22 ديسمبر، 2024 10:26 م

هل يسير العراق على طريق القوة والتعافي ؟

هل يسير العراق على طريق القوة والتعافي ؟

قبل كل شيء، يتوجب  التمييز بين قوة الدولة بمفهومها المتكامل وقدرة الدولة على الايذاء ، فدول  مثل كوريا الشمالية وروسيا وايران،  ليست قوية بشكل متكامل ولكنها تمتلك قدرات عالية ( بدرجات متفاوتة) على الايذاء  تجعلها نشطة في التموضع والمناورة على الساحة الدولية.
هناك زوايا عدة لتقييم قوة الدولة، واهمها تلك التي تتضمن عناصر  الارض والسكان والمشروع  المعَّرفْ.
اول عناصر  القوة يتعلق بمدى سيطرة الدولة على اراضيها  وبشكل ادق على حدودها الكاملة، وهي سيطرة لا تتحقق دون تجانس العناصر  الاجتماعية والاقتصادية ( تنمية  متكاملة  تشمل البنى التحتية والموارد)  للسكان المقيمين على هذه الارض ( المناطق التي يتركز فيها الفقر  تضعف فيها هيمنة الدولة وتتحول سلطة المركز الى هدف للهوامش).
ولهذا تحرص الدول المتقدمة على تحقيق تنمية “شاملة ومستدامة” ومحو الفوارق بين مراكز المدن والارياف والهوامش، ويتجلى هذا الحرص ( على سبيل المثال) في وصول  شبكات النقل الجماعي ( او خدمات البريد)  او تجهيزات الطاقة الى اماكن نائية وقليلة الكثافة السكانية في تلك الدول.
وفي هذا السياق،  وعلى سبيل المثال كذلك، فان  اكثر ما كان يقلق القيادة الصينية في موضوع الصعود على سلم القوة خلال العقدين الاوليين من هذا القرن،  هو وجود مناطق صينية واسعة تعاني من الفقر، الامر الذي رفع هدف “التخفيف من الفقر” الى  رأس قائمة اهداف دخول الصين الى الحداثة وتحقيق الحلم الصيني .
في عام ٢٠١٩،  اعلن “ليو يونغ فو ” مدير مكتب المجموعة القيادية لتخفيف حدة الفقر والتنمية بمجلس الدولة الصينية، عن اقتراب الدولة من  حذف أكثر من 90% من المحافظات الفقيرة من قائمة الفقر مع بداية العام التالي.
وتعتبر كذلك قوة الدولة الروسية هشة ومحدودة، بسبب وجود اراض واسعة خالية من البنى التحتية المتماسكة اضافة الى ضعف معدل النمو السكاني (خلال نصف القرن الماضي لم يتجاوز  معدل خصوبة المجتمع الروسي رقم  ١،٥ بالمائة ويتناقص عدد سكان روسيا سنويا بحوالي نصف مليون نسمة).
 ووفقا لهذا المعيار، لم تنجح الحكومات المتتالية في  العراق بوضع خطط جادة لتحقيق تنمية متجانسة وشاملة تؤشر تأثير الدولة وهيمنتها  على جميع الاراضي العراقية.
العنصر  الثاني لقوة الدولة ، يتعلق بالسكان، لان ذلك يضمن وجود الايادي العاملة وسوق الاستهلاك. وفي هذا المجال ، مثلا  تعتبر مصر وسنغافورة دولتين ضعيفتين  لوجود انفجار سكاني كبير في الحالة المصرية ( طفح الموارد البشرية) وتحديدا غياب قدرة الدولة  على توجيه الموارد البشرية نحو مسارات تنمية خاصة بها (مثال معاكس للصين)، ووجود نقص سكاني كبير لا يتناسب مع تنمية سريعة في حالة سنغافوره ( طفح التنمية).
وفي هذا المجال، لا يتماشى  العنصر  السكاني لقوة الدولة مع واقع الدولة العراقية ، حيث يعاني المجتمع  من نمو سكاني سريع (وغير مشفوع بتنمية حقيقية متجانسة) ، استنادا الى الاحصاءات التي تشير الى اقتراب سكان العراق من  عتبة ال ٤٣ مليون نسمة في نهاية هذا العام وامكانية الوصول  الى حوالي ٥١ مليون نسمة في عام ٢٠٣٠.
  ويتعلق العنصر  الثالث لقوة الدولة “برغبة” الدولة في توظيف عناصرها الخاصة من اجل امتلاك القوة و التموضع على الساحة الدولية. وتنتج هذه الرغبة عادة، عن توافق القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة فيها حول رؤية للدولة   ومشروع يحددان السياسات الداخلية والخارجية المجسدة لهذه الرغبة ( وعلى راسها احتكار الدولة للعنف).
وتعتبر التحالفات الدولية من اهم ادوات قوة الدولة ( الناتجة عن الرغبة)، كركائز لتسهيل حركة الدولة كقوة  على خارطة القوى الدولية الفاعلة،  ولكنها  ( التحالفات) تحولت الى اشكالية اساسية في مسيرة العراق  بعد ٢٠٠٣، حيث اصبحت  الدولة مجالا  يتنافر فيه تياران، يميل احدهما  نحو تطويع التحالفات مع  حاجات الدولة للتنمية والامن والمصالح ، و يميل الاخر،  الى تنشيط سياسات ايديولوجية وحاجات مصلحية ضيقة تخص بعض القوى  الفاعلة في الداخل.
وهنا لا بد من التذكير بان نجاح الدولة العراقية في توظيف “التحالفات الاقليمية والدولية” للقضاء على داعش، لا يمثل مظهرا من مظاهر  قوة الدولة  العراقية بقدر تمثيله لتوافق ظرفي يتعلق باهداف  اقليمية ودولية تطلبت خروج العراق من الازمة موحدا.
واستنادا الى عناصر  قوة الدولة المذكورة، تبرز اهمية صياغة مشروع واضح وحقيقي للدولة من قبل نخبه السياسية، و تحفيز مفاصل المجتمع للالتفاف  حوله وصولا الى اعادة تموضع جديدة على موازين القوى الاقليمية والدولية.