظلومية مزمنة في الجانبين، وكأن واقعنا ينطبق عليه قول الله ” كل أمة لعنت اختها”، فيما الصحيح هو أن يضع العراقيون القلب على القلب واليد بالأخرى  بعد أن تعرضوا لابشع زلزال،  هو الاحتلال وتبعاته ، التي ستستمر أطول من الموقع، اذا لم يستعجل العراقيون في الالتفات الى مصالحهم الوطنية ويرمون الى قاعة الطريق ما غيرها، فالشعوب تفرض حقوقها طالما حافظت على هويتها بعناد.
لا نعرف ماذا حل بين ظهرانينا كي نصل الى هذه الحالة من التراخي في الدفاع عن الحقوق وهويتنا العراقية، وما سر انفراط عرى التكفل الاجتماعي، وتنامي جشع الأكل السحت على مختلف المستويات، وكأن الفساد الاداري والمالي ولد من رحم مشروع لعين يحارب الوطنية بدولارات لا تنضب،  وفساد يزحف على  بطون كثيرين جدا، ما يؤشر حقيقة أن شريحة مهمة من شعب العراق ، هي المرجعيات الدينية والعشائرية والثقافية، متورطة هي الأخرى بانهاك الدولة العراقية من الداخل، من خلال مجاملتها لما هو غير معقول،  وسكوتها عن مشاريع ولدت ميتة ومع هذا ينتظرون منها طي صفحة الماضي.
لا نعرف ما سر القبول بالحد الأدنى في كل شيء، وكأن  السياسيين يتفضلون على الشعب عندما يحققون له ما هو أقل بكثير من الصفر، ولماذا لا يخرج المواطنون بتظاهرات سلمية شعبية، يفضحون من خلالها انجازات ربع الخطوة، مقابل مليارات تنهب، ووجوه فقدت المتبفي من بريقها كونها لم تف  بما وعدت ، مفضلة  الأنزواء وراء أنانية ونرجسية شخصية، لا فائدة منها طالما أنها أضعف من متطلبات العمل بواقعية.
لا يليق بشعب العراق، الذي يباهي هامات النخيل والجبال في كبرياء كرمه وشهامته، لا يليق بهذا الشعب أن يصبر بلا حدود عن تغييب مزمن لحقوقه، مثلما ليس من شيم العراقيين السير بعيون معصوبة وراء مشاريع ووعود ثمارها لا ترى بالعين المجردة، بل وحتى “التلسكوب”، مثلما ليس منطقيا ان يقبل العراقيون باي شيء مقابل لا شيء، والأخطر ان البعض يبرر لهم ذلك بالتنافس الطائفي والخوف على المفصل البسيط،  فيما الصحيح رفع كل درجات الحذر لمزيد من التباهي بهيبة العراق، لأنه وبدون ذلك سنجني صفرا على الشمال، لأن العراق هو أكبر من كل مشاريع الفتنة والانغلاق وتجييش الشعب طائفيا.
و مما يزيد الطين بلة أن مضاربين بكل أنواع السحت وغيره، تناخوا من بعيد وقريب في سيناريوهات مقبوضة الثمن سلفا، بهدف اظهار شعب العراق وكأنه خليط غير متجانس من البشر، تشغله المادة عن أي شيء اخر، ويحتضن الطائفية ويترفع عن عراقيته ، لا بل أن بعضهم وصل حد التشفي بحالة العراقيين، والتندر بما يعيشونه من ظروف قاسية وقبولهم باي شيء، وكأن هذا الشعب لم يتحدى عواتي الزمن، ويسجل أسمه في تاريخ مشرف عكس خائبين ينحتون في صخر لتثبيت عناوين زائلة مع أول ريح عراقية، والفرق كبير بين الشامخ والمتدحرج، مثلما أن المسافات ستبقى شاسعة بين من يحاول التشفي بشعب العراق وبين هذا الأخير الذي لم ولن يلتفت الى اشباه ما دونه!
العراقيون ،حتى وان ذهبوا كثيرا في تقاعسهم، ليسوا غرباء فيما بينهم ، انهم أخوان يحملون هما مشتركا ، ويتنفسون برئة الكبرياء ، لذلك بدأوا يتملمون من تغييب حقوقهم،ولن يسكتوا أكثر عليها، لكن ماعسانا أن نقول لمن يتجاهل الذراع الأمنية لصالح اجندات اجنية ملغومة، و ماذا نقول لمن لا يراهن على شعب العراق وينتظر الفرج من غيره، انها ببساطة مشكلة سياسيين ينظرون الى العراق وأهله من ثقب باب مصالحهم المتهالكة مثل أغلب مشاريعهم!!

رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]